ملخص
المملكة المتحدة أمام أزمة بسبب انخفاض عدد العاملين في مجال التمريض من أصحاب اختصاص التعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقات التعلمية
حذرت مؤسسة خيرية رائدة وإحدى أبرز النقابات في المملكة المتحدة، من أن المزيد من المرضى في المستشفيات البريطانية من ذوي الإعاقات التعلّمية، سيواجهون معدلاتٍ أعلى من الوفيات، ما لم يعالج الساسة مشكلة "الانخفاض الحاد" في أعداد الممرضات المتخصصات.
وكشفت "الكلية الملكية للتمريض" Royal College of Nursing (RCN) [وهي أكبر نقابة تمريض مهنية في العالم، تمثل أكثر من نصف مليون ممرضة وطالبة تمريض وقابلة قانونية في بريطانيا] في تحليلٍ جديد، أن عدد الممرضات المتخصصات في الإعاقات التعلمية في مرافق هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس") NHS، تراجع بنسبة 44 في المئة، منذ أن تولى حزب "المحافظين" السلطة في البلاد.
وتبين من تقرير نقابة التمريض الذي تمت مشاركته حصرياً مع "اندبندنت"، أن هناك انخفاضاً بنسبة 36 في المئة في عدد الأفراد المتقدمين للحصول على شهادات تمريضٍ متخصصة، الأمر الذي حدا ببعض الجامعات في المملكة المتحدة إلى العدول عن تمويل دوراتٍ تعليمية في هذا الاختصاص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبهت "الكلية الملكية للتمريض" ومنظمة "مينكاب" Mencap [وهي جمعية خيرية تعمل على دعم الأشخاص ذوي الإعاقات التعلمية، وتساعد أسرهم ومقدمي الرعاية لهم] إلى أهمية دور الممرضات المتخصصات في الحفاظ على سلامة المرضى الذين يعانون من صعوبات في التعلم داخل المستشفيات، اللواتي يتم تدريبهن على اكتشاف الأمراض التي تهدد الحياة، والتي قد تظهر أعراضها بشكلٍ مختلف، كالإنتان على سبيل المثال.
ويأتي هذا التحذير بعدما كانت "اندبندنت" قد كشفت عن القصة المروعة لنيكولاس ثورنتون، وهو رجل يعاني من صعوبات في التعلم، قبع لنحو عقدٍ من الزمن في مستشفياتٍ ودور رعاية غير مناسبة لعلاج حالته.
وفي هذا الإطار، أكد دان سكورير رئيس السياسات في منظمة "مينكاب"، أن "الممرضات المتخصصات في رعاية الأفراد ذوي الإعاقة في التعلم، يتلقين تدريباً واسع النطاق، ويتمتعن بفهمٍ عميق للتعقيدات التي تنطوي عليها رعاية هؤلاء الأشخاص، وللطرق التي يعبرون بها عن معاناتهم من الألم. كما أن لديهن خبرةً حيوية ورؤى ثمينة، لضمان عدم تجاهل العلامات أو المؤشرات المهمة المتعلقة بصحة هؤلاء المرضى".
وحض سكورير الحكومة البريطانية على اتخاذ إجراءاتٍ في هذا المجال، من خلال زيادة عدد أماكن التدريب المتاحة لممرضات صعوبات التعلم، محذراً من خطورة إقدام بعض الجامعات على إيقاف دوراتها التخصصية التي كانت تقدمها.
وأضاف المسؤول في المؤسسة الخيرية: "أعتقد أن قرار الحكومة إلغاء المنح الدراسية لتدريب طلاب التمريض، كان له أثر سلبي عميق. وعلى رغم حدوث تراجع جزئي عن هذا القرار، إلا أنه كانت له عواقب بعيدة المدى، ولا سيما لجهة الانخفاض الكبير في عدد الأماكن، والقدرة التي كانت متاحة سابقاً لدى المؤسسات على تدريب ممرضاتٍ جامعيات".
ولفتت الجمعية إلى أنه في حين شهد عدد الممرضات المتخصصات في رعاية ذوي الإعاقة التعليمية "انهياراً" من 5498 في يناير (كانون الثاني) عام 2010 إلى 3095 في الشهر نفسه من العام الحالي 2024، فقد ارتفع في المقابل عدد المرضى المنتمين إلى هذه الفئة، من مليون و100 ألف شخص، إلى مليون و300 ألف.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن "خطة القوى العاملة طويلة الأجل" Long Term Workforce التي وضعتها هيئة "أن أتش أس" [استراتيجية شاملة هدفها معالجة التحديات المرتبطة بالقوى العاملة في نظام الرعاية الصحية من خلال وضع التوظيف على أساس مستدام، وتحسين رعاية المرضى] وعدت بزيادة عدد الممرضات المتخصصات في رعاية ذوي الإعاقة التعلمية، من 543 إلى 1089 بحلول عام 2031. لكنها نبهت إلى أن النقص في أعداد الممرضات في هذا الاختصاص، قد يرتفع إلى 1200 بحلول السنة المالية 2036 - 2037.
وكانت هيئة "أن أتش أس" قد طرحت في مايو (أيار) من هذه السنة، سلسلةً من التدريبات لجميع الممرضات بهدف تعزيز مهاراتهن في علاج المرضى الذين يعانون من صعوبات في التعلم والتوحد. وقد سُميت هذه المبادرة التدريبية على اسم المراهق أوليفر ماكُغوان، الذي كان قد تُوفي عام 2016 عندما كان يتلقى الرعاية في "مستشفى ساوثميد" Southmead Hospital في ضواحي بريستول، حيث تم إعطاؤه عن طريق الخطأ دواءً مضاداً للذهان.
إلا أن بعض الخبراء اعتبروا أن مبادرة التدريب هذه قد لا تكون كافية، مؤكدين على ضرورة توافر ممرضاتٍ متخصصاتٍ ومؤهلاتٍ بالكامل لرعاية المرضى، سواء في المستشفيات أو في المنازل.
كيتي ويلش التي تتولى رئاسة منتدى "تمريض ذوي الإعاقات التعلمية" Learning Disability Nursing في "الجمعية الملكية للتمريض"، قالت لـ"اندبندنت": "إنني على دراية بأنه في بعض المستشفيات على امتداد المملكة المتحدة، هناك غياب كامل للممرضات المتخصصات في رعاية ذوي (الإعاقات التعلمية)".
وشددت ويلش على "الدور الحيوي الذي تضطلع به هؤلاء الممرضات في رعاية الأشخاص من ذوي الإعاقات التعلمية"، مشيرةً إلى أن "وجودهن يحدث فارقاً كبيراً في الحياة اليومية لهؤلاء المرضى. فمن دون الرعاية المتخصصة التي تقدمها هؤلاء الممرضات، قد يكون هناك ارتفاع في عدد الوفيات المبكرة بين المرضى من هذه الفئة".
ورأت أن هناك "حاجةً ملحةً لزيادة الاستثمار في التمريض المتخصص في رعاية المرضى الذين يعانون من صعوبات التعلم، بغض النظر عن الحزب السياسي الذي يتولى السلطة". ودعت صانعي السياسات إلى ضرورة التزام الشفافية في ما يتعلق بخططهم لمعالجة هذا النقص، قائلة: "إننا نعلم أننا في حاجة للمزيد من هؤلاء الممرضات، كما نعلم أن هناك خطراً لجهة ارتفاع عدد الوفيات، ما لم نتمكن من توفير الدعم اللازم".
وتكشف الأرقام التي حللتها "الكلية الملكية للتمريض"، أن جامعاتٍ بريطانية تقوم بإيقاف دوراتها في هذا الاختصاص، وفي بعض الحالات يكون هناك عدد قليل للغاية من المتقدمين إليها. فعلى سبيل المثال، تظهر بيانات "خدمة القبول في الجامعات والكليات" Universities and Colleges Admissions Service (UCAS) أنه في اعام 2023، تم قبول 5 أشخاص فقط في دورات تمريض صعوبات التعلم في جنوب شرقي إنجلترا، و10 فقط في شرق إنجلترا.
جوناثان بيبي القائد المهني لقطاع تمريض صعوبات التعلم في "الكلية الملكية للتمريض"، وصف هذه الأرقام بأنها مثيرة لقلق كبير. وذكر بأنه "لعقودٍ من الزمن، كان عدد الممرضات في مجال صعوبات التعلم يتناقص، والآن نرى أن أجزاء كبيرة من البلاد قد لا يتوافر فيها دعم متخصص في هذا الإطار لأميال عدة. إن الطريقة التي يتم من خلالها نسيان الأشخاص الذين يعانون من صعوبات التعلم تُعد مخزيةً حقاً".
وختم المسؤول النقابي بالقول: "لقد تراجع عدد الممرضات المتخصصات في رعاية الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم إلى مستوياتٍ غير مقبولة، حتى أننا نسمع عن إغلاق جامعاتٍ دوراتها في هذا المجال. إن النقص في الدعم لإحدى الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع هو أمر مروع".
يُشار أخيراً إلى أن "اندبندنت" اتصلت بكلٍ من حزبي "المحافظين" و"العمال" للتعليق على الموضوع.
© The Independent