ملخص
من شمال مصر إلى جنوبها تنتشر المتاحف الخاصة، حفاظاً على الفن والتراث، فلماذا تتجاهل الدولة هذه المتاحف؟ وأي جهة رسمية تتبع لها؟
بجهود ذاتية وحب شديد للفنون والتراث من مؤسسيها أقيمت المتاحف الخاصة في مصر، التي تنتشر في كل أنحاء البلاد، لتمثل واحدة من مساهمات الفنانين المصريين في الحياة الثقافية، حفاظاً على الفنون والتراث. وتتنوع المتاحف الخاصة في مصر، إذ يضم بعضها أعمالاً لفنان بعينه، وبعضها يوثق ملامح من حرفة، أو فن تراثي تشتهر به المنطقة المقام فيها، وبعضها يعرض مجموعات خاصة متعلقة بالتاريخ الطبيعي وغيره.
ومن أشهر المتاحف الخاصة في مصر متحف الفنان الراحل حسن الشرق بمحافظة المنيا، ومتحف العبابدة بمحمية وادي الجمال، ومتحف السيرة الهلالية الذي أنشأه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي بمحافظة قنا، ومتحف الفنان خضير لفنون الخط العربي، ومتحف أنيميليا بأسوان، والمتحف الإيثنوغرافي التابع للجمعية الجغرافية المصرية، ومتحف لبعض مقتنيات الرئيس الراحل السادات بقريته بمحافظة المنوفية، وفي محافظة الجيزة بطرق سقارة متحف الفنان آدم حنين، ومتحف زكريا الخناني لفنون الزجاج، ومتحف رمسيس ويصا واصف لفنون السجاد، ومتحف الفنان نبيل درويش لفنون الخزف.
هدم متحف نبيل درويش
ويعاني متحف الفنان نبيل درويش حالياً أزمة، إذ تلقت أسرة الفنان الراحل قراراً بأن المتحف سيهدم، لأنه يقع ضمن مسار مشروع تطوير طريق جار تنفيذه في المنطقة التي يقع فيها. وهذا الأمر كان أثير منذ نحو عام ونصف العام، مع بداية العمل في الطريق، لكن لم يهدم حينها، واعتقدت الأسرة أن الأمر انتهى، وجرت مراعاة الحفاظ على المتحف، لكنه أثير في الأيام الأخيرة بصدور قرار فعلي بهدم المتحف والحديقة المحيطة به، التي تضم منزل الفنان الراحل الذي لا تزال أسرته تقيم فيه حتى الآن.
والفنان نبيل درويش من رواد الخزف في العالم العربي، وكان أستاذاً بكلية الفنون التطبيقية، والمتحف موضع الأزمة أنشأه الفنان الراحل منذ 40 عاماً، ويمثل نقطة مضيئة في المنطقة التي تضم عدة متاحف مشابهة تمثل جزءاً من طابعها وتجعلها ملتقى لمحبي الفنون ودارسيها والمهتمين بها من المصريين والأجانب على السواء.
ويضم المتحف 3500 قطعة فنية من إبداعات الفنان الراحل، وتتساءل أسرته أين سيتم نقل كل هذه القطع ذات الطبيعة الخاصة التي تحتاج إلى مكان يحفظها بعناية، بعدما فوجئوا بأن قرار الهدم سيشمل جزءاً كبيراً من المنزل، لذا لا يمكن تخزين القطع فيه، ولو بصورة موقتة لحين إيجاد حل.
من يحمي المتاحف الخاصة؟
لكن ما يبدو غريباً في مصر أنه لا توجد أي جهة منوط بها حماية هذه المتاحف الخاصة، ولا ضامن لحمايتها من الهدم أو الإزالة، حتى ولو كانت قائمة منذ عشرات السنوات، وأصبحت مع الزمن من بين علامات المنطقة المقامة فيها، مما يجعلها لا تعامل بنفس منطق إزالة عقار سكني أو أي بناء عادي.
تقول المدرس بمعهد الكونسرفتوار بأكاديمية الفنون وابنة الفنان الراحل، سارة نبيل درويش، "فوجئنا بإعادة إثارة أمر الهدم مرة أخرى، وبصدور قرار بالفعل لهدم المتحف والحديقة، وجزء من المنزل، الذي لا ينفصل عن المكان، باعتباره شهد حياة الفنان ومتعلقاته والأفران التي كان يستخدمها في أعماله الفنية". متسائلة "أين يمكننا نقل 3500 قطعة فنية وتخزينها بصورة آمنة، خصوصاً أنها لها طبيعة خاصة"، لافتة إلى أن هذا المكان "قائم منذ 60 عاماً، وشهد مراحل متعددة منذ بداية إنشائه وحتى افتتاح المتحف مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ولم نجد تعاوناً من أي من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الثقافة التي اعتبرت أن المتحف ملكية خاصة".
