Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تبحث ألمانيا عن إحياء مطامع استعمارية في أفريقيا عبر ليبيا؟

يقول مراقبون إن "الكعكة الاقتصادية" هي سبب تنامي دور برلين

ستيفاني خوري لدى لقائها السفير الألماني لدى ليبيا (مواقع التواصل)

ملخص

كثيراً ما حاولت ألمانيا أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في ليبيا وكانت مواقفها متوازنة ومعتدلة في مقاربة الشأن الليبي، وهي تحاول اليوم القيام بدور أكبر في ذلك البلد الغني بالموارد الطبيعية والقريب جغرافياً من القارة الأوروبية.

بعثت ألمانيا رسائل عدة تعبر عن اهتمامها بليبيا، شأنها في ذلك شأن دول غربية عدة، خصوصاً بعد تغلغل الروس في شرق البلد المطل على الجناح الجنوبي لأوروبا، وفي الجنوب الليبي الغني بالمياه الجوفية والمعادن الثمينة الذي يُعد بوابة نحو القارة السمراء، حيث اشتدت المنافسة بين أميركا وروسيا لملء الفراغ العسكري الفرنسي.

دبلوماسياً 

وتحركت ألمانيا دبلوماسياً في ليبيا بصورة قوية من خلال عقدها مؤتمر "برلين واحد" في الـ19 من يناير (كانون الثاني) 2020 ومؤتمر "برلين اثنين" في الـ23 من يونيو (حزيران) 2021 اللذين حضرت أعمالهما دول مؤثرة ومتأثرة بالواقع السياسي الليبي وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وإيطاليا ومصر والجزائر وغيرها من الدول الأخرى.
واستطاعت ألمانيا أن تترك بصمة في الشأن الليبي الذي أصبحت سياسته ترسم استناداً إلى مخرجات مؤتمرَي برلين، خصوصاً في ما يتعلق بتبني الترتيبات الدستورية والتشريعية الضرورية لإجراء الانتخابات وسحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، إضافة إلى إصلاح القطاع الأمني ووضعه بكل حزم تحت سلطة مدنية موحدة وإشراف مدني موحد، وضمان الشفافية والعدل في تخصيص الموارد في جميع أنحاء البلاد، وغيرها من النقاط التي أضحت بمثابة البوصلة التي ينطلق منها كل مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى ليبيا.
وجذبت تحركات ألمانيا في ليبيا أخيراً أعين الشارع الليبي، إذ التقى  رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة الإثنين الماضي وزيرة الدولة بوزارة الخارجية الألمانية كاتيا كويل، وناقش الجانبان الجهود الدولية المبذولة لإجراء الانتخابات ودعم جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للقيام بالمهمات المناطة بها.
وافتتحت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني خوري نشاطها بلقاء السفير الألماني لدى ليبيا ميخائيل أونماخت، مباشرة بعد اجتماعها مع القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت. وناقشت خوري مع السفير الألماني "سبل دفع العملية السياسية لتلبية حاجات الشعب الليبي".
وفي الـ30 من مارس (آذار) 2024، بحث السفير أونماخت مع وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج الوضع الاقتصادي الليبي وتداعياته، وقال أونماخت عبر صفحته في موقع "إكس" أنه أجرى خلال الأسبوع الماضي لقاءً مثمراً مع وزير الاقتصاد لبحث الوضع الاقتصادي الليبي وتداعياته.

تعزيز وجودها 

ورأى الباحث السياسي محمود الكاديكي أن "ألمانيا تتمتع بصورة جيدة في ليبيا تمكنها من التحرك شرقاً وغرباً، بخاصة أنها سبق وامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار فرض حظر جوي على البلاد"، مضيفاً أن "برلين رفضت أيضاً المشاركة بأي شكل من الأشكال في العمليات العسكرية للتحالف الدولي خلال أحداث 2011، كما أنها لم تعترف بالمحلس الانتقالي الذي تأسس وقتها"، وتابع أن "من المواقف التي تُحسب لها أيضاً سحبها لقواتها المشاركة في عمليات حلف شمال الأطلسي في البحر المتوسط".
وبخصوص التعاطي الألماني مع الأحداث الراهنة في ليبيا أوضح الكاديكي أن "ألمانيا حذرة، فاستمرت في متابعة الأوضاع الليبية بكل موضوعية، على رغم استضافتها لمؤتمرَي برلين 1 و برلين 2 وتقديمها دعماً دبلوماسياً قوياً".
وأبرز أن "ألمانيا عازمة على ترك بصمة لها في العملية السياسية الليبية، إذ وقعت اتفاقاً تعهدت بموجبها بدفع مبلغ 2.020.000 يورو (2.382.250 دولار أميركي) لدعم برنامج الحوار السياسي الذي نظّم منتدى المؤتمر السياسي الليبي المنعقد حالياً في تونس تحت قيادة القائمة بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيدة ستيفاني خوري". وأردف أن "ألمانيا انضمت إلى قائمة من ثلاث دول داعمة لمشروع الأمم المتحدة الانتخابي في ليبيا وهي هولندا وفرنسا وإيطاليا، وأسهم دعم برلين لهذا المشروع الذي يديره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وعدد من الشركاء الآخرين في رفع قيمة المساهمات المقدمة لهذا المشروع حتى الآن إلى 2.8 مليون يورو".
وأكد الكاديكي أن "ألمانيا تعدّ طرفاً رئيساً في مبادرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا لأنها المساهم الرئيس لبرنامج صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا بتمويل يزيد على 32 مليون دولار أميركي، إضافة إلى أنها شريك أساسي للبرنامج المشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للشرطة والأمن التي تهدف إلى تحسين خدمات سيادة القانون في البلاد بمبلغ يقدر بـ 1.5 مليون دولار".
وقال إن "ألمانيا تعدّ أكبر مانح بمساهمة 2.3 مليون دولار لمشروع الانتخابات المحلية التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الداعم للجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية الهادف إلى تخطيط وتنفيذ انتخابات بلدية شاملة"، مبرزاً أنه "بهذه المساهمة الجديدة، بلغ إجمالي التمويل من ألمانيا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 37.177.200 يورو (43.851.284 دولار أميركي) مما يجعل الشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وألمانيا ضرورياً لدعم ليبيا في شق طريقها نحو السلام والاستقرار والتنمية المستدامة، بما في ذلك مبادراتها لمعالجة تأثير فيروس كورونا في البلاد".
ويرى الكاديكي أن "برلين تسعى من خلال كل هذا إلى تعزيز وجودها كدولة أوروبية مهمة لديها الحق في الحصول على موارد الطاقة ضمن حال التنافس الأوروبي على امتلاك تأثير في سياق التحولات السياسية بالمشهد الليبي"، مشيراً إلى أنها ستعمل على عقد مؤتمر "برلين 3" لتقييم مدى تأثيرها في المعادلة الجيوسياسية في ليبيا بناءً على الدول التي ستحضر المؤتمر وتلتزم ما سيصدر عنه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أهداف اقتصادية 

ويرى المتخصص في الشأن الليبي محمد امطيريد أن "الوجود الألماني أصبح أساسياً في الملف الليبي منذ إصدار مخرجات مؤتمرَي برلين 1 و2 باعتبارهما بمثابة المرجع الذي يتحرك وفقه أي طرف سياسي محلي أو دولي وعلى رأسهم البعثة الأممية للدعم في ليبيا"، وتابع أن "ألمانيا أثبتت قوتها في تحريك الملف الليبي حين نجحت في جمع 11 دولة على أرضها في مؤتمر برلين لتكون في صورة راعي السلام في ليبيا".

وأوضح أن "كل هذه التحركات السياسية الألمانية منبعها الرئيس أهداف اقتصادية، خصوصاً أن أوروبا تواجه أزمة طاقة بعد الحرب الأوكرانية- الروسية وأن برلين مرهقة بسبب دعمها لكييف، إضافة إلى قلق ألمانيا من تحركات موسكو في أفريقيا".

وأبرز امطيريد أن "لألمانيا مطامع استعمارية قديمة في أفريقيا تحاول إحياءها من خلال حسن تموقعها في ليبيا الغنية بالنفط والغاز، بحيث استغلت جيداً هشاشة الدبيبة السياسية للتغلغل في الاقتصاد الليبي شأنها شأن فرنسا وإيطاليا وتركيا، خصوصاً أن الدبيبة مستعد لفعل أي شيء مقابل الاستمرار في السلطة".

خوري وبرلين 

وفي تعليقه على استهلال المبعوثة الأممية للدعم في ليبيا بالنيابة ستيفاني خوري أعمالها الدبلوماسية بلقاء السفير الألماني لدى ليبيا مباشرة بعد نظيره الأميركي، أكد امطيريد أنه "من الواضح أن ستيفاني خوري تريد العودة لاتفاق برلين الذي وقِّع من قبل أربعة أطراف ليبية مهمة وهي مجلس النواب ومجلس الدولة والقيادة العامة بقيادة خليفة حفتر والمجلس الرئاسي التابع لرئيس الحكومة السابق فائز السراج"، مردفاً أن "ألمانيا تستمد قوتها في ليبيا من خلال بيان برلين الذي أصبح بمثابة الدستور النافذ على كل الليبيين والمبعوثين الأمميين، فكل مبعوث أممي يأتي إلى ليبيا مرجعيته الدولية هي برلين 1 و2 لأن بنودهما حددت آلية الاستقرار السياسي، غير أنها في الحقيقة بنود قدمت البساط للمجتمع الدولي للتمرد وذلك جلي عندما تُرك عبدالحميد الدبيبة من دون محاسبة، فلم يتم التحقيق معه في الرشاوي التي دفعها لعدد من أعضاء ’لجنة 75‘ حتى ينتخبوه".
وشدد امطيريد على أن خوري لو أقدمت على أي خطوة مسنودة من برلين وواشنطن سيكون هدفها الذهاب إلى حكومة جامعة تشرف على إجراء الانتخابات فقط"، مؤكداً أن "خوري ناقشت مع السفير الألماني بنود الانتخابات التي ستكون من خلال لجنة حوارية جديدة ستذهب إليها خوري بضمانات أميركية وألمانية، فستستعين ألمانيا بالحضور الدولي السابق في مؤتمرَي برلين 1 و2 كمصر والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا لحلحلة الإشكالية الليبية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير