ملخص
نجحت الجهود السعودية بدعم أممي في تتويج سلسلة خطواتها بصيغة تفاهمات للحل السياسي في اليمن قبل أن يهرب الحوثيون كعادتهم من توقيع الاتفاق الملزم لاستجداء بطولات في المياه الدولية.
يمتد التعاون الغربي مع السعودية إلى اليمن معززاً مساعي تهدئة الصراع وجهود البناء الاقتصادي والتنموي التي تسبق التوصل إلى عملية سياسية تنهي أعواماً دموية وانتهاج وسائل أخرى لتحجيم أنشطة الميليشيات الحوثية في المياه الدولية عبر وسائل سياسية من خلال القنوات الدبلوماسية بعد محاولات غير ملموسة لأدوات القوة المسلحة.
وأعلنت الخارجية البريطانية أمس الأول الجمعة عن مكالمة هاتفية بين وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط اللورد طارق أحمد والسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر بحثت جهود وقف التوترات في البحر الأحمر ودعم التسوية السياسية في اليمن.
وقالت على حسابها في منصة "إكس" إن المملكة المتحدة تعمل مع السعودية على "وضع نهاية لاعتداءات الحوثيين على الشحن الدولي وتحسين اقتصاد اليمن وإحراز تقدم في عملية السلام"، في إشارة إلى الجهود الإقليمية والأممية الرامية إلى التوصل لصيغة اتفاق مشترك يوقف النزاع الدامي الذي دخل عامه الـ10 وتسبب بمأساة إنسانية مروعة في البلد الغارق بالصراعات.
مركزية الدور
ولم تورد الخارجية البريطانية مزيداً من التفاصيل، كما لم ينشر الإعلام السعودي أي تأكيدات لما جرى نقاشه ولكن يمكن قراءته في سياق التهيئة السعودية- الغربية نحو إنعاش اليمن من خلال تهدئة التوترات وإنهاء الصراع.
ولكن المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي يرى أن بلاده أكدت تعاونها وتعزيز شراكة حقيقية مع بريطانيا في مجالات التعاون الرئيسة الثلاثة في اليمن وهي تبادل الخبرات الفنية وتنفيذ البرامج المشتركة والمبادرات الدبلوماسية.
واستدل باتفاق تبادل الخبرات مع بريطانيا في مجال الرصد والتقييم من خلال ورشة عقدت لهذا الغرض في يناير (كانون الثاني) الماضي في الرياض بعد أن أثبت هذا النوع من التعاون نجاحه في تنفيذ المشروع المشترك لدعم الأمن الغذائي في الصومال جار اليمن، وشهدت المبادرات الإنسانية الممولة بصورة مشتركة زيادة ملحوظة من 4 ملايين دولار إلى 22 مليوناً حالياً.
وقال العقيلي في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن "وجود خطط تعاون مشتركة جرت في شأن إنقاذ ناقلة التخزين ’صافر‘ وتسهيل محادثات السلام بين الفصائل المتقاتلة في السودان، جميعها جهود تعكس قوة الشراكة السعودية- البريطانية التي تعزز السلام والأمن والازدهار على الصعيد العالمي".
مساعٍ إيجابية
عما ينطوي على هذه الشراكة بالنسبة إلى اليمن سواء ما يتعلق بالجانب الاقتصادي أو دعم جهود الحل السياسي، يربط العقيلي أحداث جنوب البحر الأحمر وباب المندب التي ينفذها الحوثيون بالحرب في غزة.
ووفقاً لذلك يعتقد بأن "توقفها له علاقة مباشرة بحرب غزة بحسب السردية الحوثية، لذا فهو يقع في مسار مختلف عن الأزمة اليمنية التي تقوم فيها السعودية وأصدقاؤها بمساعٍ إيجابية بناءة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى أن التعاون الغربي- السعودي حول اليمن وتطبيع الوضع في باب المندب واستتباب أمنه "سيكون في إطار التعاون الدولي والإقليمي الساعي إلى إيقاف حرب غزة لأن استمرارها يؤدي إلى تصعيد العنف في المنطقة ويعقد قضايا الأمن والسلام فيها".
وكانت الجهود السعودية متبوعة بدعم أممي توجت بسلسلة خطوات اقتربت من التوصل إلى صيغة تفاهمات للحل السياسي في اليمن قبل أن يهرب الحوثيون في الأمتار الأخيرة كعادتهم من توقيع اتفاق ملزم بإشراف أممي ودولي إلى استجداء بطولات في المياه الدولية.
وكشفت الأيام عن أن المغامرة الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب لم تكُن سوى "بروباغندا" معتادة دأبت الميليشيات على انتهاجها أمام أنصارها المغرر بهم لتسويق مشروعها المدعوم من إيران.
ومنذ الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تنفذ ميليشيات الحوثي هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على سفن تجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر العرب، وتقول إنها تأتي تضامناً مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة جراء الحرب التي تشنها إسرائيل منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في حين يتهمها اليمنيون بتنفيذ أجندات إيرانية عبر ما يسمى "محور المقاومة".
ولهذا جاء التنديد الإيراني بالضربات الأميركية والبريطانية التي استهدفت حلفاءهم في اليمن واعتبرتها "انتهاكاً واضحاً لسيادة البلاد والقانون الدولي"، وفقاً لبيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني.
دور إيجابي
ووفق الأحداث الملتهبة التي شهدها البحر الأحمر أخيراً، جاءت الوساطة السعودية بطلب غربي منسجمة مع ما يمكن وصفه بالحياد الإيجابي للرياض إزاء تلك الأحداث، مع تحذيراتها من تفاقم الأوضاع الأمنية في واحدة من أهم الممرات المائية والمآلات المترتبة على هذه التوترات التي من الممكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.
وسبق أن أكدت السعودية في الـ21 من يناير (كانون الثاني) الماضي على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان آل سعود أنها "قلقة للغاية" من احتمال أن تخرج التوترات في البحر الأحمر، وفي ظل هجمات الحوثي والضربات الأميركية على أهداف تابعة للميليشيات، عن نطاق السيطرة وتؤدي إلى تصعيد الصراع في المنطقة.
اتفاق مشابه
الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر يرى أن بريطانيا أخطأت في الضغط على اليمن بـ"اتفاق ستوكهولم" وهي تدفع في الوقت الحالي إلى اتفاق مشابه.
وقال الطاهر "مخطئ من يعتقد بأن توقيع الحوثي على أي اتفاق من شأنه أن يردعه عن مهاجمة سفن الشحن الدولية في البحر الأحمر، فهذه وجهة نظر خاطئة، بل سيعتقد الحوثي بأن أي عملة سياسية تنتهي بتنفيذ شروطه انتصاراً، لذا سنراه أكثر توحشاً بحثاً عن دور القيادة في المنطقة العربية".
ويورد الطاهر السردية ذاتها التي يحذر منها قطاع واسع من اليمنيين ومفادها بأن "الحوثي لا يدخل في أي حوار دبلوماسي من دون أن تكون له شروط يسعى إلى تحقيقها".
وتابع أن "المجتمع الدولي يتوقع أن تؤثر السعودية في الحوثيين بناءً على حرص الرياض على تهدئة الأوضاع في اليمن، لكن الحوثيين يرون حتى الآن أن السعودية عدوهم الأول، لذا يتخذون من أي تحرك دبلوماسي وسيلة لمصلحتهم".
الفعل والنتيجة
عقب التصعيد الحوثي في البحر الأحمر سارعت الحكومة الشرعية إلى إبلاغ المجتمع الدولي بأنها الأقدر فعلياً على هزيمة الحوثي في حال تمكينها من ذلك وتخففها من قيود الاتفاقات السياسية ووعود التهدئة الأممية التي تلتزم بها ومن ضمنها "اتفاق ستوكهولم 2018" الذي يقضي بوقف العمليات العسكرية في السواحل الغربية بالبلاد المطلة على البحر الأحمر.
كما سعت الولايات المتحدة إلى كبح جماح القدرات الحوثية التي تستهدف إمدادات الشحن الدولي، إذ أعلنت الخارجية الأميركية إعادة تصنيف الميليشيات على لائحة "الجماعات الإرهابية" بعدما أزالتها من القائمة في فبراير (شباط) 2023.
وألحقت هجمات الحوثيين في البحرين الأحمر والعربي أضراراً كبيرة باقتصاد معظم الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، بخاصة مصر، وأعاقت كذلك حركة الملاحة في المنطقة الاستراتيجية التي تمر عبرها نسبة 12 في المئة من التجارة العالمية وتسببت بمضاعفة كلفة النقل.
وإزاء ذلك أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا تشكيل تحالف متعدد الجنسيات تشارك فيه دول عدة عبر دوريات مشتركة جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ضمن ما أطلق عليها عملية "حارس الازدهار" لمواجهة الأخطار التي تهدد مرور سفن النقل البحري.
وفي الـ12 من يناير الماضي، شنت طائرات وبوارج وغواصات أميركية وبريطانية غارات ضد أهداف حوثية شملت محافظات عدة تسيطر عليها الميليشيات، تبين لاحقاً وحتى بعد تكررها أنها ضربات محدودة وغير مجدية عسكرياً لأنها طاولت مباني ومواقع مهجورة في مناطق تسيطر عليها الجماعة، كما لم ينتج من العمليات استهداف نوعي للقدرات الحوثية وفق المعلن.
وفي المقابل بدأ الحوثيون استهداف السفن الأميركية والبريطانية في المنطقة، معتبرين أن مصالح البلدين أصبحت "أهدافاً مشروعة" وسط تحذيرات لعدد من الدول ومن بينها السعودية من تفاقم هذه التوترات.