ملخص
وفقاً للرواية المصرية، فإن حدودها مع غزة مضبوطة بالكامل ولا توجد أنفاق في تلك المنطقة، ويؤكد ذلك رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان قائلاً "هناك ثلاثة حواجز بین سیناء ورفح الفلسطینیة تستحیل معها أية عملیة تهریب، لا فوق الأرض ولا تحتها، نحن نضبط الحدود بقوة".
وسط الحصار المطبق الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على غزة، وتقييد دخول المعونات الإنسانية المكدسة بالقرب من معبر رفح، يتساءل سكان غزة "لماذا لا تستخدم الأنفاق الحدودية لنقل المواد الغذائية بدلاً من التسبب في خلق مجاعة وأزمة غلاء أسعار طاحنة؟".
أزمة غذاء ودواء
بعد تنفيذ حركة "حماس" هجومها على البلدات العبرية القريبة من غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً مطبقاً على القطاع، وأغلق جميع المنافذ التي تربط غزة بالعالم، وقيد دخول المساعدات الإنسانية، وتسبب ذلك في اقتراب القطاع من معايير إعلان المجاعة.
وفي ظل هذه الأزمة الإنسانية التي أخذت شكل نقص حاد في الغذاء والدواء وما تبعه من نتائج وخيمة، برز لدى سكان غزة تساؤل حول لماذا لم تستخدم حركة "حماس" أنفاقها لتأمين الطعام للمدنيين، بخاصة تلك الأنفاق القريبة من الحدود التي من المفترض استخدامها لأجل إنقاذ المجتمع المحلي من ويلات الحرب.
شبكة إنفاق كبيرة
بحسب الرواية الإسرائيلية فإن لدى حركة "حماس" شبكة أنفاق كبيرة وطويلة وفعالة وتصل إلى كل مكان في غزة، وتقطع نحو 500 كيلو متر أي أكبر من مساحة القطاع البالغة 356 كيلو متراً، وهذا يدلل على أن هذه السراديب تجتاز الحدود إما الإسرائيلية أو المصرية.
ووفقاً لتلك الرواية التي تؤكد أن هناك سلسلة أنفاق تجتاز محور فيلادلفيا شيدتها حركة "حماس" على مدار الأعوام الـ17 الماضية، استمد سكان غزة سؤالهم عن عدم تدخل الجهات المحلية في إنقاذ أزمتهم الإنسانية واستخدام الأنفاق لنقل الغذاء.
يشكل محور فيلادلفيا شريطاً أرضياً عازلاً بين مصر وغزة، ويبلغ طوله نحو 14 كيلومتراً، بعرض 500 متر، وفي هذا الطريق الترابي يوجد معبري رفح البري وكرم أبو سالم التجاري، وتتهم إسرائيل حركة "حماس" بأنها حفرت أنفاقاً على طول الحدود من أجل تسليح نفسها.
ويعتقد جزء كبير من سكان غزة بأن "حماس" تملك شبكة أنفاق حدودية تقطع محور فيلادلفيا، وأن الأجدر بالحركة استخدام هذه السراديب لأجل تأمين المواطنين بالغذاء، بخاصة في وقت الحرب الضارية التي تسببت في نفاد حتى علف الحيوانات.
تاريخ الأنفاق أسفل فيلادلفيا
لهذا الموضوع اعتبارات وخلفيات كثيرة، إذ في عام 2007 أي عقب سيطرة "حماس" على القطاع وفرض إسرائيل حصارها الطويل، اقتحم فلسطينيون الشريط الحدودي باتجاه مصر للتزود بالطعام والشراب والمواد الأساسية لحياتهم، وعلى أثر ذلك فرضت القوات المصرية سيطرتها على فيلادلفيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل السيطرة على طريق فيلادلفيا، ابتكرت "حماس" فكرة حفر الأنفاق تحت الممر، وذلك عام 2009، وبلغ عدد السراديب بين غزة ومصر وقتها نحو 3 آلاف نفق جميعها أسفل محور فيلادلفيا، وكانت تستخدم لأغراض متعددة أبرزها نقل الطعام حتى إن تلك الوسيلة شكلت شريان حياة للسكان.
احتجت إسرائيل على ظاهرة الأنفاق، فاتخذت مصر سلسلة إجراءات طويلة وصارمة لمحاربة تلك السراديب، بدأت من ضخ مياه البحر في الأنفاق لغمرها، ونجحت في تدمير معظم تلك الأنفاق، ثم صب الجيش المصري الخرسانة في فتحات ما تبقى من سراديب، وكذلك جرى التنقيب عما تبقى من أنفاق وتفجیرها.
حدود مضبوطة
في عام 2020 انتهى الجيش المصري من تعزيز الإجراءات الأمنية على محور فیلادلفیا، وعمل على تدشين منطقة عازلة بعمق خمسة كيلو مترات ونشر كاميرات مراقبة على الحدود، وبناء جدار حدودي مع القطاع طوله ستة أمتار فوق الأرض ومثلها تحت الأرض.
بعد انتهاء مصر من تأمين الحدود عام 2020، قال المتحدث العسكري المصري العقيد تامر الرفاعي "دمرنا جميع الأنفاق على الشريط الحدودي مع غزة، وبذلك منعنا تسلل العناصر الإرهابية من غزة وأوقفنا تهريب الأسلحة والذخائر والمخدرات".
وفقاً للرواية المصرية، فإن حدودها مع غزة مضبوطة بالكامل ولا يوجد أنفاق في تلك المنطقة، ويؤكد ذلك رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان قائلاً "هناك ثلاثة حواجز بین سیناء ورفح الفلسطینیة تستحیل معها أية عملیة تهریب، لا فوق الأرض ولا تحتها، نحن نضبط الحدود بقوة".
تناقض
أما بحسب رواية حركة "حماس" فإن المتحدث باسمها حازم قاسم يؤكد أنه "لا يوجد في غزة أي أنفاق تجتاز الأراضي المصرية، بخاصة أن هناك منطقة عازلة طولها يزيد على 1500 متر، فضلاً عن حرص الجهات الحكومية في القطاع على ضمان علاقة طبيعية مع الجانب الآخر".
لكن إسرائيل تجزم بأن هناك أنفاقاً ما زالت أسفل محور فيلادلفيا، وتستخدم لتهريب أسلحة وذخائر، وفي ظل التأكيد الصارم الذي يتحدث عنه قادة تل أبيب، فإن سكان غزة يستغربون من عدم استخدام هذه السراديب لحل الأزمة الإنسانية.
الأنفاق لـ"حماس" والشعب للأمم المتحدة
بشكل عام يقول عضو المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق يقول إن الأنفاق التي شيدتها الحركة تستخدم لحماية وتأمين مستلزمات المقاتلين، وليس لتوفير ما يحتاج إليه سكان غزة.
ويضيف "70 في المئة من سكان غزة تقع مسؤوليتهم على الأمم المتحدة باعتبارهم نازحين، وبقية السكان فإن إسرائيل تتولى مسؤوليتهم على اعتبار أنها قوة احتلال وفق معايير الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية".
حديث أبو مرزوق هذا يأتي في سياق عام، لكن في ما يتعلق بأمر استخدام الأنفاق الحدودية لنقل الغذاء أو غير ذلك، فإن "حماس" تتمسك بأن لا سراديب تحت محور فيلادلفيا، وأن أفضل حل للأزمة الإنسانية يتمثل في إعادة فتح معبر رفح البري، وفقاً لحديث عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم.
دليل يضر "حماس"
في المقابل يقول الباحث في الشؤون السياسية مهند خضري "إذا كان هناك أنفاق أسفل محور فيلادلفيا فلا يمكن أن تستخدم خلال فترة الحرب، لأن إسرائيل تراقب هذا المحور على مدار الساعة وتصور كل شيء يحدث على الحدود".
ويضيف "حماس ليست غبية سياسياً حتى تنقل بضائع من أنفاق أسفل فيلادلفيا، لأنها بذلك تعطي إسرائيل الذرائع لتقدمها للعالم بأنها تنتهك الاتفاقات، وتسلح نفسها بطرق غير شريعة بالتالي يخسر الفلسطیني تضامن دول العالم معه من ناحية إنسانية".
وبحسب خضري فإنه "حتى لو افترضنا وجود أنفاق فاعلة في منطقة الحدود، فإن استخدامها لنقل الغذاء ليس كافياً، إذ تكون العملية بطيئة للغاية ولا تستطيع سد جوع سكان غزة، فضلاً عن الأخطار التي قد يتعرض لها العاملون في تلك السراديب".
من جهته يؤكد المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد عدم وجود أي أنفاق في محور فيلادلفيا، ويقول "مصر تضبط حدودها مع غزة وتسيطر عليها بشكل كامل، والمزاعم الإسرائيلية بأن المحور لا یزال وسیلة لـ’حماس‘ من أجل تهريب أسلحتها عبر الأنفاق تحت الأرضية غير صحيحة بالمطلق".