ملخص
أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين "الديمقراطيين" لا يوافقون بصورة عامة على الدعم الثابت الذي أبداه الرئيس بايدن لإسرائيل، وهو ما قد يفسر إحجام "الديمقراطيين" عن اتخاذ موقف حازم في أي من الاتجاهين
في تعليقات أولية على التطورات التي حدثت في الأحرام الجامعية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وجه زعيم الأقلية في "مجلس الشيوخ" الأميركي ميتش ماكونيل انتقادات شديدة اللهجة إلى المتظاهرين، معتبراً أن الرئيس الأميركي جو بايدن "فشل في الإعراب بصورة لا لبس فيها، عن إدانته لمعاداة السامية في الجامعات"، ووصف تصريحاته في شأن الاحتجاجات بأنها "مراوغة وغير حاسمة".
أما زعيم الغالبية في "مجلس الشيوخ" تشاك شومر - وهو من نيويورك، ويعد أعلى مسؤول يهودي منتخب في البلاد - فالتزم الصمت حيال أعمال القمع التي وقعت في مسقط رأسه، إذ اعتقلت شرطة مكافحة الشغب طلاباً في "جامعة كولومبيا". وأوضح مسؤولون في الجامعة أنه لم يكن لديهم من خيار سوى استدعاء سلطات إنفاذ القانون، بعدما استولى طلاب على "قاعة هاميلتون" Hamilton Hall وهي مبنى أكاديمي، وأطلقوا عليها تسمية "قاعة هند" Hind Hall [نسبة إلى هند رجب الفتاة الفلسطينية ابنة الأعوام الستة، التي قضت نحبها مع خمسة من أقاربها داخل سيارة في غزة استهدفتها نيران دبابة إسرائيلية].
شومر الذي كثيراً ما عرف بطبيعته الصريحة، بدا أخيراً من خلال صمته الملحوظ، متناقضاً مع شخصيته المعهودة. وكان السيناتور الأميركي السابق بوب دول يقول مازحاً إن الموقع الأكثر خطورة في واشنطن كان بين "الديمقراطي" النيويوركي شومر والميكروفون، في إشارة إلى شغف عضو "مجلس الشيوخ" بالإفصاح عن مواقفه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت دعوة شومر في مارس (آذار) الماضي إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، كما قال هي محاولة التعبير عن مشاعر عدد من اليهود الأميركيين حيال ما يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة.
وفي موازاة الإدانة القوية من ماكونيل، يعكس صمت شومر المأزق الذي يواجهه "الديمقراطيون" في ما يتعلق بالاحتجاجات في الجامعات، ولا سيما منها تلك التي تحصل في معاقل "الديمقراطيين" في المدن والجامعات، إذ يميل جزء كبير من الطلاب إلى خط اليسار، مما يضع الحزب في موقف صعب. وفي المقابل، يرى "الجمهوريون" أن لديهم فرصة واضحة للتأثير في الرأي العام في البلاد.
وكان "الجمهوريون" قد سعوا الثلاثاء الماضي إلى تكثيف الضغط على "الديمقراطيين" في مجلس النواب، إذ عقد رئيس المجلس مايك جونسون مؤتمراً صحافياً إلى جانب عدد من قادة اللجان. وكان هدفهم - الذي ما زال قائماً حتى الآن - هو تمرير التشريع الذي اقترحه النائب مايك لولر، والذي من شأنه أن يفوض وزارة التعليم الأميركية استخدام تعريف معاداة السامية الذي وضعه "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" International Holocaust Remembrance Alliance في مسائل إنفاذ قوانين مكافحة التمييز. ويمثل لولر منطقة في نيويورك كانت قد دعمت جو بايدن في الانتخابات السابقة. يشار إلى أن إقرار تشريع من هذا القبيل، يثير سخط التقدميين في حزب "الديمقراطيين"، ويمنح "حزب "الجمهوريين" الضعيف نصراً على المستوى الشعبي.
وكان بعض التقدميين قد أعربوا عن مخاوفهم من تبني هذا التعريف تحديداً لأنه يجعل أي انتقاد لدولة إسرائيل بمثابة معاداة للسامية.
وفي هذا الإطار، قالت العضو في الكونغرس ألكسندريا أوكاسيو كورتيز عندما سألتها عن القانون الثلاثاء، إنه "يشكل خطراً على النهج الفعلي الراهن في ضبط الأمن في ما يتعلق بمعاداة السامية، لأنه يخلط بين الانتقادات لإسرائيل وتعريف معاداة السامية"، مضيفة "أعتقد أنه يمثل أيضاً خطراً على حرية التعبير".
وبحلول الأربعاء الذي تلا الأحداث المضطربة المتمثلة في الاعتقالات والتظاهرات العنيفة التي عمت جميع أنحاء البلاد، بدا "الديمقراطيون" في "مجلس الشيوخ" - المعروفون بنهجهم الحذر مقارنة بنظرائهم في "مجلس النواب" - مترددين بصورة ملحوظة في ما يتعلق بهذه القضية.
السيناتورة إليزابيث وارين من ولاية ماساتشوستس، وهي أستاذة سابقة في كلية الحقوق في "جامعة هارفرد"، قدمت لي إجابة ضبابية عندما سألتها عن الموضوع، وذلك بعد يوم من محادثتي مع السيدة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز.
وقالت لـ"اندبندنت"، "إن أحرام كلياتنا هي أماكن يناقش فيها الناس الأفكار المهمة. ويفترض أن يظل النقاش بعيداً من العنف، وألا يتعارض مع قدرة الطلاب الآخرين على القيام بعملهم وحضور دروسهم والعودة ليلاً إلى منازلهم".
السيناتور تيم كين من ولاية فرجينيا الذي يسعى إلى إعادة انتخابه، قال معلقاً: "إنه وضع صعب للغاية".
كلام كين يأتي في وقت أقام فيه طلاب من "جامعة فرجينيا كومنولث" في ريتشموند مسقط رأسه، مخيم اعتصام، وواجهوا اعتقالات نفذتها شرطة مكافحة الشغب.
وأوضح كين لـ"اندبندنت" أن "الناس لديهم مشاعر شديدة للغاية تجاه إسرائيل وغزة، وهذا أمر طبيعي. لكنهم في حاجة إلى التعبير عنها بطريقة لا تنتهك السياسات الشاملة للجامعة. وأعتقد أن القيمين على الجامعة وعناصر أقسام إنفاذ القانون داخل الحرم الجامعي، لديهم القدرة عموماً على اتخاذ مثل هذا القرار [حال جرى انتهاك هذه السياسات أم لا]".
ديك دوربين العضو في "مجلس الشيوخ" الأميركي عن الغالبية "الديمقراطية"، وهو أول سيناتور ديمقراطي طالب بوقف للنار بين إسرائيل وغزة، رأى أنه يتعين على "جامعة نورث ويسترن" في ولايته إلينوي، أن تقدم مثالاً إيجابياً. يشار إلى أنه في تلك المؤسسة الأكاديمية، نجح المتظاهرون في التفاوض على اتفاق مع إدارتها، يقضي بإنشاء لجنة استشارية لدراسة استثمارات الجامعة [تستثمر الجامعات الأموال أو الأصول المالية الأخرى التي يجري التبرع بها وذلك لدعم برامج الجامعة وعملياتها].
إلا أن "الديمقراطيين" لا يلتقون جميعهم على النظرة نفسها. فقد علق السيناتور جون فيترمان من "ولاية بنسلفانيا" - المعروف بدعمه الصريح للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة - على المتظاهرين في "جامعة كولومبيا" بالقول، إن "هناك مؤيدين لـ’حماس‘، ثم هناك المغالين في تأييد الحركة". والمغزى من كلامه ضمناً هو أن جميع المتظاهرين كانوا متعاطفين مع جماعة "حماس" الإرهابية.
"الجمهوريون" من جانبهم بدوا أنهم يستمتعون بهذا الوضع. فالعضو في "مجلس الشيوخ" جوش هاولي من ولاية ميسوري - وهو السيناتور نفسه الذي رفع قبضته دعماً لأنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، قبل أن يقتحم مثيرو الشغب مبنى الكابيتول الأميركي - اقترح نشر "الحرس الوطني الأميركي" في أحرام الجامعات.
وقال إن "ما يتعين على ’الحرس الوطني‘ القيام به هو حماية الأميركيين اليهود"، مقارناً الأحداث الراهنة بفترة اتخاذ الرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور قرار إرسال "الحرس الوطني الأميركي" إلى مدينة "ليتل روك" في ولاية آركنسو، على أثر إلغاء إحدى المدارس الثانوية الفصل العنصري الذي كان مطبقاً آنذاك بين الطلاب في صفوف التدريس.
وتابع هاولي يقول: "أرى أن أولوياتهم هي في غير محلها. إذ يجب أن يكون من السهل القول إن الأميركيين اليهود يجب أن يحظوا بالأمان داحل الحرم الجامعي".
أما السيناتور ليندسي غراهام من ولاية "كارولاينا الجنوبية" فاعتبر أنه يجب على الحكومة الفيدرالية أن تتبنى موقفاً حاسماً، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة.
وأضاف غراهام: "أرى أننا في حاجة إلى إعادة إرساء النظام والاستقرار. فمسألة أن يكون الفرد تحت التهديد لأنه طالب يهودي في إحدى هذه الجامعات، يجب وضع حد لها".
يبقى القول إن الخطاب المتناقض بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" في "مجلس الشيوخ" الأميركي يكشف الطريقة التي ينظر من خلالها "الجمهوريون" إلى الاضطرابات التي شهدتها الاحتجاجات، باعتبارها فرصة لانتقاد "الديمقراطيين" في ما يتعلق بمقاربتهم لقضايا القانون والنظام. في غضون ذلك أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين "الديمقراطيين" لا يوافقون بصورة عامة على الدعم الثابت الذي أبداه الرئيس بايدن لإسرائيل، وهو ما قد يفسر إحجام "الديمقراطيين" عن اتخاذ موقف حازم في أي من الاتجاهين.
© The Independent