Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"انظر للكاميرا"... الجيش الإسرائيلي يؤرشف وجوه الغزيين

برنامج يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وأثار حفيظة الأمم المتحدة باعتباره خرقاً للخصوصية

امرأة فلسطينية تعرض هويتها عند نقطة تفتيش إسرائيلية (أ ف ب)

ملخص

يطلب جنود الجيش الإسرائيلي من سكان غزة النظر لكاميرات عالية الدقة ويسألونهم عن بياناتهم الشخصية في محاولة لخلق أرشيف حقيقي للتعرف على الوجوه بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

أثناء مرور مدحت من نقطة تفتيش عسكرية نصبها الجيش الإسرائيلي في شارع رئيس وسط مدينة خانيونس جنوب غزة، طلب منه الجندي أن يتوقف وينظر إلى كاميرا مثبتة على جانبه الأيمن ويمعن النظر فيها لمدة خمس ثوان فقط، ثم سأله عن رقم هويته الشخصية.

ظل مدحت ينتظر تعليمات الجندي لنحو دقيقتين، وبعدها سمح له بالمرور من دون أن يعترض طريقه أحد، لكن الشاب استغرب مما حدث معه، وحاول التأكد من النازحين إذا كانوا تعرضوا للموقف نفسه أو أن ما جرى معه حالة فردية.

ممر إنساني بكاميرات

بحسب مدحت، فإن جميع الأشخاص الذين مروا من الحاجز العسكري طلب منهم الجنود النظر في الكاميرا التي ثبتها الجيش في الممر الإنساني، وبعدها سألت القوات النازحين عن أرقام هوياتهم الشخصية فقط.

بعد أن اقتحم الجيش مدينة خان يونس وتقدمت القوات البرية إلى وسط المدينة حيث يتجمع النازحين، فرضت إسرائيل حصاراً على المنطقة، ونصبت الفرق الهندسية حاجزاً عسكرياً على الطريق الرئيس للمدينة، ثم طلبت من السكان النزوح إلى منطقة المواصي.

صنفت إسرائيل الشارع الرئيس لمدينة خان يونس بأنه ممر آمن، ولكنها فرضت على أي شخص يرغب في النزوح نحو المواصي المرور من الحاجز العسكري، الذي علق فيه الجنود كاميرا عالية الدقة مربوطة بنظام محوسب يمكنه التعرف على الوجوه وتسجيل وحفظ ملامح سكان غزة في قاعدة بيانات أنشأها الجيش الإسرائيلي.

حاجز تفتيش

وبحسب الإفادة التي أدلى فيها مدحت لـ"اندبندنت عربية" فإن الجيش الإسرائيلي وضع حاوية مفتوحة من الجانبين وسط الممر الآمن، وبجانبها يقف مجموعة من الجنود مدججين بالأسلحة ويحملون مكبرات صوت يوجهون من خلالها تعليمات للنازحين.

ويقول الشاب الغزي، "عندما دخلت الحاوية، سمعت صوت جندية تخاطبني قائلة (انظر للكاميرا أمامك)، وبالفعل تفقدت المكان ووجدت جهاز تصوير صغير لكنه حديث للغاية ويبدو أنه عالي الدقة باتجاه يدي اليمين".

ويضيف "نظرت للكاميرا المثبتة أعلى من مستوى النظر قليلاً، وحينها وجهتني الجندية للتحديق بالكاميرا لمدة خمس ثوان، ثم سألتني عن رقم هويتي، وبعدها تحدثت معي بالاسم بمعنى أنها قالت لي أكمل سيرك يا مدحت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان يعتقد مدحت أن الجندية عرفت اسمه من خلال رقم هويته وهو بالفعل كذلك، لكن ما يسأل عنه الشاب لماذا جرى تصويره وماذا سيحدث له بعد ذلك، ولماذا زرع الجيش الإسرائيلي كاميرات عالية الدقة في الممرات الإنسانية.

تقنيات الذكاء الاصطناعي

في الواقع أدخلت إسرائيل ضمن حربها على القطاع تقنيات الذكاء الاصطناعي كسلاح مهم يساعدها في تحسين جودة عمل جنودها، واعتمدت على ذلك بشكل رئيس بغرض مراقبة وتعقب الفلسطينيين.

ولعل أبرز أشكال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تمثلت في تجميع الجيش الإسرائيلي أرشيفاً لوجوه سكان غزة، ليستخدم بعد ذلك في تعقبهم والتعرف على نشاطهم. واعترف الجيش الإسرائيلي بذلك على لسان المتحدث الرسمي باسمه دانيال هاغاري الذي قال "نعتمد على التكنولوجيا فوق وتحت الأرض".

بحسب المعلومات المتوافرة، فإن الجيش الإسرائيلي بدأ في استخدام تقنيات التعرف على الوجوه منذ بداية العملية البرية على القطاع في الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكان الجنود يمسحون وجه أي فرد يصادفهم في طريقهم بواسطة برامج متطورة على هواتفهم الذكية.

البحث عن الرهائن

ويعتقد الباحث في مجال الأمن السيبراني سائد حسونة أن الجيش الإسرائيلي كان في بداية الحرب يستخدم تقنية مسح الوجوه للبحث عن الرهائن الذين احتجزتهم "حماس"، لكن بعد ذلك طور الأمر وأصبح يجمع معلومات من وجوه سكان غزة.

في حادثة أخرى كان سند يحاول الفرار من الموت والنزوح من شمال غزة إلى جنوب القطاع، ومر من شارع صلاح الدين الذي يوجد فيه ثكنة عسكرية إسرائيلية، وهنا يقول "عندما سرت في الممر وجدت كاميرات مزروعة داخل الطريق، وطلب مني الجندي النظر للكاميرا أمامي، ثم سألني عن رقم هويتي".

 

 

ويضيف "عندما توصل الجندي لمعلوماتي حدثني باسمي وأمرني بالخروج من طابور النزوح واعتقلني واتهمني أنني أنتمي لحركة ’حماس‘، لكن بعدما تحقق الجنود من هويتي اعتذروا لي وأفرجوا عني".

وفقاً للشهادات نفسها فإن أي شخص يمر من نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية يطلب منه النظر في كاميرا معلقة أمامه، وفي حالات أخرى جرى تصوير سكان غزة بواسطة هواتف الجنود الذكية.

ويشير الباحث حسونة إلى أنه "لا يمكن الجزم بأن إسرائيل تملك قاعدة بيانات لوجوه سكان غزة، فهي انسحبت من القطاع منذ عام 2005، وكذلك لا يوجد في النظام الفلسطيني سياسة بصمات الوجه للاعتقاد أن الفلسطينيين سلموا قواعد البيانات للجانب الإسرائيلي".

ويمضي في حديثه، "عملت إسرائيل على تجميع قاعدة بيانات حول وجوه سكان غزة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وصورهم المنتشرة على الإنترنت، كما أنها نشطت قواعد بياناتها عندما اجتاحت غزة وتعاملت مع سكانها ميدانياً".

ويوضح أن الجيش الإسرائيلي بعدما يلتقط صورة ثلاثية الأبعاد لوجه الشخص يسأله عن رقم هويته ليربط بياناته في شكل ملامحه، لافتاً إلى أن جميع سكان غزة لديهم صور لوجوههم لدى تل أبيب وهي الصور الموجودة في بطاقة الهوية، لكنها ليست صور حديثة.

صنع في إسرائيل

في الواقع تتحكم إسرائيل في السجل المدني الفلسطيني، وأي شخص في الأراضي الفلسطينية يصدر هوية يجب أن تتضمن بطاقته صورة شخصية لديه، وبحسب اتفاق أوسلو فإن جميع الوثائق الشخصية التي تصدرها السلطة في رام الله ترسل منها نسخة إلى تل أبيب.

وبهذا تلقائياً تكون إسرائيل حصلت على قواعد بيانات عن وجوه سكان غزة، من خلال صورهم الموجودة بطاقات هوياتهم، لكن بحسب الباحثين الأمنيين فإن الجيش عمل على تحديث هذه البيانات عندما دخل غزة برياً.

بحسب القناة "12" العبرية فإن برنامج التعرف على الوجه الذي تستخدمه إسرائيل جرى تطويره في تل أبيب بواسطة شركة "كورسايت"، وتديره وحدة 8200 الخاصة بالاستخبارات الإلكترونية العسكرية.

 

 

على الموقع الإلكتروني لشركة "كورسايت" تعترف المؤسسة بأنها طورت نظام التعرف على الوجوه، وتفيد بأن برنامجها يتطلب أن يكون أقل من 50 في المئة من الوجه مرئياً للتعرف عليه بدقة.

ويقول رئيس علوم البيانات والذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 العقيد يوآف س، "نستعمل برامج ذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه ونجمعها ونحتفظ بها ضمن أرشيف، نستخدم هذه البيانات من أجل تحديد الأشخاص التابعين للفصائل الفلسطينية".

استمعت الأمم المتحدة لشهادات من سكان غزة حول جمع إسرائيل لبيانات من وجوهم، وخلصت إلى أن الجيش يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي من دون موافقة الفلسطينيين ولا حتى بعلمهم، وأبدى الأمين العام أنطونيو غوتيريش "قلقاً بالغاً" حيال هذه المعلومات.

ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، "لدينا قواعد بيانات حول النشطاء في الفصائل الفلسطينية، وتحاول قواتنا أيضاً التحقق من المعلومات بواسطة أنظمة تكنولوجيا دقيقة، لكن بطبيعة الحال لا يمكن الإشارة إلى طبيعة القدرات العملياتية والاستخبارية المستخدمة في هذا السياق".

المزيد من متابعات