ملخص
أمرت المحكمة إسرائيل بعدم تدمير المدينة وعدم ممارسة الإبادة الجماعية وهذا الشيء تؤكد تل أبيب أنها تنفذه حتى من دون حكم محكمة
بصورة واضحة، تداولت وسائل الإعلام قرار محكمة العدل الدولية الذي يلزم إسرائيل وقف عمليتها العسكرية في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، لكن هل فعلاً حكم الهيئة القضائية يعني أنه يتوجب على الجيش تجميد الهجوم على آخر معاقل حركة "حماس"؟.
وجاء في نص الحكم الذي نطقه رئيس المحكمة القاضي نواف سلام، "على دولة إسرائيل أن توقف فوراً هجومها العسكري وأي عمل آخر في مدينة رفح، قد يفرض على المجتمع الفلسطيني في غزة ظروفاً معيشية يمكن أن تؤدي إلى الإضرار المادي بها على نحو كلي أو جزئي".
بدا القرار في ظاهره انتصاراً للفلسطينيين لإلزامه إسرائيل تنفيذ حكم المحكمة الأممية بسرعة، بحسب بعض الحقوقيين، لكن أستاذ القانون الدولي موسى دويك يقول "في ذلك الحكم فإن القاضي نواف سلام لم يلزم إسرائيل إيقاف العملية العسكرية في رفح، وإنما طلب منها إيقاف أي هجوم من شأنه تدمير مناحي الحياة أو يسبب ضرراً مادياً في المدينة".
لا أمر بوقف إطلاق النار
ويضيف أن "محكمة العدل الدولية تركت لإسرائيل آليات تنفيذ حكمها، ولم تحدد لها طريقة معينة، بمعنى آخر لم يطلب القاضي من تل أبيب سحب الآليات والمدرعات والدبابات ولم يأمر الجيش بوقف إطلاق النار فوراً، وإنما طلب من إسرائيل أن توقف أي هجوم قد يتسبب بتدمير رفح كلياً أو جزئياً".
وبحسب دويك، فإن "الأبعاد القانونية لقرار العدل الدولية وطريقة اختيار عبارات الحكم لهما دلالات تختلف عما فهمه الجمهور"، ويوضح أن "الأثر القانوني لما صدر عن لجنة قضاة المحكمة يعني أنه يمكن لإسرائيل أن تراوغ، إذ لم يقيّد الحكم أيدي الجيش الإسرائيلي في رفح، ولكنه يعطي الأولوية للوضع الإنساني".
من وجهة نظر أستاذ القانون الدولي، فإن محكمة العدل الدولية راوغت في الحكم لدرجة أنها منحت الأضرار المادية أهمية وذكرتها بنص واضح في قرارها، لكن لم يشمل ذلك الحكم أي عبارة واضحة تطلب من الجيش الإسرائيلي وقف قتل المدنيين.
ويوضح دويك أن "المحكمة طلبت من الجيش الإسرائيلي عدم ممارسة الإبادة الجماعية، وهذا أمر طبيعي ووارد، لكن لم يطلب القضاة من إسرائيل وقف قتل المدنيين واعتبار أن ضحايا يسقطون في رفح هم نتيجة ممارسات الإبادة الجماعية".
ويشير إلى أن "مصطلح الإبادة الجماعية فضفاض، إذ يشمل سقوط الضحايا وتدمير ممتلكاتهم والبنية التحتية لمنطقة سكنهم، كما يعني إيقاف سبل الحياة، وهذا ما حاولت محكمة العدل الدولية استخدامه والإشارة إليه في قرارها"، لافتاً إلى أن ذلك أمر جيد، لكنه لا يلبي تطلعات الفلسطينيين الذين يأملون من القضاة إجبار إسرائيل على وقف قتلهم بصورة جماعية".
ويرى دويك أن إسرائيل يمكنها أن تنفذ جميع بنود حكم "العدل الدولية" وتقدم ذلك إلى العالم على أنها استجابت للهيئة الأممية وامتثلت للقانون الدولي الإنساني، وفي الوقت نفسه لا توقف العملية العسكرية في رفح لأن القرار الصادر عن القاضي نواف سلام لا يجبر الجيش على وقف الهجوم وإنما أخذ تدابير حماية فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفسيرات مصطلح "الإبادة الجماعة"
وبالفعل، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرار "العدل الدولية" بأن عمليات الجيش في رفح لم ولن تخلق ظروفاً معيشية من أجل القضاء على المدنيين الفلسطينيين سواء على نحو كلي أو جزئي، وإنما هدفها القضاء على "حماس"، وأعلنت تل أبيب أنها ستلتزم القرار.
في الفقرة الثانية من حكم "العدل الدولية" جاء في نص القضاة "على إسرائيل أن تقوم بواجباتها وفقاً لمعاهدة منع الإبادة الجماعية"، وحول ذلك يقول أستاذ القانون الدولي إن المحكمة حافظت بصيغة غامضة على وجود صلة واضحة بين الأمر الذي أصدرته ومضمون "اتفاقية منع الإبادة الجماعية"، مما يعني أن إسرائيل حرة في تنفيذ بنود الاتفاقية من عدمه لأنها ليست طرفاً موقعاً.
في أي حال، فإن الفلسطينيين على رغم القرار الذي وصفه بعضهم بـ"المراوغ"، إلا أنهم رحبوا به، وصرح المتحدث باسم "حماس" أسامة حمدان بأن "القرار جيد ويحتاج إلى الضغط على إسرائيل لتنفيذه"، كذلك يقول المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن "القرار يمثل إجماعاً دولياً على مطلب وقف الحرب الشاملة على غزة".
لكن ماذا عن رأي الإسرائيليين في حكم محكمة العدل الدولية بحقهم؟، في هذا الخصوص يقول الباحث السياسي القانوني مردخاي كريمنيتسر "في تل أبيب نعرف أن الحكم لا يقيد أيدي إسرائيل في رفح، لكن يحث على إعطاء الأولوية للوضع الإنساني".
ويوضح أنه "بينما تدعو بعض الأصوات في إسرائيل إلى الإبادة الجماعية، فإن هذا ليس ما يفعله الجيش أو ينوي القيام به في غزة، لذلك فإن إسرائيل لا تعارض قرار محكمة العدل الدولية".
ويضيف أن "الجانب الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في رفح، ولم يتبقَّ له سوى الدخول في عمليات عالية الحدة، التصعيد سيستمر ما دامت المحكمة لم تصدر قرارات تدين تل أبيب بصورة واضحة".
قلق إسرائيلي
ويشير كريمنيتسر إلى أن إسرائيل قلقة من قرار العدل الدولية لأنه يعطي شرعية للفصائل الفلسطينية في مواصلة قتال الجيش الإسرائيلي، وكل ذلك وفقاً للقانون الدولي الإنساني وطبقاً للشرعية الدولية.
من جانب رسمي في إسرائيل تقول جالي بهراف ميارا المستشارة القانونية لحكومة نتنياهو "إسرائيل ستواصل مساعيها من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة والعمل بموجب الحكم الدولي على تقليص الإضرار قدر الإمكان بالسكان المدنيين".
وتضيف بهراف ميارا أن "ما تطلبه محكمة العدل الدولية منا هو عدم ارتكاب إبادة جماعية في رفح، نحن لم نرتكب إبادة جماعية ولن نرتكب إبادة جماعية، بموجب القانون الدولي لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا والدليل هو أن المحكمة لا تمنعنا من مواصلة الدفاع عن أنفسنا، لذلك سنواصل القتال في رفح".