Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا بقي من "امتحان رئيسي"؟

"الثأر المؤجل" لا يزال يلقي بظلاله على المشهد وخامنئي يحسم خياراته

مشهد من تأبين الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (تسنيم) 

إذا كنت تعتقد بأن النظام الإيراني  تجاوز "امتحان مقتل رئيسه" إبراهيم رئيسي في الـ19 من مايو (أيار) الماضي، فإن عدداً من الخبراء بما فيهم "الذكاء الاصطناعي" لا يوافقونك على هذا التحليل، فإن حادثة المروحية في جانب منها مثل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، خسائرها المادية على فداحتها أهول منها المعنوية الرمزية، إذ مع إظهار المرشد علي خامنئي أن الدولة القوية التي تبخرت في ساعات صدمة الكارثة الطويلة "إدارتها وأمنها لن يتعطلا"، فإن النكاية الأعمق التي لحقت بهيبة النظام، يحتاج التحرر من أسرها إلى عمل مضنٍ، وربما ثأراً من أي نوع يردّ الاعتبار.

بالنسبة إلى "تشات جي بي تي"، فإن تحليل الدلالات عندما تفشل دولة في إنقاذ رئيسها بعد حادثة مثل سقوط طائرته "أمر معقد ومتعدد الأوجه"، إذ إن أول النقاط التي يكشف عنها ذلك "ضعف القدرة العسكرية، فإذا كانت الدولة غير قادرة على توفير حماية لرئيسها أو الطائرة التي يستقلها، فمن المحتمل أن يكون هذا دلالة على ضعف القوات الجوية أو الأمن الداخلي، مما يمكن أن يؤثر سلباً في الاستقرار السياسي والأمن القومي".

ويظهر كذلك بحسب المنصة العالمية، "الفشل في التخطيط والتنسيق، باعتبار العجز في إنقاذ الرئيس دليلاً على فشل في التخطيط والتنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة، مما يكشف عن ضعف في البنية التحتية الأمنية أو قدرات الاتصال بين الأجهزة المختلفة".

وفي شأن "تكتيكات العدو" رجح أن تفتح الحادثة الباب أمام "التساؤلات حول مدى استعداد الدولة لمواجهة التهديدات الخارجية".

العقيلي: هشاشة الدولة طرحت التساؤلات

أما بالنسبة إلى آثار ذلك على هيبة النظام، فإن المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي رأى أن "ايران التي نفخت لأعوام طويلة دعاية كبيرة عن مدى تقدمها العلمي وتطورها العسكري، أظهرت في حادثة طائرة الرئيس  إبراهيم رئيسي ومرافقيه هشاشة واضحة إن من ناحية الإمكانات التقنية أو جهود الإنقاذ التي استمرت لنحو 20 ساعة حتى جاء المدد من التقنية التركية".

ولفت إلى أنه من جهة الأمن الرئاسي بدا للمتابعين ضعف التخطيط والتغطية الأمنية "مما فاجأنا وفاجأ المراقبين الذين اعتقدوا بأن الأمن الإيراني على كفاءة أكبر من تلك التي شوهدت في الحادثة، هذا إن كانت طبيعية"، في إشارة منه إلى أن سيناريو التخريب لم يزَل مطروحاً.

وحتى إذا لم تكُن الأمور كذلك وصحت التكهنات عن مخطط الخلاص من رئيسي، وهو ما قال العقيلي إنه لا يميل إليه، فإن المتابع في اعتقاده "سيؤخذ بمدى عمق الصراع داخل التيار المحافظ في إيران الذي كان يصور نفسه وحدة واحدة متراصة للقبض على السلطة في البلاد".

أما إذا أضفنا صورة الصراع السياسي العنيف في إيران إلى المشكلات الاقتصادية العميقة وصورة البلاد في العالم كدولة داعمة الميليشيات المزعزعة للاستقرار الإقليمي، "فيمكن أن يقال عن إيران إنها دولة غير متماسكة ومهددة بالأخطار"، بحسب العقيلي.

حضور الدولة مقابل الميليشيات

ويعلق المستشار السابق في الخارجية الأميركية حازم الغبرا على ما يعتبره الذرائع التي بدأ النظام في طهران يبرر بها ما حدث للإفلات من المسؤولية، مؤكداً أنه مهما يكن فإن الحادثة أظهرت أن "قوة إيران اقتصرت على الميليشيات وأدوات التخريب، أما حين جاء أوان الدولة وأجهزتها التنفيذية والأمنية، فتبخرت القوة، وأصبحنا نتابع دولة حتى في تعاطي إعلامها مع الأزمة، كأنها في ذيل قائمة دول العالم الثالث".

 

 

وحين واجهته "اندبندنت عربية" بأن الولايات المتحدة بنظر كثيرين قد تكون أسهمت في ما جرى بصورة أو بأخرى بعقوباتها، لم يجد حرجاً في الدفاع عن موقف واشنطن، إذ لفت إلى أن "العقوبات لم تحدث من فراغ، فجاءت على سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة والعالم، وبهذا الاعتبار فإنه حتى لو كانت العقوبات جزءاً من السبب، فإن إيران تتحمل المسؤولية أيضاً".

وكان وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف حمّل أميركا المسؤولية عن مقتل رئيسي ورفاقه، بحجة عقوباتها التي تدعي أنها تستهدف جوانب عسكرية بحتة، طاولت حتى الجوانب المدنية ودفع الأبرياء ثمنها، مما يعطي الإشارة إلى طريقة تفكير النظام الذي يرغب في الثأر في الوقت المناسب، مهما تكًن الأسباب.

 من الشائع في إيران منذ الثورة، إعادة الشرور كلها إلى الغرب، لا سيما "الشيطان الأكبر" أميركا التي بقيت هدفاً لتنفيس الساسة في طهران غضبهم. إلا أن الاحتجاجات الداخلية التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضين، أظهرت تآكل هذه الذريعة والتفات الرأي العام المحلي الإيراني إلى تحميل النظام أعباء الظروف الصعبة التي يعيشها، وزادها قمع الحريات بعد مقتل مهسا أميني ضراوة.

ولأن "القضية تسجل في القائمة السوداء للجرائم الأميركية ضد الأمة الإيرانية" وفق ظريف، فإنه من غير المفاجئ أن يكون رد فعل وزير الخارجية أنتوني بلينكن في معرض حديثه عن الواقعة في الكونغرس على الإيقاع نفسه، إذ اعتبر أن "العالم صار أفضل من دون رئيسي" المقتول، على نحو ما كان يشبه تيار الديمقراطيين الذين كانوا أكثر الناس حماسة منذ عهد أوباما لإحراز الصفقات مع طهران.

لم يكُن سؤالاً مجنوناً

هذا الجو المشحون بين الطرفين، جعل "بوليتيكو" تذكر في تحليل لها حول الحادثة أن الأمر الوحيد الذي كان مثار الخوف ذلك اليوم في واشنطن "أن تزعم طهران بسرعة أن إسرائيل والولايات المتحدة قامتا بتخريب عملية النقل، على رغم عدم وجود معلومات استخباراتية أولية تشير إلى أي شيء آخر غير وقوع حادثة في طقس سيئ". وقال أحد المسؤولين للصحيفة "لفترة قصيرة، لم يكُن سؤالاً مجنوناً أن نسأل، هل هكذا تبدأ الحرب العالمية الثالثة؟".

لكن المحللين يعتقدون بأن عدم تسمية إيران جهة تتهمها بالوقوف خلف الحادثة المأسوية، لا يعني أنها سجلتها ضد مجهول أو تجاوزتها، فما إن تكمل ترميم بيتها الداخلي حتى تعود للثأر لكرامتها ما أمكنها ذلك، ولو على سبيل رد الاعتبار، بأن تحصل على ثمن عدم التصعيد كالذي تعرضه واشنطن دائماً، خصوصاً في كواليس المفاوضات السرية حول "النووي" والمحادثات في شأن حرب غزة التي كان لأميركا فيها موقفان نحو إيران بالترغيب والتهديد.

