Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المكسيك- المهيك

نجاح شينباوم يبعث بالتساؤلات حول ديمقراطية مضطربة في دولة تعاني مشكلات اقتصادية وأمنية جمة

كلوديا شينباوم تحتفل عقب نتائج الانتخابات العامة في مكسيكو سيتي، 3 يونيو 2024 (أ ف ب)

ملخص

كعاشق للغة وعلم أصول الكلمات، رحت أبحث عن أصل الـ"تيكيلا"، فوجدتها منسوبة إلى قرية مكسيكية تعني باللغة الأصلية لسكانها "مكان الوفاء"، وهي تقع غرب مدينة غوادالاخارا الشهيرة التي جاء اسمها من العربية وتعني "وادي الحجارة".

عام 1982، وفي جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأميركية، حضرت وأحد الأصدقاء نشاطاً طلابياً ثقافياً للطلبة اللاتينيين بالجامعة، تقدم إلينا ليتعرف، بدأ التحية بالإسبانية وردينا التحية بالإسبانية المحدودة ببعض كلمات كنت أعرفها آنذاك.

قدم نفسه "خورخي" وهذا هو لفظ جورج لدى الناطقين بالإسبانية. استمر بالكلام بالإسبانية ظاناً من أشكالنا وسحنتنا أننا من أميركا اللاتينية، فاعتذرت منه أننا لا نتكلم الإسبانية، فغضب منا وراح يردد بالإسبانية ما فهمت "أننا نسينا لغتنا وأصبحنا "غرينكوز" (خواجات GRINGOS) وهي العبارة أو العيارة التي يطلقها اللاتينيون على سكان أميركا البيض، وقد اختلفوا حول أصلها، فمن قائل إنها من كلمة "إغريق"  Greigoأي غير مفهوم بالنسبة إلى من كان يتكلم اللاتينية، وهي بذلك شبيهة لكلمة أعجمي بالعربية أي كل من لا يتكلم العربية فهو أعجمي. وهناك تفسير آخر يقول إن معناها أتي من اللاتينية لكلمة حجاج (perigrimus)  والحجاج لروما هم الغرباء، ولعل التفسير الأول أرجح.

أدركت من رائحة الـ"تيكيلا"، الشراب الوطني المكسيكي، التي تفوح منه أنه "خارج نطاق التغطية". جاريته مهدئاً بأننا عرب ولسنا من أميركا اللاتينية، مضيفاً كلمة "جمل" مؤشراً بفتح سبابتي اليمنى وإصبعي الوسطى ووضعهما على شكل راكب مطية على يدي اليسرى.

هدأ قليلاً وسألته بالإنجليزية أنت من مكسيكو؟. استفزه السؤال ثانية وقال بإنجليزية مكسرة جداً "لا أنا من مهيكو، ولست من مكسيكو، مكسيكو هو اسم الغرينغوز وليس اسم بلدي"، وراح يكررها تكرار من لعبت الخمر برأسه، فبين كل جملة ناقصة والجملة الناقصة التي تليها لا بد من أن يذكرنا بخطأ لفظنا لاسم بلاده مهيكو، مهيكو وليس مكسيكو!. كان واضحاً أن شعوره القومي وعداءه للبيض طافح وكان يزداد طفوحاً مع زيادة كمية الـ"تيكيلا".

كعاشق للغة وعلم أصول الكلمات، رحت أبحث عن أصل الـ"تيكيلا"، فوجدتها منسوبة إلى قرية مكسيكية تعني باللغة الأصلية لسكانها "مكان الوفاء"، وهي تقع غرب مدينة غوادالاخارا الشهيرة التي جاء اسمها من العربية وتعني "وادي الحجارة".

كنت أتابع الانتخابات المكسيكية هذه الأيام، لست متخصصاً أو مهتماً بالشأن المكسيكي عموماً، ولكن شدني أن المتنافسين على سباق الرئاسة في هذا البلد الكاثوليكي المحافظ الواقع في جنوب أميركا الشمالية هما امرأتان، مما يعني أنه ستحكم المكسيك امرأة للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وهو ما حصل، إذ فازت الدكتورة كلاوديا شينباوم (لفظ اسمها لا يعكس حرفية كتابته بالأحرف اللاتينية) Claudia Sheinbaum، والبالغة من العمر 61 سنة. الرئيسة المنتخبة يهودية يسارية وابنة مهاجرين هاجر أجدادها لأمها من ليتوانيا وأجدادها لأبيها من بلغاريا. عايرها أحد خصومها بأنها ليست مكسيكية أصلية بل هي يهودية بلغارية، فتحدته بإظهار شهادة ميلادها التي تشير إلى ولادتها في العاصمة مكسيكو سيتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدكتورة شينباوم عالمة في الهندسة البيئية وفازت بجائزة نوبل للسلام في العلوم البيئية مشاركة مع آخرين، وانتخبت عمدة للعاصمة مكسيكو سيتي التي تُعدّ من أكبر مدن العالم، وتنتهج نهجاً يسارياً اشتراكياً ورثته من والديها العلمانيين، وهي مناصرة للحق الفلسطيني على رغم يهوديتها، وبلادها من الدول التي انضمت إلى جمهورية جنوب أفريقيا في دعواها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بارتكابها جرائم حرب وحرب إبادة وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية.

نجاح الدكتورة شينباوم التي لا تتجاوز جاليتها اليهودية 60 ألفاً في بلد سكانه 130 مليوناً، مئة مليون منهم من الكاثوليك الذين يعتبرون اليهود قتلة المسيح وصالبيه، يبعث بالتساؤلات حول ديمقراطية مضطربة في دولة تعاني مشكلات اقتصادية وأمنية جمة، فكيف يتجاوز المكسيكيون ما تعبئهم به الكنيسة من تعاليم دينية وينتخبون يهودية لا تؤمن بدين معين كما صرحت في أكثر من مجال؟. في الوقت نفسه الذي نرى أعرق الديمقراطيات الغربية تتجه نحو اليمين العنصري كما جرى في هولندا والدنمارك والنمسا والمجر، بل إن سباق الرئاسة في قائدة العالم الغربي الديمقراطي، أي الولايات المتحدة الأميركية، هو نكتة المهرجين والفكاهيين والشامتين، فقد انحصر سباق الرئاسة بين صهيوني هرم هو الرئيس الحالي جو بايدن، وديماغوجي فوضوي مدان بجرائم جنائية هو الرئيس السابق دونالد ترمب!.

تذكرت حماسة "خورخي" لاسم مهيكو وليس مكسيكو، فرحت أبحث عن أصله، فوجدت جدلاً حول التسمية:

كمعظم المستعمرين الجدد للعالم الجديد، سماها الإسبان الذين احتلوها بعد أن أسقطوا إمبراطورية "الآزتيك" الأصليين باسم "إسبانيا الجديدة". وهو نهج شبيه بما قام به الإنجليز بتسمية إنجلترا الجديدة NEW ENGLAND للولايات الشمالية الشرقية في الولايات المتحدة الأميركية، وسموا أستراليا جنوب ويلز الجديدة، ويورك يورك الجديدة (نيويورك) ونيو جيرسي وهكذا، لكن هذا الاسم تغير، وتختلف الروايات حول تغيره وكيف تغير، لكن الأكثر شيوعاً هو أن اسم المكسيك اسم مركب من كلمات بلغة "نهواتل" الأصلية وتعني مكان سرة القمر.

لا أدري إن كان "خورخي" حياً اليوم ليعرف أن اسم مهيكو الذي أصر عليه في تلك الليلة "التيكيلية" هو اسم جدلي لا يعرف أصله بالضبط ومن دون جدال، أي إن "خورخي" كان يهرف باسم بلاده من دون أن يعرف معناه!، وما أكثر من يردد بيننا شعارات في حب الوطن وهو لا يعرف من الوطن سوى اسمه، والفارق بين هؤلاء و"خورخي" هو الـ"تيكيلا" فقط!.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء