Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتنياهو ومقترح بايدن... مناورة الفرصة الأخيرة

ليس من مصلحة إسرائيل وقف النار ولو تكتيكياً في ظل إدراكها أن "حماس" تسعى لتجميع قواتها والعودة بوجه جديد

لن تقبل الحكومة الإسرائيلية بنصف حل أو بما هو مطروح من أفكار يعمل عليها الوسطاء حالياً لتحسين شروط التفاوض (أ ف ب)

ملخص

لا تزال الحكومة الإسرائيلية تعمل في اتجاهات عدة لاستمرار العمل العسكري، وهذا ناتج من جملة أسباب أهمها استمرار النزعة العسكرية لمجموعة العسكريين الجدد الذين تولوا مواقعهم أخيراً، ودعم نتنياهو لاستمرار ذلك، مما يؤكد أن التهدئة غير واردة على رغم الطرح الأميركي الجديد.

وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مقترح صفقة تبادل الأسرى بعد جلسة لمجلس الحرب، إذ يقبل المقترح استمرار التهدئة لما بعد ستة أسابيع، وهي المدة المقررة للمرحلة الأولى، باعتبار أن ما طرح يقوم على المشروع الذي قدمته تل أبيب للوسطاء في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، ورفضته "حماس". لكن السؤال هو: هل تجاري إسرائيل المشهد أم أن موقفها هذا سيكون تكتيكياً؟

إشكالات مطروحة

على رغم تباين وجهات النظر داخل إسرائيل حول الطرح الجديد فإن هناك أخطاراً جديدة أهمها أن فكرة وقف دائم لإطلاق النار في غزة غير مطروحة قبل تدمير قدرات حركة "حماس"، وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء نتنياهو شخصياً، وبعض الوزراء يعدون أن الطرح الجديد غير شرعي وخطر أمني على إسرائيل نفسها، كما أعلن وزير المالية سموتريتش أنه سيستقيل من الحكومة إذا وافقت على الخطوط العريضة التي قدمها الرئيس بايدن، مطالباً بمواصلة القتال، مما يشير إلى أن المواقف الإسرائيلية المتباينة ستعمق الخلافات التي تضع نتنياهو أمام خيارات محدودة يحمل كل منها كلفة سياسية عالية، بدليل ما قاله مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بن أوفير فالك من أن الطرح الجديد لا يحمل جديداً، بل كان مجرد خطاب سياسي لأسباب غير واضحة، مما يؤكد أن العائق الأكبر أمام التوصل إلى اتفاق حتى الآن هو كيفية الوصول إلى صيغة تؤدي إلى تعهد إسرائيل بعدم مواصلة القتال في غزة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على أهدافها المتمثلة في إعادة الأسرى وإسقاط "حماس".

 

 

واقعياً الطرح الأميركي عام ولا يتضمن بنوداً تفصيلية، ويستند إلى ثلاث مراحل زمنية تبدأ بخطة مدتها ستة أسابيع كمرحلة أولى، وتنتهي ببدء إعمار القطاع. كما لم يحدد الرئيس جو بايدن أية مسارات للتنفيذ أو العمل، تاركاً الأمر لدور الوسيطين الرئيسين (مصر وقطر)، ولا يمكن اعتبار الطرح المقدم مشروعاً حقيقياً أو رؤية مثلما فعلت الإدارات السابقة (رؤية بوش، مشروع كلينتون، خريطة الطريق، وغيرها).

ويبدو المقترح المقدم هو تسجيل موقف للإدارة في هذا التوقيت وقبل أن تغادر موقعها، إذ تتخوف من ردود الفعل المحتملة وصدقية الدور الأميركي في المنطقة بأكملها، كما أغفل المقترح دور ومسؤولية إسرائيل في التعامل، وكذلك دور القوى الدولية بل والأمم المتحدة، وركز على تقديم أطر عامة تصلح للنقاش ولم تشر من قريب أو بعيد إلى المفاوضات السابقة التي رعتها مصر، بل والولايات المتحدة نفسها.

مبررات الطرح

يمكن فهم الطرح الجديد في هذا التوقيت بمقتضى رغبة الإدارة الأميركية في تأكيد حضورها داخل المشهد، واستكمال وجودها في المفاوضات المعطلة بسبب غياب التوافقات المطلوبة بين حركة "حماس" والحكومة الإسرائيلية، والضغط على الوسيط المصري للبدء في استئناف المفاوضات بخاصة أن مصر لم تحضر لقاء باريس الأخير وحضرته قطر، والقفز على الأزمة الراهنة والممتدة بين مصر وإسرائيل بسبب استمرار العمل العسكري واحتلال ممر صلاح الدين بالكامل، ومن ثم استكمال مخطط الوصول إلى شرق رفح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما يجب أن نضع في الاعتبار التخوف من تجميد المفاوضات بصورة كاملة، مما قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط والتأثير في المصالح الأميركية بالمنطقة (من الوارد دخول الفواعل من غير الدول على الخط لدعم حركة "حماس" وتخفيف الضغوط على جبهة غزة)، والتحسب من إقدام إسرائيل على المضي في مسار العمل العسكري من دون التنسيق أو الإعلام كما هو جار، مما سيعرض الصدقية الدولية للولايات المتحدة للخطر، وتخوف بايدن من ارتدادات المشهد الراهن على الحملة الانتخابية الحالية في ظل انخفاض شعبية الرئيس والصعود اللافت لشعبية الرئيس السابق دونالد ترمب.

التوقعات المحتملة

في هذا السياق، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تعمل في اتجاهات عدة لاستمرار العمل العسكري، وهذا ناتج من جملة أسباب أهمها استمرار النزعة العسكرية لمجموعة العسكريين الجدد الذين تولوا مواقعهم أخيراً، ودعم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لاستمرار ذلك من خلال رؤية قائمة على منهج الحسم والاستمرار في تنفيذ المهام العسكرية، مما يؤكد أن التهدئة غير واردة على رغم الطرح الأميركي الجديد، وأن التوصل إلى الأهداف الموضوعة في شرق رفح سيظل قائماً ومطروحاً.

لهذا فإن إسرائيل ستعمل على ترضية الأطراف المعنية، وتناور في التعامل مع المقترح، فأميركياً لن تعمل إسرائيل على الصدام مع إدارة الرئيس بايدن بهدف شراء الوقت، وستقبل بعض التحركات للوسيط الأميركي المشارك في المفاوضات، وقد تنصت لبعض الأفكار، أو في الأقل إعادة بعض الخيارات المطروحة في ظل أفكار سبق أن طرحت من قبل في المفاوضات السابقة ما بعد "باريس 2"، كما ستتحسب إسرائيل لما هو جار وقائم من خيارات تتعلق بالتصورات الرئيسة، التي ترتبط بكل السياسات التي تريد العمل عليها أو التوصل إليها في شرق رفح وصولاً إلى مناطق أخرى في الشمال والغرب.

مخطط مدروس

لن تتراجع إسرائيل عن مخططها بالوجود العسكري - على رغم إعلانها التجاوب مع المقترح الأميركي - بخاصة مع مراقبة سلوك "حماس"، إذ قال القيادي في الحركة أسامة حمدان إن المقترح الذي تحدث عنه الرئيس بايدن يحمل أفكاراً عامة، وإنهم في حاجة إلى تفاصيل والتزام إسرائيلي واضح بما تم التوافق عليه خلال مايو (أيار) الماضي، ومن ثم فإن إسرائيل تتخوف من تزايد حدة المقاومة مجدداً من خلال تمدد المواجهات، مما ستكون له انعكاساته على ما تخطط له في ظل الخيارات الصعبة التي تعمل عليها لاستمرار العمل العسكري حتى نهايته.

 

 

في هذا الإطار المقترح أميركياً والردود الإسرائيلية المعلنة، تسعى تل أبيب إلى الانتقال تدريجاً إلى العمل السياسي والأمني عبر الترتيبات الأمنية التي قد تقدم عليها من جانب واحد في حال فشل الاتفاق على ما يجري، بخاصة أن إسرائيل لديها تحفظات حقيقية على مسار ما قد يتم في حال نجاحها بإحداث عمل مفصلي مثل التوصل إلى بعض المحتجزين، أو الوصول إلى بعض قيادات "حماس"، مما يؤكد أنها قادرة على الاستمرار في المشهد السياسي والاستراتيجي بصرف النظر عن مسعاها للتوصل إلى اتفاق لوقف النار، أو بدء العمل السياسي من خلال المرحلة الأولى من خطة الهدنة وفقاً للطرح الأميركي، أو العودة إلى إطار المفاوضات السابق برعاية مصرية وقطرية.

مسارات متكاملة

ستظل الحكومة الإسرائيلية ترى أن مزيداً من استخدام القوة العسكرية قد يكون له تبعاته وكلفته في حال عدم تحقق أية خطوة للتهدئة التي يمكن أن تعمل عليها الأطراف المختلفة، بخاصة أنه ليس من مصلحة إسرائيل وقف إطلاق النار ولو تكتيكياً في إطار إدراكها أن المقاومة الفلسطينية تسعى إلى إعادة تجميع قواتها والعودة بوجه آخر راسخ، مما قد يؤدي إلى احتمالات تكرار ما جرى، مما قد يمثل عقدة للحكومة الإسرائيلية الحالية وأية حكومة قادمة بعد انتهاء الحرب.

ستعمل إسرائيل على كل المسارات، مع التركيز على المسار العسكري، باعتبار أنه قد يؤدي إلى مزيد من الإجراءات والتدابير المحددة التي تسعى إسرائيل إلى الوصول إليها والعمل على نطاقاتها الاستراتيجية، كما هو الأمر في خطط التعامل التي تطرحها إسرائيل، وبعضها شرعت في تنفيذه على الأرض وتعمل على تطويره بصورة أو بأخرى بحسب ما يجري من تحولات محددة أو يرتبط بما هو آت من توجهات عسكرية، وفي توقيت بالغ الأهمية من جهة الأهداف الرئيسة التي يعمل عليها الجيش الإسرائيلي، ومن خلال التصميم على ديمومة العمل العسكري باعتبار أنه سيفتح الباب على مصراعيه للوصول إلى ما تخطط له إسرائيل بالفعل، وفي ظل حسابات محددة.

يؤكد ذلك ما قاله مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي من أن القتال في غزة سيستمر سبعة أشهر أخرى في الأقل، وأن الجيش الإسرائيلي يسيطر الآن على 75 في المئة من محور فيلادلفيا، الذي يمتد على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر.

الخلاصات الأخيرة

ستركز إسرائيل في اتجاهات محددة ومن خلال مقاربة عسكرية، إذ يخفت الحديث عن الحل السياسي، وإن كان المطروح بالفعل التوصل إلى حل، ولو موقت، للإفراج عن بعض المحتجزين أولاً مقابل بعض الأسرى، والقبول ببعض الأفكار كمرحلة أولى، ثم الانتقال تدريجاً إلى العمل العسكري في بؤرة أخرى مما قد يؤدي إلى استئناف الحرب، مما تتخوف منه المقاومة على اعتبار أن قصر المدة الزمنية لما هو مطروح لن يعطي الفصائل الفلسطينية فرصة لإعادة ترتيب حساباتها مرة أخرى، والعمل على الأرض في ظل محاصرة القوات الإسرائيلية مناطق التماس وخارج وداخل المدن، وفي ظل ما يمكن أن يعلن عن نفسه في الفترة المقبلة من خيارات، بخاصة أن إسرائيل لن تقبل بنصف حل، أو بما هو مطروح من أفكار يعمل عليها الوسطاء في الوقت الحالي بهدف تحسين شروط التفاوض السياسي والعسكري.

المزيد من تحلیل