وتضيف درويش "المتاحف الخاصة لها طابع يميزها، باعتبار أن الفنان نفسه هو من بناها وعرض أعماله بالطريقة التي يراها مناسبة، وهي تحمل جزءاً كبيراً من شخصيته وروحه، ومتحف نبيل درويش يمثل ملتقى لكل محبي الخزف والمهتمين به من المصريين والعرب والأجانب، وله قيمة فنية كبيرة، نحن كأسرة الفنان نرغب في الحفاظ على المكان القائم منذ عشرات السنوات، بخاصة أنه بالإمكان وجود حلول بديلة، أو في أقل تقدير إقامة متحف آخر، لعرض هذه المقتنيات بصورة لائقة، فحتى لو حصلنا على تعويض من الدولة فهو لن يكفي لإقامة مبنى مماثل لعرض القطع الفنية التي لا نعرف حتى اللحظة أين سنقوم بنقلها وحفظها حال تنفيذ قرار الهدم".
وتتابع "واحدة من كبرى الأزمات التي نعانيها حالياً هو أنه لا توجد أي جهة معنية بمثل هذا النوع من المتاحف يمكن أن نخاطبها، على رغم أن المنطقة المحيطة بها عديد من المتاحف المشابهة وفكرة المتحف الخاص موجودة في كل أنحاء البلاد".
استراتيجية سياحية
المهتم بالتعرف إلى المتاحف الخاصة في مصر سيكتشف أنه لا يوجد أي إحصاء دقيق لعددها، سواء من جهات رسمية أو أهلية، ولا يوجد أي صورة من صور الحصر لطبيعتها وأعدادها ومواقعها، لا يوجد سوى بعض الجهود الفردية لباحثين أو فنانين مهتمين بهذا الأمر، يمكن طبقاً لتقديراتهم أن يكون الرقم التقريبي للمتاحف الخاصة في مصر في حدود 50 متحفاً، قد يقل العدد أو يزيد قليلاً. وتتوزع المتاحف الخاصة على كل محافظات مصر من الشمال إلى الجنوب، وتختلف في محتواها، لكن يجمعها أنها كلها أنشئت بجهود ذاتية من فنانين محبين ومهتمين بمجالات معينة.
يقول الباحث في التراث المصري أسامة غزالي "المتاحف الخاصة معروفة في جميع أنحاء العالم، لها أهمية كبيرة في ما يتعلق بالسياحة، فكثير من الدول تعتبر المتحف الخاص الموجود بأحد الأحياء أو القرى نقطة للجذب السياحي يجري الترويج لها، ووضعها على الخريطة السياحية وبناء تجربة سياحية متكاملة حوله. نحن نحتاج إلى تبني هذا الفكر وإلى اعتماد استراتيجية سياحية تهتم بالمقاصد السياحية الجديدة لا الاقتصار فقط على المزارات السياحية المتعارف عليها، فالسياحة التي تهتم بزيارة الأماكن الريفية والطبيعية هي توجه عالمي سائد، وهذه الأماكن بها كثير من المتاحف الخاصة في طول البلاد وعرضها".
ويضيف غزالي "المتاحف الخاصة في مصر متنوعة، ومجالاتها مختلفة، هناك متاحف أنشأها فنانون كبار وأكاديميون، لعرض أعمالهم في الفنون التشكيلية المختلفة، وأخرى أنشأها أحد أهالي المحافظات المختلفة، لعرض التراث الشعبي والفني للمنطقة، مثل النوبة أو الواحات وغيرهما، وهناك متاحف تهتم بحرفة تراثية معينة تتميز بها منطقة ما، فهي متنوعة التوجهات، ويعطيها هذا ثراءً كبيراً، لكن هذه المتاحف التي أقيمت بجهود ذاتية من الفنانين تحتاج إلى مظلة توفر لها الإدارة والحماية والتمويل، وهذا غير موجود بأي صورة من الصور في الوقت الحالي، فلا يوجد أي كيان رسمي أو أهلي يضمها، ومن المفترض أن يكون هناك قانون معني بتنظيم المتاحف الخاصة وحمايتها في الأقل يضمن التعويض بمكان بديل يتلاءم مع طبيعة المحتوى في حال وقوع أي أزمة أو ضرر للمكان الأصلي".
ويستكمل الباحث في التراث المصري "المتاحف الخاصة جزء من الاقتصاد الإبداعي، وإذا أحسن استغلاله يمكن أن يجلب كثيراً من السياحة والأموال، هذا إلى جانب مشاركة الناس في المنتج الثقافي لبيئتهم المحلية، لكن عدم الاهتمام بهذا النوع من المتاحف سينتج منه فقدان جزء من تراثنا الفني، بخاصة في حال رحيل مؤسسها الأصلي، وعدم قدرة ورثته على الحفاظ على المقتنيات ورعاية المتحف، بل يمكن أن يلجأ بعضهم إلى بيعها، وستجلب لهم أموالاً طائلة، لكننا سنكون فقدنا جزءاً من التراث الفني والثقافي".
البحث عن جهة مسؤولة
تجارب حقيقية يعيشها أصحاب المتاحف الخاصة في مصر، ومشكلات تواجههم ومتطلبات يأملون أن تتحقق لتزدهر تجربتهم، وتحقق الأهداف المرجوة منها، من حفظ لجانب من التراث أو عرض لتجربة فنية إبداعية لفنان بعينه.
متحف السمسمية بمحافظة بورسعيد واحد من المتاحف الخاصة، التي تهتم بعرض وتوثيق جزء من التراث الموسيقي للمحافظة، وهي آلة السمسمية، فيعرض تطور الآلة وملامح من هذا الفن، ويمثل هذا المتحف أهمية للفنانين والدارسين وزوار المدينة.
يقول مؤسس المتحف الفنان محمد غالي "أنا بالأساس صانع للسمسمية، وحبي واهتمامي بهذه الآلة دفعني إلى العمل على إنشاء متحف يضم تطورها على مر السنوات، فعملت على جمعها من الصناع والعازفين القدامى، حتى لا تفقد وتندثر، إلى أن أصبح لدي ما يكفي لإقامة المتحف، وهو قائم بالفعل، وأتحمل بالكامل نفقات تشغيله، وأفعل هذا باهتمام كبير وحب لهذا العمل، باعتباري مدركاً لقيمته الفنية والتاريخية".
ويضيف غالي "المتاحف الخاصة بصورة عامة تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها، ووضعها على الخريطة السياحية لكل محافظة، هذا إلى جانب ضرورة أن يكون هناك جهة تكون مسؤولة عنها تدعمها، وتسعى إلى حل أي مشكلات تواجهها، فأصحاب المتاحف الخاصة لن يمانعوا التعاون مع أي جهة رسمية أو أهلية تقدم لهم الدعم. الأزمة أن بعض هذه المتاحف يمكن أن تفقد مع الزمن، ويفقد جزءاً من التراث الذي تضمه إذا لم يتمكن أصحابها من رعايتها أو لاحقاً بعد رحيلهم لا تجد من يتولى أمرها، على رغم أنها كيانات مهمة يمكن أن يكون لها دور ثقافي وفني وسياحي لكل محافظة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعم ورعاية
وفي جنوب مصر، تحديداً بمحافظة الوادي الجديد، تجربة أخرى لمتحف خاص يعكس تراث المنطقة وطابعها القديم من خلال متحف بيت الواحة، فيمثل النموذج التقليدي الذي كانت عليه البيوت القديمة وكيفية استغلال موارد البيئة المحيطة في المنازل، مثل النخيل، وكيف كان الشكل الداخلي القديم لبيوت القرى القديمة قبل اعتماد الطابع الحديث.
يقول مؤسس المتحف الفنان عادل العمدة "أقمت هذا المتحف ليعكس تراث المنطقة، لأننا إذا لم نحافظ عليه سيندثر، ولن تعرف الأجيال الجديدة عنه شيئاً، هو جزء من تاريخنا، لا بد أن يهتم أهل كل محافظة بالحفاظ على تراثهم، وأن يكون لهم دور في ذلك. المتاحف الخاصة تنتشر في كل أنحاء البلاد، وتتنوع مقتنياتها الفنية والتراثية، استمرارية المتاحف الخاصة تحتاج إلى الترويج السياحي لها، فهو أحد أهم عوامل بقائها، وهذا هو المطلب الأساس الذي نحتاج إليه، فالتعريف بها ووضعها على البرامج السياحية سيكون له تأثير كبير في هذه المتاحف بكل أنحاء البلاد".
ويشير العمدة إلى أنه "في الوقت ذاته هناك احتياج إلى ترابط كل هذه المتاحف الخاصة من طريق جهة ما بخصوص الدعاية وتوفير الدعم في حال الاحتياج إليه، فتكلفة تشغيل وصيانة هذه المتاحف كبيرة، وقد تجعل بعضها لا يستطيع الصمود مستقبلاً أمام ارتفاع كلفة تشغيلها واحتياجها إلى التطوير مع مرور السنوات، لأن الأمر كاملاً يقع على عاتق مؤسسيها".