Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتنياهو يخوض معركة صمود حكومته إلى حين حسم غانتس مستقبله السياسي

سياسة تضييق الخناق على السلطة وفلسطينيي الضفة تهدد بتوسيع حلقة حرب "طوفان الأقصى"

تجمع دبابات قرب الحدود مع غزة في جنوب إسرائيل، الإثنين 3 يونيو الحالي (أ ب)

ملخص

يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي بوجه الضغوطات التي يمارسها عليه الحلفاء والخصوم على حد سواء، في ما يخص مقترح إنهاء الحرب واستعادة الأسرى من قطاع غزة.

ما شهدته الحلبة السياسية في إسرائيل بعد ظهر الإثنين من سلسلة تصريحات وتهديدات وتبادل اتهامات وتكذيب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مروراً بوزراء حكومته وصولاً إلى المعارضة، تعكس صورة حقيقية للتخبط والإرباك والصراعات التي تشهدها إسرائيل في اليوم الـ241 لحرب تبذل الجهود الأميركية والعربية والدولية لرسم خريطة طريق لإنهائها في أقرب وقت ممكن، بينما يتنافس متخذو القرار على عرقلة الجهود ووضع عقبات أمام أي اتفاق في هذا الاتجاه.

فمنذ أن كشف الرئيس الأميركي جو بايدن عن مسودة المقترح الإسرائيلي حول صفقة الأسرى التي تقضي بإنهاء الحرب في نهاية المرحلة الثانية منها، ونتنياهو يخوض معركة صمود حكومته بوجه التهديد من طرفي الخلاف، وزراء الائتلاف الحكومي من جهة ومن المعارضة من جهة أخرى.

وجاء الكشف عن تفاصيل المقترح بعد أقل من 24 ساعة على تهديدات نتنياهو بتكثيف القتال في غزة وتوسيعه، وعدم إنهاء الحرب من دون تحقيق أهدافها، وفي مركزها إعادة الأسرى والقضاء على "حماس" وحكمها في غزة، وهو تهديد يناقض تماماً ما تضمنه المقترح الإسرائيلي الذي صادق عليه الكابنيت الحربي بالاجتماع وعرضه بايدن.

مجرد خطوط عريضة

بعد أقل من ساعة على حديث بايدن، أصدر ديوان نتنياهو بياناً أكد من جديد موقف حكومته برفض أية صفقة تشمل وقفاً للقتال. وكرر تهديداته السابقة، ومنذ ذلك الوقت، وحتى بعد ظهر الإثنين، إذ تواردت البيانات والتصريحات من مختلف الجهات السياسية، ووصلت إلى حد دحض نتنياهو ما ذكره بايدن، مدعياً أن المقترح هو مجرد خطوط عريضة مجمعة وليس مقترحاً صادق عليه الكابينت الحربي.
وفي اجتماع للجنة الخارجية والأمن رفض نتنياهو عرض تفاصيل المقترح، لكنه قال إن ما وصفه الرئيس الأميركي غير دقيق، "موقف إسرائيل واضح برفضها أية صفقة تقضي بوقف القتال. أوضحنا أن وقف القتال يكون خلال تنفيذ صفقة الأسرى، على أن يكون لإسرائيل الحق في استئناف القتال بعد تنفيذ هذه المرحلة من الصفقة".

سموتريتش وبن غفير

لم يكتف نتنياهو بهذا، بل عاد وأكد على موقفه الرافض لما تضمنه حديث بايدن، وذلك في فيديو مصور حول الموضوع، بعد ساعات قليلة من اجتماع الخارجية والأمن ولقاءاته مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لإقناعهما بموقفه من الصفقة وعدم الانسحاب من الحكومة وتفكيكها.

وبحسب نتنياهو حرصت الحكومة على التوصل إلى صفقة تعيد الأسرى، "وفي الوقت ذاته حافظنا على أهداف الحرب وأولها القضاء على حماس، نحن مصرون على تنفيذ ذلك وهذا جزء من المقترح وليس موقفاً أضيفه الآن، إنما اتفقنا عليه بالإجماع في كابينت الحرب وتضمنه المقترح الذي يتم الحديث عنه".
وألمح بن غفير في حديثه إلى أنه ما زال أقرب إلى الانسحاب من الحكومة، إذ قال إن "رئيس الحكومة دعاني إلى جلسة، وقال إنه سيسلمني المقترح الذي وافق عليه الكابينت، لكنه لم يفعل كما لم يتجاوب مكتبه مع هذا المطلب". وأضاف أن "نتنياهو يحاول تبييض المقترح الإسرائيلي وعدم الكشف عن حقيقة مع يحتويه وهذا سيدفعنا إلى الاستقالة من الحكومة، ولن نتراجع عن موقفنا بأن أية خطة لا بد وأن تتضمن عدم وقف القتال قبل القضاء على حماس".
وفي المضمون ذاته تحدث أيضاً سموتريتش، بعد لقائه نتنياهو لتتوالى التصريحات من مختلف وزراء وأعضاء الكنيست الداعمين لموقف نتنياهو والرافضين له، الذين يطالبون بالموافقة الفورية على المقترح الإسرائيلي وضمان عودة الأسرى، في وقت عبر مقربون من نتنياهو عن استياء رئيس الحكومة من سياسة الالتفاف حوله من خلال المحادثات الهاتفية التي يجريها مسؤولون في واشنطن مع أعضاء الكابينت الحربي من دون معرفته. وكان يلمح للمحادثات الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزير الدغاع يوآف غالانت وعضو الكابينت الحربي بيني غانتس للتفاهم حول سبل التقدم في مفاوضات صفقة الأسرى ودفع إسرائيل إلى الموافقة على المقترح في أقرب وقت ممكن، فنتنياهو يستعد لسيناريو تنفيذ غانتس تهديده بالانسحاب من الحكومة بعد الثامن من هذا الشهر، أي مطلع الأسبوع المقبل، إذا لم يحدث اختراق في صفقة الأسرى أو وضع خطة استراتيجية للحرب تتضمن اليوم الذي يلي هذه الحرب، وضمن توقعات رئيس الحكومة أن ينسحب غالانت مع غانتس، وهو ما دعاه إلى عرض وزارة الدفاع على رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، على رغم أن غالانت لم يهدد بالانسحاب من الحكومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المقترح أهون الشرور

وعلى رغم القناعة الكاملة لدى الإسرائيليين بأن ما يتضمنه المقترح من تفاصيل يحسم من الآن عدم إمكان إنهاء هذه الحرب بتنفيذ أهدافها، إلا أن الصوت الأعلى في إسرائيل يدعو إلى صفقة فورية، وانعكس ذلك في الاحتجاجات والتظاهرات المتزايدة يومياً، وتبادر إليها عائلات الأسرى والجهات الداعية إلى انتخابات مبكرة. وفي خطوة تلصق بنتنياهو تفاصيل المقترح الذي عرضه بايدن، أطلق منتدى عائلات الأسرى عليه اسم "مقترح نتنياهو"، ليسجل هذا المقترح على اسمه، وهو ما زاد من حدة غضبه.

"هذا المقترح هو أهون الشرور في هذه الحرب للإسرائيليين ولأمن اسرائيل"، هكذا قال الباحث السياسي ناحوم برنياع، الذي شدد على "ضرورة إنهاء الحرب الآن، لتعكس الخطوات الاستراتيجية لواشنطن، أما نتنياهو فيسعى إلى جدول أعمال معاكس بحيث يكون استمرار الحرب خطوته الاستراتيجية"، وبرأيه فإن "نتنياهو لن يسمح لنفسه بتأييد مخطط يتحدث صراحة عن إنهاء الحرب. وكما قال لي مسؤول كبير شارك في المفاوضات فإن نتنياهو كان يعتقد أن حماس سترفض وكذلك السنوار، لكن الأمور جرت على عكس توقعاته".
وفي محاولة منه لوصف الوضع بأدق صورة، قال برنياع "في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وقعت إسرائيل في حفرة عميقة، ومنذ ذلك الوقت تفاقم الوضع على جميع الجبهات. تحدث كثيرون عن سلم يفترض أن ينزل نتنياهو عن الشجرة لكن التشبيه غير ناجح، هو في حفرة إلى جانب 9 ملايين إسرائيلي، وما يقترحه بايدن علينا هو سلم للصعود من هناك. ليس سلماً يضمن يقيناً مخططه الذي هو في أفضل الأحوال أهون الشرور، لكن لا يبدو أنه يوجد سلم آخر".
وبعد الكشف عن المقترح الإسرائيلي كانت التوقعات أن يحسم مضمون المقترح بقاء غانتس داخل الحكومة، لكن تكرار تهديدات نتنياهو وتصريحاته الرافضة لأي مقترح يتضمن وقفاً للنار لخبطت الحسابات السياسية بين الائتلاف والمعارضة، ما بين الانسحاب من الحكومة والبقاء داخلها، وما بين التوجه نحو انتخابات أو بذل كل الجهود لتنفيذ المقترح الإسرائيلي وضمان عودة الأسرى من غزة.
موقف نتنياهو تجاه المقترح من جهة، وموقف بن غفير وسموتريتش من جهة أخرى، يضاعفان حال الفوضى والإرباك في إسرائيل بانتظار الموعد الذي حدده غانتس لحسم قراره في شأن البقاء في الحكومة أو الانسحاب منها.
فقط في خطوة استثنائية وغير موقعة من نتنياهو، يمكن لغانتس أن يبقى، فالمقربون من رئيس الحكومة والضالعون في مناقشة الأمور خلف أبواب مغلقة يتوقعون أن يختار الحفاظ على ائتلاف مع بن غفير وسموتريتش، وأكثرية في الكنيست تحول دون إمكان المصادقة على أي اقتراح أو مشروع قانون أو خطوة تقدم عليها المعارضة لحل الحكومة، لكن هذا المسار وإبقاء بن غفير وسموتريتش داخل الحكومة، سيخلق مزيداً من الأزمات لإسرائيل لا تقتصر على الوضع الأمني تجاه غزة ولبنان، فالقرارات التي تتخذها هذه الحكومة، أيضاً في الضفة والقدس، سواء بقرار بن غفير بمرور "مسيرة الأعلام" من أمام "باب العامود" في القدس، التي من شأنها إشعال الوضع الأمني، أو قرار سموتريتش عدم تجديد الاتفاق مع البنوك الفلسطينية وعدم تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، مما يسهم في خلق أزمة اقتصادية خانقة حذر خبراء إسرائيليون من أن تولد حالة انفجار وغضب تعيد تنفيذ العمليات الانتحارية من فلسطينيين جراء تدهور وضعهم الاقتصادي في ظل هذه الحرب، إلى أقصى درجاته.

