Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف دعم القذافي الجيش الجمهوري الإيرلندي ضد بريطانيا؟ (2-3)

قال إن القنابل التي تهز بريطانيا هي من الشعب الليبي وأرسلناها إلى الثوار حتى يدفع البريطانيون ثمن أفعالهم

التقى القذافي وهوغي عام 1984 في طرابلس الليبية (اندبندنت عربية)

ملخص

يستعرض هذا الجزء ردود الفعل البريطانية والإيرلندية وحتى الليبية حول المقابلة التي أجرتها الصحافية الإيرلندية أونا كلافي مع العقيد القذافي والتي أجريت نهاية أكتوبر 1986 في طرابلس.

أثارت تصريحات الرئيس الليبي معمر القذافي مع الصحافية الإيرلندية أونا كلافي موجة انتقادات واسعة، إذ منح القذافي منافسي زعيم المعارضة الإيرلندية تشارلز هوغي الفرصة لشن هجمات إعلامية تمثلت في توجيه انتقادات لاذعة لسياسات هوغي، محذرين من عواقب صداقته مع القذافي والأضرار التي تترتب نتيجة هذه العلاقة على مستقبل العلاقات الإيرلندية مع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي.

كما دعا بيتر باري، وزير الخارجية في حكومة إيرلندا الشمالية، هوغي إلى التبرؤ من العقيد القذافي ومن صداقته، لكن هوغي لزم الصمت ولم ينفذ ما أراده الوزير، وكانت الحكومة الإيرلندية قد فشلت في التصدي لهجمات استهدفت زعيم المعارضة الإيرلندية، إذ استغلت تصريحات القذافي للنيل من هوغي وتحقيق مكاسب سياسية، كما وجه السيد باري السفير الايرلندي في ليبيا تقديم ورقة احتجاج.

"فاين جايل" يحقق مكاسب سياسية

في الـ 29 من أكتوبر (تشرين الأول) 1986 أصدر وزير التجارة والصناعة مايكل نونان بياناً تلته مقابلات تلفزيونية وإذاعية، قال فيه إن الحديث عن أي صداقة بين هوغي والعقيد القذافي "لن يؤدي إلا إلى الإضرار بخططنا في جذب مزيد من الاستثمارات الأميركية (حالياً نحو 5 مليارات دولار أميركي و40 ألف فرصة عمل)"، مؤكداً أن هوغي "بريء تماماً" من أي شيء قاله العقيد القذافي، لكنه دعا إلى بيان من هوغي يوضح أنه "لا توجد صداقة معينة وأن السياسة الإيرلندية ستستمر من دون تغيير".

وفي وقت سابق من هذا العام كانت بعض الشركات الأميركية ألغت زياراتها إلى مواقع صناعية محتملة في إيرلندا بسبب مخاوف من الإرهاب الليبي.

 

أما "حزب فيانا"، وهو حزب سياسي إيرلندي مقره دبلن وامتنع من التعليق، فصُدم من الهجمة، وفي بيان صدر باسم متحدث الشؤون الخارجية جيري كولينز جاء أن محاولات استخدام المقابلة كهجوم على هوغي "تتماشى مع التكتيكات التي بدأت في حزب ’فاين جايل‘"، ومن الواضح أن مثل هذه الهجمات "خلقت لتحقيق مكاسب محلية قصيرة الأجل من دون الأخذ بآثارها الدولية الطويلة الأجل على التجارة والاستثمار، إذ إنها جزء من حملة متعمدة ومستمرة من التشهير الشخصي للنائب هوغي من قبل ’فاين جايل‘".

و"فاين جايل" حزب سياسي محافظ ليبرالي وديمقراطي مسيحي في جمهورية إيرلندا، وقد وصل في ما بعد إلى رئاسة الحكومة وكان أكبر حزب في إيرلندا من حيث عدد الأعضاء في البرلمان الإيرلندي والأعضاء الإيرلنديين في البرلمان الأوروبي.

التبرؤ من صداقة القذافي

وخلافاً لما روّج له أعضاء حزب "فاين جايل" فقد دافع جيري كولينز خلال المقابلات الإذاعية والتلفزيونية التي تلت مقابلة العقيد معمر القذافي، وأكد مجدداً رفض "حزب فيانا" الجيش الجمهوري الإيرلندي أو في الواقع أي شخص "يسعى إلى متابعة العنف لتحقيق غايات سياسية"، لكنه أصر على أن علاقات "حزب فيانا" مع العالم العربي "كانت مفيدة لإيرلندا"، وأن زيارة هوغي إلى ليبيا عام 1984 "حققت مبيعات للمزارعين الإيرلنديين فشل وزراء ’فاين جايل‘ في الحصول عليها".

ولم يصدر هوغي بياناً يتبرأ فيه من اعتراف العقيد القذافي بالصداقة وأصر في وقت لاحق على أنه "لم يشعر بالحرج" من حديث القذافي الذي وصفه بأنه صديق، وأعرب عن أمله في أن يفوز هوغي و"حزب فيانا" خلال الانتخابات العامة لعام 1987.‏

 

وحذر بيتر باري عبر شاشة التلفزيون من أن الجمهورية ستنظر في قطع العلاقات مع ليبيا "إذا لم يتوقف العقيد القذافي عن دعم الجيش الجمهوري الإيرلندي الموقت، وكان من المروّع أن يتدخل زعيم بلد آخر، كنا نود أن تكون لنا معه صداقة لا بالطريقة التي حرض بها وشجع الشباب على المشاركة في ما يسميه الكفاح المسلح، مؤكداً أن "مقابلة القذافي كانت التعبير الأكثر وضوحاً على الإطلاق في التدخل ودعم يقدمه زعيم دولة أجنبية للجيش الجمهوري الإيرلندي".

وكان باري أصدر تعليماته للسفير الإيرلندي في روما والمعتمد لدى ليبيا بتقديم احتجاج قوي إلى مكتب الشعب الليبي ضد تدخل العقيد القذافي غير المقبول في الشؤون الداخلية لإيرلندا.

 

ونقلت الإذاعة الليبية تصريحات محرر الشؤون الأوروبية في وكالة الأنباء الليبية (جانا) الذي أكد أن الصداقة بين العقيد معمر القذافي وزعيم "حزب فيانا" المعارض في إيرلندا تشارلز هوغي "ستؤدي إلى تحرير إيرلندا".

وجاء في وثيقة بريطانية أخرى ما نصه، "نقل عن محرر الشؤون الأوروبية في وكالة الأنباء الليبية اليوم قوله إن العلاقات بين زعيم ’فاين جايل‘ المعارض في إيرلندا تشارلز هوغي والعقيد القذافي ستجعل تحرير إيرلندا أمراً حتمياً، وكان رئيس تحرير ’جانا‘ الذي نقلت الإذاعة الليبية تصريحاته يعلق على بيان ورد لوزير الصناعة الإيرلندي الذي أعرب عن قلق حكومته في شأن العلاقات التي تربط هوغي والعقيد القذافي، ونقل عن الوزير مايكل نونان قوله إن الصداقة بين هوغي والقذافي كان لها تأثير سلبي في الوجود الأميركي في إيرلندا، وشكّلت أيضاً تهديداً للاستثمارات الأميركية هناك".

تدخل سافر وترويج للعنف

من جانبها ردت الحكومة الإيرلندية بقوة على دعم العقيد القذافي وحمايته الأخيرة للإرهاب الإيرلندي، ومما لا شك فيه أنهم سيسعون إلى استغلال تصريحاته للهجوم على هوغي واغتنام كل فرصة لإيصال رسالة مفادها أن "حزب فيانا" لديه بعض الأصدقاء غير المرغوب فيهم.

وعلقت صحيفة "اندبندنت الإيرلندية" على أن تصريحات العقيد القذافي "ستُحرج هوغي بشكل مؤكد"، مضيفة أنه "لا يحتاج ولم يسع إلى هذا النوع من الابتزاز الذي استخدمه القذافي في المقابلة لتعزيز فرصه في الانتخابات"، مضيفة أن "أعضاء ’فاين جايل‘ يكذبون بدهاء، ولقد أخبرنا مكتبهم الصحافي هذا الصباح أنه ليس لديهم في الوقت الحالي أي خطط لإصدار بيان من أي نوع، والصحافة الإيرلندية المؤيدة لـ ’فيانا‘ تلتزم الصمت ولم تتحدث حتى عن المقابلة"، ويبقى أن نرى ما إذا كانت المقابلة سيكون لها أي تأثير دائم.

 

اجتماع هوغي مع العقيد القذافي عام 1984 لم يلحق به أي ضرر، وكان رد الفعل الشعبي الإيرلندي على الغارات والقصف الأميركي مؤيداً لليبيا بشكل عام، لكن الشعب الإيرلندي سيستاء من انتقاداته لنظامه السياسي الديمقراطي ومحاولته إخبارهم بما يجب أن يشعروا به تجاه إيرلندا الشمالية.

‏وتشير البرقية الصادرة من قبل السفارة البريطانية في دبلن بتاريخ الـ 29 من أكتوبر (تشرين الأول) 1986 والمرسلة لوزارة الخارجية البريطانية في لندن إلى فقرات من بيان صدر عن مكتب نائب رئيس الوزراء في إيرلندا بيتر باري حول تصريحات الزعيم الليبي التي اعتبرها "تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لبلاده ومروجة للعنف".

 

وجاء في البرقية ما نصه،‏ ‏"يتمسك الشعب الإيرلندي بالقيم الديمقراطية ويقف إلى جانب طريقة حياتنا الديمقراطية، ولقد رفض الشعب الإيرلندي العنف كوسيلة لحل المشكلة الوطنية لإيرلندا الشمالية، والليلة دعا العقيد القذافي الشباب في هذا البلد شمالاً وجنوباً إلى دعم العنف والتخلي عن ديمقراطيتهم، وإنني أعتبر تصريحات العقيد القذافي تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لهذا البلد ونرغب في إقامة علاقات طبيعية مع الشعب الليبي، لكن هذا مستحيل طالما أن القيادة الليبية تسعى إلى إسقاط المؤسسات الديمقراطية لهذه الدولة".‏

والتقى القذافي وهوغي عام 1984 في طرابلس الليبية، وتوصل الاثنان إلى اتفاق في شأن صادرات المواشي مما أدى إلى أن تصبح ليبيا أكبر مستورد للماشية من إيرلندا، وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي بلغت قيمة الصادرات الإيرلندية من المواشي إلى ليبيا 90 مليون يورو سنوياً.‏

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نهاية فصل "حزين ودموي"

عندما استولى المحتجون الليبيون المناهضون للنظام العقيد معمر القذافي على ‏‏طرابلس في أغسطس (آب) 2011‏‏، حثّ ‏‏وزير الخارجية‏‏ الإيرلندي وزعيم ‏‏"حزب العمال" الإيرلندي‏‏‏‏ إيمون غيلمور‏‏ الزعيم الليبي على التنحي عن منصبه كزعيم للبلاد، وقال غيلمور إن "إيرلندا ستفعل كل ما في وسعها للمساعدة في جهود إعادة الإعمار وإعادة التنمية في ليبيا"، والتقى ممثلي ‏‏المجلس الوطني الانتقالي وأعلن أنهم السلطة الوحيدة في ليبيا، وبعد مقتل القذافي قال غيلمور إن ذلك وضع حداً لـ "فصل حزين ودموي" من التاريخ الليبي.

وكانت ليبيا قدمت بين عامي 1984 و1987 أكثر من 120 طناً من الأسلحة والذخيرة والعتاد للجيش الجمهوري الإيرلندي الموقت، وضمنت هذه الشحنة استمرار الاضطرابات لأعوام عدة أخرى، بخاصة حتى أنهى "‏‏اتفاق الجمعة العظيمة"‏‏ لعام 1998 الصراع.‏

وفي تلك الحقبة وبعد سلسلة من التفجيرات من ‏‏الجيش الجمهوري الإيرلندي الموقت‏، أعلن القذافي أن "القنابل التي تهز بريطانيا وتكسرها هي قنابل الشعب الليبي، ولقد أرسلناهم إلى الثوار الإيرلنديين حتى يدفع البريطانيون ثمن أفعالهم الماضية".

ونقلت ليبيا معلومات تفصيلية عن شحناتها من الأسلحة والعتاد، إضافة إلى قائمة من أعضاء الجيش الجمهوري الأيرلندي، الذين دربتهم على أراضيها. كما كشفت أنها قدّمت للجيش الجمهوري الأيرلندي أكثر من 12 مليون دولار من المساعدات المالية خلال الثمانينيات، بعد ما أصبح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير صديقاً مقرباً للعقيد معمر القذافي في السنوات الأخيرة من حياته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير