ملخص
يلجأ الأطباء في غزة إلى المحاليل لمعالجة جفاف الفم والجسد، وهذا هو الحل الوحيد المتاح أمام العاملين الصحيين في غزة، وبسبب افتقار وزارة الصحة إلى برنامج واضح لمواجهة الجفاف، توفي 55 طفلاً في القطاع نتيجة لذلك المرض.
تراقب هبة قطرات المحلول الغذائي وهي تتدفق ببطء شديد عبر الأنبوب الشفاف الطويل المتصل بوريد طفلها تامر. بخفة تحاول أن تلمس يد صغيرها لتشعره بالأمان، لكن صوت الطبيب الذي يسأل الأم عن حال ابنها يقطع تركيزها. تجيبه، "لعله أفضل الآن، رجاء تابعه بنفسك". يقترب من الطفل ويبدأ في فحصه سريعاً، "ملامحه تميل للأصفر ولا يزال هزيلاً، يده مرتخية جداً وجلده جاف".
من تشخيص الطبيب أيقنت هبة ألا تحسن طرأ على حال طفلها تامر الذي يعاني جفافاً حاداً وسوء تغذية قاسياً وصل إلى مستوى أن جلده انكمش وظهر هيكله العظمي، مما دفع الأم إلى نقل صغيرها إلى مستشفى "كمال عدوان" في النصف الشمالي لغزة.
صحيح أن إسرائيل سمحت بدخول الدقيق وبعض الغذاء إلى شمال القطاع، لكن ذلك كان بكميات محدودة جداً لم تدرأ خطر المجاعة، وحال الطفل تامر ليس لها علاقة بالمجاعة التي تسير عقاربها ببطء شديد. تقول الأم "طفلي يبلغ من العمر شهرين، وواجهت صعوبة لإرضاعه، لذلك أعتمد على التركيبة الغذائية أي الحليب الصناعي، وهذا متوافر بكميات محدودة، لكن منذ فترة انقطع عنه طعام الصغار، وبسرعة أصيب بالجفاف".
بمجرد أن أصيب تامر بالجفاف نقلته الأم إلى المستشفى، وهناك كان علاجه عبارة عن محلول غذائي يتدفق في وريده لمعالجة الجفاف ومحاولة إنقاذ الطفل من الموت. تقول الأم "منذ يومين وابني موصول بالمحاليل ولا تحسن".
تزايد الحالات
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن الأطفال في قطاع غزة يعانون الجفاف بصورة حادة، وبحسب المتابعة الطبية تبين أن ارتفاع درجات الحرارة أحد أكثر الأسباب التي أدت إلى تلك المشكلة الطبية الخطرة، وإلى جانب ذلك فإن نقص الغذاء وسوء برامج الطعام هما عاملان إضافيان يسببان الجفاف.
تقول المنظمة إن 400 طفل يعانون الجفاف يصلون يومياً إلى ما تبقى من مستشفيات في قطاع غزة، معظمهم في حال خطرة تستدعي دخولهم غرف العناية المركزة، إضافة إلى إعطائهم محاليل علاجية وغذائية باستمرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا فرق بين شمال غزة وجنوبه في موضوع جفاف الأطفال، فكلتا المنطقتين رصدت فيهما طواقم الصحة العالمية زيادة متساوية في حالات الجفاف عند الأطفال، وهذا يدلل على أن الأمر غير مرتبط بالمعونات الغذائية التي من الأساس تدخل القطاع بكميات قليلة جداً.
في مجمع "ناصر" الطبي وسط مدينة خان يونس المدمرة جنوب القطاع، كان همام يركض حاملاً طفله قصي، وبمجرد أن نظر إليه الطبيب أمر مساعديه بتركيب محلول غذائي للصغير على الفور.
"كانت ملامح الطفل غريبة، بشرته صفراء، وجلده منكمش"، يقول الطبيب عاصي دغمش الذي عاين حال قصي فور دخوله المستشفى، ورصد عليه علامات الجفاف الخطرة التي تسببت في تدهور صحته.
بحسب الأب همام فإن طفله يصاب بالجفاف للمرة الثانية هذا العام، وفي المرتين يعطيه الأطباء محلولاً غذائياً أو علاجياً في الوريد، لكن الأب يشك في تحسن حال صغيره بالسائل الذي يتدفق من الكيس في وريده، ويرى أنه في حاجة إلى علاج آخر.
يقول همام "في المرة الأولى لجفاف ابني لم يشعر بتحسن إلا بعد أسبوعين، فترة العلاج كانت بطيئة، اعتقدت أن كل شيء سيصبح أفضل، لكن أبنائي عانوا جراء الهزال، واليوم يتكرر الأمر".
أعراض خطرة
أخبر الطبيب عاصي دغمش جميع أهالي الأطفال المصابين بالجفاف بأن الأعراض، مثل الهزال وقلة الانتباه وجفاف البشرة، قد تستمر لفترة طويلة جداً مع الأطفال، وقد تحدث بعض حالات الوفاة عند الحالات الحرجة.
بالنسبة إلى الطفلة فدوى فقد علق لها الأطباء هي الأخرى محلولاً غذائياً بعد أن وصلت وهي مصابة بالجفاف. تقول والدتها سماح "كثير من الأطفال لا يزالون يعانون الأمراض بسبب سوء التغذية، طفلي يعاني الإسهال الشديد والهزال، وخسر وزناً كبيراً، ولا أعرف ماذا تخبئ لنا الأيام".
يلجأ الأطباء في غزة إلى المحاليل لمعالجة جفاف الفم والجسد، وهذا هو الحل الوحيد المتاح أمام العاملين الصحيين في غزة، وبسبب افتقار وزارة الصحة إلى برنامج واضح لمواجهة الجفاف توفي 55 طفلاً في القطاع نتيجة لذلك المرض.
يقول القائم بأعمال مدير مستشفى "العودة" محمد صالحة "مواجهة الجفاف وسوء التغذية لدى الأطفال تتطلب دعماً ومساندة من مؤسسات ومنظمات صحية، إضافة إلى تأمين الغذاء المناسب، والأمران غير متاحين في غزة".
ويضيف "نواجه حالات صادمة، فبمجرد انتهاء المحلول تتدهور حال الأطفال، أجساد الصغار تفتقد المخزون الغذائي وينقصها كثير من العناصر. وليس من السهل العودة إلى النظام الغذائي بسهولة حتى لو توفر الطعام في الفترة الأخيرة بنسب قليلة".
بحسب صالحة فإن الأطفال الذين يعانون الجفاف وسوء التغذية يتطلب علاجهم تقديم المحاليل، لكنها ليست كل شيء، لأن الأطفال يأتون بعلامات جفاف متقدمة، والمحاليل هي خدمة علاجية مبدئية تهدف إلى إنعاشهم، ثم تبدأ المرحلة الثانية لإمدادهم بالغذاء اللازم، لكن ليس هناك ما يقدم لهؤلاء الأطفال.
ويوضح أن الجفاف المتقدم أدى إلى قصور في عمل الكلى، ومن ثم احتباس للسوائل داخل جسم الطفل، ثم ضغط على عضلات القلب، مما تسبب في وفاة 55 طفلاً بصورة سريعة.
لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" توصيف خطر لما يصاب به أطفال غزة من جفاف، إذ تشير إلى أنه لا تتوفر دهون ولا بروتينات لتفادي أخطار الجفاف عند الصغار، وأنهم لا يحصلون على ما يحتاجون إليه من المواد الغذائية، فهناك نحو 90 في المئة من الصغار تحت سن العامين يتناولون مجموعة غذائية واحدة، مما يؤدي إلى جفاف حاد.