ملخص
احتجاجات الجامعات في أميركا انعكاس لتظاهرات عام 1968 وإشارة إلى تدهور حظوظ بايدن في الانتخابات المقبلة.
إن المقارنة بين التظاهرات الحاشدة في 1968 والاحتجاجات الطلابية اليوم تضامناً مع غزة ناقصة ومن الصعب تفاديها في الوقت ذاته.
بعد 10 أيام فقط على نصب طلاب جامعة كولومبيا أول خيمة في حديقة الحرم الجامعي، أدت الاحتجاجات بالفعل إلى تعبئة جيل من طلاب الجامعات بصورة مماثلة جداً لما فعلته حرب فيتنام من 56 عاماً – منتشرة عبر جميع أنحاء البلاد.
وليس حجم التظاهرات وحده ما دفع إلى إقامة هذه المقارنة، بل التكتيك المتبع فيها. وهذا ليس وليد الصدفة: فالمتظاهرون أنفسهم يقولون إنهم درسوا أساليب الحراك الذي طبع ذلك الجيل بعناية قبل أن يطلقوا حركتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول مجد، الطالبة في جامعة كولومبيا التي طلبت عدم نشرها اسمها الكامل لـ"اندبندنت" من قلب التظاهرة، الجمعة، "إن الشيء الوحيد الذي مكننا من القيام بما نفعله هو اطلاع منظمي التظاهرات على أرشيف عام 68 ودراستهم لما كتبه الجيل السابق عن تجاربه. قضى عدد كبير من المنظمين وقتاً في دراسة كيفية قيامهم بكل شيء". وأضافت مجد، "بنينا تحركنا كاملاً على إرثهم".
أثناء التخطيط لإقامة مخيمهم، تعلم منظمو تظاهرات كولومبيا عن طرق تعامل المتظاهرين عام 1968 مع الأمن وآليات التواصل. ولاحقاً، وجهوا دعوات إلى عدة مشاركين في تلك الاحتجاجات التاريخية لزيارة المخيم والتحدث إلى الطلاب.
وتقول آفا ليون - سيرينو، وهي أيضاً طالبة في كولومبيا ومتظاهرة "حتى فكرة إنشاء مخيم تضامن في كولومبيا قامت على تظاهرات عام 1968 ضد حرب فيتنام. نشعر فعلاً كما لو أنها استمرارية لتقليد".
وانتشرت التظاهرات الطلابية احتجاجاً على الحرب في غزة في حرم الجامعات منذ اندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بعد هجوم مباغت نفذته حركة "حماس" وقتل فيه 1200 إسرائيلي. وقد أودى الصراع التالي إلى مقتل 34 ألف فلسطيني جلهم من النساء والأطفال، فيما أسفر الحصار على المساعدات عن انتشار ظروف شبيهة بالمجاعة في شمال غزة فخلق كارثة إنسانية. وفي الوقت نفسه، تعرضت مئات المدارس وكافة جامعات غزة البالغ عددها 12 جامعة، إما لأضرار أو للدمار الكامل منذ بداية الهجمات الإسرائيلية، لكن احتجاجات كولومبيا اليوم قد تبدو وديعة مقارنة بسلفها التاريخي. فخلال الاحتجاجات على حرب فيتنام، أخذ عميد كلية رهينة لفترة وجيزة واستولى الحراك على خمسة مبان. وفي ذلك الوقت، مثل اليوم، استدعى رئيس كولومبيا الشرطة لفض الاحتجاجات. وتدفق نحو ألف شرطي إلى حرم الجامعة جاء بعضهم على ظهر أحصنة واعتقلوا 700 شخص.
وعلى رغم الحملة الإعلامية الرامية إلى تشويه صورة مخيم الاحتجاج باعتبار أفراده متطرفين خطرين، فطلاب كولومبيا اليوم لديهم تركيز شديد ويتصرفون باستراتيجية - وهدفهم الرئيس هو إقناع الجامعة بقطع علاقاتها مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية والتخلص من علاقاتها مع الشركات المرتبطة بإسرائيل احتجاجاً على الحرب. وقد استضاف منظمو الاحتجاجات تدريباً على تخفيف تصعيد المواقف وتدريباً إعلامياً للمتظاهرين. وفي المخيم مراقبين يرتدون سترات صفراء عليها إشارات واضحة مهمتهم التعامل مع الإعلام. حتى إن المخيم خصص منطقة "خالية من المكسرات" لحماية الطلاب الذين يعانون حساسية [باعتبار أن المكسرات تعد من المواد المثيرة للحساسيات].
وفيما شعر الطلاب في ستينيات القرن الماضي بالفزع من صور حرب فيتنام المنتقاة بعناية والمجملة التي ظهرت على شاشات تلفازهم فإن أبناء الجيل "زد" اليوم يفتحون أعينهم كل صباح على صور الموت الذي لا يبعد سوى سنتيمترات قليلة عن وجوههم. لو اعتبرنا فيتنام حرب أميركا التلفزيونية الأولى، فلا بد أن تكون غزة أول مرة يستهلك فيها شباب أميركيون كثر حرباً تبث مباشرة بهذه الصورة المركز. وهم يقرأون العناوين ويشاهدون كل يوم صور الفظائع التي تتسبب بها الأسلحة الأميركية ثم يطلب منهم أن يلتزموا الصمت ويدرسوا.
وقالت ليون - سيرينو "أتعلم، عندما أستيقظ صباحاً وأرى فيديو لأب يحمل أشلاء طفله في كيس بلاستيكي، يجب ألا يكون هذا المشهد عادياً ولا مقبولاً"، لكن التغييرات التكنولوجية صعبت مهمة المتظاهرين اليوم أكثر بعد من عام 1968.
وعن ذلك، قال أدريان باري، الطالب في كولومبيا وأحد المتظاهرين "إنها ساحة جديدة كلياً الآن. يوجد الأمن الرقمي الذي علينا التنبه منه - مثلاً الناس الذين يحاولون أن يلتقطوا صور الآخرين لكي يكشفوا معلوماتهم الشخصية على الإنترنت. ولدينا برامج تكشف الوجه والهوية في كاميرات كولومبيا، فتستيقظ في اليوم الثاني لتجد أنك موقوف عن الدراسة". وأضاف باري "لكن يمكننا استخدام ما فعلوه في عام 68 لبناء أساسات نبني عليها".
ويتساءل كثير من طلاب كولومبيا إن كانت حركتهم ستنمو بهذه السرعة لو لم يتخذ مسؤولو جامعتهم قرارات متهورة. عندما طلبت إدارة كولومبيا من الشرطة فض المخيم الاحتجاجي في بدايته الأسبوع الماضي واعتقل نتيجة لذلك أكثر من 100 طالب، كان لهذا التصرف آثاراً معاكسة لنية الإدارة. إذ انتشرت بعدها الاحتجاجات المتضامنة مع غزة كالنار في الهشيم وعمت عشرات الجامعات في كل أنحاء البلاد الأسبوع الماضي - في يال وجامعة نيويورك وجامعة ولاية أوهايو وجامعة ستانفورد وجامعة إيموري وبيركلي، على سبيل العد لا الحصر - وهذا أفضى إلى قمع عنيف من قبل الشرطة واعتقال مئات الطلاب. حتى إن التظاهرات انتشرت إلى ما وراء الحدود، لتحل في باريس وسيدني والقاهرة.
وفي عام 1968 كذلك، انتشرت التظاهرات في العالم - وكان أهمها في باريس حيث اجتمع الطلاب المتظاهرون مع ملايين العمال المضربين وهددوا بإطاحة الحكومة.
ولا يطمح طلاب كولومبيا إلى هذا النوع من الأمور، لكنه عام انتخابي والناخبون الشباب جزء أساس من التحالف الذي يحتاج إليه الرئيس جو بايدن كي يفوز بالانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني).
وتعتقد مجد، الطالبة في كولومبيا، أن فرص بايدن في إعادة الناخبين الشباب إلى صفه ضئيلة. وقالت "نحن في وضع صعب جداً لأنه من جهة لدينا شخص يسمح بحدوث إبادة جماعية ومن الجهة الأخرى لدينا ترمب، وليس من الضروري أن نخوض حتى في الدرجة التي قد يبلغها الوضع من سوء في ذلك الحال". وأضافت "أشعر بأن هذا الجيل - وأقله أفراد هذا المعسكر - يعي أننا نستحق خياراً غيرهما".
ويلوح في الأفق الصدى الأخير للأحداث التاريخية السابقة: كما في عام 1968، سيعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو. عندها، زحف 10 آلاف متظاهر على المؤتمر بهدف الاحتجاج وتعرضوا لقمع عنيف على يد الشرطة، غطى على أي رسالة كان الديمقراطيون يأملون أن يوجهوها إلى الجمهور.
وتعهد المتظاهرون من أجل غزة أن يقوموا بالأمر نفسه مجدداً. وقال حاتم أبو دية الرئيس الوطني لشبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة أخيراً لصحيفة شيكاغو تريبيون "سوف نسير سواء حصلنا على ترخيص أم لم نحصل عليه. إن هذه النسخة من المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي هي أهم نسخة عام 1968 في شيكاغو، حين نظم المتظاهرون المناوئون لحرب فيتنام وحركة تحرير السود تظاهرات جماهيرية تعرضت للقمع العنيف".
وفي خضم الفوضى التي عمت ذلك العام، وربما بسببها، انتخب ريتشارد نيكسون [الجمهوري] رئيساً للجمهورية.
واليوم، فيما يزداد الرفض الشعبي للدعم المطلق الذي يوليه بايدن لحرب إسرائيل في غزة لحظة بلحظة، دونالد ترمب هو الذي ينتظر في الكواليس، آملاً في استغلال الفوضى لصالحه.
© The Independent