ملخص
على مدى ثلاثة أيام أتيح لجمهور مدينة مراكش أن يسمع قصائد بلغات مختلفة من العربية إلى الفرنسية والبنغالية والتركية والآذرية، فقد ارتفع صوت الشعر في المعالم الأثرية الكبرى في المدينة الحمراء، كقصر البديع وقصر الباهية وفضاء ضريح الشاعر المعتمد بن عباد، آخر ملوك بني عباد في الأندلس.
في سياق الاحتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024 نظم بيت الشعر في المغرب بالشراكة مع منظمة الإيسيسكو ووزارة الثقافة المغربية، مهرجان مراكش العالمي للشعر منذ 26 إلى 28 أبريل (نيسان). وهكذا استمع جمهور المدينة الحمراء إلى قصائد الشعراء: غسان زقطان (فلسطين)، عيسى مخلوف (لبنان)، آدم فتحي (تونس)، أحمد قران الزهراني (السعودية)، مليكة العاصمي (المغرب)، بيجان ماتور (تركيا)، أحمد بلحاج أيت وارهام (المغرب)، فاطوماتا كايتا (مالي)، أحمد الشهاوي (مصر)، امباركة بنت البراء (موريتانيا)، أحمد العجمي (البحرين)، حسن الوزاني (المغرب)، أمينور رحمان (بنغلاديش)، محمد عزيز الحصيني (المغرب)، أحمد الفلاحي (اليمن)، سكينة حبيب الله (المغرب)، نيكار حسن زاد (أذربيجان)، محمد أمين جوب (السنغال)، علي البزاز (العراق)، أمل الأخضر (المغرب)، عبدالقادر عمر عبدالقادر (جيبوتي).مراد القادري يكرم
في كلمته الافتتاحية ركز مراد القادري رئيس بيت الشعر على سبب اختيار مدينة مراكش لتنظيم مهرجان الشعر العالمي فيها، وعاد إلى سنة 1985، حين تم تصنيف المدينة الحمراء ضمن قوائم التراث العاملي الإسلامي من لدن منظمة اليونيسكو، قبل أن تعود المنظمة نفسها لتصنيف ساحة جامع الفنا الشهيرة تراثاً شفوياً إنسانياً عام 1997. وأكد أن المهرجان يأتي في سياق الاحتفال بمراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024، وأن اختيار فضاءات القراءات الشعرية والعروض الفنية يتناغم مع البعد الثقافي والروحي الذي ينشده المهرجان، إذ قرأ الشعراء قصائدهم في قصر البديع وقصر الباهية وفضاء ضريح المعتمد بن عباد، الذي خصص له المهرجان ندوة كبرى "تقديراً لشاعر ظل وفياً لقول الشعر على مدى حياة مضطربة، تلونت طوراً بسلطة الملك ومباهجه، وطوراً بتقلبات المصائر ومآسي النهايات".
وخلال الحفلة الافتتاحية تم تكريم الشاعر الفلسطيني غسان زقطان، في سياق الاحتفاء بالأدب الفلسطيني الراهن، وما يقوم به من تأثير في وعي المتلقي بالقضايا الإنسانية، وفي زرع قيم الأمل والتطلع إلى لحظة زمنية أكثر عدالة وأكثر إنسانية. واعتبر غسان زقطان أن هذا التكريم قد تجاوز على حد قوله الشخصي "ليذهب إلى الاحتفاء بالشعرية الفلسطينية والمنجز المذهل الذي حققته أجيال من الشعراء الفلسطينيين، إخوتي وآبائي وأبنائي، الذين وقفوا منذ ما قبل النكبة في مواجهة الفاشية بوجوهها وأقنعتها وهاهم يواصلون، كما يقول الراحل الجميل محمود درويش، "تربية الأمل" بعد أن سقطت أقنعة القاتل وبدا متوحشاً ومكشوفاً كما كان دائماً".
لم يتوقف حضور فلسطين عند تكريم الشاعر غسان زقطان، بل امتد إلى عدد من النصوص التي قرأها بعض الشعراء المشاركين، مثل البنغالي أمينور رحمان والمغربية مالكة العاصمي والدجيبوتي عبدالقادر عمر عبدالقادر الذين نقلت نصوصهم المكتوبة بالبنغالية والعربية والفرنسية آلام الفلسطينيين في غزة وغيرها، وصوَّرت المعاناة على نحو بليغ، ونددت بما يتعرضون له من عدوان ممنهج أمام أنظار العالم.
استعادة المعتمد بن عباد
عقد المهرجان صبيحة الجمعة ندوة حول الشعر والتصوف، شارك فيها الباحثون والجامعيون منصف عبدالحق وعبدالإله بنعرفة وأحمد الشهاوي، وثريا إقبال ولطيفة المسكيني وخالد بلقاسم، وأدارها أحمد قادم عميد كلية اللغة العربية في مراكش. وطرح المتدخلون عدداً من القضايا المرتبطة بحقلي الشعر والتصوف، وحدود التقاطع بينهما على مستوى اللغة والدلالة. وكانت المداخلات بمثابة إجابة عن عدد من الأسئلة الكبرى، من بينها: ما الذي يفتحه الشعر للتصوف من إمكانات على مستوى البناء النص وعلى مستوى بناء المعنى؟ وما الذي يتيحه الشعر للتصوف في الطريق نحو المطلق بناء على ما يتطلبه هذا الطريق في تجربة الصوفي مع اللغة ومع المعنى؟ كما تطرق المتدخلون إلى ما يسمى "الشعر العرفاني" ورموز وإشارات الشاعر الصوفي والمنفلت في التجربة الشعرية الصوفية وحضور البعد الروحي في الأدب الراهن.
أما الندوة الثانية، فعقدت صبيحة السبت في كلية اللغة العربية وشارك فيها الباحث والمترجم الإسباني خوصي ميغيل بويرتا والباحثون المغاربة أحمد هاشم الريسوني وعبدالدين حمروش وسليمان القرشي.
وتوقف المتدخلون عند رمزية المعتمد بن عباد في التاريخ المغربي، وما عاشه من حياة متقلبة بين نعيم وجحيم، وكيف استطاع أن يعقد صداقة قوية بين السياسة والشعر في زمن أندلسي صعب انتهى به من التحول من حياة الملك إلى حياة المنفى. فقد وصل المعتمد إلى كرسي الحكم شاعراً، لذلك ظل حريصاً على العناية بالشعراء، وظل وفياً أيضاً لكتابة الشعر. بل كان وسيلته الوحيدة للتعبير عن التحولات الرهيبة التي عرفتها حياته. ناقشت الندوة أيضاً علاقة الشعر بالتاريخ، وتفاعل الشاعر مع أحداث عصره، وتحولت مواضيع الكتابة لديه من الغزل إلى الرثاء والتحسر والحكمة، ومن شعرية النعيم إلى شعرية الألم، تناغماً مع ما عرفته حياته من انتقال من مرحلة السلطة والملك في الأندلس إلى مرحلة الأسر والنفي إلى أغمات القريبة من مراكش. وفي سياق الاحتفاء بهذا الشاعر أقام المهرجان أمسية شعرية في فضاء ضريحه، إذ قبره الذي حوله أبيات مؤثرة كان قد أوصى بأن تكتب على مرقده بعد رحيله.
طواف روحي وموسيقى تراثية
وتناغماً مع الجانب الوجداني للمهرجان اقترح المنظمون تجربة حملت عنوان "الطواف الروحي"، إذ زار الشعراء والمشاركون سبعة أضرحة لعلماء وأولياء وصلحاء عاشوا وماتوا في المدينة، وكان لهم دور في نشر الوعي والتربية والعلم في زمن سابق بالمدينة. يشار إلى أن مراكش تحمل في الثقافة الشعبية المغربية لقب "مدينة سبعة رجال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظم المهرجان قافلة شعرية تضامنية مع ضحايا زلزال الحوز، استفاد منها 2800 تلميذاً وتلميذة نزحوا من منطقة الحوز المنكوبة التي ضربها الزلزال في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتم إيواؤهم في مراكش المدينة. وقامت المبادرة على إحداث 12 مكتبة شعرية مخصصة لهؤلاء التلاميذ، وضمت مئات الكتب التي تهم الشعر ونقده وترجمته.
وأطلق المنظمون مسابقتين في الكتابة الشعرية موجهتين للشباب، الأولى لتلاميذ الثانوي، والثانية لطلبة الجامعة، وحملت المسابقتان عنوان "بهجة مراكش" في إشارة إلى أحد ألقاب مدينة مراكش "البهجة" وفي إشارة إلى أن الشباب الذين يكتبون اليوم هم من سيشكلون بهجة الشعر في المستقبل.
اللافت أن الأمسيات الشعرية كانت تتصدرها وتتخللها فقرات فنية فريدة قدمتها فرق تراثية تندرج هي الأخرى ضمن الغناء الروحي، وتمثل أطياف الموسيقى المغربية العريقة التي يجب أن ينتبه إليها شباب اليوم، مثل فن الملحون وكناوة والدقة المراكشية، وهي أشكال فنية جماعية يؤدي فيها أعضاء كل فرقة مرددات يطغى عليها الجانب الروحي والمديح والابتهال، فضلاً عن الفرجة. وتقتضي هذه الفنون ارتداء أزياء تراثية تختلف من لون غنائي إلى آخر.
وتزامناً مع فعاليات المهرجان أصدر بيت الشعر أنطولوجيا شعرية بعنوان "أسرار الأسوار" أعدها الناقد والمترجم محمد أيت العميم، ورصد فيها تجربة الكتابة الشعرية في مراكش على مدار 10 قرون منذ المعتمد بن عباد وابن طفيل، وهما دفينا مدينة مراكش، إلى مليكة العاصمي إحدى رائدات الشعر الحديث في المغرب. وتحفل هذه الأنطولوجيا بمعطيات ونصوص يغفل عنها معظم قراء الأدب.