الخسارة والتعويض

وعلى رغم تهوين النظام وعدد من المحللين من فقدان رئيسي باعتباره حلقة هامشية في سلسلة يمسك المرشد بكل حلقاتها، إلا أن حجم الفراغ الذي تركه الراحل يصعب تعويضه بأي شخصية أخرى، ففقده شكل ضربة مزدوجة غير محسوبة لاستحقاقات عدة، داخلية وخارجية، وهذا من بين عوامل عدة جعلت بعضهم يشكك في الرواية التي تفترض أن أطرافاً مستفيدة من النظام وراء تحييده.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حجم ذلك دفع الخبير الإيراني كريم سجادبور، وهو زميل بارز في مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي، إلى القول إن وفاة رئيسي ستخلق "أزمة خلافة في إيران"، فإضافة إلى خسارته كرئيس يصعب تعويضه بالنظر إلى تعقيدات ملفات الداخل والخارج والمقاربات القائمة، هو إلى جانب ذلك مرشح قريب من متطلبات خلافة المرشد، وبرحيله يرى سجادبور أن "السماح لمجتبى بأن يحل محل والده قد يثير نظريات مفادها بأن وفاة رئيسي لم تكُن عرضية"، مما يزيد من فداحة المتاعب الناجمة عن مقتله لمفاصل بيت الحكم في مؤسسة ولاية الفقيه الإيرانية، إذ إن مقتله قضى على المرشحين البارزين لخلافة المرشد مجتبى ورئيسي، وفق الباحث الإيراني.

ولم تتردد "سي أن أن" في نسختها الإنجليزية عند تحليل تداعيات مقتل رئيسي، في الجزم عبر محلليها بأن مقتله من شأنه أن "يلقي بجميع الخطط التي ربما كانت لدى مكاتب المرشد الأعلى خارج النافذة".

ويؤكد رئيس معهد الدراسات الإيرانية محمد السلمي أن الوفاة المفاجئة لرئيسي "تركت النظام في حال صدمة، لما لذلك من تأثير ليس فقط لأنه ترك منصباً قيادياً حاسماً شاغراً في وقت حرج بالنسبة إلى إيران، على الصعيدين المحلي والدولي، ولكن لأنه قام  بدور رئيس في موازنة علاقات إيران مع الدول العربية المجاورة، وكذلك مع روسيا والصين".

والأهم من ذلك، بالنسبة إلى السلمي أن  رئيسي كان ينظر إليه على أنه عنصر حيوي لضمان "استقرار النظام في حقبة ما بعد علي خامنئي، ويخلق غيابه فراغاً كبيراً، إذ لا تبدو أي شخصية أخرى مؤهلة لملء مكانه، مما يؤدي إلى غموض وسيناريوهات متعددة محتملة لمستقبل النظام".

لكن "سي أن أن" أضافت أن إيران لا تعاني نقصاً في اللاعبين السياسيين "الخاضعين والمنتمين إلى الحرس القديم للجمهورية الإسلامية" الذين يمكنهم أن يحلوا محل رئيسي.

ويصنف الرئيس الراحل من صقور المحافظين المقربين من المرشد، ويحظون بثقته نظير بلائه الشديد في تنفيذ مقارباته عبر المحطات السياسية التي تنقل عبرها، وصولاً إلى الرئاسة.

تعزيز المواقف أم مراجعتها؟

التحديات التي برزت في أعقاب أزمة مقتل الرئيس وفريقه، يرى المراقبون أنها وإن عظمت، يمكن تجاوزها، خصوصاً إن وظفها صانع القرار في مراجعة أسبابها من الجذور، وحينئذ ربما انقلبت إلى فرصة، إلا أن الباحث الغبرا لا يعلق آمالاً كبيرة على "أخذ طهران العبرة مما حدث"، بل يخشى أن يوظف مقتل الرئيس في انتهاج سياسة أكثر تشدداً.

وكان ظريف ألمح إلى مكاسب خلف المأساة، حين وحدت الشعب الذي كان عميق الانقسام، قائلاً إنه "على رغم كل هذه الصعوبات، إلا أن الشعب الإيراني وقف إلى جانب النظام والثورة في الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد".

ويؤيد هذا قراءة المحلل السعودي العقيلي الذي لاحظ أن  مصرع رئيسي بالصورة المأسوية التي تابعها العالم أظهر نوعاً من التضامن الإقليمي (في الأقل) مع طهران، كما أنه قد يسهم بطريقة أو أخرى في وحدة الشعب الإيراني "لأن الأزمات والمصائب توحد الشعوب" .

وأيضاً في السياق نفسه أضاف أن "الصدمة ربما تدفع قادة إيران إلى التفكير العقلاني بترشيد سياستهم الخارجية، فمع تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية ربما تتجه القيادة الإيرانية لانتهاج سياسة واقعية أكثر براغماتية ليس للتخلي عن العنف كأداة من أدوات القوة في السياسة الخارجية، بل لترشيد السياسة الخارجية"، على رغم أن الكاتب نفسه يستدرك بأن "كثيرين لا يعتقدون بأن الثورة الإيرانية قابلة لتغيير لونها السياسي".

الحيرة بين الدولة والثورة

يعود ذلك في تحليل الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد إلى أن إيران تتنازعها شخصيتا "الدولة والثورة"، فلم تستطِع التحرر من قيود الثورة لتعبر بالكامل إلى جسر الدولة ومنطقها، على غرار نماذج عالمية أخرى مثل فرنسا.

وقال إن ذلك "سبّب تعقيدات كبرى وتشعبات متناقضة في بنية النظام السياسي جعلت منه ’نصف ثورة‘ و’نصف دولة‘، فإيران الدولة ما زالت ضعيفة أمام إيران الثورة، ولا أدلّ على هذا من معاناة الشعب الإيراني ضعف التنمية ورداءة الاقتصاد مع عظم الموارد، في مقابل ذلك إيران الثورة قوية".

لمعالجة هذا الإشكال يحاول النظام اللعب في كل مرحلة بالورقة الرابحة، بحسب الظروف، من اليمين والوسط واليسار.

ويرى السلمي أن أحد الاحتمالات في هذه الأزمة أن الرحيل المفاجئ لرئيسي سيجبر النظام على تعيين شخصية ذات ميول أكثر تطرفاً في مقعد الرئاسة، وهذا من شأنه أن "يتماشى مع استراتيجية النظام الواضحة منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2020 التي تتمثل في الاعتماد على المتشددين الأكثر موثوقية في جميع المؤسسات ومناصب صنع القرار، وتهميش ذوي الولاءات المتذبذبة، حتى لو كانوا جزءاً من النظام".

 

 

ولفت إلى أن هذا الاتجاه تجلى عند إقالة شخصيات مثل الأخوين لاريجاني، ومنع حسن روحاني من الترشح لانتخابات مجلس الخبراء، وليس معروفاً بعد ما إذا كان علي لاريجاني الذي أعلن التقدم بترشيح نفسه لخلافة رئيسي، سيفسح أمامه الباب أو لا.

وترى مجموعة "الأزمات الدولية" أن تعويض الرئيس الراحل بصورة مفاجئة، عرّض النظام لامتحان صعب على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما يهدد بأن "تتعمق الشقوق وتزداد وضوحاً في ظل الفراغ غير المتوقع في أعلى مستويات الحكومة"، على رغم تقييمها إرث الراحل بأنه على المستوى الخارجي شكل "التدهور الحاد في علاقات إيران مع الغرب"، سمته الرئيسة.

وفيما ذهب تقييم المجموعة إلى أن طهران ستواصل جهودها لإصلاح العلاقات مع جيران الخليج العرب، فإنها تعتبر أن هناك تحدياً آخر في انتظارها "على الجبهة النووية، فثمة نقطة اشتعال رئيسة تلوح في الأفق بالفعل، على وقع الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

فرصة لا تفوت لاستعادة البريق

وإذ رجح خبراء غربيون وعرب أن تأكيدات إيران بأنها ستمضي في مقاربتها التي انتهجتها أثناء عهد رئيسها السابق، يرى آخرون أن ذلك وحده لا يكفي للنجاح في الامتحان العسير الذي تعرضت له. فمع الإقرار بأن طهران "حققت مكاسب كبيرة على المستوى الدولي من تطبيع علاقاتها مع السعودية والخليج، على رغم التأثيرات الداخلية المحدودة بسبب العقوبات الاقتصادية طويلة الأمد"، فإن استراتيجيتها في تصدير الثورة وتحريك أذرعها الإقليمية وحضورها في المنطقة لا تزال بوصفها "إمبراطورية ميليشيات"، وليس دولة تتعامل مع الملفات بأدوات سياسية بحتة.

ويقول المحلل السياسي أندرو جيه تابلر إن إيران ترى في حرب غزة فرصة لا تريد تفويتها لتعزيز صورتها "كداعم للمقاومة بهدف استعادة بريقها الذي كانت عليه قبل الربيع العربي، عبر الدعوة إلى تحرير القدس وفلسطين"، مشيراً في مقالة له عبر "المجلة" إلى أن استراتيجيتها تلك "بدلاً من دفعها أميركا إلى التراجع والانسحاب من المنطقة يمكن أن تضطر الرئيس بايدن في موسمه الانتخابي إلى النقيض، لكي لا يبدو أضعف من سلفه".

من هنا يرى المستشار السابق في الخارجية الأميركية حازم الغبرا أن إيران ما لم تراجع بنيتها السياسية الرئيسة في المنطقة، فإن أي حديث عن نجاح يتحقق أو عبر تستخلصها من مقتل رئيسها، هو شيء مختلف عما يتوقع من النظام المعروف.

وأضاف أن "النجاح الذي يمكن تسجيله للنظام في هذه الأزمة، أنه لم يخترع طرفاً آخر يقف خلف المأساة، ويعزو إليه فشل إيران في حماية رئيسها، مما خشي كثيرون أن يحدث، وإن كان لذلك أسبابه".

خامنئي: التعلق بالثورة لم ينقطع

لكن بالنظر إلى خطوات قمة هرم النظام التي جاءت بعد مقتل رئيسي، صارت واضحة محاولة المرشد علي خامنئي توظيف الحادثة في إظهار ما رآه صدقية النهج الذي يدافع عنه النظام بدلاً من مراجعته، مؤكداً أنه "خلافاً لدعايات الأعداء وادعاءاتهم بانفصال الناس عن الجمهورية الإسلامية، أثبت التشييع الشعبي العظيم على مرأى عيون الناس حول العالم، وعلى أرض الواقع، مدى تعلّق الشعب الإيراني برئيس الجمهورية ووفائه له، ولمن يجسدون شعارات الثورة الإسلامية".

وفي وقت لاحق عند استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد، كان صريحاً كذلك في التمسك بمقاربته في نشر الثورة، أو ما أصبح يعبر عنه بـ"المقاومة"، ورفضه "إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية... المقاومة هي الهوية المميزة لسوريا، ومكانة سوريا المميزة في المنطقة تعود أيضًا إلى هوية المقاومة هذه، وهي ميزة مهمة ينبغي الحفاظ عليها".

وتبعاً لكل ذلك فحتى إن عدلت طهران بعض السياسات الجزئية، إن أي مراجعة كبرى لمقاربتها الأوسع في الداخل والخارج، لا تبدو حتى الآن محل اهتمام، بل ربما زادت الحادثة من تشدد النظام وتطرفه، كما تشير إلى ذلك رهانات رأس هرمه الممسك بزمام الأمور، لا سيما في مخاطبته ضيفه الأسد قائلاً "أيها الرئيس قلتم، ’بقدر ما نتراجع، سيتقدم الطرف المقابل‘. هذا صحيح، وليس هناك أدنى شك في ذلك، فقد كان هذا شعارنا ومعتقدنا منذ أكثر من 40 عاماً"، فهو يرى فتح جبهة غزة وتعاطف الشعب الإيراني مع مقتل رئيسي المأسوي "فرصة لا تفوت" لضخ دماء حياة جديدة في جسد النظام المهدد بفعل التحديات المتعاقبة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل