ملخص
قوات "الدعم السريع" تكثف من هجماتها بالطائرات المسيرة مما بات يهدد الولايات الآمنة، فأي إشارات أو تطورات يحملها هذا التصعيد في مجريات الحرب بالسودان، وما موقف القوات المسلحة بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان؟
تصاعدت في الآونة الأخيرة هجمات الطائرات المسيرة على مقار الجيش في ولايات شمال وشرق السودان، وسط مخاوف متزايدة من توسيع نطاق الحرب لتصل إلى كل الولايات والمدن الآمنة في عطبرة وشندي ومروي بولاية نهر النيل شمال السودان والقضارف شرق البلاد، التي تستضيف آلافاً من النازحين والوافدين الفارين من القتال، وهي الولايات التي كان يعتقد حتى وقت قريب أنها بعيدة من نيران الحرب، فأية إشارات أو تطورات يحملها تصعيد هجمات الطائرات المسيرة بواسطة قوات "الدعم السريع" في مجريات الحرب بالسودان؟
قصف عطبرة
بدأ وصول هجمات الطائرات من دون طيار إلى شمال البلاد بقصف حفلة الإفطار الرمضاني لكتيبة "البراء بن مالك" في إحدى القاعات الشهيرة بمدينة عطبرة بولاية نهر النيل مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وتسبب الهجوم في مقتل 12 شخصاً وجرح وإصابة عشرات الآخرين. لم تعلن جهة مسؤوليتها عن هجوم إفطار عطبرة الدامي، لكن توالت هجمات المسيرات منذ ذلك اليوم باستهداف مسيرة أخرى لمباني جهاز المخابرات العامة بولاية القضارف شرق البلاد في الأسبوع الثاني من الشهر نفسه.
مطلع الأسبوع الماضي تعرض المهبط الجوي بالفرقة الثالثة مشاة شندي بولاية نهر النيل شمال السودان إلى هجوم بأربع طائرات انتحارية مسيرة بالتزامن مع زيارة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش للولاية.
توالي الهجمات
لم تتوقف هجمات المسيرات الانتحارية والاستطلاعية التابعة لـ"الدعم السريع"، إذ وقع هجوم جديد نهاية الأسبوع ذاته بمجموعة بثلاث مسيرات مفخخة على مطار مروي تصدت له المضادات الأرضية التابعة للجيش وسقطت في محيط قاعدة مروي الجوية شمال البلاد من دون خسائر بشرية أو مادية، وفق بيان للفرقة الـ19 مشاة بمنطقة مروي العسكرية.
وأشار البيان إلى أن قواتها في ارتكاز منطقة أم بكول 70 كيلومتراً من منطقة مروي رصدت ثلاث طائرات استطلاع صغيرة من دون طيار تحلق على ارتفاعات عالية من اتجاه الغرب للشرق، جرى التعامل معها بواسطة المضادات الأرضية وإفشال مهمتها.
تحقيق وتقصي
وبحسب مصادر عسكرية فإن الوحدات المختصة داخل الفرقة تعمل على تقصي الحقائق بجمع مزيد من المعلومات لمعرفة الوجهة والمنصات التي انطلقت منها تلك المسيرات، غير أن قيادة الفرقة اتهمت قوات "الدعم السريع" المتمردة باستهداف المطار بتلك المسيرات الانتحارية.
نوهت المصادر إلى أن المسيرات التي هاجمت مطار مروي من نفس النوع الانتحاري صغير الحجم الذي هاجم مدينتي عطبرة و القضارف، وهو نوع محدود الأثر والقوة التدميرية ولا يمكن التحكم فيه بعد الإطلاق، ويعتمد في دقته على الإحداثيات المدخلة، وخبرة الطاقم الفني.
وأكدت الفرقة أن أجهزة الرادار التشويش تقوم برصد ومتابعة مثل هذه الأجسام، مطمئنة المواطنين بمحلية مروي بأن الجيش في كامل الاستعداد والتأهب التام للتعامل مع أي طارئ أو أي أجسام غريبة في سماء محلية مروي والولاية الشمالية صورة عامة، مناشدة لهم عدم الانجرار وراء الإشاعات.
نفذت القوى الأمنية المشتركة بولاية نهر النيل تمشيطاً أمنياً واسعاً لمناطق سهل البطانة والمشاريع الزراعية بمحلية شندي وعدد من المناطق الحدودية بالولاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد أيام من هجمات الطائرات المسيرة المفخخة وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إلى مطار مروي متفقداً الفرقة الـ19 مشاة بالمنطقة، وتلقى إحاطة حول الأوضاع الأمنية بالمنطقة، توجه بعدها إلى مدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية.
الخطر المقبل
واعتبر المحلل الأمني المختص في إدارة الأزمات بمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية اللواء أمين مجذوب إسماعيل تصعيد حرب المسيرات تحولاً نحو قواعد اشتباك جديدة منذ أن ظهرت تلك الطائرات في حرب السودان.
ونوه إلى أن كل من الجيش وقوات "الدعم السريع" يتجهان إلى تكثيف حرب المسيرات من أجل الوصول إلى أهداف يصعب الوصول إليها في الظروف والحالات العادية، لجهة أن حرب المدن والشوارع يواجه فيها دور قوات المشاة البرية أنواعاً عديدة من المعوقات الكبيرة، مما يدفعهما للجوء إلى استخدام الطائرات المسيرة لا سيما التي تمتلك خاصيتي الاستطلاع والتدمير معاً.
وتوقع إسماعيل أن تزيد نسبة استخدام المسيرات خلال الفترة المقبلة من مستقبل هذه الحرب، بحيث تكون واحدة من أدوات تطورات الحرب وتوسيع نطاقها بنقلها إلى مواقع جديدة أخرى لم تصل إليها العمليات الحربية من قبل حتى اليوم، مما يعني إطالة أكثر لأمد الحرب.
لفت إسماعيل إلى أن الطائرات المسيرة وسيلة فعالة سهلة النقل والتحريك من مكان إلى آخر وغير مكلفة في الوقت نفسه، إذ من الممكن الحصول عليها بسهولة من السوق العالمية للسلاح والمعدات الحربية، يشير بجانب توفر سلاسل الإمداد بها سهل.
وأضاف "متابعة ومراقبة تطور ظهور واستخدام الطيران المسير في هذه الحرب، تشير إلى أن استخدمها بدأ بواسطة الجيش داخل العاصمة لاستهداف مواقع ’الدعم السريع‘ المستترة في المزارع وداخل المنازل والدور الحكومية والأزقة"، لكن لاحقاً ظهر استخدامها بواسطة قوات "الدعم السريع" بغرض الوصول إلى المناطق لم يتمكن من الوصول إليها براً، بعد أن تعرضت قوتها الصلبة من العتاد والعربات القتالية لتدمير كبير.
وأشار إلى أن قوات "الدعم السريع" بدأت تلجأ في الآونة الأخيرة إلى تكثيف استخدام المسيرات بشكل مهدد للولايات والمدن الآمنة والمناطق الصناعية وكذلك الخطر على المدارس التي فتحت أبوابها في بعض المناطق بولايات كانت آمنة.
توسع الحرب
على الصعيد نفسه يعتقد الباحث الأمني والعسكري إسماعيل يوسف أن تكثيف قوات "الدعم السريع" لهجمات الطائرات المسيرة على الولايات التي كانت تعتبر آمنة، يمثل تهديداً أمنياً كبيراً ينذر بتوسع نطاق الحرب، في سياق مساعيها إلى نقل الصراع إلى الولايات الشمالية والشرقية، لا سيما وأنه سبق وأن هدد علناً بعزمه نقل الحرب حتى إلى بورتسودان ونهر النيل على وجه الخصوص، وأن على الأجهزة الأمنية أخذ الأمر على محمل الجد.
وأردف "أن تشتت الكبير لتلك القوات على جبهات قتالية متعددة وواسعة أسهم في إضعاف حجم وقدرات تحركاتها، ومع الغياب الواضح للمدفعية الثقيلة طويلة المدى لديها وفقدان كثير من قدرتها على الهجوم البري التي لم تعد بذات الكثافة والزخم في بداية الحرب، دفعها إلى تكثيف نشاط المسيرات كبديل لسد عجز هجماتها البرية".
إمداد متواصل
لفت يوسف إلى أن استمرار العمليات الهجومية بالمسيرات يكشف كذلك عن وجود إمداد متواصل ومنتظم لـ"الدعم السريع" بهذه القدرات الهجومية الجوية عبر دعم لوجستي قادم من خارج الحدود، على رغم أنها تزعم أنها غنمت تلك المسيرات والأسلحة من التصنيع الحربي التابع للجيش نفسه بعد سيطرتها عليه، محذراً من أنه حال حصول تلك القوات على نسخ لطائرات مسيرة أكثر تطوراً من حيث المدى والقدرة التدميرية عن التي تستخدمها حالياً، فإن ذلك من شأنه أن يعيد إشعال الحرب من جديد وربما يقلب موازين القوة على الأرض.
يستطرد "من الواضح أن قوات ’الدعم السريع‘ تستشرف تحولاً جديداً تختبر فيه قدرات تقنية تؤكد أنها تتلقى دعماً مقدراً في هذا المجال، وهو أمر مخيف بالنسبة إلى مستقبل هذه الحرب، خصوصاً بعد تأكيدات قائد ’الدعم السريع‘ الأخيرة بمواصلة القتال دفاعاً عن أنفسهم في حرب فرضت عليهم".
استراتيجية جديدة
لكن أستاذ العلوم السياسية الأمين عزالدين يرى أن هجمات مسيرات "الدعم السريع" الأخيرة بشمال وشرق البلاد لن تكون الأخيرة وربما تتطور بهدف فتح جبهات جديدة وإشغال الجيش وصرف الانتباه عن الهجوم الذي ترتب له لإسقاط مدينة الفاشر، فهي في الحقيقة عينها على دارفور.
ونوه عزالدين إلى أن الضغط الذي تتعرض له قوات "الدعم السريع" في مناطق عدة وسط ولاية الجزيرة والخرطوم بحري وأم درمان، وتضييق الخناق عليها بالحشود الكبيرة والضربات الجوية المكثفة، ليس هو فقط ما دفعها للجوء إلى تنشيط استخدام الطائرات المسيرة باتجاه الولايات الآمنة، لتخفيف الضغط على قواتها في المحاور الأخرى، لكن كاستراتيجية جديدة ستستمر للوصول إلى أبعد ما يمكن الوصول إليه من أهداف على رأسها مدينة بورتسودان.
وأوضح الأكاديمي أن قوات "الدعم السريع" تسعى حثيثاً إلى جعل الشمال والشرق ضمن دائرة الحرب وفي بالها العاصمة الإدارية الحالية بورتسودان نفسها، بعد أن تسببت تلك الهجمات في زعزعة الأمن وبث الخوف وسط المواطنين، ورفع درجة استعداد الأجهزة الأمنية إلى الدرجة القصوى تحسباً لهجمات جديدة متوقعة في أية لحظة.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، قبل أكثر من عام في منتصف أبريل (نيسان) الماضي استخدمت الطائرات المسيرة متوسطة الحداثة من الجيش في كثير من المواجهات، كان معظمها من التصنيع والتجميع المحلي عبر هيئة التصنيع الحربي التابعة للجيش في السودان.
غير أن توسع عمليات الطائرات المسيرة بواسطة الجيش وما أحدثته من تحول في سير المعارك وأضرار كبيرة في قوات "الدعم السريع" خصوصاً في الخرطوم، دفع بالأخيرة للبحث عن مصادر للحصول على مسيرات سرعان ما ظهر استخدامها لاحقاً في العمليات العسكرية من دون معرفة مصدرها.
وتزعم قوات "الدعم السريع" أنها حصلت على تلك المسيرات عقب سيطرتها على بعض المنشآت الحربية لهيئة التصنيع العسكري، وظلت تنفي على الدوام حصولها على طائرات متقدمة من دول أو جهات من خارج السودان، وسط اتهامات متكررة من الجيش بحصولها على مثل هذه الطائرات المسيرة.
فمنذ أكثر من عام على بدء القتال في العاصمة الخرطوم، ظل نطاقه الجغرافي آخذ في الاتساع بشكل مضطرد ليشمل ولاية الجزيرة في الوسط، وتخوم ولايات سنار والقضارف والنيل الأبيض، بعدما وصل إلى ولايات دارفور وكردفان في غرب البلاد.