Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاكم أوروبا "بديل موقت" لضحايا الحرب السورية

جنايات باريس عاقبت ثلاثة مسؤولين في دمشق بالمؤبد مما شكل بارقة أمل لأسر المعتقلين

منظمات حقوقية سورية تكافح منذ سنوات من أجل محاكمة مجرمي الحرب (اندبندنت عربية)

ملخص

تشكل محاكمات متهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات في سوريا مساراً بديلاً موقتاً للعدالة التي يطمح لها الضحايا السوريون، وكان آخرها السجن مدى الحياة لثلاثة مسؤولين سوريين بقرار غيابي من محكمة جنايات باريس في مايو الماضي.

شكل الـ21 من مايو (أيار) الماضي يوماً مفصلياً لعائلة الدباغ السورية الفرنسية، التي فقدت اثنين من أفرادها أثناء زيارتهم لدمشق عام 2013، إذ اعتقلا وقضيا بعدما كانا في عداد المختفين.

على مدار أربعة أيام جرت محاكمة غيابية في حق ثلاثة من كبار المسؤولين الأمنيين السوريين أمام محكمة جنايات باريس التي أصدرت في الـ24 من مايو الماضي حكمها على هؤلاء الثلاثة، وهم مدير مكتب الأمن الوطني علي مملوك، ومدير إدارة الاستخبارات الجوية اللواء جميل حسن، ورئيس فرع التحقيق التابع للاستخبارات الجوية في مطار المزة العسكري العميد عبدالسلام محمود، وذلك على خلفية اعتقال وتعذيب وإخفاء مواطنين سوريين يحملان الجنسية الفرنسية.

مجريات محاكمة مهمة

يروي مدير التقاضي في المركز السوري لحرية التعبير والإعلام المحامي طارق حوكان في حديثه لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل القضية التي مات فيها مازن وولده باتريك دباغ بعد اعتقالهما في منزلهما بدمشق عام 2013، ولم يعرف مصيرهما حتى عام 2018 عندما استحصل عبيدة الدباغ شقيق الضحية مازن على شهادتي وفاة لهما.

وتبين أن باتريك توفي بعد فترة وجيزة من اعتقاله في الـ21 من يناير (كانون الثاني) 2014، بينما توفي والده مازن في الـ25 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وفقاً لما أكده حوكان.

وشارك المركز السوري مع روابط الضحايا في دعم هذه القضية أمام القضاء الفرنسي، في حين أن المدعي العام فتح في السابع من نوفمبر 2016 تحقيقاً قضائياً، بناء على الشكوى المقدمة من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان وعبيدة الدباغ.

وفي الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2018 أصدر قضاة التحقيق مذكرات توقيف دولية في حق كل من علي مملوك وجميل حسن وعبدالسلام محمود، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وفي الثاني من أبريل (نيسان) 2019 قبل المركز كطرف مدني في الدعوى.

بحسب حوكان قدمت الأطراف المدنية مجموعة كبيرة من الأدلة والشهود والمذكرات، وأعد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير سلاسل القيادة للاستخبارات الجوية وحدد عدداً كبيراً من الشهود استمع لهم قضاة التحقيق. كما قدم مدير المركز المحامي والناشط السوري مازن درويش شهادته بوصفه طرفاً مدنياً وضحية الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري في فرع التحقيق في مطار المزة عندما اعتقل مع بقية فريق المركز في الفرع المذكور عام 2012 .

 

 

وفي الـ29 من مارس (آذار) 2023 صدر قرار قاضي التحقيق بمحاكمة المسؤولين الثلاثة أمام محكمة الجنايات، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

بعد محاكمة استمرت أربعة أيام كاملة استعرضت خلالها المحكمة الفرنسية الأدلة المقدمة كافة في الدعوى، والاستماع إلى المتخصصين والشهود ومناقشتهم واستعرضت مجموعة من الوثائق المقدمة في الملف، صدر في الـ24 من مايو الماضي قرار بالحكم على كل من مملوك وحسن وعبدالسلام بالسجن المؤبد لارتكابهم جرم التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب، هي الاعتقال التعسفي والاعتداء المتعمد على الحياة والإخفاء القسري والتعذيب، والتواطؤ في ارتكاب جريمة حرب تتمثل في الاستيلاء على الممتلكات المدنية.

محاكمات سابقة

سبق هذه المحاكمة عدد من المحاكمات في عدد من الدول وكان أبرزها محاكمة كوبلنز الألمانية التي حاكمت فيها ضابط الأمن السابق أنور رسلان الذي لجأ إلى ألمانيا عام 2019، وألقي القبض عليه فور وصوله إلى هناك ووجهت إليه تهم بقتل 58 شخصاً، وحالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وتعذيب نحو 4 آلاف شخص في الأقل كانوا محتجزين في ما يعرف بفرع الخطيب بدمشق بين عامي 2011 و2012، وحكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد في أواسط يناير (كانون الثاني) 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آنذاك اعتبرت هذه المحاكمة الأولى من نوعها لمسؤول سابق في النظام السوري على خلفية ارتكاب جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية.

