ملخص
عدد الحجاج المصريين في البعثات الرسمية التابعة لوزارات "السياحة والداخلية والتضامن" خلال العام الحالي يراوح ما بين 45 و50 ألف حاج لكن هناك أضعافهم ينوون أداء المناسك بالمخالفة.
يحزم كثير من المصريين أمتعتهم في هذه الأيام من أجل السفر لأداء مناسك فريضة الحج تطهيراً من الذنوب والآثام، تزامناً مع اقتراب عيد الأضحى، لكن خلف كل ذلك كواليس وتجارب غير سهلة تتعلق بتدبير مصروفات ونفقات السفر.
رصدت "اندبندنت عربية" عبر شهادات مختلفة تجارب عديد من المصريين في تدبير نفقات الحج، إذ لجأ بعضهم لادخار أمواله طوال السنوات السابقة من أجل المصروفات وكلف السفر، كما لجأ بعضهم بعد زواج الأبناء لجمع كل ما تحصلوا عليه من عملهم الوظيفي مثل مكافأة نهاية الخدمة، فيما استغل البعض طرقاً أخرى بالحصول على تأشيرات زيارة والذهاب إلى السعودية قبلها بأشهر عدة من أجل أداء فريضة الحج بالمخالفة للقانون كونهم لا يحملون تصريحاً.
وقبل ساعات أعلن وزير الحج والعمرة السعودي الدكتور توفيق الربيعة أن عدد حجاج بيت الله الحرام لهذا العام الذين توافدوا إلى الأراضي السعودية بلغ ما يقارب مليوناً و200 ألف حاج من مختلف دول العالم.
مكافأة نهاية الخدمة
وإلى ذلك، يقول حمدي حسنين، محاسب محال على سن التقاعد القانونية "المعاش"، إنه حاول مراراً وتكراراً السفر لأداء مناسك الحج طوال السنوات الماضية ولكن كل محاولاته لم تكن تفلح بسبب مغالاة شركات السياحة في الأسعار.
يضيف الرجل الستيني، الذي يقطن منطقة عين شمس شرق العاصمة المصرية القاهرة، أنه على رغم فشل محاولاته السابقة فإنه كان لديه شعور داخلي بالذهاب لأداء فريضة الحج هذا العام، مضيفاً "ذهبت إلى مقر عملي للاستفسار عن مدى توافر تأشيرات للحج هذا العام، وفوجئت بالمصادفة بوجود تأشيرتين للحج من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، ثم توجهت للمسؤول المختص بالحجوزات وطلبت منه الحصول عليهما كي أسافر رفقة زوجتي، وبالفعل بعد تقديم الأوراق الرسمية وجواز السفر فوجئت باتصال من المسؤولين بالوزارة بوجود اسمينا ضمن بعثة الحجاج المسافرين".
"اضطررت إلى تجميع كل ما حصلت عليه من أموال من وظيفتي مثل مكافأة نهاية الخدمة علاوة على مبلغ مالي كنت ادخرته طوال السنوات الماضية، لتسديد قيمة التأشيرتين اللتين يصل إجمال كلفتهما 336 ألف جنيه (7155.91 دولار)، كما اشتريت تذكرتين للسفر إجمال كلفتهما 96 ألف جنيه (2025 دولاراً)"، وفقاً لـ"حمدي".
يكمل "ذهبت رفقة زوجتي للحصول على ريالات من البنك الأهلي في مصر وحصلنا على 4 آلاف ريال سعودي، وبعد تجميع كل الأوراق الرسمية توجهنا إلى وزارة التضامن الاجتماعي للتعرف إلى طبيعة المناسك وأماكن الإقامة، وبعد الانتهاء من تجميع كل النفقات والأوراق الرسمية توجهنا للسعودية لأداء المناسك، ومن المقرر العودة إلى مصر أواخر يونيو (حزيران) الجاري".
بحسب حمدي "كان كل ما يشغل بالي هو أداء الفريضة بغض النظر عن كيفية تدبير الأموال المطلوبة، وكان لديَّ إصرار على السفر تلك المرة".
نصف قيراط من الأرض
في السياق ذاته تقول السيدة السبعينية نجلاء محمد (اسم مستعار)، التي توجد حالياً بالأراضي السعودية "كنت أحلم طوال عمري بأداء فريضة الحج، وبعد تزويج بناتي الخمس تحمست لتلك الخطوة".
تضيف نجلاء المقيمة بمركز المناشي بمحافظة الجيزة "كان العائق الوحيد أمامي دائماً هو كلفة مصروفات الحج التي كانت مرتفعة للغاية، ولكن حينما قدمت عبر أحد أقاربي للحصول على تأشيرة الحج العام الحالي عبر إحدى شركات السياحة وجدت أن إجمال كلفة التأشيرة والتذكرة 216 ألف جنيه (4544.40 دولار)، ولم يكن أمامي حل لتوفير هذا المبلغ سوى بيع قطعة أرض (نصف قيراط) ورثتها عن أسرتي بمبلغ 140 ألف جنيه (2945.39 دولار)، كما ساعدني بناتي الخمس في استكمال باقي المبلغ بعد اشتراكهن في ما بينهن بإحدى الجمعيات لأنهن كن يرغبن في تحقيق حلمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمضي في حديثها "وجدت مساندة ودعماً من جميع أفراد أسرتي من أجل تسهيل السفر للحج وتنفيذ أمنية حلمت بها لسنوات طويلة".
تحررت من المسؤولية
حال عبدالحميد حسب الله من مركز بني مزار في محافظة المنيا بصعيد مصر لا يختلف كثيراً عما سبقوه، إذ يقول "بعد الانتهاء من زواج أبنائي شعرت بأنني تحررت من المسؤولية كاملة، وكان لديَّ رغبة في السفر لأداء فريضة الحج وزيارة بيت الله".
يضيف الرجل السبعيني، المتقاعد حالياً على المعاش، أنه كان يدخر مبلغاً مالياً طوال سنوات عمله في قطاع التأمينات والمعاشات من أجل أن يتمكن من السفر لأداء مناسك الحج، مردفاً "لم يكن باستطاعتي السفر خلال السنوات الماضية بسبب كلفة الحج الباهظة في شركات السياحة وبعد خروجي على المعاش وجدت الفرصة سانحة للسفر".
ويشير إلى أنه طرق كثيراً من أبواب شركات السياحة من أجل الحصول على تأشيرة للحج بسعر مناسب ولكن دون جدوى، ولم يجد أمامه فرصة سوى إرسال رسالة عبر الإنترنت للتقديم على حج القرعة التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، وبعد أسبوع فوجئ باتصال من المسؤولين باختيار اسمه ضمن الفائزين بالتأشيرة.
يكمل "بلغت كلفة تأشيرة الحج 216 ألف جنيه (4544 دولاراً)، فجمعت كل ما حصلت عليه في مكافأة نهاية الخدمة، أي 133805 جنيهات (2798 دولاراً)، كما ساعدتني جهة عملي بمبلغ 72 ألف جنيه (1514.87 دولار) من أجل الحصول على كلفة التأشيرة ووجدت الأمور ميسرة من أجل السفر".
طريق آخر
ظلت سمية محمد (اسم مستعار) تدخر على مدى سنوات لكي تتمكن من الذهاب لأداء مناسك الحج، قائلة "كنت أحلم بأداء هذه الفريضة بعد أن تزوج أبنائي الأربعة، وتقدمت للقرعة التي تطرحها الحكومة على مدى سنوات عدة لكن لم يقع الاختيار عليَّ نهائياً".
كان أكثر ما يؤرق السيدة الخمسينية هو كلفة الحج الباهظة التي تشكل عبئاً عليها، إذ إن الأموال التي ادخرتها على مدى سنوات لا تكفي لتلبية مصروفات السفر لأداء الحج.
لم تجد "سمية" طريقاً آخر يمكن من خلاله أداء الفريضة من دون تحمل كل تلك الأعباء المالية، إلا من خلال دخول السعودية من طريق تأشيرة زيارة، وليس تأشيرة حج، قبل أكثر من شهر من انطلاق موسم الحج، مردفة "حصلت على تأشيرة زيارة صالحة لثلاثة أشهر، ووصلت إلى مكة منذ أسابيع، وسأتمكن من أداء الفريضة بـ10 في المئة تقريباً من الكلف التي كنت سأدفعها إذا فزت بحج القرعة".
50 ألف حاج مصري
وفي السياق ذاته يقول عضو الجمعية العمومية لغرفة شركات السياحة عضو اللجنة الفنية للحج السياحي في مصر، باسل السيسي، إن عدد الحجاج المصريين في البعثات الرسمية التابعة لوزارات "السياحة والداخلية والتضامن" خلال العام الحالي يراوح ما بين 45 و50 ألف حاج.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أعلن وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق الربيعة أن عدد المعتمرين خلال عام 2023 بلغ رقماً قياسياً 13.55 مليون معتمر، موضحاً أن أكبر عدد للمعتمرين من خارج السعودية كان في عام 2019 يقدر بـ8 ملايين و550 ألفاً، وخلال العام الماضي ارتفع العدد إلى 13 مليوناً و550 ألف معتمر بفضل التسهيلات المقدمة، وهو أكبر ارتفاع في تاريخ المعتمرين من خارج البلاد ويقدر عدد الزيادة بـ5 ملايين معتمر بنسبة زيادة 58 في المئة.
وأكد باسل السيسي أن 80 في المئة من الحجاج المصريين وصلوا إلى الأراضي السعودية وموجودين حالياً في مكة والمدينة، مشيراً إلى أن موسم الحج بدأ منذ ثلاثة أشهر وسيستمر حتى نهاية الحج، موضحاً أن كلفة السفر لأداء الحج تعد نفس كلفة عام 2023 بالنقد الأجنبي، موضحاً أن كلفة الحج تتضمن عائد ربح لشركات السياحة لأنها كيانات تجارية من الدرجة الأولى وانخفاض سعر الجنيه يشكل عبئاً كبيراً عليها.
وفي شأن كلفة تأشيرات الحج السياحي قال إن كلفة التأشيرة للمستوى الفاخر شاملة كل الخدمات تصل إلى 500 ألف جنيه (10518.90 دولار)، والجزء الاقتصادي الذي يلجأ إليه غالبية المصريين تصل كلفته إلى 250 ألف جنيه (5263.11 دولار)، أما الحج البري فتصل كلفته إلى 220 ألف جنيه (4631.54 دولار).
أزمة تأشيرات الزيارة
وعن أزمة السفر بتأشيرات زيارة لأداء الحج، أوضح عضو اللجنة الفنية للحج السياحي أن تلك الأزمة تفاقمت بصورة كبيرة بخاصة في ظل وجود أكثر من 200 ألف مصري في الأراضي السعودية منذ أشهر عدة حاصلين على تأشيرات زيارة بهدف الحج.
ولفت إلى أن كلفة تأشيرات الزيارة تعد نصف كلفة الحج الشاملة، لأنها لا تكون شاملة الخدمات، وهو ما يجعل البعض يتحايل على القانون ويستغل تلك الفرصة، مردفاً "كان لدينا استشعار مبكر بتلك الأزمة وطلبنا من مسؤولي وزارة السياحة في البداية التدخل للمساهمة في تنظيم موسم الحج خلال العام الحالي لتجنب تلك الأزمة ولكن لم يرد علينا أحد، مما جعل الأزمة تتفاقم حالياً على رغم أنه كان يمكن أن نحمي أنفسنا من البداية".
وفي أواخر مايو (أيار) الماضي قررت السلطات السعودية منع دخول حاملي تأشيرة زيارة بمختلف أنواعها من دخول مدينة مكة أو البقاء فيها خلال الحج موسم الحج الحالي 1445، مؤكدة أن تأشيرة الزيارة بجميع أنواعها وتسمياتها لا تعد تصريحاً لحاملها لأداء فريضة الحج. وحذرت أن من يخالف ذلك سيكون عرضة لتطبيق الجزاءات في حقه، وفق ما تقضي به الأنظمة والتعليمات في البلاد.
كلفة باهظة
في السياق ذاته قال الرئيس الأسبق للجنة السياحة العربية محمد عبدالخالق ثروت إن كلفة السفر لأداء الحج خلال العام العالي تعد أعلى مقارنة بالسنوات السابقة بسبب غلاء المعيشة في معظم دول العالم وتغير سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم العالمي، مشيراً إلى أن الجميع يحلمون بالسفر لأداء الفريضة ولكن كلف ومصروفات التأشيرة قد تشكل عائقاً أمام كثيرين.
واتفق ثروت مع حديث السيسي في شأن أزمة تأشيرات الزيارة في السعودية، موضحاً أن الرياض توسعت في التأشيرات التجارية والزيارة ثم فوجئت بأن معظمهم ينتهز الفرصة لأداء مناسك الحج بالمخالفة للقانون لأنهم لا يحملون تصاريح الحج. وأشار إلى أن عدد المصريين المخالفين يكاد يقترب من 300 ألف مواطن، موضحاً أن هناك حملات أمنية مستمرة في السعودية لمواجهة هؤلاء المخالفين.
وكانت وزارة الخارجية المصرية أكدت ملاحظتها أن أعداداً كبيرة جداً من المصريين الذين توجهوا إلى السعودية بتأشيرات زيارة، ذهبوا لأداء فريضة الحج من دون تصريح، وهو ما يخالف القواعد التنظيمية للحج، وبما يعرضهم للعقوبات المقررة التي تشمل الحبس والغرامة وكذلك الترحيل خارج الأراضي السعودية.
وأعلنت وزارة الداخلية السعودية عن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج لعام 1445 هجرية، إذ تطبق غرامة مالية قدرها 10 آلاف ريال سعودي (2666 دولاراً) في حق كل من يضبط من المواطنين والمقيمين والزائرين وهو يرتدي ملابس الإحرام في مكة ومناطق الحج من دون حصوله على تصريح للحج.
وتتضاعف الغرامة المالية البالغة 10 آلاف ريال حال التكرار، وترحيل الوافدين المخالفين تلك القواعد إلى بلادهم، إضافة إلى المنع من دخول السعودية، وفقاً للمدد المحددة في هذا الشأن. كما يعاقب كل من ينقل حجاجاً مخالفين (حجاج من دون تصريح حج) بالسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف ريال سعودي (13331 دولاراً)، والترحيل إلى خارج البلاد، وكذلك المطالبة بمصادرة وسيلة النقل قضائياً.