ملخص
تعتبر منصة "تيك توك" بالفعل عالماً مليئاً بالأخطار بكل ما له من تأثيرات على عقول الأطفال وسلوكياتهم، وفق الخبراء التربويين، وتعتبر كل التحذيرات منه مبررة في ظل كل التحديات التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال فيه، بدءاً من المعلومات المضللة التي تنشر فيه ووصولاً إلى تأثيره في صحتهم النفسية وجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب والعزلة الاجتماعي والأرق وغيرها.
هزت قضية عصابة الـ "تيك توك" المتهمة بعملية اغتصاب واستغلال الأطفال وتوريطهم في تعاطي المخدرات وترويجها الرأي العام اللبناني، وأثارت موجة غضب كبيرة وتعاطفاً مع الضحايا القاصرين، وعلى إثرها أُطلقت التحذيرات حول أخطار المنصة على الأطفال لاعتبار أن النسبة الكبرى من مستخدميها من الأطفال والمراهقين.
وبعد هذه الفضيحة بدأت المطالبات بحظر التطبيق في البلاد بانتظار صدور قرار قضائي لحجبه في لبنان، وتسلط الأضواء بشكل أساس حالياً على المنصة الصينية لاعتبارها الأكثر استخداماً بين المراهقين والشباب، إنما في الواقع ثمة أخطار أخرى في العالم الافتراضي يتعرض لها الأطفال يومياً من دون أن تتخذ أية احتياطات بهذا الشأن، ومنها الألعاب الإلكترونية الأكثر شيوعاً بين الأطفال والتي لا تقتصر تداعياتها على النواحي النفسية والاجتماعية التي يُحذر منها، بل تتخطاها لتطاول سلامة الأطفال، وهي لا تقل خطورة عن "تيك توك".
خطر إدمان الألعاب وأكثر
تعتبر منصة "تيك توك" بالفعل عالماً مليئاً بالأخطار بكل ما له من تأثيرات على عقول الأطفال وسلوكياتهم، وفق الخبراء التربويين، وتعتبر كل التحذيرات منه مبررة في ظل كل التحديات التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال فيه، بدءاً من المعلومات المضللة التي تنشر فيه ووصولاً إلى تأثيره في صحتهم النفسية وجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب والعزلة الاجتماعية والأرق وغيرها، كما تظهر التجارب أنه يشكل مجالاً مفتوحاً لاستغلال الأطفال وتعريضهم للتنمر، وأيضاً لأهم الأخطار مثل الإدمان والاغتصاب، أما الألعاب الإلكترونية مثل "روبلوكس" و"فورتنايت" و"ماين كرافت" فهي من الأكثر رواجاً بين الأطفال حالياً، وفي الوقت نفسه قد تكون من أكثر الألعاب خطورة مما يستدعي تسليط الضوء على هذه الأخطار التي تهدد كل طفل.
وإذ يركز الخبراء على الآثار النفسية لهذه الألعاب لما قد تسببه من إدمان وقلق مزمن وأرق وعزلة اجتماعية وكآبة وسلوك عدواني وقلة تركيز، فقد تُهمل جوانب أخرى خطرة فيها، ففي الواقع تشكل تهديداً حقيقياً لسلامة الأطفال بشكل لا يقل خطورة عن تلك التي باتت معروفة لـ "تيك توك".
وفي هذا الإطار تميز الاختصاصية في المعالجة النفسية لانا قصقص ما بين لعبتي "روبلوكس" و"ماين كرافت"، مشيرة إلى أنهما بالفعل من أكثر الألعاب الإلكترونية انتشاراً بين الأطفال، لكن خطورة "ماين كرافت" تقل عن تلك التي لـ "روبلوكس" بكل ما فيها من محتوى وعناصر، كما أن لعبة "ماين كرافت" من الألعاب المسموحة للأطفال من عمر سبع سنوات، فيما لعبة "روبلوكس" مسموحة للأطفال من عمر 13 سنة فما فوق، لكن المشكلة الأساس في أن أطفالاً دون عمر السنوات السبع يلعبون عشوائياً أياً منها من دون أي رقابة، مما يعرض سلامتهم للخطر.
وعلى صعيد العنف تحذر قصقص من لعبة "روبلوكس" لاعتبارها تقدم محتوى أكثر عنفاً، إذ تضع الطفل في موضع يسعى فيه إلى الدفاع عن نفسه في مواجهة أطراف معينة مستخدماً الأسلحة، وقد يتعاطى ربما المخدرات ويتعرض إلى غيرها من العادات السيئة، "وهي لعبة تضع العنف والإدمان في خانة السلوكيات الطبيعية التي لا عيب فيها، إذ لا تعود خاطئة أو معيبة بالنسبة إلى الطفل، سواء أثناء اللعب أو في الحياة العادية، وهذا تحديداً ما يبدو مقلقاً في هذه اللعبة، إذ قد يتجه الطفل إلى تقبل كل هذه السلوكيات السيئة".
استدراج نحو الخطأ
وبالنسبة إلى لعبة "ماين كرافت" فالخطر الأكبر في أن يتعرض الطفل بنفسه إلى العنف لكونه على تواصل مع أشخاص غرباء عنه، وقد يلجأون إلى العنف أو يستدرجونه أو يخضعونه للتنمر، بما أن مجال التواصل عام ومفتوح مع الكل في لعبة "ماين كرافت" التي يلعبها لاعبون متعددون، وقد يتشاركون فيها البيانات من دون ضوابط "وهنا تكمن خطورتها، لا في اللعبة بذاتها، ولكن في أي من هذه الألعاب، ومن ضمنها لعبة ’فورتنايت‘ التي تعتبر ضمن الأكثر رواجاً بين المراهقين، والعامل المشترك الذي يزيد خطورتها هو التواصل واللعب مع غرباء ليست هناك أية معرفة سابقة بهم، ومن الممكن أن يعمدوا إلى استغلال الأطفال والتحرش بهم، فهم يدخلون في هذه الألعاب لاستدراج الأطفال واستغلالهم خارج إطار اللعب، وهذا ما لا يكون الأطفال على دراية به، وهم ينظرون إلى هذه الألعاب نظرة بريئة من دون أن يدركوا هذه التفاصيل وكل ما فيها من أخطار، حتى إن معظم الأهل لا يدركون ما لهذه الألعاب من خطورة فيهملون الإشراف على أطفالهم عند اللعب بها، ولا يلجأون إلى أي شكل من أشكال الرقابة أو الضوابط للحد من الخطر على أطفالهم".
ومن الأخطار المرتبطة بهذه الألعاب الإلكترونية أنه من الممكن للطفل أن يقوم بعمليات شراء فيها، وإذا كان الهاتف أو الجهاز الذي يستخدمه متصلاً ببطاقة الائتمان الخاصة بالأهل فقد يقوم بعمليات الشراء من دون حدود أو ضوابط، ومثل هذه الأمور تجعله أكثر ميلاً إلى شراء ما لا جدوى منه أو لا قيمه فعلية له، كما أنها تجعله أكثر عرضة للإدمان في وقت ترسخ في ذهنه فكرة أنه قادر على تسديد ثمن كل ما يلبي رغبته فيحصل عليه، مما يجعل هذه الأفكار السيئة راسخة في ذهنه وتخلق لديه صلة مع عادات سيئة يمكن أن يكتسبها، إضافة إلى الخسارة المادية الكبرى التي يمكن أن يتحملها الأهل من عمليات الشراء هذه.
إجراءات للحد من الخطر
وفي سبيل تأمين الحد الأدنى من السلامة والأمان للأطفال وإبعاد شبح الأخطار الكثيرة المرتبطة بهذه الألعاب، تنصح قصقص الأهل بحظر الرسائل والـ "شات" لوقف التواصل في هذه الألعاب، كما يجب الحرص على تطبيق نظام رقابة الأهل على هواتف أطفالهم لحمايتهم من أي أذى خارجي من قبل من قد يستغلون براءتهم عند اللعب، ويمكن وضع ضوابط خاصة بتوقيت معين للعب لتساعد أيضاً.
ومن جهة أخرى فمن الضروري الحرص على إعطاء كل التوجيهات اللازمة للأطفال حول مسالة التواصل مع الغرباء وضرورة الامتناع من ذلك، حتى ضمن الألعاب كما في الحياة العادية.
ومن السلوكيات الصحيحة التي يجب نقلها للطفل أن يخرج من اللعبة لدى سماعه من ينطق بعبارات غير لائقة، مع كل ما يلزم من توعية للأطفال ضمن هذه الألعاب كما مختلف التطبيقات التي بين أيدينا، فهناك خاصية تسمح بفلترة او استبعاد المحتوى غير اللائق أو غير المرغوب فيه، وهذه أيضاً من الخطوات التي تسمح بتأمين حد أدنى من الحماية حفاظاً على سلامة الطفل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حماية الطفل بمنعه من اللعب
وتبدو كل الضوابط التي يمكن اللجوء إليها غير كافية لحماية الطفل، بحسب الخبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولان أبي نجم، إذ يؤكد "أن كل الإجراءات التي يمكن أن تُتخذ قد لا تؤمن حماية تامة للطفل، خصوصاً أن كل ما يتصل بالإنترنت لا يعتبر آمناً، والألعاب الالكترونية ضمناً، بما أن الأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة في أي وقت كان، حتى إن ’روبلوكس‘ التي تعتبر لعبة محورها المغامرة الشيقة في الظاهر، تدعو الطفل إلى الدخول إلى غرف خاصة حيث يمكن التعرض إلى أفعال لها علاقة بالجنس، مما يؤكد خطورة هذه الألعاب للأطفال، فيما هم عرضة باستمرار للاستغلال من قبل غرباء على تواصل معهم".
ويتابع أبي نجم، "من المؤسف أننا نعلم أطفالنا ألا يكلموا الغرباء في الحياة العادية فيما هم يتواصلون مع غرباء في هذه الألعاب، فهم يقبلون التواصل مع الغرباء في اللعب، حتى إنهم يدخلون إلى غرف خاصة بناء على دعوات من أشخاص لا يعرفونهم، كما يشجعونهم على سلوكيات كثيرة ليس من المفترض القيام بها، وينطبق ذلك على ’فورتنايت‘ بكل ما فيها من قتل وعنف تشجع عليه، ومن الممكن لمطوري ألعاب مثل ’روبلوكس‘ و ’ماين كرافت‘ أن يضعوا برمجيات خبيثة تمكنهم من اختراق الهواتف والأجهزة المستخدمة للعب بكل بساطة ومن دون عوائق".
وانطلاقاً من ذلك، ولأن الحماية التامة للأطفال حفاظاً عل سلامتهم وأمنهم مسألة غير ممكنة في هذه الألعاب ولن يكون من الممكن تحقيقها حتى في اتخاذ بعض الإجراءات والحرص على الرقابة، فإن أبي نجم ينصح بألا يلعب الطفل أصلاً هذه الألعاب، "ويجب أن يدرك أن إقامة حرب إلكترونية مع عصابات ومافيات ليست معياراً للقوة، فهو يسعى أثناء اللعب إلى حماية نفسه منها بشتى الطرق، ويشعر بالضعف والعجز إن لم ينجح في ذلك، وهذا ما يمكن أن ينعكس سلباً على شخصيته وصحته النفسية، وحتى إذا حاول الطفل أن يبقى على تواصل مع أصدقائه حصراً ليبقى بأمان فلن يكون من الممكن الحفاظ على سلامته بالمستوى المطلوب".