Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتخابات البرلمان الأوروبي.. صراع اليمين على مستقبل الاتحاد

373 مليون ناخب يختارون 720 نائبا ينتمون لـ7 تجمعات سياسية تمتد على 27 دولة

الانتخابات البرلمانية الأوروبية تمتد على 3 أيام بين 6 إلى 9 يونيو 2024 (أ.ب)

ملخص

على مدار ثلاثة أيام متتالية يختار الناخبون ممثليهم للبرلمان الأوروبي، بدءاً من السادس من يونيو 2024، والذي بدأت معاركه منذ أشهر طويلة، ومن المتوقع أن تسجل فيه تيارات اليمين على اختلاف تشددها انتصارات على حساب الليبراليين، مما يقود إلى تغيرات في توجهات التكتل خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ولكن ليس بفارق كبير يقلب الموازين الداخلية والخارجية.

يتوجه 373 مليون ناخب في الاتحاد الأوروبي إلى صناديق الاقتراع بين السادس والتاسع من يونيو (حزيران) 2024، لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 720 عضواً. صحيح أن هؤلاء النواب لا يتمتعون بصلاحيات سن القوانين الجديدة، ولكنهم يستطيعون تعديل التشريعات المقترحة قبل التصويت على صيغتها النهائية.

يعد البرلمان إحدى ثلاث مؤسسات تدير الاتحاد الأوروبي، ولكنه الوحيد الذي يحدَد أعضاؤه عبر الاقتراع المباشر. فالمؤسستان الأخريان هما المجلس الأوروبي الذي يجمع قادة دول التكتل، والمفوضية الأوروبية التي يختار رئيسها وطاقمها عبر المجلس، ولكن للكتل السياسية في البرلمان دور في انتقاء رئيس المفوضية وبقية فريق عملها.

تتنافس في الانتخابات البرلمانية المقبلة أحزاب مختلفة تنطوي تحت سبع كتل رئيسة، هي تيار اليسار وتحالف الخضر و"الاشتراكيون والديمقراطيون" و"التجديد من أجل أوروبا" و"حزب الشعب الأوروبي" و"المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون" و"الهوية والديمقراطية". أما أجندة الاستحقاق فتتوزع على عناوين سياسية واقتصادية مختلفة.

على صعيد التوقعات، تتنبأ استطلاعات الرأي بازدياد مقاعد اليمين المتطرف في البرلمان المنتظر، ولكن تصدعات طالت جبهة هذا اليمين مؤخراً يمكن أن تقلص أحلامه، لذا يجب تثبيط سياسات التصعيد التي يمارسها ضد المهاجرين في الاتحاد الأوروبي، وضد خطط التراجع عن مساعي التحول البيئي المعلنة من قبل حكومات دول التكتل.

آلية الانتخابات

تحتضن مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقر البرلمان الأوروبي، ولكن أعضاءه يجتمعون أيضاً في بروكسل ولوكسمبورغ. ويرجع الأمر لأسباب تاريخية إذ أقرت هيئات الاتحاد الأوروبي في الأماكن الثلاثة، وتعد ستراسبورغ رمز المصالحة الفرنسية - الألمانية التي جرت قبل أكثر من 60 عاماً، كذلك جاء في "معاهدة أمستردام" الموقعة عام 1997 أن "مقر البرلمان الأوروبي هو ستراسبورغ، وبها تعقد 12 جلسة من جلساته، بما فيها تلك المخصصة لمناقشة الشؤون الاقتصادية". أما الجلسات المتبقية فتتوزع بين بلجيكا وفرنسا.

يدلي الناخبون الأوروبيون بأصواتهم في الاستحقاق البرلماني عبر انتخابات منفصلة ومختلفة تقام في كل دولة من الدول الـ27 المكونة للاتحاد الأوروبي. بعض الدول يجري التصويت فيها لمصلحة أحزاب متنافسة وبعضها الآخر يعيش سباقاً انتخابياً بين التكتلات والتجمعات السياسية، لكن النتيجة في الحالتين هي اختيار نواب برلمان الاتحاد.

يعد التصويت في الانتخابات البرلمانية إلزامياً في دول مثل بلجيكا واليونان وبلغاريا، وعلى رغم ذلك تباينت نسب الإقبال على الاستحقاق خلال الدورات السابقة، فبلغت 45.47 في المئة عام 2004، ثم تراجعت إلى 42.97 في المئة عام 2009، و42.61 في المئة عام 2014، لترتفع مجدداً إلى 50.66 في المئة خلال الدورة الماضية عام 2019.

تتوزع مقاعد البرلمان الأوروبي على دول التكتل وفقاً لحجمها، فتستحوذ ألمانيا على النسبة الأكبر بـ96 مقعداً، ثم فرنسا بـ81 مقعداً، وإيطاليا 76 مقعداً، وإسبانيا 61 مقعداً. أما أقل الدول تمثيلاً في هذه المؤسسة فهي مالطا وقبرص ولوكسمبورغ التي تمتلك ستة مقاعد فقط. مع مراعاة أن عدد النواب في الدورة الجديدة سيزيد على سابقتها بـ15 نائباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أجندة وعناوين

الانتخابات البرلمانية المقبلة هي الأولى للاتحاد الأوروبي بعد حرب روسيا - أوكرانيا وجائحة كورونا وخروج المملكة المتحدة من التكتل. وجميع هذه الأحداث بتداعياتها المستمرة تظلل على الاستحقاق وتتنافس حولها الكتل المكونة للبرلمان، ناهيك عن ارتدادات احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى السلطة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

ووفق استطلاع للرأي شمل جميع دول الاتحاد الأوروبي، يتصدر دعم الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة اهتمامات 33 في المئة من الناخبين، يليه تعزيز الخدمات الصحية بـ32 في المئة، ثم الأمن والدفاع بـ31 في المئة، وبعدها قضايا المناخ ومستقبل التكتل اجتماعياً وديموغرافياً بنسبة قريبة تصعب على المرشحين إهمال أي من العناوين السابقة.

يعد الناخبون الحاجة إلى تعزيز الأمن والدفاع في دول الاتحاد الأوروبي قضية جوهرية بعد الحرب الروسية - الأوكرانية. ومستقبل دعم كييف في المواجهة المستمرة منذ فبراير (شباط) 2022، سيكون محط سجالات تحت قبة البرلمان الجديد بين أطراف تفضل عدم الانخراط مباشرة في تلك الحرب، وأخرى باتت تبحث عن التصعيد ضد روسيا.

ويقول محرر الشؤون الأوروبية في صحيفة "ذا تلغراف" جيمس كريسب إن الأصوات المؤيدة لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية تصاعدت في الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وبخاصة بين تيارات اليمين. منوهاً إلى أن الأسباب الاقتصادية تقف خلف هذا التوجه إلى حد بعيد، لكن ذلك لا يلغي وجود مبررات سياسية وأمنية أيضاً بالنسبة إلى دول مجاورة لروسيا.

صعود اليمين

استغلت تيارات اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي تداعيات الحرب في أوكرانيا من أجل زيادة شعبيتها وحشد مزيد من "الساخطين" على تردي الأوضاع المعيشية في التكتل، ولكن الحرب لم تكن العنوان الوحيد الذي وظفته تلك التيارات لصالحها، هناك أيضاً قضية المهاجرين غير الشرعيين ومسألة تأثيرات الخطط البيئية الأوروبية على الاقتصاد.

ويقول نائب الرئيس التنفيذي في مركز السياسة الأوروبية ببروكسل جانيس إيمانويليديس، إن تيارات اليمين المتطرف استفادت من تداعيات حرب أوكرانيا، ولكن حضورها السياسي في التكتل يمتد إلى نحو عقدين ماضيين وليس منذ فبراير 2022. وبرأي الأستاذة في جامعة أوسلو ورئيسة اللجنة النرويجية لمكافحة التطرف كاثرين ثورليفسون، يطرح الشعبويون حلولاً لأزمات الاتحاد لا يمكن تطبيقها ولكنها جذابة بالنسبة إلى كثيرين.

قبل أشهر، تتبع تقرير نشرته صحيفة "ذا غارديان" كيف تمددت تدريجاً الأحزاب الشعبوية في دول أوروبا حتى دخلت البرلمانات المحلية ومن ثم البرلمان الأوروبي، وفي حديث مع الصحيفة البريطانية، قالت مديرة السياسات في مؤسسة المجتمع المفتوح في أوروبا كاثرين فيشي إن تمدد الشعبويين سياسياً بدأ نهاية الألفية الماضية، ولكن التدقيق في اتساعه لم يؤخذ على محمل الجد، مذكرة أن حزب "الحرية" النمسوي فاز بنسبة 27 في المئة من الأصوات في انتخابات البرلمان قبل 25 عاماً ودخل الحكومة. وأن زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية، أو التجمع الوطني كما يسمى اليوم، جان ماري لوبان وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا منافساً جاك شيراك في استحقاق عام ٢٠٠٢.

 

الكتل المتنافسة

قبل أسبوعين فقط، كانت استطلاعات الرأي تتوقع فوزاً كبيراً لتكتل "الهوية والديمقراطية" اليميني المتشدد في الانتخابات الأوروبية المقبلة، ولكن نكبة أصابت أحد أركانه الثلاثة وهو حزب "البديل لأجل ألمانيا" قلبت الطاولة، وفرضت على الركنين المتبقيين "التجمع الوطني" الفرنسي و"الرابطة" الإيطالي، فك التحالف الثلاثي والتخلي عن التكتل.

وطرد حزب "البديل من أجل ألمانيا" من التكتل اليميني بعد تورط أحد نوابه البارزين وهو ماكسيميليان كراه، في فضيحة صلات مشبوهة مع روسيا والصين، وتصريحات قال فيها إن "ليس كل أعضاء منظمة القوات الخاصة النازية شبه العسكرية مجرمين". وبحسب "بلومبرغ" تسبب كراه في طرد المشرعين التسعة للحزب من "الهوية والديمقراطية".

ضعف موقف التكتل المشار إليه قد لا يؤدي إلى حدوث تغير في توقعات استطلاعات الرأي التي بشرت بنتائج قوية لتكتل الشعب الأوروبي اليميني الذي يضم حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في ألمانيا و"الشعب" الإسباني و"فاين جيل" في إيرلندا. وهو ما سيكون غالباً على حساب الليبراليين أصحاب اليد الطولى في برلمان عام 2019.

في حديث إلى "اندبندنت عربية" من العاصمة الألمانية برلين قال الصحافي المتخصص في الشؤون الأوروبية إيوالد كوينغ، إن الانتخابات ستحقق أكثرية ليمين الوسط بقيادة "الشعب الأوروبي"، ولكن ذلك لن يمنع تيارات اليمين المتطرف من زيادة أعداد مقاعدها في البرلمان الجديد، لذا يجب تعزيز حضورها على الخريطة السياسية المحلية والأوروبية.

ولفت كوينغ إلى أن تمدد اليمين المتطرف في المؤسسة الأوروبية والبرلمانات المحلية سيفرض على تيارات الوسط التحالف معه في مرحلة زمنية لاحقة، خصوصاً إذا ما استمر تأثير أحزاب مثل "التجمع الوطني" الفرنسي و"الرابطة" الإيطالي اعتماداً على القصص ذاتها التي تستخدمها لحشد الرأي العام، مثل المهاجرين والمشكلات الاقتصادية. 

المفوضية الأوروبية

الفائزون في الانتخابات البرلمانية سيحددون إلى حد بعيد رئيس المفوضية الأوروبية المقبل. فإما أن يدفع حزب "الشعب الأوروبي" نحو ولاية ثانية لوزيرة الدفاع الألمانية السابقة أرسولا فون دير لاين التي تقود المفوضية منذ عام 2019، فتمضي في خطط تعزيز القدرات التنافسية الاصطناعية والدفاعية للتكتل، أو يتم التوافق على بديل لها.

وينافس فون دير لاين على المنصب، رئيسة البرلمان الأوروبي حالياً والعضو عن الحزب الديمقراطي المسيحي في مالطا روبرتا متسولا. وهناك أيضاً نيكولاس شميت المفوض الأوروبي المنتهية ولايته في لوكسمبورغ. صحيح أنه يتودد إلى الناخبين اليساريين في الاتحاد، ولكنه لم يغلق باب التعاون مع رئيسة وزراء إيطاليا وزعيمة حزب "إخوة إيطاليا" جورجيا ميلوني، وبخاصة في ما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

أياً كان المرشح الجديد لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية فهو يحتاج غالباً إلى توافق فرنسي - ألماني يدعمه بنحو 180 مقعداً. وسواء كان الخيار هو الإبقاء على فون دير لاين أو تسمية شخص جديد للمنصب فهو يتم عبر المجلس الأوروبي الذي يضم قادة التكتل، ثم يطرح اسم المرشح للتصويت في البرلمان، فإذا رفضه، وهذا لم يحدث سابقاً، يختار زعماء الاتحاد شخصاً آخر خلال شهر واحد، كما تنص القوانين المتبعة في هذا الشأن.

واعتاد الزعماء الأوروبيون مراعاة الكتلة الأكبر في البرلمان عند اختيار رئيس المفوضية. ذلك أن المرشح يحتاج إلى موافقة 361 نائباً على الأقل. ووفقاً لاستطلاعات الرأي يمكن لكتلة الحزب الشعب الأوروبي والاشتراكيين والليبراليين أن توفر لفون دير لاين أكثر من 400 صوت، ولكن قد تجلب صناديق الاقتراع مفاجآت غير متوقعة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير