ملخص
فيلم "الطيار" تناول أسطورة الطيران هارود هيوز وقدم مشهد تصادم لطائرة كان يختبرها واعتبره صناع الفن يظل من أقوى مشاهد التصادم في تاريخ السينما.
لا تزال حوادث الطائرات واحدة من المناطق الشائكة التي تثير فضول الجميع نظراً لما تحتويه من أسرار في الغالب لا يكشف عنها حتى بمرور الزمن، وما يزيد الشغف بتفاصيلها وجود شخصيات مهمة كقادة الدول أو المشاهير على متن رحلاتها المنكوبة.
وقدمت السينما والدراما العالمية بعض الأعمال "الحذرة" التي تناولت حوادث الطائرات، ما يفسر جنوحها في معظم الأوقات إلى الخيال على رغم التلميح بأن معظم الانفجارات الجوية تحدث بناءً على عمليات استخباراتية أو حوادث جنائية غامضة.
في المقابل، ابتعدت السينما العربية بشكل كبير عن هذا الملف سينمائياً ودرامياً فيما عدا محاولات طفيفة وقديمة من قبل بعض صناع السينما المصرية خلال فترة الثمانينيات.
أرشيف مثير للزعماء
قبل التوجه إلى المعالجة الفنية السينمائية لهذه القضية، تبدو حوادث طائرات الزعماء مثيرة للغاية، ولعل آخرها حادثة مروحية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي قبل أيام، ما أثار تساؤلات كثيرة فتحت باب النقاش مجدداً حول غموض حوادث الطائرات وهو ما يثير شهية صناع السينما العالمية لتناولها.
ومن أبرز الرؤساء وقادة الدول والسياسيين الذين تعرضوا لحوادث جوية رئيس تشيلي الراحل سيباستيان بينييرا الذي لقي حتفه يوم السادس من فبراير (شباط) الماضي بعد تحطم طائرة في منطقة لاغو رانكو التي تعتبر مقصداً سياحياً شهيراً.
وفي 2010، لقي الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي حتفه إثر تحطم الطائرة الرئاسية بالقرب من مقاطعة سمولينسك الروسية وكان برفقته زوجته ماريا كاتشينسكي، إضافة إلى سياسيين آخرين.
ولقي الرئيس المقدوني بوريس ترايكوفسكي حتفه في حادثة تحطم طائرة في 2004 على بعد 10 كيلومترات من مدينة موستار البوسنية. آنذاك أكدت لجنة التحقيق أن تحطم الطائرة نتج من أخطاء طاقم قيادة الطائرة.
واضطرت طائرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى "الهبوط الاضطراري" في الصحراء الليبية عام 1992، لكنها تعرضت لحادثة لقي ثلاثة من مرافقي عرفات حتفهم فيها.
ولقي الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق حتفه إثر انفجار طائرته في حادثة قيل إنها مدبرة في الـ17 من أغسطس (آب) 1988 خلال رحلة كان يصحبه فيها نخبة من كبار العسكريين الباكستانيين.
وفي عام 1986، تحطمت طائرة الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل والتي كانت تقله في رحلة العودة إلى مابوتو. ووقعت الحادثة على الحدود المشتركة لجنوب أفريقيا وموزمبيق وزيمبابوي، ومات فيها العديد من وزراء الحكومة الموزمبيقية مع الرئيس ولم يتم بعد توضيح ملابسات الكارثة بشكل كامل.
وتكرر الأمر مع رئيس الإكوادور خايمي رولدوس أغيليرا الذي لقي مصرعه في حادثة تحطم طائرة في الـ24 من مايو (أيار) 1981.
وسقطت مروحية الرئيس العراقي الراحل عبدالسلام عارف عام 1966 في ظروف غامضة حيث كان يستقلها هو وبعض وزرائه ومرافقيه بين القرنة والبصرة، وتردد أن المروحية تعرضت لعاصفة رملية مفاجئة تسببت في ارتباك قائد المروحية مما أدى إلى استدارة الطائرة مرتين متتاليتين قبل اصطدامها بالأرض وانفجارها، ومات جميع من كانوا على متنها.
الاعتماد على الخيال
وعلى رغم كل الثراء الذي تحمله حوادث طيران الرؤساء والمشاهير والسياسيين لم يتم تصوير إلا عدد محدود من هذه الوقائع الحقيقية واكتفت السينما العالمية بتجسيد حالات خيالية وإن كان بعضها مقتبساً من أحداث حقيقية.
ولعل واحداً من أبرز الأعمال الفنية التي تناولت حوادث الطائرات، الفيلم الأميركي "سلاح الجو الأول" والذي أدى دور البطولة فيه النجم هاريسون فورد. ويدور حول اختطاف طائرة الرئيس الأميركي جيمس مارشال الذي كان في زيارة إلى روسيا، وتخترق جماعة إرهابية الطائرة للضغط على واشنطن لإطلاق سراح شخص يدعى الجنرال راديك.
أما الفيلم الأميركي "يونايتد 93" فخرج إلى النور عام 2006، وقصته منقولة عن أحداث حقيقية لطائرة مخطوفة من قبل إرهابيين يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهي الرحلة رقم 93 التابعة لخطوط الطيران "يونايتد إيرلاينز"، واكتشف الركاب أن الطائرة المختطفة في طريقها إلى واشنطن لتنفيذ عملية إرهابية، واستدعت الضرورة إحباط الركاب للعملية الإرهابية مما أدى لتحطم الطائرة بالقرب من شانكسفيل بولاية بنسلفانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقدم النجم العالمي توم هانكس أكثر من عمل عن عالم حوادث الطائرات ومنها فيلم "منبوذ" عام 2000 وهو من إخراج روبرت زيميكس، ودارت الأحداث حول مسؤول تنفيذي بإحدى شركات الشحن الكبرى، وتتعرض طائرة الشحن التي كان يقلها للاصطدام بجزيرة مجهولة بسبب سوء الأحوال الجوية، مما يجبره على ضرورة التكيف مع الأوضاع الجديدة والظروف الصعبة التي يتعرض لها لمدة 4 سنوات.
وقدم هانكس كذلك فيلم "سولي" عام 2016، وهو مأخوذ من قصة حقيقية من الكتاب الذي ألفه الطيار تشيسلي سولينبرغر الشهير بسولي، وبطلها طيار ينجو بطائرته في مناورة خطرة.
وتعرض الأحداث التحقيق والمحاكمة التي تعرض لها سولي بعد النجاة وأنه كان بإمكانه العودة إلى المطار مرة أخرى، والفيلم من إخراج كلينت إيستوود.
وتناول المخرج جون مور في فيلم "فلايت أو ذا فينيكس" قصة طائرة تعرضت بعد الإقلاع بوقت قصير إلى عاصفة رملية قوية تتلف أحد محركاتها، فتضطر إلى الهبوط في وسط واحدة من أكثر الصحاري خطورة في العالم.
وأبدع دينزل واشنطن مع المخرج روبرت زيمكس في فيلم "الطائرة" عام 2012. وتدور أحداث الفيلم حول قائد طائرة محترف وشهير بالبراعة لكنه مدمن للخمر والمخدرات، وتتعرض الطائرة التي يقودها لتعطل كبير وبخبرته يستطيع إنقاذ الركاب بأقل خسائر بشرية، لكن تثبت التحريات تورطه في شرب الخمر أثناء القيادة مما يقلب الأحداث رأساً على عقب.
وقدم الممثل الشهير ليام نيسون عام 2011 فيلماً عن تحطم طائرة يحمل اسم "الرمادي"، وتدور الأحداث بعد تحطم طائرة في "ألاسكا" تقل 6 عمال في مجال النفط، وعليهم الصراع للبقاء على قيد الحياة قبل أن تفتك بهم مجموعة من الذئاب المتوحشة وظروف الطقس السيئة.
وقدم نيسون أيضاً فيلماً تدور أحداثه في طائرة وهو "لا توقف"، إذ تعرضت الطائرة للاختطاف على يد إرهابي وكان لا بد من توقيفه قبل أن يتم التفجير بدقائق وهي المهمة التي ألقيت على عاتق ضابط مخضرم أدى دوره نيسون.
وتناول فيلم "بين جبلين" الذي لعبت دور البطولة كيت وينسليت وإدريس ألبا قصة حب جمعت بين رجل وامرأة بعد تحطم طائرة خاصة كانت تقلهما بسبب سوء الأحوال الجوية.
وقدم المخرج العالمي مارتن سكورسيزي من بطولة ليوناردو دي كابريو وكيت بلانشيت فيلماً عن أسطورة الطيران هارود هيوز، والفيلم حمل عنوان "الطيار". وكان هارود يتمتع بموهبة الاختراع والتطوير في مجال الطيران، ولم يتناول العمل حادثة أو كارثة طيران لكنه قدم مشهد تصادم لطائرة كان يختبرها هيوز، واعتبره صناع الفن يظل من أقوى مشاهد التصادم في تاريخ السينما.
وأدى الممثل الشهير نيكولاس كيج دور البطولة في فيلم من أهم الأعمال التي طرحت عن الطائرات وحوادثها وهو فيلم "كون إير" أو "لعبة الهواء".
وشارك في البطولة جون مالكوفيتش، جون كوزاك، وتدور الأحداث حول استيلاء مجموعة من المساجين الخطرين والمتورطين في حوادث ضخمة على طائرة كانت تقلهم، مما يجعل مهمة التصدي لهم شبه مستحيلة.
ومن أبرز الأفلام التي تناولت تحطم الطائرات فيلم "الوجهة النهائية"، وهو من إخراج جايمس ونج، ومن بطولة كير سميث. وتدور أحداثه حول مجموعة من المراهقين يستعدون للحاق بموعد طائرتهم لباريس ولكن تتغير الترتيبات عندما يحلم أحدهم برؤية تؤكد أن الطائرة ستتعرض لعملية تفجير وتتحول إلى حطام مما يصيبه بالذعر ويصر على إلغاء الرحلة وترك الطائرة ما يثير استياء أصدقائه، وبعد مغادرته وعدد من أصدقائه للطائرة، تتحطم بعد دقائق من إقلاعها.
وفي عدة أجزاء قدم النجم العالمي بروس ويلز فيلماً يحمل اسم "موت قاسٍ"، ويدور حول الشرطي "جون ماكلين" الذي يتصدى لمحاولات السيطرة على مطار دالاس الدولي من قبل مجموعة من المرتزقة والإرهابيين بقيادة ضابط عسكري أميركي منشق، في انتظار وصول شخصية سياسية من أميركا الجنوبية. والسلسلة تعتبر الأشهر في مجال أفلام الحركة وتم إنتاج خمسة أفلام منها.
وبعنوان "خوف أقل" قدم المخرج بيتر وير فيلماً مقتبساً عن رواية للمؤلف والكاتب رافائيل يؤجلاسيوس. وتدور الأحداث حول نجاة ماكس كلين والذي يقوم بدوره جيف بريدجيز من حادثة تحطم طائرة مما يؤدي إلى تغير شخصيته بشكل كبير، ويعتبر مشهد تحطم الطائرة من أشهر المشاهد في تاريخ السينما.
وقدم فيلم "على قيد الحياة" قصة عن تحطم طائرة، والعمل من إخراج وتأليف جون باتريك شانلي، ودارت الأحداث حول فريق رياضي يتعرض لتحطم طائرته أثناء عودته لبلاده، وتسقط الطائرة في جبال أنديز وسط الثلوج، ويتحتم على الجميع اتخاذ تدابير جريئة من أجل النجاة وسط هذا الطقس البارد.
ويعتبر الفيلم الإسباني- الأرجنتيني "حكايات برية" من الأفلام المهمة في مجال عالم الطيران، ويتضمن ستة أفلام قصيرة تدور جميع أحداثها حول الانتقام.
تقصير عربي
وعلى رغم تناول السينما الأجنبية حوادث الطيران بطرق مختلفة تارة مطعمة بأحداث سياسية ومرات بأحداث خيالية لكن السينما العربية تجاهلت الموضوع برمته فيما عدا محاولات بسيطة وقديمة كانت بدايتها عام 1984 بفيلم "الطائرة المفقودة" من إخراج وتأليف أحمد النحاس، وبطولة محمود ياسين وسهير رمزي ومحيي إسماعيل ورجاء يوسف وشعبان حسين.
تدور أحداث الفيلم المصري حول سقوط طائرة متجهة إلى الوادي الجديد (جنوب مصر) تحمل على متنها العديد من الركاب في الصحراء الغربية بمنطقة رمال متحركة، وينتاب الجميع الخوف من المجهول، ويتعاونون لفتح ثغرة بجسم الطائرة يخرجون منها لكن بعضهم يموت في الرمال المتحركة، والآخرين يلقون حتفهم عطشاً وبسبب قسوة الصحراء، وينجو القليل بعد أن تصل طائرة نجدة ويجري إنقاذهم.
وفي عام 1986 عرض فيلم "البداية" الذي جمع نخبة من النجوم المصريين مثل أحمد زكي وجميل راتب وصفية العمري، ويعد واحداً من أهم أفلام المخرج صلاح أبو سيف والكاتب الساخر لينين الرملي. وتدور أحداث الفيلم في إطار ساخر حول سقوط طائرة في إحدى المناطق الصحراوية نتيجة عطل بالمحركات، فيبدأ الناجون من الحادث بتكوين مجتمع صغير داخل المنطقة الصحراوية ويستغل أحد الركاب الموقف وينصب نفسه حاكماً على المجتمع الجديد، ويستغل موارد البلدة الصغيرة، وهو ما يلقى معارضة من جانب فنان ثوري (أحمد زكي). وسبب الفيلم حالة من الجدل واعتبره البعض يحتوي على إسقاطات سياسية وسخرية كبيرة من الحاكم.
ملفات شائكة
الناقد المصري جمال عبدالقادر قال في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن أفلام حوادث الطيران منطقة شائكة جداً ومن الصعب تناولها بأريحية في السينما أو الدراما سواء الأجنبية أو العربية نظراً لما تحمله من أسرار وخبايا مخيفة، خصوصاً إذا كانت حوادث مقصودة ومدبرة، والاقتراب منها يمثل خطراً كبيراً لأن هناك دولاً وكيانات ضخمة متورطة في الغالب في مثل هذه الحوادث.
وأضاف عبدالقادر أن تناول أي حادثة طيران يعتمد على وجود معلومات متفق عليها حتى لا يتم استخدام معلومات مضللة درامياً فتحدث مشكلات على أصعدة أخرى، لذلك لا توجد أعمال متعددة في هذا المجال تتناول قصصاً حقيقية تخص مشاهير أو سياسيين وحتى عندما يتم طرح قضية من هذا النوع يتم تناولها بشكل خيالي ووضع الأمور بشكل رمزي.
تحديات تقنية
وعن عدم وجود أفلام عربية متعددة في مجال حوادث الطيران، يرى الناقد الفني المصري أحمد سعد أن "السينما العالمية بكل إمكاناتها التقنية نجحت في هذا المجال بشكل كبير، لكن نظيرتها العربية تواجه تحديات أهمها ضعف الإمكانات ومحاصرة القيود للأفكار من هذا النوع خوفاً من الوقوع في مشكلات سياسية أو تمرير معلومات غير دقيقة".
وتابع، "لذلك نجد أن السينما المصرية تناولت قصة انفجار طائرتين مرة بشكل ساخر وخيالي في فيلم (البداية) والأخرى بفيلم (الطائرة المفقودة) والذي طرح بشكل اجتماعي إنساني بعيداً كل البعد من أي إسقاط سياسي أو تلميح".
وختم حديثه بالإشارة إلى أن "حوادث الطائرات مادة دسمة جداً للخيال والدراما لكن تنقصها دقة المعلومات ودائماً تقع أي فكرة تخص هذا الموضوع في دائرة الاتهامات وتحاصر قبل أن تبدأ ولا تظهر إلا بوجود إنتاج ضخم جداً، لهذا يفضل معظم صناع السينما والدراما اللعب في المناطق الآمنة بعيداً من تلك البؤرة المليئة بالأخطار والغموض".