ملخص
قتل الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر السبعة الماضية أكثر من 500 فلسطيني، وأصاب المئات بجروح، كما اعتقل نحو تسعة آلاف فلسطيني، وذلك في أكبر حصيلة من نوعها بالضفة الغربية منذ عقود.
بقتل ثلاثة مسلحين من "حماس"، وتسوية المنازل التي تحصنوا داخلها بالأرض انتهت عملية لقوات الاحتلال الإسرائيلي استمرت 15 ساعة الأحد الماضي في بلدة دير الغصون بشمال طولكرم في الضفة الغربية.
وتشير مدة العملية، والدمار الهائل الذي سببته إلى استخدام تلك القوات "القوة الهائلة" وعدم تساهلها مع ظهور خلايا مسلحة لحركة "حماس" في الضفة الغربية.
قائد "حماس"
ومن بين القتلى قائد "كتائب القسام" في طولكرم علاء شريتح، إضافة إلى تامر عبدالرحمن فقها، وعدنان تيسير سمارة "منفذي عمليتي "بيت ليد" و"النبي الياس" اللتين وقعتا قبل أشهر، وأدتا إلى قتل جنود من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومع أن القوات الإسرائيلية بدأت منذ ربيع 2022 حملة عسكرية أمنية بعنوان "كاسر الأمواج" لاستهداف الخلايا المسلحة الفلسطينية، إلا أنه منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي غيّرت هذه القوات من أساليب عملها لتصبح "أكثر شراسة"، وضاعفت أعدادها الموجودة في مخيمات وبلدات ومدن الضفة الغربية.
وقتل الجيش الإسرائيلي خلال السبعة أشهر الماضية أكثر من 500 فلسطيني، وأصاب المئات بجروح، كما اعتقل نحو تسعة آلاف فلسطيني، وذلك في أكبر حصيلة من نوعها بالضفة الغربية منذ عقود.
ملاحقة إسرائيلية
وتلاحق إسرائيل مصادر تمويل "حماس" في الضفة الغربية في محاولة لتجفيفها، إذ اعتقلت الآلاف من عناصرها وأنصارها، بهدف منع الحركة من فتح جبهة مساندة لها في حرب غزة، تُشكّل ضغطاً على إسرائيل.
واتهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "أذرع إيران" في إشارة إلى حركتي "حماس" و"الجهاد" بمحاولة "إدخال الأسلحة والمواد المتفجرة والمال إلى الضفة الغربية وتوجيه العمليات فيها".
ووفق غالانت فإن الضفة الغربية تعتبر إحدى جبهات الحرب المتعددة على إسرائيل، وتشمل لبنان وسوريا وقطاع غزة، وأماكن أبعد".
احتمالات التصعيد
من جهته، أشار رئيس حركة "حماس" في الضفة الغربية زاهر جبارين إلى أن الضفة "ستُفاجئ" إسرائيل، مشيراً إلى أن "كل احتمالات التصعيد موجودة فيها".
ووفق جبارين فإن المعركة في الضفة الغربية "لم تتوقف منذ سنوات وهي في حالة تصعيد منذ ما يزيد على 10 سنوات"، مضيفاً أن حركة "حماس" "ستُبدع في أدواتها ووسائلها، وتخرج للاحتلال من حيث لا يحتسب ولا يتوقع".
واعتبر المتخصص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور أن إسرائيل "تريد إظهار القوة الشديدة في وجه الحركات المسلحة من دون أي تساهل، وذلك في محاولة للحد من هجمات المقاومة ضد جنودها والمستوطنين في الضفة الغربية".
ووفق منصور فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي "كثفت منذ سبعة أشهر من ملاحقتها بؤر حركة (حماس) المسلحة والأمنية والسياسية والمالية، بهدف منع تشكيل جبهة مساندة لقطاع غزة وزيادة الضغط على إسرائيل".
صراع ورهان
وأدت تلك "الملاحقة الشرسة" بحسب منصور إلى "إضعاف دور (حماس) وحضورها بشكل كبير، إضافة عوامل كثيرة مثل سياسة السلطة الفلسطينية الرافضة للعمل المسلح، وحجم الدمار الضخم في قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية فيها".
لكن منصور أشار إلى أن "حماس" في صراع مستمر مع إسرائيل "وتراهن على عملية تبادل الأسرى المقبلة مع تل أبيب لزيادة التفاف الفلسطينيين حولها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أن عملية التبادل "ستزيد من حضور الحركة، وستعطيها زخماً كبيراً يساعدها على إيجاد وتجنيد خلايا مسلحة تعمل معها".
مدير مركز "يبوس للدراسات السياسية" سليمان بشارات يرى أن الضفة الغربية ستكون "ساحة المواجهة المقبلة، لأن إسرائيل تعتبرها عمقها الإستراتيجي، فيما تعمل حركات المقاومة على استعادة حضورها فيها"، مشيراً إلى أن حركتي "حماس" و"الجهاد" تحاولان استعادة قوتهما العسكرية عبر "تشكيل خلايا مسلحة وتجنيد أشخاص للقيام بهجمات مسلحة".
وأوضح بشارات أننا نشهد "تصارع جهتين على الضفة الغربية، ومحاولة كل منهما إثبات الذات والتحضير للمواجهة المقبلة"، وشدد على أن الملاحقة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لخلايا "حماس" وغيرها من الفصائل طوال الأشهر الماضية "أسهم في إنهاكها بشكل كبير للغاية، حيث لم يعد لها عنوان واضح".
تفتيت الخلايا
وأضاف أن "اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيمات اللاجئين، وعمليات الاعتقال اليومية والقتل تعمل على تفتيت نواة الخلايا المسلحة، حتى قبل أن تنمو ويكون لها هيكلة متكاملة"، موضحاً أن ذلك "منع (حماس) من إعادة إقامة هيكل للعمل التنظيمي بسبب تدمير البنية التحتية لها".
ولفت مركز "يبوس للدراسات السياسية" إلى أن عمليات الاعتقال "الاستباقية الوقائية اليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال في الضفة الغربية أسهمت في الحد من الهجمات المسلحة"، مشيراً كذلك إلى تداعيات الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس"، لافتاً إلى أن إسرائيل "تستخدم القوة الهائلة ضد المسلحين للقضاء على أي حاضنة شعبية لهم".
وأشار المحلل العسكري الإسرائيلي إيال عليما إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي "وسعت بشكل كبير من حجم نشاطها في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق منذ السابع من أكتوبر بهدف منع الفصائل الفلسطيينة المسلحة من رفع رأسها".
وأوضح عليما أن تلك القوات "غيّرت من أساليب عملها ومن قواعد الاشتباك، وأصبحت تستخدم المُسيّرات بشكل اعتيادي لأغراض استطلاعية وهجومية وذلك بعد أن كان ذلك أمراً نادراً".
سيطرة كاملة
وأضاف المحلل العسكري أن القوات الأسرائيلية أصبحت تقوم بأفعال غير مسبوقة كانت تمتنع عنها قبل السابع من أكتوبر، بحجة وجود محاولات من حركة "حماس" لإشعال الضفة الغربية، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية "تُرجح انفجار الأوضاع في الضفة الغربية في أي لحظة".
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي يؤاف شتيرن أن محاولات "حماس" و"الجهاد" لإشعال الضفة الغربية ضعيفة بسبب عدم نجاح الحركتين في بناء قدراتهما العسكرية والأمنية، وذلك يعود إلى "السيطرة الإسرائيلية شبه الكاملة وسياسة السلطة الفلسطينية".
وأشار شتيرن إلى أن الفلسطينيين يُدركون "تداعيات إشعال الضفة الغربية بسبب ما يجري في قطاع غزة، مضيفاً أنهم "لا يريدون رؤية الدمار والخراب في مدنهم وقراهم، ومنح المستوطنين ذرائع يبحثون عنها"، موضحاً أن اليمين الإسرائيلي "ينتظر أي تصعيد فلسطيني لكي يستغله للقيام بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والهجمات على الفلسطينيين".
عمل مقاوم
بدروه، يرى المحلل السياسي جهاد حرب أن "استمرار احتلال الضفة الغربية، واعتداءات المستوطنين المتكررة يتيح نشوء عمل مقاوم فردي أو منظم".
إلا أن حرب أوضح أن "اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلية اليومية، وما يشهده ذلك من اعتقال وقتل إضافة إلى العمل الاستخباراتي يحبط محاولات (حماس) لإيجاد خلايا مسلحة لها في الضفة الغربية".
وأوضح المحلل السياسي أن ملاحقة السلطة الفلسطينية لعناصر "حماس" يعود لأسباب تتعلق بالصراع الداخلي، خشية تكرار ما حصل في قطاع غزة بعد سيطرة الحركة عليه في 2007.