ملخص
لا أحد يعلم كيف يمكن لترمب، الذي يصر على العودة للبيت الأبيض، أن يكون بطلاً خارقاً، لكنه ربما يبدو هكذا إذا ما تحدثنا عن قدرته على الإبحار وسط بحر هائج من القضايا والملاحقات الإعلامية. ولن تكون الانتخابات الأميركية المقبلة منافسة شعبية بين مرشحين بقدر ما ستكون استفتاء في شأن ما يرى الأميركيون أنه الخيار الأقل سوءاً.
في فيديو نشره على حسابه بمنصة "تروث ميديا" في ديسمبر (كانون الأول) 2022، ظهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في الوضعية الكلاسيكية لشخصية "سوبرمان"، وهو يمزق قميصه ليكشف عن زي البطل الخارق ثم تنبعث أشعة الليزر من عينه، ومن ثم تأتي عبارة "أميركا بحاجة إلى بطل خارق"، هكذا يحب ترمب، المعجب بنفسه، أن يراه الأميركيون.
على صعيد الإنجازات لا أحد يعلم كيف يمكن لترمب، الذي يصر على العودة للبيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أن يكون "سوبرمان" أو بطلاً خارقاً، لكنه ربما يبدو هكذا إذا ما تحدثنا عن قدرته على الإبحار وسط بحر هائج وأمواج من القضايا المالية والأخلاقية والملاحقات الإعلامية ضده، ومع ذلك يواصل رجل الأعمال الأميركي مسيرته نحو انتخابات الرئاسة، متقدماً على الرئيس الحالي جو بايدن في استطلاعات الرأي. لكن الأمر أصبح أكثر تعقيداً بعد إدانة تاريخية بـ34 تهمة في قضية "أموال الصمت" بنيويورك الجمعة الماضية، التي تتعلق بسعي ترمب إلى منع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز من الكشف عن علاقتهما المزعومة.
معركة ترمب القانونية لم تنته بعد، والأكثر خطراً بالنسبة إليه أنه لم يعد قادراً على إنكار الاتهامات التي كان يصفها بـ"مطاردة الساحرات" باعتبارها مكائد سياسية تستهدف النيل منه، وعرقلة عودته للبيت الأبيض. وتحمل التهم عقوبة محتملة بالسجن، لكن المراقبين في الولايات المتحدة يستبعدون ذلك السيناريو، إذ سيطلب ترمب إبقاءه حراً خلال استئناف القضية أمام المحاكم العليا في نيويورك، حيث سيقر القاضي خوان ميرشان الذي يترأس المحاكمة، بالحكم النهائي في الـ11 من يوليو (تموز)، قبيل أربعة أيام من انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري.
الحكم لا يمنع الرئيس السابق من مواصلة حملته الانتخابية، وكعادته في تحدي المؤسسات الأميركية، خرج الرئيس السابق عقب إدانته متحدثاً أمام عدسات كاميرات وسائل الإعلام، قائلاً إن "الحكم الحقيقي" سيصدره الناخبون في الخامس من نوفمبر المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
عقوبة السجن
وهناك تفسيرات قانونية عديدة لما يمكن أن تسفر عنه محاكمة ترمب، ففي حين يشير مراقبون إلى أن أقصى عقوبة قد يواجهها هي السجن أربع سنوات، يشير آخرون إلى أن التهم التي يواجهها الرئيس السابق هي من الفئة "إي" في نيويورك، وهي أدنى فئة في الولاية، وفي معظم الأحيان لا تتضمن فترة سجن، إذ عادة ما تصدر أحكام أقصر للمدانين بمثل هذه الجريمة أو يوضعون تحت المراقبة أو يواجهون غرامات مالية.
وتقول مجلة "بوليتيكو" الأميركية إنه بالنظر إلى أن ترمب يحاكم للمرة الأولى في نيويورك، إذ تتم معاملة المتهمين من ذوي الياقات البيضاء بشكل جيد من القضاة الذين يصدرون الأحكام، ويتمتع ترمب بتاريخ من العمل كرئيس للولايات المتحدة، فضلاً عن مراعاة سنه وطبيعة القضايا غير العنيفة المدان فيها، فستكون لديه فرصة جيدة جداً، ومن المحتمل أن يستطيع الإفلات من العقاب بمزيج من المراقبة والغرامات أو ربما فرض الإقامة الجبرية.
ويقول خبراء قانونيون إنه من النادر أن يواجه الأشخاص المدانون في ولاية نيويورك بجناية تزوير سجلات تجارية، التهمة التي يواجهها ترمب، عقوبة السجن. ونقلت وكالة "رويترز" عن المحامي أندرو وينشتاين الذي مثل رجل أعمال في قضية مشابهة عام 2009 "عادة ليست هذه هي القضية التي يتوقع أن يتلقى فيها رجل في أهمية ترمب حكماً بالسجن عندما يكون متهماً للمرة الأولى" ويتفق ستة خبراء قانونيين، من بينهم محامو دفاع ومدعون سابقون، تحدثوا للوكالة نفسها على أن من النادر أن يحكم على أشخاص ليس لديهم تاريخ إجرامي، متهمين فقط بتزوير سجلات الأعمال، بالسجن في نيويورك، فالعقوبة الشائعة في هذه الحالة هي الغرامات.
ومع ذلك لا شيء مستحيلاً، إذ يرى المختصون أنه من السابق لأوانه التنبؤ بالعقوبة التي قد يواجهها ترمب، ويشير آخرون إلى أن محاولة سجن رئيس سابق قد يفوز بالرئاسة مرة أخرى في نوفمبر المقبل، ويحق له التمتع بحماية جهاز الخدمة السرية الأميركية على مدار الساعة، من شأنها أن تشكل تحديات غير مسبوقة.
ترمب يواصل التحدي
وعقب صدور الحكم الأسبوع الماضي، أصر الرئيس السابق على براءته واعتبر حكم الإدانة الصادر في حقه "عاراً". وليس ترمب وحده، فرئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون اعتبر الحكم "يوماً مخزياً" في تاريخ الولايات المتحدة، قائلاً "اليوم هو يوم عار في التاريخ الأميركي. الديمقراطيون يهللون لإدانة زعيم الحزب المعارض بتهم سخيفة، بناء على شهادة (محام) مدان ومشطوب من سجل (المحامين). هذه ممارسة سياسية بحتة وليست قضائية".
ويقول المراقبون في واشنطن إن العامل الحاسم في الحكم النهائي، في يوليو (تموز) المقبل، هنا هو سلوك الرئيس السابق أثناء المحاكمة، فطوال أيام المحاكمة الشهر الماضي كان ترمب يطل برأسه يومياً محتجاً على القاضي والقضية، وهو ما يمثل ضغطاً على المحكمة التي ستسعى بالتأكيد إلى الحفاظ على نزاهة النظام القانوني وإجراءات المحكمة وتعزيز احترام القانون. وتقول "بوليتيكو" إنه تبين أن ترمب ازدرى المحكمة 10 مرات خلال هذه المحاكمة، ودين بجميع التهم الـ34، في حين لا يبدو أن من المحتمل أن يظهر كثيراً من الندم، وهو ما يؤثر أكثر على صدور حكم أكثر تشدداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مزيد من القضايا
طريق ترمب مع القضايا القانونية طويل، فثمة ثلاث قضايا جنائية معلقة في واشنطن العاصمة وفلوريدا وجورجيا، لكن وفق وسائل الإعلام الأميركية فإنه إذا فاز ترمب في نوفمبر، فربما لا يواجه أياً من هذه القضايا، فإذا ما قوبل استئنافه على إدانته من محكمة نيويورك، فهذا يعني أنه لن يواجه عواقب جنائية قبل انتخابات الرئاسة، وبطبيعة الحال سيستغل فوزه لدرء تلك العواقب المحتملة لسنوات.
وتدرس المحكمة الأميركية العليا حالياً ما إذا كان ترمب محصناً من الاتهامات الانتخابية التي يواجهها في واشنطن العاصمة، التي تتعلق بالسعي إلى إلغاء نتائج انتخابات 2020، قبيل اندلاع أعمال الشغب من أنصاره في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وفي فلوريدا أرجأت القاضية الجزئية الأميركية إيلين كانون إلى أجل غير مسمى موعد المحاكمة الذي كان مقرر في الـ20 من مايو (أيار) في قضية المستندات السرية التي احتفظ بها في منزله بمنتجع "مارالاغو".
وفي جورجيا اتهم المدعون العامون ترمب أيضاً في شأن انتخابات عام 2020، زاعمين أنه دبر مؤامرة ابتزاز لإفساد نتائج انتخابات الولاية كجزء من خطته للبقاء في السلطة. هذه القضية التي حاول المدعون في البداية تحديد موعد لها في مارس (آذار) أجلت الآن إلى أجل غير مسمى، إذ تدرس محكمة الاستئناف في جورجيا ما إذا كان سيتبعد المدعي العام الرئيسي فاني ويليس. ولم يحدد القاضي المسؤول عن القضية سكوت مكافي موعداً للمحاكمة بعد.
تراجع أسبقية ترمب على بايدن
ولا يمكن تجنب تأثير الإدانة في شعبية ترمب، إذ كشف أحدث استطلاع وطني عن تراجع أسبقيته على منافسه الرئيس الحالي جو بايدن. ففي إعادة لاستطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا"، تقلص تقدم الرئيس السابق على بايدن إلى نقطة واحدة فقط مقارنة بثلاث نقاط قبل حكم الإدانة.
ومع ذلك يقول أحد كبار مسؤولي إعادة انتخاب بايدن "لا أعتقد أن أياً من المرشحين يجب أن يعتمد على هذه الإدانات أو لوائح الاتهام التي ستحرك الإبرة بطريقة أو بأخرى ضد دونالد ترمب، لا يبدو الأمر كذلك، لذا علينا أن نفوز على أساس مزايانا الخاصة"، في وقت يصر المتحدث باسم ترمب ستيفن تشيونغ على أن الأمر يؤكد المكائد ضد الرئيس السابق، قائلاً في تصريحات الأسبوع الماضي "شهد الشعب الأميركي في الوقت الحقيقي الاستغلال غير المسبوق والمشين لنظامنا القضائي من الحزب الديمقراطي المحتال. ما كان ينبغي أبداً توجيه التهم ضد الرئيس ترمب، وما كان ينبغي لهذه المحاكمة الصورية أن تحدث أبداً".
وفي حين يواجه الرئيس السابق تحديات قانونية هائلة، فإن رئاسة بايدن اتسمت بارتفاع معدلات التضخم وفواتير السياسة الصناعية الضخمة والاضطرابات في الخارج، إذ يتحدث المراقبون عن سوء إدارة الأزمات المتعلقة بأفغانستان وأوكرانيا والشرق الأوسط. وتقول مجلة "الإيكونوميست" البريطانية إن كلا الرجلين لا يحظى بشعبية، ولن تكون الانتخابات منافسة شعبية بقدر ما ستكون استفتاء في شأن ما يرى الأميركيون أنه الخيار الأقل سوءاً.