وفي سياق متصل اعتقلت الشرطة الفرنسية المتحدث السابق باسم ما يعرف بـ"جيش الإسلام" في يناير 2020 أثناء وجوده في فرنسا ضمن منحة دراسية حصل عليها، ووجهت السلطات الفرنسية لـ"مجدي نعمة" والمعروف بـ"إسلام علوش" تهماً بارتكاب جرائم حرب، واختطاف الناشطة السورية رزان زيتونية وثلاثة من رفاقها بريف دمشق عام 2013، وذلك على خلفية تقديم منظمات حقوقية سورية وأخرى فرنسية شكوى ضده.

القضاء البديل للسوريين

ويشكل التوجه للقضاء في الدول الغربية حالياً مجرى بديلاً للسوريين لمقاضاة المتهمين بارتكاب الفظائع في بلادهم باختلاف انتماء المتهمين للجهات المرتكبة لتلك الانتهاكات، سواء كان النظام السوري أم أطراف معارضة أم تنظيم "داعش" الإرهابي، ولعل آخرها محاكمة العميد السوري السابق محمد حمو في السويد، وسبقها محاكمة الطبيب علاء موسى في ألمانيا بتهم ارتكاب جرائم حرب وتعذيب السجناء المعارضين المرضى في مستشفيات عسكرية بدمشق، إلى جانب عدد آخر من المحاكمات الخاصة بالانتهاكات المرتكبة في سنوات النزاع السوري.

ويقول المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد إن التوجه لهذه المحاكم يأتي في ظل استحالة توجه الضحايا السوريين للمحاكم السورية، إذ يشكل فيها النظام الطرف الخصم والمتحكم بسير القضاء في الوقت نفسه، ويستحيل فيها تحقيق العدالة لهؤلاء الضحايا، "لذلك يتجه الضحايا السوريون في الدول التي لجأوا إليها ويسودها القانون إلى رفع الظلم عن أنفسهم"، معتبراً أن هذا الخيار هو الوحيد المتاح أمامهم عل المدى القريب والمتوسط.

وأضاف أنه إلى جانب توفر عامل الاختصاص القضائي والولاية القضائية عالمياً وغيرها من القوانين الوطنية التي توفر لهذه المحاكم مقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات، ثمة قرار سياسي في هذه الدول بملاحقة الجناة وتحقيق العدالة في الملف السوري بعد توفر ظروف جيدة للمحاكمات.

ولفت الانتباه إلى أن هذه الظروف دفعت بعض المنظمات الحقوقية بالتعاون مع شركائها للتوجه إلى السلطات الألمانية لفتح "تحقيق هيكلي" حول ما يجري في عفرين، من أجل توسيع القرار السياسي في البلدان الأوروبية ليشمل التحقيق في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها المعارضة أيضاً في المدينة ومناطق أخرى، "وليس فقط ما يرتكبه النظام أو داعش فهما ليس الطرفين الوحيدين في ارتكاب الجرائم في سوريا"، على حد قوله.

وشدد الأحمد على أنه إلى حين تمكن المحاكم الوطنية السورية من القدرة على مقاضاة المتهمين في مثل هذه الجرائم والانتهاكات أو إنشاء محكمة دولية أو مختلطة، على رغم استبعاده لها في المدى المنظور، ليس هناك ما يمنع توجه الضحايا السوريين للمحاكم الأوروبية المتاحة والاستثمار فيها ودفع هذه الدول لجعل محاكمها أكثر شمولية.

 

 

من جهته قال خليل حاج صالح من "رابطة عائلات مسار" السورية التي تعني بشؤون المفقودين والمختفين قسراً، إن إمكانات التقاضي أمام محكمة دولية منعدمة، لأن النظام السوري لم يوقع على نظام روما الخاص بمحكمة الجنايات الدولية، كما أن محكمة العدل الدولية تنظر في النزاعات بين الدول.

أما المحامي في المركز السوري لحرية الإعلام والتعبير طارق حوكان فأكد أن المحاكمات التي تشهدها أروقة القضاء الأوروبي في دول عدة مهمة للضحايا السوريين، مشيراً إلى أن "أهميتها الخاصة تأتي من أنها تشكل الرد على التهديد الأكبر الذي يواجهه مستقبل السوريين"، الذي يتمثل بمحاولات قتل وتدمير ذاكرتهم بالتغطية على الجرائم المرتكبة أو تجاوزها من دون محاسبة لأنهم سيكونون دائماً معرضين لخطر عودة العنف.

بارقة أمل

ويبدو أن صدور الحكم في حق ثلاثة مسؤولين كبار من النظام السوري في باريس يشكل بارقة أمل كبيرة للسوريين في دول الاغتراب، ويقول حاج صالح إن أسرة الدباغ هي من ناضلت من أجل الوصول إلى هذه اللحظة، وذلك بالاستفادة من ازدواجية جنسية الضحيتين، وإن معظم السوريين يتمنون أن تجري هذه المحاكمة في بلادهم بقضاة ومحققين محليين.

في حين اعتبر حوكان أن هذه المحاكمة كانت من أجل إنصاف باتريك ومازن الدباغ ومحاسبة جلاديهم، "ولكنها أيضاً من أجل إنصاف كل السوريين الذين تعرضوا للانتهاكات، فالضحيتان كانا ضحايا آلة القتل والتعذيب والإخفاء القسري نفسها التي تعرض لها مئات آلاف الضحايا السوريين"، على حد قوله.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير