ملخص
ثلث أراضي أوكرانيا أصبح ملوثاً بعناصر سامة مثل الرصاص والكادميوم والزرنيخ والزئبق المتسربة من الذخيرة والأسلحة
تواجه زراعة القمح في روسيا وأوكرانيا ظروفاً إنتاجية صعبة تشي بتراجع متوقع في إنتاج الدولتين المسؤولتين عن نحو ثلث صادرات العالم من المحصول الاستراتيجي، واحتمال ارتفاع الأسعار على خلفية ضيق المعروض في الموسم الحالي.
وبينما واجه القمح في روسيا تحديات الطبيعة المتمثلة في الصقيع غير الموسمي بمناطق زراعته جنوب البلاد فإن تحديات الحرب قلصت ظروف الإنتاج في أوكرانيا الملوثة أراضيها بعناصر سامة، مثل الرصاص والكادميوم والزرنيخ والزئبق المتسربة من الذخيرة والأسلحة إلى التربة، بحسب ما تكشفه تقارير حديثة.
الجنوب الروسي المتضرر
في البداية، خفض معهد دراسات السوق الزراعية الروسية (IKAR) توقعاته لمحصول القمح في موسم 2023-2024 إلى 86 مليون طن من نحو 100 مليون طن حصدت العام الماضي، وذلك بعدما شهد الجزء الجنوبي من روسيا الذي ينتج أكثر من 30 في المئة من محصول القمح السنوي في البلاد ظواهر مناخية قاسية في الأسابيع الأخيرة، مما تسبب في أضرار للمحصول.
في الوقت نفسه، خفضت شركة أبحاث السوق الزراعية في البحر الأسود "سوفيكون" توقعاتها لمحصول القمح لموسم 2023-2024 إلى 85.7 مليون طن من 89.6 مليون طن متوقعة سابقاً بعدما واجهت روسيا الشهر الماضي وضعاً شبيهاً بالجفاف بسبب الحرارة القياسية، مما ألحق أضراراً جسيمة بالمحاصيل الشتوية بسبب نقص الرطوبة، وأعقب ذلك طقس بارد ظهر معه الصقيع الذي أدى إلى مزيد من تدهور المحاصيل ومن ثم زيادة المخاوف في شأن الإمدادات إلى السوق العالمية، إذ إن روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم.
وشهدت مناطق معينة في جنوب روسيا هطول أمطار كان من المتوقع أن تخفف من الجفاف، إلا أنها كانت متفرقة، بل ظلت بعض المناطق جافة.
ظروف مناخية صعبة
وفي تقرير المعهد الروسي، قال مديره العام دميتري ريلكو إن "المناطق الجنوبية ليست في أفضل حال أيضاً، الوضع هناك مختلف... في بعض الأماكن كانت هناك سلسلة من الأمطار، وفي أماكن أخرى لم يكن هناك أمطار"، ولفت المدير الإداري لشركة "سوفيكون" أندريه سيزوف إلى أنه "في الأشهر الأخيرة، تدهورت الظروف الجوية في نصف الكرة الشمالي تدريجاً بالنسبة إلى محصول القمح الجديد، وتفاقم هذا الوضع في أوائل مايو (أيار) الجاري عندما تعرض القمح الشتوي الروسي، بدلاً من الأمطار التي تشتد الحاجة إليها، إلى موجة برد شديدة، مع وصول درجات الحرارة الدنيا إلى أدنى مستوياتها".
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت ثلاث من مناطق زراعة الحبوب الرئيسة في وسط روسيا، ليبيتسك وفورونيغ وتامبوف، حالة الطوارئ، مشيرة إلى أن الصقيع في مايو ألحق أضراراً بالغة بالمحاصيل وسيؤدي إلى انخفاض الحصاد، فيما أكد رئيس الاتحاد الروسي لمصدري الحبوب إدوارد زرنين أن "الصقيع وتساقط الثلوج في مايو يمثل بالتأكيد حالة طوارئ للمزارعين الروس. ويمكن أن يؤثر بصورة خطرة في المحاصيل الزراعية، بخاصة تلك التي في المرحلة النشطة من الغطاء النباتي، بما في ذلك المحاصيل الشتوية".
مقاومة أضعف للحبوب
أضاف زرنين أن تساقط الثلوج والطقس البارد في مايو تسبب في أكبر الأضرار في جنوب ووسط روسيا، وهي المناطق الرئيسة لإنتاج الحبوب، إذ عادة ما تكون فترة الغطاء النباتي بدأت فعلياً بحلول هذا الوقت، وعادة ما تكون محاصيل الحبوب أكثر مقاومة للصقيع، ولكن تساقط الثلوج بكثافة ألحق الضرر البالغ بالشتلات.
ووفقاً لتقرير شركة "سوفيكون"، خسر المزارعون الروس 3.9 مليون طن قمح، بقيمة نحو 45 مليار روبل (490 مليون دولار) نتيجة الصقيع، منذ بداية الشهر الجاري، وهو ما يعزز المخاوف في شأن العرض، إذ من المرجح أن يؤثر تلف المحاصيل الشتوية الناجم عن موجة البرد والصقيع على إمكانات تصدير الحبوب الروسية في موسم 2023-2024، على رغم تأكيد وزارة الزراعة الروسية امتلاك البلاد ما يكفي من الغذاء بما يجعلها رائدة إمدادات القمح عالمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخفض معهد دراسات السوق الزراعية الروسية إجمال توقعات صادرات الحبوب الروسية إلى 59.5 مليون، على رغم بقاء موسكو المورد الرئيس للقمح في السوق العالمية، فيما تشير وزيرة الزراعة الروسية أوكسانا لوث إلى أن المزارعين الروس سيعيدون زراعة المحاصيل المتضررة على مساحة 500 ألف هكتار من الأراضي.
تلوث التربة الأوكرانية بالسموم
على الجانب الأوكراني الذي ينظر إليه باعتباره سلة أوروبا من القمح، حذر تقرير حديث لـ"جيه بي مورغان" إلى أن ما يقرب من ثلث أراضي أوكرانيا الآن أصبح ملوثاً بعناصر سامة، مثل الرصاص والكادميوم والزرنيخ والزئبق المتسربة من الذخيرة والأسلحة إلى التربة، إضافة إلى حرق غابات تبلغ مساحتها الإجمالية 9300 فدان، وتلوث الأنهار وتدمير الحياة البرية وتناثرت الألغام الأرضية على مساحة 67 ألف ميل مربع (107.8 ألف كيلومتر مربع).
وتحدث رئيس استراتيجية السوق والاستثمار في "جيه بي مورغان" عما تعانيه أوكرانيا من انخفاض في إنتاج الحبوب بصورة عامة بسبب الحرب الروسية، مقدراً خفض إنتاج البلاد من الذرة والقمح بنسبة 35 في المئة تقريباً منذ عام 2022 مقارنة بعام 2021، فيما زادت كل من كندا والبرازيل وكازاخستان إنتاجها لتعويض الانخفاض في أوكرانيا، موضحاً أن ما زاد الأمر سوءاً أن معدل اعتراض الصواريخ الروسية في أوكرانيا انخفض إلى 30 في المئة بعد أن كان 83 في المئة قبل عام، مما يجعل البنية التحتية الزراعية في مرمى القصف الروسي.
وعلى الأرجح ستنتقل تبعات أزمة القمح الروسي والأوكراني حدود البلدين المتحاربين إلى نطاقات أوسع، بالنظر إلى ما يمثلانه كمورد رئيس في سوق الحبوب العالمية، وفي ظل اعتماد كثير من البلدان عليهما للوفاء باحتياجات الأسواق المحلية من الحبوب، مما يخلق ارتدادات واسعة لدى قطاعات الاستهلاك.