ملخص
اشترت البنوك المركزية حول العالم كميات غير مسبوقة من الذهب في عامي 2022 و2023 وصلت إلى 1060 طناً
قرر البنك المركزي الهندي نقل ما يزيد على 100 طن من الذهب كان يحتفظ بها في بريطانيا إلى خزائنه في الهند، ويتوقع أن تصل إلى البلاد كمية مماثلة من الذهب خلال الأشهر المقبلة.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" أول من أمس (الجمعة)، أن نقل احتياط الذهب إلى البلاد يرجع إلى أسباب لوجستية، ونتيجة ارتفاع حجم المحفوظ منه في الخارج، إلا أنه مع استمرار زيادة البنوك المركزية حول العالم احتياطاتها من الذهب، كتحوط أصول أجنبية تجاه تذبذبات سعر صرف العملات وزيادة الأخطار الجيوسياسية، بدأت الدول تلجأ إلى تخزين الذهب لديها وليس في الخارج، خشية احتمالات العقوبات التي قد تجمد احتياطاتها.
ويمتلك البنك المركزي (الاحتياط) الهندي كمية كبيرة من الذهب تشكل نسبة معقولة من احتياطاته الأجنبية. وفي نهاية مارس (آذار) الماضي، بلغ احتياط المعدن الأصفر لديه أكثر من 822 طناً، نحو النصف منها (408 أطنان) محفوظة في خزائنه المحلية بالهند. ومثله كأغلب البنوك المركزية في دول كثيرة، يزيد البنك احتياطاته من الذهب في الأعوام الأخيرة كتحوط تجاه عوامل تغير وأخطار كثيرة.
وتعد مشتريات البنوك المركزية من الذهب أحد العوامل المؤثرة بقوة في السوق وتدفع أسعارها نحو الارتفاع، متجاوزة قواعد السوق التقليدية في شأن أسعار السلع والمعادن المقيمة بالدولار الأميركي.
احتياط ومخاوف من العقوبات
وتواصل أسعار الذهب الارتفاع على رغم قوة الدولار في السوق، ويرجع ذلك في الأساس إلى زيادة الطلب على المعدن الثمين، في ظل استقرار العرض أياً كان الاستثمار في عمليات التعدين ومناجم الذهب حول العالم.
وأصبح الطلب على الذهب متنوعاً الآن، مع إقبال الأشخاص العاديين على شرائه أيضاً كمخزن للثروة وأكثر أمناً من العملات التي تتذبذب أسعارها، وتتأثر أكثر بفعل التضخم وسعر الفائدة وغيره، لكن إضافة إلى كون المعدن الثمين ملاذاً آمناً للثروة، فإن هناك سبباً آخر جعل البنوك المركزية في كثير من الدول تلجأ إلى شراء كميات كبيرة منه.
ويبدو العامل الأهم هو رغبة البنوك المركزية في تنويع احتياطاتها الأجنبية، وتحديداً زيادة نصيب الذهب منها لأنه أقل عرضة للاستيلاء عليه حال تعرض البلد صاحب البنك المركزي لعقوبات مباشرة أو ثانوية تفرض عليه، لذا تلاحظ الزيادة الهائلة في مشتريات البنوك المركزية من المعدن بعد بداية حرب أوكرانيا نهاية فبراير (شباط) 2022، وما تلاها من سلسلة عقوبات أميركية وغربية مشددة على روسيا.
ومن بداية العقوبات، جمدت الدول الغربية الأصول الروسية بما فيها الاحتياطات الخارجية للبنك المركزي الروسي بالدولار أو اليورو، وهو ما وصل إلى نحو نصف الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي الروسي.
وبحسب تقديرات بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي، اشترت البنوك المركزية حول العالم كميات غير مسبوقة من الذهب في الفترة من 2022 إلى 2023 وصلت إلى 1060 طناً من المعدن.
ولمعرفة حجم الزيادة الهائلة في مشتريات العامين الأخيرين، يذكر أن مشتريات تلك البنوك كانت في حدود 509 أطنان في الفترة من 2016 إلى 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الأمثلة على شراء الذهب من قبل البنوك المركزية تحسباً للأخطار الجيوسياسية، بما فيها أية عقوبات محتملة، رفع بنك الشعب (المركزي) الصيني حصة الذهب في احتياطاته من 3.3 في المئة عام 2021 إلى 4.3 في المئة حالياً، وفي مارس الماضي وحده أضاف "المركزي الصيني" لاحتياطاته 160 ألف أوقية من الذهب بقيمة 384 مليون دولار. ويلاحظ أن البنوك المركزية في الاقتصادات الصاعدة، كالصين وروسيا وتركيا والهند، هي الأكثر شراءً للذهب وزيادة نصيبه من احتياطاتها الأجنبية.
أصل صعب المتابعة والتجميد
وما يدلل على أن عامل التخوف من أخطار تجميد الأصول نتيجة أية تطورات جيوسياسية هو الحاسم في زيادة نصيب الذهب من احتياطات الدول، ما ذكره تقرير صندوق النقد الدولي الشهر الماضي من أن "مشتريات الذهب من قبل بعض البنوك المركزية قد تبدو مدفوعة أساساً بالمخاوف من أخطار العقوبات"، وخلص إلى أنه في الوقت الذي تزيد فيه احتياطات الذهب لدى الصين وروسيا والدول المماثلة، فإن "نصيب المعدن من الاحتياطات الأجنبية في أميركا لم يتغير كثيراً".
ويتميز الذهب في احتياطات البنوك المركزية عن العملات الأجنبية بصعوبة تتبعه أو تجميده والاستيلاء عليه حال تعرض البلد المعني لأية عقوبات، لأنه إذا كان من السهل تجميد الأصول الدولارية، أو النقدية الأخرى للدول ضمن العقوبات، فإن ذلك صعب بالنسبة إلى الذهب.
وليس بمقدور الولايات المتحدة ودول الغرب مراقبة مخزون الذهب لدى الدول بصورة دقيقة كما هي الحال مع العملات، ولا السيطرة عليه في حال فرض عقوبات عليها. وتحتفظ البنوك المركزية بمخزون الذهب في خزائن داخل البلاد، لكن في أحيان كثيرة لا تكفي السعة التخزينية فتخزنه في الخارج، ومن أكبر مراكز احتفاظ بنوك مركزية من دول أخرى باحتياطاتها من الذهب العاصمة البريطانية لندن، وزيوريخ في سويسرا.
الأكثر أماناً هو أن يكون احتياط الذهب لدى الدولة محفوظاً على أراضيها، لكن إذا كان محفوظاً في الخارج فإن قدرة ذلك البلد على الحماية من العقوبات تتراجع، وعلى سبيل المثال خسرت حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قضية استعادة ذهب من بريطانيا بقيمة مليار دولار، حين كانت فنزويلا تحتفظ به في خزائن بنك انجلترا (المركزي البريطاني)، وذلك بعد ما رفع زعيم المعارضة الموالي للغرب خوان غوايدو دعوى ملكية للذهب في بريطانيا.
وإذا كان تخزين الذهب في لندن يمكن أن يكون مشكلة لبعض الدول، فإن خيار زيوريخ لم يعد آمناً تماماً أيضاً، وعلى رغم الحياد الذي تتميز به سويسرا فإنها في العامين الأخيرين اضطرت للانصياع إلى ضغوط أميركية وأوروبية لتجميد أصول روسية ضمن العقوبات على موسكو بسبب حرب أوكرانيا، لذا تنقل الدول ما لديها من احتياطات المعدن الثمين من الخارج إلى بلادها.