Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب السودان تهدد التراث الزراعي

يخشى مسؤولون تعرض بنك الموارد الوراثية لأخطار القصف المتبادل بين الجيش و"الدعم السريع"

معارك لا تتوقف في مناطق عدة بينها ود مدني السودانية (أ ف ب)

ملخص

تعرض موقع بنك الموارد الزراعية الوراثية في السودان لأي قصف جوي أو مدفعي يعني فقدان النباتات وتلف آلاف العينات الجينية للبذور السودانية

على مقربة من شارع النيل في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم يقع بنك الموارد الوراثية "الجينات المركزية" الذي يمثل ثراء التنوع البيولوجي الزراعي في السودان، لكن تداعيات الحرب تثير المخاوف من تعرضه لأخطار تلف آلاف من عينات البذور والنباتات بخاصة بعد أن طال التخريب وعمليات السلب والنهب مقر هيئة البحوث الزراعية عقب اجتياح قوات "الدعم السريع" للولاية الأهم زراعياً في البلاد.

وتواجه أعداد كبيرة من الأصول النباتية والتقاوي، وكذلك عينات من البذور جرت الأبحاث حولها منذ أكثر من قرن داخل البنك خطر الإبادة، سواء بالقصف الناري أو تدهور عمليات الحفظ، إذ تحتاج إلى تخزين في درجات حرارة تصل لـ20 تحت الصفر داخل المبردات وفقاً للمعايير العالمية.

استغاثة واستجابة

واعتبر مدير مركز بحوث التقانة والسلامة الحيوية بهيئة البحوث الزراعية السودانية طلال سيد عبدالحليم في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "استهداف بنك الموارد الوراثية يمثل تهديداً وجودياً لخزائن الأصول النباتية التي تعد ثروة علمية وموروثاً متراكماً عبر عقود من الزمان والأجيال، وكذلك مواد أساس للبحوث العلمية وبرامج التربية والتحسين الوراثي من أجل استدامة وتطوير الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي والبيئي". وأضاف أن "حصر حجم الضرر أمر في غاية الصعوبة، نظراً إلى عدم إمكانية القيام بزيارات ميدانية بسبب الأخطار التي تترتب على مثل هذه الخطوات في ظل الوضع الحالي".

وأوضح عبدالحليم أنهم "أطلقوا نداء استغاثة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، واستجابت رئاسة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في روما عبر مكتب السودان، وطلبوا مدهم بمذكرة صيغت مقترحها من قبل ممثلين لهيئة البحوث الزراعية، وأثمرت هذه المبادرة التصديق الفوري لنا بـ350 ألف دولار كخطوة أولية لإنقاذ ذلك المدخر الحيوي من الموارد الوراثية". وأضاف، "كما أجرت منظمة (الفاو) عبر مكتبها في السودان أسطول من السيارات المبردة والشاحنات لغرض إجلاء تلك الموارد، وتمت مخاطبة مجلس السيادة وجهاز الأمن والاستخبارات عبر منظمة (أوشا)، وبعد الحصول على التصريحات اللازمة لحركة السير، خاطبت المنظمة قوات (الدعم السريع) والتي وافقت في بداية الأمر، لكن سرعان ما تراجعت عن التزامها السماح لسيارات منظمة (الفاو) التي كانت موجودة قرب حدود ولاية القضارف لنحو شهرين وبكلفة انتظار تجاوزت 45 ألف دولار بالتحرك إلى مدينة بورتسودان شرق البلاد".

 

 

وأشار مدير مركز بحوث التقانة والسلامة الحيوية بهيئة البحوث الزراعية السودانية إلى أنهم "تلقوا عديداً من المبادرات والوعود من المراكز الدولية والمنظمات الإقليمية المتخصصة في حماية الموارد الوراثية في سبيل تقديم المساعدات اللازمة لحل الأزمة".

ويخشى عبدالحليم من تعرض موقع بنك الموارد الوراثية للقصف الجوي أو المدفعي، مما يؤدي إلى فقدان النباتات وتلف آلاف العينات الجينية للبذور السودانية.

التنوع الوراثي

من جهته حذر المتخصص في الموارد الجينية كمال شرف من "فقدان البلاد لتنوعها الوراثي الذي يضر بمرونتها الزراعية، ويهدد النظام الغذائي العالمي، باعتبار السودان منشأ لكثير من المحاصيل الأساس، ويملك بنك جينات النبات الذي يضم أكثر من 15 ألف عينة، تتضمن بذور المواد الغذائية والزراعية، مثل البطيخ والذرة الرفيعة والدخن، فضلاً عن أصناف المحاصيل اللازمة لتطوير القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ والآفات". ولفت إلى أن "المداخيل تمثل أصنافاً عدة للمزارعين منها المحلية والتقليدية والقديمة، وكذلك الأقارب البرية لكثير من المحاصيل في السودان مثل السمسم والفول السوداني واللوبيا، إلى جانب حب البطيخ والقرع العسلي والبامية والطماطم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه شرف إلى أن "فقدان هذه الموارد الوراثية وخروجها من المنظومة سيكون له تأثير حقيقي في الأمن الغذائي الناتج من هذه النباتات في حده الأدنى وقواعده الأساس على المدى البعيد".

ويخشى المتخصص في الموارد الجينية من تدهور أوضاع السلالات الوراثية بسبب قطوعات الكهرباء في ظل تصاعد وتيرة المعارك بولاية الجزيرة، بخاصة أن نمط حفظ البذور المتبع حالياً لا يصلح لأمد طويل، إذ تحتاج إلى تخزين في درجات حرارة 20 درجة تحت الصفر داخل مبردات بمواصفات محددة وفقاً للمعايير العالمية".

مرجع موسوعي

أنشئت هيئة البحوث الزراعية السودانية في عام 1902 بهدف إنتاج التقنيات والنظم اللازمة لإنتاج المحاصيل وضمان الأمن الغذائي واستكشاف الإمكانات الزراعية في عدد من مناطق البلاد.

وفي هذا الصدد يعتقد الباحث في علوم النباتات الوراثية نجم الدين سلمان أن "العينات المحفوظة في بنك الجينات مهمة للغاية لأنها تحمل صفات وراثية مرغوبة يعتمد عليها في البحوث العلمية وعمليات الإكثار، فمنها ما يملك قدرة أعلى لتحمل الجفاف أو الحرارة، وكذلك مقاومة بعض الأمراض، إضافة إلى صفات جودة كالقيمة الغذائية وغيرها".

 

 

ودعا سلمان إلى نقل البذور إلى أماكن آمنة بضمانات دولية من أجل حماية ثراء التنوع البيولوجي الزراعي في السودان، ومنع إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بهذه المؤسسة المحورية. وأوضح أن "مقر هيئة البحوث يضم أرشيفاً كاملاً لطرق الزراعة التقليدية وسجل للخبرات في هذا المجال، وتعد هذه المعينات جزءاً من تراث مزارعي السودان ومرجعاً موسوعياً مهماً يصعب استعادته حال تعرضه للتخريب والتدمير أو عدم توفر بيئة حفظ آمنة، لا سيما أن العاملين اضطروا إلى النزوح بعد تصاعد القتال في ولاية الجزيرة".

ونبه الباحث في علوم النباتات الوراثية إلى أن "القلق من أخطار فقد التنوع الحيوي دفع كثيراً من الجهات في أنحاء العالم إلى تأسيس بنوك الجينات بهدف جمع العينات وحفظها للمدى الطويل، إذ يتم العمل عليها لتبقى مئات السنين للأجيال لكي تستخدم مستقبلاً".

حماية ومحافظة

إلى ذلك أطلقت مبادرة "صون التراث السوداني" نداءً عاجلاً لطرفي الصراع طالبت من خلاله بضرورة أهمية الحماية والمحافظة على بنك الجينات الوراثية الذي يضم عينات بذور لأكثر من 15 ألف مدخل من السلالات والأصناف المحلية التقليدية لمحاصيل عدة جمعت من مختلف أنحاء البلاد بهدف صونها وحفظها من الضياع وإخضاعها للبحوث العلمية، وكذلك إدراجها في برامج التحسين الوراثي.

وعدت المبادرة أن "الحفاظ على هذا المرفق مهمة تقع على عاتق جميع الأطراف حتى لو تطلب ذلك التكفل بنقلها إلى مكان آخر أكثر أماناً لضمان سلامة حفظ العينات والدراسات والبحوث نظراً إلى عدم وجود نسخ أخرى منها خارج دائرة الخطر والتهديد بالضياع".

 

 

وعبرت عن "أملها في الاستجابة العاجلة للنداء الذي وجهته للمنظمات الأممية ذات الاختصاص في المجال والمنظمات الدولية والإقليمية".

وعدت المبادرة التراثية العناصر المحفوظة في مقر هيئة البحوث مثل الموارد الوراثية وقاعدة البيانات وقوائم الحصر الخاصة بها، وكذلك محتوى الدراسات والإفادات المدونة والمسجلة، تراثاً وإرثاً حياً للزراعة في السودان.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير