Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هدير الجامعات... هل عاد زمن "الطلبة والسياسة"؟

بحثت تقارير كثيرة أخيراً عن أوجه الشبه بين الاحتجاجات الجامعية ضد الحرب على غزة والمسيرات المناهضة لحرب فيتنام

تمكن الطلاب الأميركيون اليوم من إلقاء الضوء على ما يجري في غزة من جرائم والرد العسكري الإسرائيلي غير المتناسب (أ ف ب)

ملخص

المشترك بين اعتراض الطلاب على حرب فيتنام واليوم على حرب غزة هو مطالبتهم إدارات جامعاتهم بوقف التعاون مع الشركات المرتبطة بدعم الجهد العسكري.

كثيراً ما كانت للحركة الطلابية خلال القرن العشرين تأثيراتها الممتدة حول العالم. وأدت نشاطات هذه الحركة الاعتراضية إلى تغييرات كبيرة في البلاد التي وقعت فيها سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا خلال ستينيات القرن العشرين، ثم في دول العالم الثالث التي كانت في مرحلة الاستقلال عن الانتدابات والاستعمار. وكان للحركات الطلابية دور في الثورات التي وقعت في بعض هذه الدول أو دور في تغيير قواعد الحكم.

ولهذا، بحثت تقارير صحافية كثيرة أخيراً عن أوجه الشبه بين احتجاجات الجامعات الأميركية المناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة والمسيرات الطلابية المناهضة لحرب فيتنام التي هزت العالم عام 1968، أو لتظاهرات طلاب فرنسا وإنجلترا للمطالبة بحقوق مدنية أكثر انفتاحاً. أي تحولها إلى موجة عارمة من الرفض للسياسات الخارجية لحكوماتها.

ماذا جرى ويجري في جامعات الولايات المتحدة؟

في المرة الأولى بدأت القصة عام 1968، حين كانت الحرب في فيتنام تدخل مراحلها الحاسمة، وفي مطلع هذا العام بدأت القوات التابعة لفيتنام الشمالية هجوماً قوياً على مواقع الجنود الأميركيين لشق الطريق نحو العاصمة سايغون. وحينها اكتشف المجتمع الأميركي أن إدارة الرئيس الأسبق ليندون جونسون كانت تكذب في شأن مسار الحرب هناك، وخصوصاً بعد انتشار صور الدمار الهائل والقتل العشوائي الذي أصاب المدنيين الفيتناميين نتيجة الرد الأميركي المدمر في تلك المعركة. وأدى انتشار هذه الصور إلى تغيير الرأي العام الأميركي مما يجري في فيتنام.

 

 

وحدث الأمر نفسه بعد نحو خمسة عقود، ففي البداية صدم العالم بهجوم "حماس" على إسرائيل وعبرت عديد من الدول والمنظمات الدولية والحركات الطلابية عن تضامنها مع إسرائيل، وبعد أشهر من الحرب المستمرة في غزة وارتفاع أعداد الضحايا بين المدنيين والأطفال والنساء الفلسطينيين، والمجاعة التي ضربت سكان القطاع، تغير الموقف داخل المجتمع الأميركي وجماعات الضغط فيه، ومنها موقف مجموعات من الطلاب من دعم بلادهم لتل أبيب الذي تبدل كما جرى خلال حرب فيتنام.

والمشترك بين اعتراض الطلاب على حرب فيتنام واليوم على حرب غزة هو مطالبتهم إدارات جامعاتهم بوقف التعاون مع الشركات المرتبطة بدعم الجهد العسكري.

أحداث متشابهة

كان العالم يغلي في نهاية الستينيات، وكان التوتر قائماً بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وفي داخل الولايات المتحدة وقعت جريمة اغتيال الناشط والمدافع عن حقوق السود مارتن لوثر كينغ، ثم بعدها بقليل اغتيل المرشح الرئاسي الديمقراطي روبرت كينيدي، شقيق الرئيس السابق، والذي اغتيل قبله جون كينيدي، وتعرض المجتمع الأميركي إلى حال من الشلل بسبب التظاهرات الكثيرة التي انتشرت في كل المدن، لدرجة أن الرئيس جونسون أعلن أنه لن يترشح لفترة رئاسة ثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آنذاك، استغل المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون الوضع السياسي والأمني المتقلبين كوسيلة انتخابية، متهماً الحكومة الديمقراطية بالضعف في مواجهتها، وهو الأمر نفسه الذي يفعله المرشح الجمهوري دونالد ترمب حالياً.

وبغض النظر عن مدى تشابه الحركة الطلابية الأميركية المناهضة بحرب غزة مع تلك التي قامت في مواجهة حرب فيتنام، يمكن القول إن الحركات الطلابية حول العالم كانت ذات تأثير كبير في بلادها، فكما تمكن الطلاب الأميركيون اليوم من إلقاء الضوء على ما يجري في قطاع غزة من جرائم حرب والرد العسكري الإسرائيلي غير المناسب، وتحويل الأمر من موافقة عامة على سياسة الحكومة الأميركية تجاه الأحداث إلى اعتراض عليها، فإن حركات طلابية أخرى حول العالم استطاعت من خلال اعتراضها تحقيق عدد كبير من المطالب المهمة والجذرية.

 

 

وفي ربيع عام 1989، كان الطلاب الصينيون يتظاهرون ضد التضخم في الأسعار وظهور فروق طبقية بين الصينيين جعلت قيادات الحزب الشيوعي من الأثرياء، وكان الفساد يلطخ سمعة الحكومة، ثم راح الطلاب يطالبون بحقوقهم من الحريات الفردية وحقوق الإنسان. وعندما توفي أحد المسؤولين الحكوميين المؤيدين للإصلاح الديمقراطي بطريقة بوليسية، تجمع الطلاب المحتجون في ميدان تيانانمين وبلغت أعدادهم الملايين. ووصل جيش التحرير الشعبي بالدبابات والغاز المسيل للدموع. ولم يعرف حتى اليوم كم عدد القتلى والجرحى، ولكن تم اعتقال الآلاف وأعدم كثير منهم بتهمة تهديد الأمن القومي أو العمالة للغرب.

وفي تلك "المجزرة" التقط أحدهم، ولم تعرف حتى اليوم هويته، صورة لمتظاهر وحيد يواجه دبابة. سرعان ما أصبحت هذه الصورة أسطورية في العالم وأضاءت الحركة الطلابية المقموعة، والتي اعتذرت منها الحكومات الصينية الإصلاحية لاحقاً.

الحركات ذات التأثير

وأعلن طلاب لبنان وسوريا انتفاضتهم خلال الحرب العالمية الأولى رفضاً لقرار التجنيد العسكري الإجباري، فما كان من السلطة إلا أن أعدمت العشرات منهم في محاولة لامتصاص التمرد.

وكانت أولى التظاهرات الطلابية الواسعة في لبنان عام 1925 احتجاجاً على زيارة وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور القدس، وأشعل فتيلها طلاب بيروت ودمشق. وخاض الطلاب معركة الاستقلال اللبناني عن الانتداب الفرنسي ولعبوا دوراً سياسياً مهماً في تحقيق مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية، وكانوا عماداً للحركات الاحتجاجية السياسية وليست المطلبية فحسب.

وخاض طلبة الجامعات والثانويات معاركهم عبر المؤتمرات والتظاهرات والاعتصامات والإضرابات العامة المفتوحة، في بيروت وطرابلس وصيدا. لكن الحركة الطلابية اليوم في كلا البلدين تبدو خافتة بسبب الحروب والبطالة والتضخم الاقتصادي وطلب الهجرة.

 

 

ووقعت في ألمانيا الأعمال السرية الأولى لمجموعات من الطلبة أطلق عليهم اسم "الوردة البيضاء" خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت عبارة عن مجموعة مقاومة سلمية في ألمانيا النازية انطلقت من ميونيخ بعد اتحاد مجموعات طلابية في الجامعات الألمانية، وبدأت في توزيع منشورات سرية تعارض النظام النازي الذي كانوا يدعمونه قبل ذلك.

وفي عام 1943، بدأ أعضاء مجموعة "الوردة البيضاء" الرسم والكتابة على الجدران والمباني حول ميونيخ بعبارات مثل "يسقط هتلر". وبعد مدة قصيرة تم اعتقال أعضاء المجموعة بينما كانوا يقومون بتوزيع المنشورات، ثم خضعوا لمحاكمة صورية وتم قطع رؤوسهم. وتحظى اليوم ذكرى أفراد هذه المجموعة في ألمانيا وخارجها باحترام كبير، وما زالت مصدر إلهام للنشطاء والطلاب في ألمانيا وحول العالم.

ويمكن ذكر اعتصام غرينسبورو في الولايات المتحدة الذي وقع عام 1960، وكان ذا تأثير كبير في معاملة الطلاب السود داخل الجامعات الأميركية، وكانت تلك الفترة مزدحمة بالاحتجاجات خلال حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.

ووقع الأمر حين دخل أربعة طلاب سود من كلية "نورث كارولينا" الزراعية والتقنية إلى مطعم الجامعة وجلسوا إلى طاولة الغداء، وعندما رفض المطعم خدمتهم أعلنوا رفضهم الخروج من القاعة. ووصلت الشرطة لكن الطلاب ظلوا هادئين. وبسبب تنبيه رجل أعمال أبيض محلي وسائل الإعلام بما يجري، بدأت الأخبار تتناقل من مكان إلى آخر وتم عرض رسالة الاحتجاج التي قدمها الطلاب.

وسرعان ما نمت الاحتجاجات، وخلال أيام كان هناك 300 طالب متظاهر في الجامعة، وامتدت حركة الاعتصام إلى مدن جامعية أخرى وشملت مكتبات وفنادق وشركات أخرى. وبحلول الصيف، سمح كثير من الشركات والمرافق العامة للطلاب والزبائن من السود بالجلوس في مقاهيها. وكان لهذا الاعتراض الذي بدأه أربعة طلاب تأثيره الكبير في مسار الفصل العنصري في الولايات المتحدة.

 

 

في جنوب أفريقيا، غذى نظام الفصل العنصري العنف والتمييز ضد السود من 1948 إلى 1991. وكان التعليم غير المتكافئ جزءاً رئيساً من الفصل العنصري. وفي عام 1961 تخرج 10 في المئة فقط من الطلاب السود في المدرسة الثانوية. وعام 1976، تظاهر عشرات الآلاف من الطلاب احتجاجاً على توجيه تعليمي محدد والتعليم غير المتكافئ فهاجمت الشرطة المسلحة التظاهرة، مما أسفر عن مقتل 700 طالب وإصابة نحو ألف آخرين.

واصل الطلاب تنظيم صفوفهم، وانتشرت الاحتجاجات المناهضة للفصل العنصري في جميع أنحاء البلاد، مما لفت الانتباه الدولي إلى نظام الفصل العنصري وإدانته. وصار الـ16 من يونيو (حزيران) هو اليوم الوطني للشباب في جنوب أفريقيا.

فرنسا وتشيكوسلوفاكيا

في فرنسا بين أعوام 1968 و1973 و2003 و2018، اختار الطلاب النزول إلى الشوارع في احتجاجات قوية لإسماع مطالبهم والتعبير عن معارضتهم لخطط إصلاح التعليم العالي، وغالباً ما تحولت المطالب الطلابية إلى تظاهرات تمس الجوانب الاجتماعية والسياسية والعمالية والحقوقية، ومن الحركات التي أثرت في العالم بأكمله ثورة مايو (أيار) 1968، وشكلت منطلقاً لتحولات كبيرة داخل فرنسا وخارجها.

في تشيكوسلوفاكيا، كانت الحكومة تحت سيطرة الحزب الشيوعي. وفي عام 1989، بعد تسعة أيام من سقوط جدار برلين، تجمع الطلاب في براغ احتفالاً بأحد أعياد البلاد التقليدية. وتحول الاحتفال إلى احتجاج مناهض للحكومة الشيوعية، فردت الشرطة بعنف، لكن الاحتجاجات نمت وانتشرت في مدن أخرى. وفي الـ20 من نوفمبر (تشرين الثاني) تجمع نصف مليون متظاهر في ساحة فاتسلاف. وبعد ثمانية أيام، استقالت قيادة الحزب الشيوعي، وانتخب رئيساً فاتسلاف هافيل الشاعر والكاتب المسرحي والزعيم الرئيس للحركة الديمقراطية. وأصبحت تلك الأسابيع الحرجة من الاحتجاجات تعرف باسم "الثورة المخملية".

المزيد من تحقيقات ومطولات