خشية فلسطينية

وما بين هذه التوقعات لم يخف الفلسطينيون خشيتهم من تداعيات الوضع المالي على البنوك الفلسطينية بعد تهديد وزير المالية سموتريتش بوقف العلاقة المصرفية معها وعدم تمديد الرخصة التي تمنحها إسرائيل للبنوك الفلسطينية للتعامل مع البنوك الإسرائيلية، وفي هذه الحالة بتحويل الشيكل، التي تنتهي نهاية الشهر الجاري.
ويخطط سموتريتش للقضاء على السلطة الفلسطينية وضم الضفة مستغلاً صلاحياته كوزير للمالية، وخطوته هذه تجاه البنوك هي جزء من هذا المخطط الذي يسهم بشكل كبير في تقويض السلطة الفلسطينية. ودفع هذا القرار الفلسطينيين إلى إيداع ما يملكون من عملة الشيكل خشية عدم قدرتهم على استخدامها، مما جعل الفائض كبيراً ودفع البنوك إلى رفض إيداع الشيكل. وفي خطوة تصعيدية، رفضت البنوك استلام عملة الشيكل من أصحاب محطات الوقود في الضفة، بذريعة امتلاء خزناتها بالشيكل.

خطوة كهذه بحسب ما أكد خبراء اقتصاد في الضفة، من شأنها أن تخلق أزمة وقود وتؤدي إلى وقف توريد المحروقات إلى الضفة الغربية، "في حال رفضت البنوك استلام الشيكل من محطات الوقود لتتمكن الأخيرة من تحويل الأموال لحسابات وزارة المالية الفلسطينية، لاستمرار التزود بالوقود، فعدم إمكان حصول وزارة المالية على الأموال من أصحاب المحطات سيعوق إمكان شراء مزيد من الوقود من إسرائيل وإدخاله إلى السوق الفلسطينية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة للسلطة في أعقاب رفض تحويل أموال المقاصة.
وقال محافظ سلطة النقد فراس ملحم إن خزائن البنوك العاملة في فلسطين ممتلئة بعملة الشيكل، مضيفاً أن الوضع صعب مما يستدعي إيجاد حلول مناسبة.
وتابع ملحم "تعمل سلطة النقد على اتخاذ إجراءات معينة، وتقديم حلول للخروج من هذه الأزمة التي ستنعكس سلباً على الاقتصاد الفلسطيني والقطاع المصرفي في حال استمرارها".
أزمة تخشى جهات عدة اتساعها لتطاول سلعاً أخرى تعتمد عليها الضفة الغربية من إسرائيل ولا مجال آخر للحصول عليها، وبذلك ينجح سموتريتش من خلال قراراته في إنتاج أزمة معقدة تضيف الضفة الغربية، بكل ما تحمل من أخطار، إلى ساحة حرب "طوفان الأقصى" مع غزة جنوباً ولبنان شمالاً. وإذا ما أقنع نتنياهو سموتريتش وبن غفير بالبقاء في الحكومة، وبالتالي استمرار حرب غزة لأشهر طويلة وفق توقعاتهم، واتخاذ مزيد من القرارات في حق الفلسطينيين في الضفة فإن الوضع سيأخذ المنطقة برمتها إلى تدهور أمني، ما زالت الجهود مكثفة لمنعه.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات