غلاء الذهب يفقد الشرق الأوسط شهية الشراء

تراجعت شهية الشرق الأوسط للذهب، أفراداً ومؤسسات، على ما يبدو، خلال الربع الأول من العام الحالي، إذ تكشف أحدث إحصاءات مجلس الذهب العالمي، تراجعاً في الطلب الاستهلاكي لدى بلدان المنطقة، بنحو ثمانية في المئة على أساس سنوي، بإجمال مشتريات 67.5 طن، إذ تبدو بيئة المعدن الأصفر طاردة مع ارتفاع أسعاره القياسية إلى متوسط 2070 دولاراً القياسي للأونصة، بفعل التوترات الجيوسياسية وغياب اليقين الاقتصادي، ومواصلة البنوك المركزية، وفي مقدمها "الاحتياط الفيدرالي الأميركي" رفع أسعار الفائدة.

الأرقام التي حللتها "اندبندنت عربية" نقلاً عن التقرير المعنون بـ"اتجاهات الطلب على الذهب للربع الأول من عام 2024" الصادر عن المجلس، تشير إلى تراجع جماعي في طلب البلدان الرئيسة على استهلاك الذهب في المنطقة، التي تضم: السعودية ومصر والإمارات والكويت وإيران، بما في ذلك الطلب على المجوهرات.

67.5 طن من المعدن النفيس

على صعيد الطلب الاستهلاكي لبلدان المنطقة خلال الربع الأول من عام 2024، يأتي متراجعاً في جميع البلدان بنسبة متفاوتة، فمن بين الـ67.5 طن التي اشترتها البلدان الخمس الرئيسة، يأتي استهلاك السعودية متراجعاً بنحو سبعة في المئة، ليسجل 12.4 طن من المعدن النفيس، وترتفع نسبة التراجع تلك لدى مصر إلى نحو 17 في المئة، إن هبطت مشتريات المصريين من الذهب إلى 13.2 طن، وهبطت مشتريات المعدن أيضاً في الإمارات بنحو 10 في المئة إلى 10.8 طن، في حين يأتي التراجع طفيفاً في الكويت بنحو واحد في المئة لتسجل الدولة الخليجية إجمال مشتريات بنحو أربعة أطنان من الذهب، فيما سجلت إيران تراجعاً بنحو سبعة في المئة، لتبلغ مشترياتها 18.6 طن من الذهب.

وتدنت مشتريات البلدان الخمسة التي تشكل غالب استهلاك المنطقة من المجوهرات، ففي الربع الأول من العام الحالي، اشترى الشرق أوسطيون 42 طناً من المجوهرات الذهبية بنسبة تراجع على أساس سنوي قدرها أربعة في المئة عند المقارنة بالربع الأول من العام الماضي.

مشتريات المصريين من الذهب

في السعودية، تشير بيانات مجلس الذهب العالمي، إلى أن مشتريات المجوهرات تراجعت بنحو 12 في المئة إلى 8.6 طن في الربع الأول من العام الحالي، وفي الإمارات، جاء التراجع بنسبة 10 في المئة إلى 8.8 طن، في حين لم يختلف معدل استهلاك الكويت من المجوهرات على أساس سنوي، إذ سجلت ثلاثة أطنان من المعدن النفيس، وكذلك إيران، إذ لم يختلف معدل الشراء في الربع الماضي عن الربع المماثل من عام 2023، مسجلاً 7.1 طن، فيما خالفت مصر هذا الاتجاه، لتسجل ارتفاعاً بنحو ثلاثة في المئة من مشتريات المجوهرات، إذ اشترى المصريون ثمانية أطنان في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة بـ7.7 طن في الأشهر ذاتها من عام 2023، وهو ما يعزوه بعض العاملين في صناعة الذهب إلى رغبة المصريين بالتحوط ضد التضخم المتنامي وتغيرات سعر الصرف.

عند المقارنة على أساس عام واحد، يلفت تقرير مجلس الذهب العالمي إلى نمو إيجابي في استهلاك الذهب والمجوهرات، بل ونصيب الفرد من الطلب على الذهب بالغرام، إذ تشير بياناته إلى أن البلدان الخمسة الرئيسة التي تشكل قوام منطقة الشرق الأوسط من حيث الطلب على الذهب اشترت العام الماضي 285.4 طن من المعدن النفيس، بنسبة نمو اثنين في المئة، وبلغت مشتريات السعودية 52.3 طن بنسبة نمو قدرها أربعة في المئة، ومشتريات مصر 57 طناً بنسبة نمو 11 في المئة، والكويت 19.6 طن بنسبة زيادة أربعة في المئة، في حين جاء إجمال استهلاك الإمارات من الذهب في عام 2023 متراجعاً بنحو ثمانية في المئة إلى 51 طناً، ولم يأتِ استهلاك إيران مختلفاً عن 2022، إذ سجل العام الماضي 71.8 طن من المعدن الأصفر.

حصة كبيرة للسبائك والجنيهات

واستحوذت سبائك الذهب وعملاته على جانب كبير من الطلب في منطقة الشرق الأوسط، إذ سجل مجموعها 113.8 طن في العام الماضي، بزيادة 23 في المئة عن عام 2022، وحلت إيران التي تعاني معدلات تضخم مرتفعة للغاية وسوق سوداء للصرف وتدهور في قيمة الريال الإيراني أمام الدولار، في المرتبة الأولى من حيث حجم الطلب على السبائك بإجمال 44.4 طن، وبنسبة نمو ستة في المئة، فيما جاءت مصر التي تعاني الظروف الاقتصادية الصعبة ذاتها، في المرتبة الثانية بطلب قدره 30.3 طن بنسبة نمو 58 في المئة عن مشتريات 2022، وكانت السعودية صاحبة المركز الثالث بنحو 14.1 طن بنمو قدره 12.2 في المئة، والإمارات 11.2 طن بنسبة نمو 34 في المئة، والكويت 5.2 طن بنسبة نمو 26 في المئة.

وبلغت مشتريات المجوهرات في السعودية عن كامل عام 2023 مستوى 38.1 طن بنسبة نمو واحد في المئة عن الرقم المسجل في عام 2022 لتصبح بذلك الدولة الوحيدة من بين الدول الخمس التي ترفع استهلاكها من الحلي والمصوغات الذهبية، في حين بلغت مشتريات الإمارات من المجوهرات 39.7 طن، متراجعة بنحو 15 في المئة عن المسجل في عام 2022، أما في الكويت، فتراجع استهلاك الأفراد من المجوهرات العام الماضي بنحو ثلاثة في المئة إلى 14.3 طن، وفي مصر، جاء استهلاك المصريين متراجعاً بنحو 17 في المئة إلى 26.7 طن، في حين تراجع استهلاك الإيرانيين من المجوهرات العام الماضي بنحو تسعة في المئة ليسجل 27.3 طن من المعدن النفيس.

نصيب الفرد في الكويت

وعلى صعيد نصيب الفرد في البلدان الخمس من الطلب على الذهب، سجلت السعودية 1.59 غرام في 2023 من 1.56 غرام ذهب في 2022، بينما الإمارات تراجع نصيب الفرد فيها إلى 5.25 غرام ذهب العام الماضي من 5.74 في عام 2022، وصعد نصيب الفرد في الكويت إلى 3.95 غرام من المعدن من 3.88 في عام 2022، وكذلك في مصر، إذ سجل نصيب الفرد من غرامات الذهب 0.54 غرام في عام 2023 من 0.50 غرام في العام السابق له، وجاء نصيب الفرد في إيران متراجعاً إلى 0.83 غرام العام الماضي، من 0.84 غرام عام 2022.

بصورة عامة، يظل شراء الذهب في البلدان التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة أكثر ارتباطاً برغبة أفراده في التحوط من تآكل المدخرات وتدهور القيمة الشرائية للعملات المحلية، فيما الوضع يختلف لدى البلدان التي تتمتع بفوائض مالية ووفورات جيدة، إذ يعد الشراء عادة تعبيراً عن الرفاه ومستويات المعيشة والدخول المرتفعين، لكن سيظل المعدن الأصفر ملاذ الجميع وملجأهم بما يملكه من جاذبية وبريق وقدرة على صون الأصول والثروات.