ملخص
يعتبر استخدام كميات أقل من المياه إلى جانب الطائرات المسيرة للتسميد تقنيتين حديثتين في فيتنام التي تأمل أن تساعدا في مواجهة المصاعب التي تواجه زراعة الرز
هناك أمر واحد يميز حقول الرز التي يملكها الفيتنامي "فو فان فان"، البالغ من العمر 60 سنة، عن آلاف الحقول الأخرى المنتشرة في جنوب دلتا نهر ميكونغ في فيتنام، وهي أنها ليست مغمورة بالمياه بالكامل.
وهناك ميزة إضافية هي الطائرة المسيرة الضخمة ذات الجناحين الشبيهين بجناحي نسر، التي تحلق فوق الحقول لتخصيب شتلات الرز الصغيرة باستخدام الأسمدة العضوية.
يعتبر استخدام كميات أقل من المياه إلى جانب الطائرات المسيرة للتسميد تقنيتين حديثتين يجربهما فان، وتأمل فيتنام أن تساعد هذه التقنيات في مواجهة المصاعب التي تواجه زراعة الرز. فالرز شديد التأثر بتأثيرات تغير المناخ [مثل التغيرات في درجات الحرارة وتوافر المياه]، إلا أن ممارسات زراعته تسهم أيضاً بشكل كبير في تغير المناخ [لا سيما من خلال انبعاثات غاز الميثان من حقول الرز المغمورة بالمياه].
هذا وتنطوي زراعة الرز على تحديات محددة حيث يجب غمر الحقول بالمياه، ويجب زراعة الشتلات بشكل فردي، وهو أمر يتطلب عمالة كثيفة ويتطلب استخداماً كبيراً للمياه. علاوة على ذلك، تولد هذه العملية غاز الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة القوية القادرة على احتجاز حرارة في الغلاف الجوي تزيد بأكثر من 80 مرة عن ثاني أكسيد الكربون على المدى القصير.
وتتمثل المشكلة الفريدة في عملية زراعة الرز في أن الحقول المغمورة بالمياه تمنع الأوكسجين من الدخول إلى التربة، مما يخلق بيئة مواتية للبكتيريا المنتجة لغاز الميثان. وتسهم حقول الرز بنسبة ثمانية في المئة من الميثان الناتج من النشاط البشري، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة لعام 2023.
تعتبر فيتنام ثالث أكبر مصدر للرز في العالم، والأهمية الأساسية للرز في الثقافة الفيتنامية واضحة للعيان في دلتا نهر ميكونغ، إذ لعبت هذه المنطقة الزراعية الخصبة التي تعبرها قنوات مائية متلألئة دوراً محورياً في تجنب المجاعة منذ انتهاء حرب فيتنام عام 1975. ولا يعتبر الرز مجرد عنصر أساسي في معظم الوجبات فحسب، بل يعد هبة من الآلهة ومحط تقدير واحترام مستمر.
يتم تحويل الرز إلى نودلز أو رقائق، كما يتم تخميره لإنتاج النبيذ. وفي الأسواق المزدحمة، يحمل سائقو الدراجات النارية أكياس الرز التي تزن 10 كيلوغرامات إلى منازلهم. وتنقل صنادل مكدسة بكميات كبيرة من الحبوب عبر نهر ميكونغ. ثم يتم تجفيف حبوب الرز وتقشيرها بالآلات قبل تعبئتها للبيع في مصانع تصطف أكياس الرز فيها حتى السقف.
ويتعاون المزارع "فان" منذ عامين مع واحدة من أكبر شركات تصدير الرز في فيتنام، وهي مجموعة Loc Troi، ويعتمد أسلوب ري مختلف يعرف بالتجفيف والترطيب المتناوبين أو (AWD) وهي طريقة تتطلب كميات مياه أقل من الزراعة التقليدية لأن حقول الرز ليست مغمورة بالمياه بشكل مستمر، كما تنتج كميات أقل من الميثان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوفر استخدام الطائرات المسيرة لتسميد المحاصيل تكاليف العمالة. وبسبب الأزمات المناخية التي تدفع بالهجرة إلى المدن، يواجه فان صعوبة في العثور على عمال مزارعين. كما تضمن هذه الطريقة استخدام الكميات المحددة اللازمة من الأسمدة، إذ إن المبالغة باستخدام الأسمدة يمكن أن يؤدي إلى انبعاث غازات نيتروجينية مضرة بالبيئة.
علاوة على ذلك، توقف فان عن حرق بقايا الرز بعد الحصاد، وهو مصدر رئيس لتلوث الهواء في فيتنام والدول المجاورة مثل تايلاند والهند. وبدلاً من ذلك، يجمع القش بواسطة مجموعة Loc Troi لاستخدامها كعلف للماشية وزراعة فطر القش، الذي يحظى بشعبية واسعة ويضاف إلى أطباق الستير فراي [نوع من الأطباق الشائعة في المطبخ الآسيوي، ويتم تحضيرها عادة عن طريق قلي المكونات بسرعة مثل اللحوم والخضروات والمعكرونة].
يجني فان فوائد متعددة من هذه الممارسات المستدامة. تنخفض تكاليفه مع الحفاظ على إنتاجية المزرعة. كما تتيح له طريقة التسميد العضوي بيع محصوله في الأسواق الأوروبية إذ يكون المستهلكون على استعداد لدفع مزيد في مقابل الرز العضوي. إضافة إلى ذلك، يجد وقتاً لزراعة حديقته الخاصة، حيث قال: "أنا أزرع الآن أشجار الكاكايا وجوز الهند".
وأوضح "نغوين ديو ثوان"، الرئيس التنفيذي لمجموعة Loc Troi، أن هذه الأساليب تسمح للمزارعين بتقليل استخدام بذور الرز بنسبة 40 في المئة و30 في المئة مياه أقل. كما تنخفض تكاليف المبيدات والأسمدة والعمالة. وتعمل Loc Troi، التي تصدر الرز لأكثر من 40 دولة بما في ذلك دول في أوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة واليابان، على توسيع المساحة المزروعة بهذه الطرق من 100 هكتار حالياً إلى 300 ألف هكتار.
ومع ذلك، ما زالت فيتنام بعيدة من تحقيق هدفها المتمثل في زراعة "رز عالي الجودة ومنخفض الانبعاثات" على مليون هكتار من الأراضي الزراعية، (وهي مساحة تزيد على ستة أضعاف مساحة لندن) بحلول عام 2030. ويقدر المسؤولون الفيتناميون أن من شأن ذلك خفض تكاليف الإنتاج بمقدار الخمس وزيادة أرباح المزارعين بأكثر من 600 مليون دولار، وفقاً لوكالة الأنباء الفيتنامية.
وأدركت فيتنام مبكراً ضرورة إعادة تشكيل قطاع زراعة الرز. وكانت من أكبر مصدري الرز الذين وقعوا تعهداً في عام 2021 بخفض انبعاثات الميثان خلال قمة الأمم المتحدة السنوية للمناخ في غلاسكو باسكتلندا.
وتعاني فيتنام من خسائر تتجاوز 400 مليون دولار سنوياً في قطاع الرز، وفقاً لبحث أجراه معهد علوم موارد المياه في فيتنام. وهذا أمر مقلق، ليس للبلاد فحسب، بل للعالم أجمع.
وتعد منطقة دلتا نهر ميكونغ، التي ينتج فيها 90 في المئة من صادرات الرز الفيتنامي، واحدة من أكثر مناطق العالم عرضة لتغير المناخ. وحذر تقرير الأمم المتحدة حول تغير المناخ لعام 2022 من أخطار زيادة الفيضانات في موسم الأمطار والجفاف في موسم الجفاف في هذه المنطقة. كما أدت السدود العديدة التي بنيت في أعالي النهر في الصين ولاوس إلى خفض تدفق النهر وكمية الرواسب التي تغذي دلتا النهر. هذا إضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يحول المياه في المناطق المنخفضة من النهر إلى مياه مالحة. كما يفاقم من هذه المشكلات الضخ غير المستدام للمياه الجوفية والتعدين لاستخراج الرمال لأغراض البناء.
أجاي بانجا، رئيس البنك الدولي، كان ذكر في قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة في دبي العام الماضي أنه على رغم كون الميثان مساهماً أقوى في ظاهرة الاحتباس الحراري من ثاني أكسيد الكربون، إلا أن معالجة أخطاره لا تتلقى سوى اثنين في المئة من التمويل الموجه لمعالجة التغير المناخي.
وأضاف بانجا أن مكافحة انبعاثات الميثان هي "إحدى المجالات النادرة والواضحة" إذ تتوفر حلول منخفضة الكلفة وفعالة ويمكن الاقتداء بها. ويدعم البنك الدولي جهود فيتنام، وبدأ مشاريع، بما في ذلك في إندونيسيا، لتوسيع نطاق الزراعة القادرة على التكيف مع تغير المناخ في إطار أكثر من 12 مشروعاً لخفض الميثان في جميع أنحاء العالم.
ويأمل البنك الدولي أن تقوم مزيد من الدول باتباع هذا النهج، ولكن ليس هناك حل واحد يناسب الجميع كما أكد لويس زيسكا، أستاذ علوم الصحة البيئية في جامعة كولومبيا. وأشار إلى أن "العامل المشترك الوحيد هو الحاجة إلى المياه"، مضيفاً أن الأساليب المختلفة للزراعة والري يمكن أن تساعد في إدارة المياه بشكل أفضل.
كما أشار إلى أن زراعة مزيد من أصناف الرز المتنوعة جينياً من شأنه أن يساعد، لأن بعضها أكثر مقاومة للحرارة الزائدة أو يتطلب مياه أقل، بينما قد يتسبب بعضها الآخر في انبعاث نسبة أقل من الميثان.
ويقول نغوين فان نوت، مدير شركة تصدير الرز "هوانع مين نات" Hoang Minh Nhat، إلى أن مورديهم يستخدمون أصناف الرز القادرة على الصمود في ظل الظروف شديدة الملوحة والحرارة الشديدة.
ومع عدم القدرة على التنبؤ بهطول الأمطار في غير موسمها، أصبح تجفيف الرز أكثر صعوبة، مما يزيد من خطر العفن أو تلف الحشرات. تقليدياً، يتم تجفيف الرز بالشمس مباشرة بعد الحصاد. ومع ذلك، ذكر فان نهوت أن شركته تكيفت من خلال إنشاء مرافق تجفيف في مصنع التعبئة والتغليف الخاص بها، وتخطط لتركيب آلات لتجفيف الحبوب بالقرب من الحقول.
وأشار إلى أنه "لم يعد بإمكاننا الاعتماد على معرفة أي شهر هو موسم الأمطار كما فعلنا من قبل".