Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصص نساء سوريات وقعن ضحايا نزوات ذكورية

 لينا هويان الحسن جمعت الوقائع التاريخية وعبر شهادات حية في "أشباح الحبيبات"

لوحة للرسامة هند عدنان (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

مجموعة قصصية صدرت حديثاً للروائية السورية لينا هويان الحسن بعنوان "أشباح الحبيبات"، تسرد فيها حكايات نساء وقعن ضحايا علاقات عاطفية، كان الرجال فيها هم المسيطرون. نساء انتحرن أو قتلن بسبب نزوات الرّجال، وأحكام المجتمعات القاسية.

تروي الكاتبة السورية لينا هويان الحسن في كتابها الجديد "أشباح الجبيبات" (دار ضفاف ودار الاختلاف)، قصص العاشقات والعاشقين الذاهبين إلى أقصى حدّ في العشق، حدّ الموت انتحاراً أو قتلاً، أو ذوباناً متلفاً في المحبوب، أو إيثاراً له يعادلُ الجوْر. وبناء عليه، لم يبقَ ثمّة دليلٌ على تلك التضحية، وذاك العشق الممنوع، أو المحال دونه بالموت، سوى الشبح أو الطيف، يظهر للعيان في موضع الجريمة الشبيهة بالتضحية. أو هكذا يتراءى للكاتبة لينا هويان الحسن، على ما تقوله في مقدّمة الكتاب، أنّ جلّ هذه الأطياف، على ما تتخيّلها الكاتبة هي لنساء سوريات قُتلن بسبب "نزوات الرّجال، وأحكام المجتمعات التي ترى في حقّ المرأة في اختيار حياتها، إخلالاً بالحياء، أو تجاوزاتٍ أخلاقيةً لا تُغتفر" (ص:5-6).

وفي ثلاث عشرة قصّة واقعية، أي مستندة الى وقائع تتبّعتها الكاتبة الحسن، وقطفتها من ألسن النساء اللواتي تعرفهنّ، أو نبشتها من الوثائق التاريخية التي أوردت أخبار مقتل النساء العاشقات أو السائرات على درب حرّيتهنّ، في إطار زمنيّ لا يتعدّى المئة عام، من مطلع القرن العشرين الى ختامه، مع أنها تعود كثيراً عن هذا التاريخ الى القرن الثالث الهجري (مع حكاية شبح سلمون)، على سبيل المثال، وفي إطار مكانيّ لا يتجاوز المدنَ السوريّة المعروفة (دمشق، وحلب، ودير الزور، واللاذقية، وغيرها).

لم يكن من العسير أن تقتطف الكاتبة - وأيّ كاتب- من السجلاّت التاريخية، أو من الوقائع مادة جديرة بالمعالجة والاقتباس. ولكن الجدارة تكمن في تحويل هذه المادة الأوّلية الى نصّ قصصي متماسك، ذي هيكلية جديدة، على حدّ علمنا، تقوم على تقسيم متن القصّة أقساماً ثلاثة ذات عناوين فرعية. فهي بعد أن تضع عنواناً للشبح، أي لروح المرأة الضحية الذي تقول الراوية أنه يظهر لأحدهم في الموضع الذي تنوي سرد قصّته، بالخطّ العريض، تعرّف بالقسم الأول من الهيكلية باسم الشبح، ومكانه، وزمانه، من دون أن تتحمّل مشقّة صوغ المكان والزمان بلغة أدبية، على نحو ما ألِف الكتّاب التقليديون والحديثون فعله، عرباً كانوا أم أجانب. ولربما شاءت الكاتبة أن تبسّط قراءة القصّة على القرّاء الذين لن يركّزوا اهتمامهم على تفكيك الإشارات المكانية والزمانية في النص، في مقابل أن يحصروا قدراتهم الذهنية في فهم حكاية الشبح، والتعاطف مع ضحيتها، والخلوص إلى العبرة منها.

ولو تتبّعنا هذه البنية المبسّطة، لوجدنا أن الكاتبة الحسن، قد وضعت عنوانين آخرين، يردان تباعاً، وهما: الظهور، والحكاية. وتعني بالأوّل، الكيفية التي ظهر بها شبح الشخصية الضحية على أحد الشهود الذين تضع الكاتبة على لسانهم زعم حضور الشبح، وظروف ذلك الظهور. أما الحكاية فتعني بها الكاتبة أن تستحضر سيرة المرأة المقصودة، من لحظة وقوعها في العشق الى موتها المأساوي.

قصص الحبيبات

وبالعودة الى متن الكتاب، نوجز بعضاً من قصص الحبيبات اللواتي ورد ذكرهنّ في محيطهنّ القريب على سبيل الإيضاح والتقديم. ففي القصة الأولى بعنوان "شبح الصورة" تروي الكاتبة حكاية المرأة المغدورة الأولى، من حيث ورودها في الكتاب، واسمها "ميماس الدوّ"، من سكّان القلمون، وتبدأ بسردها من موت مكسيم الصافي الذي عُثر على جثّته عند ضفاف نهر العاصي، والذي اتّضح الدافع اليه حبّ ماكسيم لميماس، بدليل ما خطّه خلف صورهما معاً. ومن ثمّ تقودنا الى سرد الوقائع التي أدت الى مقتل ميماس، من جميلات الشام، والمتنعّمات عيشاً، والمتحررات؛ وكيف أنها علقت بحبّ مكسيم صافي، وبالمقابل أشعلت نيران الحقد والحسد عند شاهر، الزوج الأوّل لامرأة صافي الأولى، وهي تتردّد إلى مقصف حبيبها، زاعمةً أنها بصدد اقتناء عاديات أثرية ولُقى من القرى التي كانت تعبر شوارعها الضيقة بسيّارتها الموستانغ. وقد وجدت ميتة مهشّمة الرأس إثر سقوطها من أعلى قصرها ذي الطبقات الثلاث، من حيث تظنّ الكاتبة الراوية أنّ شاهراً كان قد دفعها تنفيساً لحقده وحسده.

في القصة الثانية، تروي الكاتبة الحسن حكاية "شبح الحكواتية"، وهي عن امرأة شامية تُدعى جملة حرتو، كانت قد تيتّمت في صغرها، فعاشت في كنف عمّها، وعملت بالمطرّزات وبرعت في حياكة الإبرة حتّى دعتها زوجة عمها الى التطريز للراهبات في الكنيسة الأرثوذكسية، تخلّصاً من تربيتها وإطعامها. ولما بلغت السادسة عشرة عزمت زوجة عمها على تزويجها من عجوز سبعيني طمعاً بماله. ولكنّ الشابة جميلة فرّت، في صبيحة العرس، مع شاب تركي يعمل بتجارة القمح. إلاّ أنّ ذلك الشاب لم يلبث أن اختفى عن ناظريها، فعادت الى الشام متخفّية بزيّ حكواتيّ، يلقي على مسامع روّاد المقاهي سيرة عنترة، وسيف ابن ذي يزن، وأبي زيد الهلالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وظلّت جميلة على هذه الحال، عشرين سنة، الى أن وُجدت ميتة خنقاً، على يد أحدهم، وقد "انكشف ذيلُ جديلةٍ ضئيلة شائبة" من شعرها. (ص:30).

وفي القصة الثالثة والأكثر تفصيلاً وتوسّعاً، بعنوان "شبح بيت التترية"، تتبسط الكاتبة في حكاية البنت التترية، فياتكا أو كيكا قازان، الوافدة مع عائلتها المهجّرة مع أفراد كثيرين من المسلمين التتار بسبب اضطهاد البلاشفة لهم، إلى مدينة حلب، أربعينيات القرن الماضي. ولما كانت أم كيكا المدعوة ماماديش، مدرّبة المسرح في إحدى المدارس المسيحية بحلب، لا تشجّع فتياتها الثلاث على الزواج، فقد أملت أن تستثمر هذه الابنة جمالها الفائق في الفن، وتسافر الى القاهرة. غير أنّ قدَر الحبّ جعل الأخيرة تعشق شاباً يُدعى كنجو، من عائلة ثرية، فيذهب بها عشقها له الى أن ترمي بنفسها من أعلى البناء، لأنه تناهى الى سمعها أنه سوف يتزوّج من خطيبته، وقد خشيت من افتضاح حملها منه (كنجو) بعد جولات غرام محموم ومواقعات بينهما جرت سرّا...

مظلومية وأسلوب

ليس خافياً أنّ الكاتبة لينا هويان الحسن، إذ تقف الى جانب النساء الضحايا، وتلقي باللائمة على الرجل الشرقيّ، والناطق باسمها، ديناً ودنيا، والذي لم يكن قد بلغ مرحلة من النضج، تجعله يدرك طموح المرأة في مواكبة العصر، أو يتفهّم المنحى التحرري في موجات الحداثة الغربية (شخصية ماماديش، أم كيكي التتارية، مثالاً). ولا تتوانى ريشة القاصّة لينا هويان الحسن عن السرد المشوّق والمتلاحق الجريان، موزّعة إياه في مفاصل متتابعة، وبفقرات لا تكاد تتجاوز إحداها الثلاثة أسطر- كما في قصة "شبح قصر الحيات"، على سبيل المثال- معتمدة على الإيجاز والإيحاء، متبوعيْن بالتعليق. ومفاد القصة أنّ شابّة أرمنية تُدعى "أنوش " (أي الجميلة) أنقذها أحد رجال البدو من براثن الموت، إبان مجازر الأرمن عام 1915، وتزوّجها غصباً عنها، في حين كانت راغبة في البحث عن ذويها وولديها في مدينة حماه. ولما كانت ذات ثقافة والمام باللغات أقنعت الباشا، زائر البدوي، بلزوم ذهابها الى مدينة حماه. وأفلحت في التسلل إلى سيارته، والفرار. ولكنّ الباشا أبقاها في قلعة، بانتظار نقلها، وأوقعها في حبّه، فلزمتها. بيد أنّ البدويّ بلغها وطعنها حتّى الموت: "قتلها في عزّ الظهيرة. لم يكن خائفاً. إعتبرها حقّاً له. وغادر على ظهر فرسه، عابراً تلك التلاع التي يعرفها جيداً. ...قتلها كثير الجنون وكثير من الشهوة، وكثير من الكره..." (ص:61).

من يقرأ للكاتبة لينا هويان الحسن أعمالاً روائية، من مثل: "سلطانات الرمل"، و"معشوقة الشمس"، و"نازك خانم" وغيرها، والتي تقبس أفكارها من المدوّنة التاريخية السورية، لتعاود صوغ الروايات كاملة الفصول عنها، يدرك أنّ الكاتبة انخرطت في مسرى قصصي جديد، تنظمُ خيوطه أو قصصه ظاهرة غرائبية، هي الشبح. وأيا يكن، فإنّ تحديات عدة سوف تواجه الكاتبة - وهي تعدّ لها العدّة - من مثل العمل على التفصيل في قصّة، والاختصار في قصّة أخرى. أو الاستغراق في الوصف الواقعي والنفسي في نص، وملامستهما في نصّ آخر. يبقى أنّ الكاتبة أفلحت في صوغ مقاربة مختلفة لنوع القصّة، قد تكون سليلة لمقاربتها الرواية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة