ملخص
كثافة الضغوط على المعسكرات وتزايد أعداد الآتين من السودان جعل بعض دول الجوار تنظر إلى الوضع بأنه يمثل مهددات أمنية، مما دفعها لوضع بعض القيود والتضييق في إجراءات الدخول إلى أراضيها
لم تقتصر مأساة حرب الخرطوم على السكان الموجودين في مناطق النزاع المسلح والنازحين بالولايات الآمنة فحسب، بل يعيش اللاجئون السودانيون أقسى تداعياتها بمعسكرات اللجوء في دول الجوار الأفريقي وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، لجأ الآلاف إلى دول مثل أوغندا وإثيوبيا وكذلك مصر وتشاد وجنوب السودان من أجل البحث عن مأوى وضمان توفر الغذاء والدواء، فضلاً عن تحقيق حلم الهجرة بالوصول إلى القارة الأوروبية أو أميركا والتخلص من حياة الحصار والحرب التي يعيشونها.
وضع كارثي
يقول مبارك حسن إنه غادر الخرطوم عقب اندلاع الحرب واتجه إلى مدينة القضارف وعبر منها الحدود إلى إثيوبيا هرباً من جحيم القتال بعد أن روع العنف والرصاص أطفاله، وتوجه بعد ذلك لمكتب مفوضية اللاجئين للتسجيل في معسكر يوهانس ترانزيت، وبعد مضى شهر رحل إلى معسكر أولالا في إقليم أمهرة المضطرب على رغم اعتراضهم على ذلك بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية هناك. يضيف، "هناك أخطار تواجه اللاجئين، بخاصة في ظل انتشار مجموعات مسلحة تتجول في المنطقة وترتدي أزياء مدنية، فضلاً عن عدم وجود حراسات على المعسكر وتزايد عمليات السلب والنهب، مما يعرض حياتنا لخطر الموت أو الإصابات في أي لحظة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح حسن أن "معسكر أولالا يفتقر إلى الرعاية الصحية الكافية، ويوجد مركز يقع على مسافة بعيدة ولا يوفر الأدوية المنقذة للحياة، ويقدم خدمة محدودة للغاية، إذ توجد فقط أقراص بنادول والمضادات الحيوية، بالتالي يعاني المرضى السودانيون الأمرين في الوقت الحالي".
ولفت اللاجئ السوداني إلى أنه "لا توجد مؤشرات لتحسن الظروف في الوقت الحالي، والأمر المثير للقلق أن الأطفال لم يجدوا حظهم من التعليم، نظراً إلى عدم وجود مدارس وإمكانية الخروج من المعسكر وإلحاقهم بمؤسسات تعليمية بسبب نفاد المدخرات المالية".
وجبة واحدة
قبل نحو عام، قصد الرشيد حمد أوغندا قادماً من أم درمان برفقة أسرته، لكنه اضطر إلى التوجه لمعسكر كرياندنقو الذي يبعد نحو 400 كيلومتر من العاصمة كمبالا، وواجه هناك صعوبات عدة، إذ يعاني كثر من اللاجئين السودانيين في سبيل توفير الحاجات اليومية، ويضطر آخرون لتناول وجبة واحدة في اليوم بظل ظروف صعبة، لا سيما مع دخول فصل الخريف".
يقول حمد، "نعيش وضعاً دون المستوى من الغذاء والصحة وبات أملنا مفقوداً في تلقي المساعدات، إذ لا يوجد دعم من منظمات إنسانية تنقذ الآلاف من الوضع الراهن وتعيد لهم البسمة والتفاؤل بواقع أفضل". وأشار إلى أن "إدارة المعسكر تقدم مواد إيواء محلية للاجئين عبارة عن مشمعات وحطب لتشييد منازل، خصوصاً للأسر والأطفال وكبار السن، لكنها غير ملائمة ولا تقي من البرد القارس والأمطار التي تهطل بغزارة، بخاصة هذه الأيام".
ونبه اللاجئ السوداني إلى أن "فصل الخريف في أوغندا يسهم في تفاقم الأوضاع الصحية، ويتسبب في تزايد معدلات الوباء، خصوصاً نزلات البرد والالتهابات التي ارتفعت بصورة ملحوظة وسط اليافعين والمسنين، في وقت لا تتوفر فيه رعاية صحية بالمعسكر، علاوة على نفاد الأموال لدي الغالبية".
أزمات ومآسٍ
أجبرت أحداث مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور في يونيو (حزيران) 2023، خديجة التوم على النزوح إلى دولة تشاد والإقامة في مخيم أدري وسط ظروف إنسانية كارثية، إذ تقول إن "الجوع دهم غالبية الأسر وبات الجميع يعيش أوضاعاً في غاية الصعوبة والبؤس في ظل تفشي الأوبئة وانعدام الرعاية الصحية والأدوية ومياه الشرب، فضلاً عن أزمة الصرف الصحي".
وتخشى التوم على أطفالها من المرض بسبب انتشار الحميات خلال الفترة الحالية، مؤكدة أن مناعتهم ضعيفة نتيجة سوء التغذية، كما أنها عاجزة عن شراء الأدوية لعدم توفر مساعدات مالية. وأوضحت أنها كانت تتوقع توفر خدمات كافية من الغذاء والدواء، علاوة على السكن الملائم في معسكرات اللجوء، لكنها تفاجأت بأوضاع مزرية لا تقل مأسوية من تداعيات الحرب في السودان.
ولفتت اللاجئة السودانية إلى أن "حلم الشباب في الهجرة إلى الدول الأوروبية أو أميركا، وكذلك كندا وأستراليا، بات مستحيلاً في ظل وجود كثر من اللاجئين الذين يبحثون عن هذا الحلم منذ أكثر من 10 سنوات دون جدوى".
انعدام الأمن
يواجه اللاجئون السودانيون في إثيوبيا ظروفاً إنسانية قاسية بسبب الأوضاع الأمنية، إذ يقول بهاء الدين يحيى إن "المقيمين في معسكر كومر اعتصموا للأسبوع الثاني توالياً نتيجة الأخطار المتزايدة بسبب إطلاق الرصاص المتكرر بواسطة الميليشيات المحلية، كما طالبوا بالإجلاء إلى مكان أكثر أمناً". وأضاف، "نقيم قرب الشرطة الفيدرالية المجاورة من أجل الحماية حتى لا نتعرض لخطر القتل أو الإصابة بالرصاص الطائش، ولا ندري كيف سيكون وضعنا خلال الفترة المقبلة في ظل استمرار الحرب والمعاناة في معسكرات اللجوء".
وأوضح يحيى أن "اللاجئين في معسكر كومر دفعوا بمذكرة إلى ممثلي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مشيرين إلى تعرضهم للاختطاف والأذى الجسيم والنهب، وكذلك إطلاق النار العشوائي وتقييد الحركة، فضلاً عن عدم توفر التعليم والرعاية الصحية ونقص الغذاء والماء".
وواصل اللاجئ السوداني بالقول، "أشارت المذكرة إلى إصابة ثلاثة لاجئين بعاهة مستديمة من بينهم سوداني وتعرض اثنين من السودانيين للاختطاف والطعن بالسكين".
أرقام مفزعة
أسفرت حرب السودان وفق تقارير أممية ومحلية عن نزوح ثمانية ملايين شخص، لجأ نحو 1789050 سودانياً منهم إلى دول الجوار، وصنفت كأكبر أزمة نزوح في العالم بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويتوزع معظم اللاجئين السودانيين في الخارج بدول الجوار الأفريقي، منهم 564686 لاجئاً في دولة تشاد، و643254 في جنوب السودان، و500000 في مصر، و51666 في إثيوبيا و29444 في أفريقيا الوسطى، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى جانب مجموعات أخرى صغيرة توجهت صوب أوغندا وإريتريا وليبيا.
أخطار وقيود
في هذا الصدد توقع الباحث في مجال الهجرة واللجوء نعمان الطيب أن "تتواصل عمليات تدفق الفارين نحو دول الجوار بحثاً عن الأمان وسبل الحياة، على رغم تعرض أرواحهم للخطر من خلال عمليات التهريب والدخول إلى دول مثل مصر وليبيا بطرق غير شرعية بواسطة شبكات تهريب البشر التي نشطت بصورة ملحوظة في الفترة الأخيرة".
واعتبر الطيب أن "حجم الأعداد المتدفقة من اللاجئين السودانيين في معسكرات دول الجوار الأفريقي شل قدرات المنظمات الأممية وخلق أزمات إنسانية، بالتالي فإن الأوضاع باتت معقدة وفاقت الإمكانات المتاحة".
ولفت الباحث في مجال الهجرة واللجوء إلى أن "كثافة الضغوط على المعسكرات وتزايد أعداد الآتين من السودان جعل بعض دول الجوار تنظر إلى الوضع بأنه يمثل مهددات أمنية، مما دفعها لوضع بعض القيود والتضييق في إجراءات الدخول إلى أراضيها".