Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصطفى مدبولي... "تنفيذي مطيع" أم "تكنوقراط عملي"؟

إرث وسياسات رئيس الوزراء المصري المعاد تكليفه تشكيل الحكومة يثيران استقطاباً بين "حالمين بالتغيير" و"متمسكين باستمرار مسيرة الإصلاح"

لم يعرف عن مدبولي انخراطه في الجدل السياسي أو تصدر الشأن العام طوال سنوات الاضطراب السياسي التي شهدتها مصر إبان سقوط نظام مبارك في 2011 (أ ف ب)

ملخص

تعد حكومة مدبولي الجديدة الرابعة منذ تولي الرئيس السيسي المنصب في عام 2014، وذلك بعد حكومته السابقة وحكومتي شريف إسماعيل وقبلها إبراهيم محلب، وفي حال استمراره في منصبه السنوات الست المقبلة سيكون مدبولي أحد أكثر رؤساء الحكومة شغلاً للمنصب في العقود الأخيرة.

وهو يمضي في تشكيل حكومته الجديدة يواجه رئيس الوزراء المصري المعاد تكليفه مصطفى مدبولي (58 سنة) استقطاباً على إرث سياساته الاقتصادية والاجتماعية المتبعة طوال السنوات الست الماضية هي عمر وجوده في المنصب، بعد أن شهدت البلاد في عهده أزمة اقتصادية خانقة لم تتجاوزها مصر بعد، قادت إلى فقدان العملة المحلية لأكثر من نصف قيمتها، بعد أربعة تخفيضات متتالية لها فقط منذ العام الماضي، فضلاً عن ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات قياسية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية، وديون خارجية تفوق 168 مليار دولار، متضاعفة أكثر من ثلاث مرات خلال العقد الأخير.

وقبل يومين أعاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي بدأ ولايته الثالثة في الحكم أبريل (نيسان) الماضي، تكليف رئيس وزرائه مدبولي تشكيل حكومة من "ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المميزة"، بعد تقديم الحالية استقالاتها، مما أثار موجة من الجدل بين منتقدين أملوا في استبداله، خشية استمرار السياسات الاقتصادية المتبعة نفسها وتفاقم الأوضاع المعيشية على وقع موجات غلاء غير مسبوقة طاولت الشرائح كافة، أمام تأييد في المقابل لـ"أهمية الإبقاء عليه لاستكمال خطط الإصلاح الاقتصادي" التي كان جزءاً منها منذ بداية إقراراها في عام 2016، وقت أن كان وزيراً للإسكان.

وتعد حكومة مدبولي الجديدة الرابعة منذ تولي الرئيس السيسي المنصب في عام 2014، وذلك بعد حكومته السابقة وحكومتي شريف إسماعيل وقبلها إبراهيم محلب، وفي حال استمراره في منصبه السنوات الست المقبلة هي عمر الولاية الرئاسية الثالثة للسيسي، سيكون مدبولي أحد أكثر رؤساء الحكومة شغلاً للمنصب في العقود الأخيرة.

وينص دستور البلاد في مادته الـ146 على أن "يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يوماً في الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يوماً، يعد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخاب مجلس نواب جديد خلال 60 يوماً من تاريخ صدور قرار الحل"، فمن يكون مصطفى مدبولي؟

مسيرة معمارية وإسكانية

مع تتبع السيرة الذاتية لرئيس الوزراء المصري المكلف، وهو نجل اللواء كمال مدبولي قائد سلاح المدفعية السابق بالجيش المصري، فإنه خلال مسيرته العملية تدرج مدبولي المولود عام 1966 والحاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة القاهرة عام 1988، والدكتوراه عام 1997، في عدد من المناصب الإدارية المتعلقة بالدراسات الحضرية ومشاريع البناء والإسكان والتخطيط العمراني.

وبحسب سيرته المنشورة على موقع رئاسة الوزراء المصرية، كانت أولى المناصب التي تولاها في هذا المجال المدير التنفيذي لمعهد التدريب والدراسات الحضرية بمركز بحوث الإسكان والبناء بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) 2000 وحتى يونيو (حزيران) 2004.

وخلال سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الأخيرة تدرج مدبولي في عدد من المناصب التنفيذية في تخصصه، إذ شعل في يوليو (تموز) 2004 منصب المدير العام للمكتب الفني للهيئة العامة للتخطيط العمراني، وذلك قبل أن يشغل من منصب نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) 2007 وحتى أبريل (نيسان) 2008، ثم لاحقاً عين رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 2009 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.

وفيما لم يعرف عن مدبولي انخراطه في الجدل السياسي أو تصدر الشأن العام طوال سنوات الاضطراب السياسي التي شهدتها مصر منذ سقوط نظام مبارك في 2011، وما تلاها من وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في 2012 وحتى سقوطهم في يونيو (حزيران) 2013، استمر المهندس "التكنوقراط"، وفق ما يحب أن يصفه بعضهم في مساره المهني، إذ تولى منصب المدير الإقليمي للدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الهابيتات) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 وحتى آخر فبراير (شباط) 2014، إذ كان مسؤولاً عن ملف تقديم الدعم الفني للدول العربية في قضايا التخطيط العمراني المستدام وتخطيط مدن وسياسات إسكانية وتطوير المناطق العشوائية.

 

ومع تولي المهندس إبراهيم محلب رئاسة الحكومة (استمرت بين 2014 و2015)، اختير مدبولي ليكون وزيراً للإسكان وهو في عمر 48 سنة، وهو المنصب الذي استمر فيه مع حكومة المهندس شريف إسماعيل التالية التي استمرت حتى يونيو (حزيران) 2018، إذ اختير مدبولي لرئاسة الحكومة بعد أشهر قليلة من تكليفه القيام بأعمال رئيس الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، ليكون بذلك ثالث رئيس للوزراء في عهد السيسي.

ويشيد أنصار مدبولي بفترة توليه وزارة الإسكان في البلاد التي استمرت لأكثر من أربع سنوات، إذ كان للرجل دور كبير في تنمية الحركة العمرانية بالمدن الجديدة من خلال مشاريع عدة، أهمها الإسكان الاجتماعي والمشاريع الخدمية لجذب أكبر قدر من السكان إلى المدن الجديدة، بجانب الخطوات التنفيذية الهائلة في مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الساحلية الجديدة التي تبينها الدولة.

إرث "جدلي" في رئاسة الحكومة

منذ توليه رئاسة الحكومة المصرية بشكل رسمي في يونيو (حزيران) 2018، أثار نهج مصطفى مدبولي "المتماهي بشكل كامل" مع الرئيس، وفق بعض المتابعين، كثيراً من الجدل، لا سيما مع ترويجه لسياسات اقتصادية واجتماعية لطالما عرف اختلافه معها خلال سنوات عمله في دواليب الدولة الرسمية وخارجها، وذلك بعكس عدد من نماذج رؤساء الوزراء البارزين في تاريخ مصر الحديث أمثال عاطف صدقي وكمال الجنزوري وعاطف عبيد في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذين بدوا في بعض محطات توليهم المنصب ذوي آراء مختلفة مع الرئيس.

ومع شرح الدستور المصري في مادته الـ167 اختصاصات الحكومة ممثلة في "الاشتراك مع رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها، والمحافظة على أمن الوطن وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة، وتوجيه أعمال الوزارات والجهات والهيئات العامة التابعة لها والتنسيق بينها ومتابعتها، وإعداد مشاريع القوانين والقرارات، وإصدار القرارات الإدارية وفقاً للقانون ومتابعة تنفيذها، وإعداد مشروع الخطة العامة للدولة، وإعداد مشروع الموازنة العامة للدولة، وعقد القروض ومنحها وفقاً لأحكام الدستور وتنفيذ القوانين"، يبدأ مدبولي رئاسته الجديدة للحكومة على وقع تحميل كثيرين له جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، لا سيما أن سنوات رئاسته للحكومة السابقة شهدت البلاد أزمة خانقة قادت إلى فقدان العملة المحلية لأكثر من نصف قيمتها، بعد ثلاثة تخفيضات متتالية لها من العام الماضي، فضلاً عن ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات قياسية، مدفوعاً بنقص الاحتياط الأجنبي من العملة الصعبة في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية، إضافة إلى زيادة الديون الخارجية لأكثر من ثلاثة أضعاف، مما خلف أزمة اقتصادية ومعيشية حادة على المواطنين.

وتقول أحدث البيانات الرسمية للدولة، إن ما يقرب من ثلثي سكان مصر، البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وتواجه البلاد انخفاضاً في عائدات النقد الأجنبي، سواء من السياحة التي تضررت من وباء كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، وحالياً في قطاع غزة، وكذلك من قناة السويس، أو حتى في تحويلات المصريين في الخارج، إلا أن تدفقات دولارية كبيرة بدأت في أواخر فبراير (شباط) الماضي، في صورة منح وقروض واستثمارات سياحية، منحت البلاد هامشاً من الحركة في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.

وفي مارس (آذار) الماضي كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن قفز إلى 35.7 في المئة في فبراير (شباط) من 29.8 في المئة في يناير، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وذلك قبل أن تظهر بيانات البنك المركزي المصري في مايو (أيار) الماضي أن التضخم الأساسي انخفض إلى 31.8 في المئة على أساس سنوي في أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت زيادة الأسعار نتيجة لخفض قيمة العملة المحلية، إذ سمح البنك المركزي للجنيه المصري بالانخفاض في مارس (آذار) الماضي إلى نحو 47 جنيهاً للدولار من 30.85 جنيه.

وخلال رئاسته للوزراء السابقة مضي مدبولي فيما وصفته الحكومة "خططها الإصلاحية للاقتصاد"، التي قادت إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، وكان آخرها قرار الحكومة المصرية وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم بنسبة 300 في المئة للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود من خمسة قروش إلى 20 قرشاً، اعتباراً من الأول من يونيو (حزيران) الجاري، وهي خطوة تقول الحكومة إنها "ضرورية لتتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتخطط الحكومة كذلك إلى موجة جديدة من تحريك أسعار الوقود والكهرباء ضمن خطة لتخفيف الدعم عليهم، مما يؤشر إلى زيادات مرتقبة في الأسعار.

وأمام ذلك تبقى الآراء متباينة في الأوساط المصرية في شأن استمرار مدبولي في المنصب، ففي وقت يرى فيه بعضهم أنه يبقي "شخصية وطنية تتمتع بالكفاءة والهدوء وسمات رجل الدولة القادر على تحمل المسؤولية، وأن السنوات الماضية أثبتت بشكل واضح مدى قدرته على تحمل المسؤولية في وقت بالغ الصعوبة"، فضلاً عن أن "طبيعة الظروف الأمنية والسياسية الإقليمية الصعبة والتحديات التي تواجه الدولة تفرض ضرورة استمرار مدبولي في رئاسة الحكومة"، في المقابل يرى فريق ثان أن بقاءه في المنصب قائم بالأساس على قدرته على "تنفيذ تكليفات الرئيس وعدم معارضتها أو إبداء الرأي فيها، إضافة على عدم تطلعه لما هو أكثر من منصب رئيس الوزراء، مما يسهل العلاقة التاريخية التي تجمع بين منصبي الرئيس ورئيس الحكومة".

وبحسب ما علمت به "اندبندنت عربية" من مصادر متطابقة فإن التغيير المرتقب في تشكيلة مدبولي الوزارية الجديدة سيطاول عدداً كبيراً من الوزارات، من بينهم وزراء في المجموعة الاقتصادية ووزارات سيادية. وقال أحد المصادر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "التغيير سيكون واسعاً على مستوى الوزارات الخدمية، فيما سيطاول تغيير محدود وزراء المجموعة الاقتصادية، وكذلك وزارات سيادية"، مشيراً إلى "نقاشات ومشاورات داخلية مكثفة شهدتها بعض الأحزاب القريبة من السلطة في الأسابيع الأخيرة لترشيح أسماء لوزارات بعينها وتقديمها لمدبولي".

وفي الثاني من أبريل (نيسان) الماضي أدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليمين الدستورية لولاية جديدة مدتها ستة أعوام تنتهي في 2030، ومنذ أداء اليمين يترقب الجميع تغيير الحكومة، وهو العرف السياسي والإجراء المتعارف عليه الذي يستهل به رئيس الجمهورية الولاية الجديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير