Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنف في الجامعات "خط أحمر" يتهدد المجتمع الأردني

تسجيل نحو 64 مشاجرة سنوياً بالمؤسسات التعليمية ومراقبون يلقون باللائمة على الفراغ الفكري والثقافي والخلافات القبلية والعشائرية

حرم الجامعة الأردنية أكبر جامعات الأردن (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

ملخص

بعد أربعة أعوام من اتخاذ قرار تجميد العملية الانتخابية الطلابية في 2019، أطل العنف برأسه مجدداً في الحرم الجامعي بالأردن، ليهدم أعواماً طويلة من العمل الجماعي بين المؤسسات الحكومية والأهلية والمنظمات المجتمعية لمحاولة وأد هذه الظاهرة.

في عام 2016، قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إن العنف في الجامعات خط أحمر بالنسبة إليه والأردن، ولن يتم التهاون فيه، لما يشكله من خطر على مستقبل الأجيال. وتعاقب منذ ذلك الحين عدد من الحكومات من دون أن تجد حلولاً عملية لهذه الظاهرة.

وما إن أعلنت نتائج الانتخابات الطلابية في الجامعة الأردنية، الأسبوع الماضي، حتى اشتعلت أعمال العنف الطلابي، في أقدم جامعات البلاد، وأكثرها عراقة، مما عزز المخاوف من أن يعصف ذلك ببيئة التعليم العالي. غير أن الانتخابات ليست وحدها المتهمة بالمسؤولية عن هذه الظاهرة المؤرقة، التي تسببت إلى جانب عوامل أخرى في تراجع تصنيف الجامعات الأردنية وعزوف كثير من الطلبة الأجانب والعرب عن ارتيادها.

وبعد أربعة أعوام من اتخاذ قرار بتجميد العملية الانتخابية الطلابية في 2019، أطل العنف برأسه مجدداً في الحرم الجامعي، ليهدم أعواماً طويلة من العمل الجماعي بين المؤسسات الحكومية والأهلية والمنظمات المجتمعية لمحاولة وأد هذه الظاهرة.

وفي العام الماضي، شهدت الجامعة الهاشمية، الواقعة في محافظة الزرقاء، مشاجرة طلابية تحولت لاحقاً إلى عشائرية، وامتدت إلى خارج أسوار الحرم الجامعي، ولم تفلح كل محاولات وقفها إلا من خلال تدخل قوات الأمن واستخدام الغاز المسيل للدموع، وفصل على إثر هذه المشاجرة 42 طالباً بصورة نهائية.

 وفي الجامعة الأردنية، تكرر المشهد مرة أخرى بعد مشاجرة كبيرة، تخللها تكسير وتخريب واعتداء على الممتلكات العامة، انتهت بفصل 14 طالباً، بينما كان إطلاق النار الحي سيد الموقف في مشاجرة شهدتها الطفيلة جنوب البلاد.

أسباب متباينة

وفي مشهد يتكرر في معظم الجامعات الأردنية، وبخاصة الرسمية منها، يتقاطر عشرات الطلاب من بيئات ثقافية وعشائرية ومناطقية مختلفة نحو تجمعات صغيرة تمثلهم، وسرعان ما يتحول الحرم الجامعي إلى وقود يذكي نار العنف، ودائرة مغلقة من الفوضى لأسباب متداخلة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، بل إن بعضها تحول إلى مشاجرات عشائرية، وامتدت شظاياها إلى المدن والمحافظات.

 

 

ويلقي بعض المراقبين باللائمة على التنشئة الاجتماعية وبعض القيم والعادات التي يتربى عليها الشباب الأردني مثل اللجوء إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات، ويشيرون إلى أن تأثير الروابط العشائرية يدفع البعض للتصرف بعدوانية، ويزيد من التوتر بين الطلاب.

وفي المقابل، لا يمكن إغفال دور البطالة والفقر والظروف الاقتصادية الصعبة التي تزيد من الإحباط والشعور بالظلم، مما يترجم أحياناً إلى عنف داخل الحرم الجامعي.

عوامل نفسية

يصنف الخبير في حقوق الإنسان ومواجهة الجريمة هاني جهشان، العنف الجامعي ضمن العنف الذي تمارسه المجموعات لا الأفراد، ويرده إلى أسباب كثيرة من بينها الإحباط والتوتر والضغوط الأكاديمية ونقص الدعم النفسي والإرشاد الطلابي، فضلاً عن عوامل تعليمية كنقص الأنشطة اللامنهجية، الرياضية منها والثقافية، والتي قد تمثل متنفساً، إضافة إلى ضعف إدارة النزاعات وغياب البرامج التي تعنى بتعليم الطلاب كيفية إدارة النزاعات بطرق سلمية، مشيراً إلى أن الذكور حتى 29 سنة، هم أبرز مرتكبي هذا العنف، ولكنه ليس محصوراً عليهم، فقد يرتكب من قبل الإناث.

ويقول اختصاصيون اجتماعيون إن ثمة انتشاراً لثقافة تعلي من شأن العنف، وتعتبره وسيلة لإثبات الذات وحل المشكلات ضمن صورة نمطية تفشت في المجتمع الأردني لأعوام طويلة.

الشرارة منذ 1993

يؤكد الناشط في مجال الحريات الطلابية فاخر دعاس لـ"اندبندنت عربية" أن العنف الجامعي مرتبط بالعنف المجتمعي، فالطلاب ليسوا منفصلين عن مجتمعاتهم، مشيراً إلى أن شرارة ارتفاع موجة العنف الجماعي انطلقت عام 1993، إذ تم تكريس نظام الصوت الواحد في الانتخابات النيابية، مما أدى لانعكاسه على الانتخابات الطلابية الجامعية، إذ تم تعزيز الهويات الفرعية والعشائرية والقبلية والمناطقية وتغييب القوى الطلابية الفاعلة.

ويضيف دعاس "وجود أنظمة تأديبية غيبت العمل الطلابي الجاد، وحولت الخلافات إلى مناطقية وعشائرية عبر العنف بدلاً من أن تكون فكرية وسياسية، وقد لمسنا ارتفاعاً كبيراً في هذه الظاهرة خلال الآونة الأخيرة، وعلى رغم وجود عقوبات رادعة فإن الظاهرة لم تنته تماماً".

ويدعو الناشط في مجال الحريات الطلابية، الذي يقود حملة" ذبحتونا" الرافضة للسياسات الجامعية في الأردن إلى علاج هذه الظاهرة عبر إعادة النظر في السماح بالعمل الطلابي والعمل السياسي والحزبي، وتعزيز النشاطات الطلابية الهادفة.

 

 

ويعتبر دعاس أن انتخابات اتحادات الطلبة "مرتع للعنف الجامعي"، وأن ثمة علاقة جدلية بين العنف المجتمعي والعنف في الجامعات، كما أن أسس القبول الجامعي تؤسس لهذا العنف عبر سياسة الاستثناءات في القبول.

2012 الأكثر عنفاً

وتتحدث دراسة صادرة عن الجامعة الأردنية في 2013 عن أشكال العنف الجامعي، وتقول إنها ليست مجرد أعمال شغب بل أفعال جريمة خارجة على القانون، كتراشق الحجارة، وإطلاق العيارات النارية، والطعن والشتائم، وإثارة الهلع، والتعدي على الممتلكات العامة. وتقول الجامعة إن 2012 كان الأعلى من جهة حالات العنف الجامعي.

ويؤكد مركز دراسات الرأي، وفق استطلاع أجراه، أن 95.3 في المئة من الطلبة شاهدوا ورصدوا أحداث عنف في جامعاتهم، كذلك أن 78 في المئة من الطلبة يرون ﺃﻥ العنف الطلابي يحدث في الكليات الإنسانية والاجتماعية أكثر من الكليات العلمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ولا تتوافر أرقام دقيقة حول عدد المشاجرات والعنف الجامعي بصورة رسمية، لكن تم تتبع وإحصاء أعدادها من خلال ما نشر من أخبار في الصحف ووسائل الإعلام المحلية. واتضح وقوع خمس مشاجرات جامعية هذا العام، فيما شهد العام الماضي ثماني مشاجرات جامعية، تخللتها أعمال عنف وإطلاق نار، كما فصل على إثرها مئات الطلبة المتهمين بالمشاركة فيها.

ويقدر وزير الثقافة السابق باسم الطويسي معدل المشاجرات الجامعية بنحو 64 مشاجرة في العام، وهو يتحدث عن نتائج دراسة مسحية حول عنف الجامعات. ويقول إن ثمة مفاهيم ومدركات خاطئة للعصبية الجهوية والعشائرية لدى 74 في المئة من الطلبة، إضافة إلى دور سياسات القبول وتدني معدلات مجموعات كبيرة من الطلبة الذين يلتحقون بالجامعات من دون أن يكونوا مؤهلين للحياة الأكاديمية، مما يجعلهم يتفرغون للعبث وإدارة النزاعات وإنشاء التحالفات العصبية وتحويل الجامعات إلى ساحات حرب.

وأجمع عدد من الطلبة الجامعيين على عدم وجود عقوبات رادعة، فيما قال آخرون إن تطبيقها لا يتم بصرامة، وأن ثمة تراخياً في هذا الشأن، مما يشجع على تكرار السلوك العنيف، كما أن درجة إسهام اتحادات الطلبة في الجامعات الأردنية الرسمية في الحد من العنف متوسطة، لأنها برأيهم تلاحق مسؤوليات أخرى مثل الانتخابات الطلابية والنشاطات، فضلاً عن غياب برامج التوعية الموجهة لديهم.

وقال طرف آخر إن ضعف الرقابة داخل الحرم الجامعي وسوء إدارة الأمن الجامعي أسهم في انتشار العنف، إضافة إلى التوترات التي تحدث بين أنصار التيارات السياسية المختلفة داخل الحرم الجامعي.

مبادرات لوقف العنف

ومنذ أعوام، انطلق كثير من المبادرات الطلابية لوقف ونبذ العنف الجامعي، من بينها مبادرة تبناها وأطلقها ثلاثة شبان في شمال الأردن، وتهدف إلى زيادة الوعي لدى الطلبة وذويهم للحد من هذه الظاهرة.

 

 

واعتمدت هذه الحملة على فكرة الترحال سيراً على الأقدام، من إربد شمالاً إلى مدينة جرش وصولاً إلى العاصمة عمان، مع حمل عريضة تدعو الطلاب والهيئات التدريسية إلى التوقيع عليها.

وتنشط مبادرة "تقارب" للحد من العنف الجامعي في جامعة آل البيت الأردنية منذ أعوام. أما مبادرة" انتمي" فنشطت في مناطق البادية الأردنية لمحاربة العنف الجامعي الذي انتشر في الآونة الأخيرة بين الشباب.

وتدعو هذه المبادرة إلى تعزيز دور الأمن الجامعي وقدرته على التعامل مع المشاجرات وكفاءته في فض النزاعات، وأهمية العمل التطوعي، فضلاً عن قانون العقوبات الجامعية وطرق تطبيقه وتقليص الفجوة بين الهيئة التدريسية والطلاب.

وكان رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أكثر الداعين لمواجهة هذه الظاهرة، عبر الدعوة لإعادة خدمة العلم "التجنيد الإجباري" لطلبة الجامعات، على أن تكون مدتها ستة أشهر توزع على مدار ثلاثة أعوام، أي شهران في كل عام جامعي.

من ممارسة فردية إلى ظاهرة

ويؤكد وزير التعليم العالي السابق الدكتور وجيه عويس، أن العنف الجامعي تحول من ممارسات فردية إلى ظاهرة في الأعوام الأخيرة، على رغم وجود إجراءات وتعليمات واحدة في كل الجامعات للتعامل مع هذه الظاهرة، تم إقرارها والعمل بها منذ عام 2010.

ويضيف عويس أنه في حال وقوع عنف جامعي يتم تشكيل لجان تحقيق تقوم بالتوصية بعدة قرارات ليقوم بعدها رئيس الجامعة باتخاذ القرار النهائي، والذي يتراوح بين الفصل النهائي أو الموقت أو توجيه الإنذارات فقط. ويقدر معدل حدوث المشاجرات الجامعية بنحو 65 مشاجرة خلال العام الدراسي الواحد، مطالباً في الوقت ذاته باتخاذ قرارات وإجراءات صارمة جداً.

وخلافاً للآراء التي ترى في العشائرية أحد أسباب العنف الجامعي، يرى عويس أن العشائر أسهمت في تقليل حدة هذا العنف في كثير من الأحيان.

 

 

ويربط مراقبون بين العنف الجامعي والمشاجرات، ومن يشاركون بها، إذ إن أغلبهم من ضعيفي التحصيل الدراسي، وغير مستكملي متطلبات النجاح، ومعظمهم مهددون بالفصل من جامعاتهم.

عنف مجتمعي لا جامعي

ويرفض عميد شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية إسماعيل الزيود، القول إن هناك عنفاً جامعياً، بل يصفه بالعنف المجتمعي، على اعتبار أن هذا العنف نتاج تنشئة مجتمعية ولا يولد في الجامعات.

ويطالب الخبير التربوي ذوقان عبيدات بتدريس مناهج تتعلق بالسلام والمحبة والعلاقات مع الزملاء وحل المشكلات بطريقة إيجابية، ويعتقد عبيدات أن العقوبات والتهديد بها لن يحل المشكلة في الجامعات التي تتسم بالثقافة السلطوية.

ووفق الباحث خالد الصرايرة، فإن حالات العنف الجامعي تزايدت في معظم الجامعات حتى بدأت تنعكس على العلاقة المجتمعية، مشيراً إلى أن الحل ليس بوضع قوانين وعقوبات صارمة قدر ما يحتاج الأمر إلى فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.

وتتلخص برأيه في غياب الوعي والثقافة، وضعف التربية لدى بعض الشباب، والالتزام بالإقليميات والعصبيات والخلافات العشائرية والتقليد الأعمى، فضلاً عن الاستعراض وحب الظهور، وكذلك الفقر والبطالة والفراغ اللامنهجي الموجود لدى الطلبة، وعدم توافر البيئة الجامعية الداعمة للتميز والإبداع وسوء الاندماج والتكيف في المجتمع الجامعي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي