Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحيوانات الأليفة والبشر: من يحتاج الآخر أكثر؟

هذه الكائنات "اللطيفة" تمتص تعبنا وغضبنا وتمد يد العون وتعطي حباً غير مشروط

تسهم تربية الحيوانات الأليفة في تقليل مشكلات ارتفاع ضغط الدم، وتقلل من مستويات الكولسترول في الجسم (موقع بيكسلز)

ملخص

الحيوانات الأليفة التي استأنسها البشر منذ عصور قديمة وربما سلبوها حريتها مقابل الطعام والأمان، تقدم لهم الرفقة الممتعة وتمتص تعبهم وتوترهم، وتجرهم إلى الطبيعة بطريقة أو بأخرى... فهل هي تحتاج إلى البشر أكثر أم هم من يحتاجون إليها؟

وراء هذا الباب ذيل يهتز حماسة وفرحاً لا يوصف وحباً غير مشروط ينتظر أن تدير قفل المفتاح ليزيل عنك تعب اليوم. يعرف أصحاب الحيوانات الأليفة هذا الشعور تماماً، فالكائن المنتظر في الداخل ذو الفراء أو الوبر يصر أن يرسم ابتسامة قد تفصلك عن حيثيات الحياة خارج مملكته.

ينتظر ليأكل ويلعب، وننتظر لنفرغ لديه تعبنا. فمن يحتاج إلى الآخر أكثر؟ نحن الذين أقصيناه عن بيئته وأسكناه أقفاصنا ومنازلنا؟ أم هو الذي وجد أمانه وقوته في حياة مليئة بالدلال والاهتمام؟

خوف بعده ثقة ففرح

عندما دخل "برونو" حياتي متبنى كان عمره أقل من سنتين عانى خلالهما الأمرين من تعنيف وإهمال وضرب، وكنت حينها قد أجهضت للتو.

اتكأنا بخيباتنا بعضنا على بعض، وتشاركنا لحظات صمت وتأمل طويلة إلى أن أصبح يغمض عينيه الصغيرتين المغطاتين بالشعر من دون خوف. لم يكن "برونو" مجرد كلب يبحث عن طعامه من دون خوف كان يحتاج إلى بناء ثقة بالبشر، في حاجة إلى حب ليعطي في المقابل كل حبه على كل أفراد العائلة بعد أن شهد معظم أفرادها آثاراً لأسنانه على أيديهم.

بغريزته وخوفه عض "برونو" الجميع بآلية دفاع عما قد يتعرض له، وبنى بعدها أمانه موقفاً إثر موقف حتى بات عداؤه تجاه البشر يتحول سلاماً حذراً. وحقق بعضنا بعض توازناً نفسياً وعاطفياً لم يكن لأي علاج آخر أن يؤمنه.

من أكثر الحيوانات الأليفة التي تعيش في بيوت الناس القطط والكلاب والعصافير والأسماك. ودورة حياتها في أحسن حال لا تتجاوز الـ16 عاماً. ولعل مقولة "الحيوانات الأليفة هي مجرد سنوات من حياتك، ولكنك كل حياتها" من أكثر المقولات دقة إن كان لناحية العمر أو الاهتمام.

الكلب الأجمل وحساباته

يعرف متابعو "دروغو" أنه نال لقب "الكلب الأجمل" عام 2019 و"كلب العام" منذ سنتين. و"دروغو" كلب من فصيلة "سامويد" ولديه حساب على "إنستغرام" تنشر فيه صاحبته ناتاشا شاكر يوميات طريفة ورسائل اجتماعية وتوعوية، ولديه أكثر من 223 ألف متابع على "إنستغرام"، وأكثر من 22 مليون مشاهدة لبعض فيديوهاته على "تيك توك"، كذلك ترافق "دروغو" في يومياتها قطة تربيها ناتاشا خارج المنزل سمتها "باكيزا".

حظيت ناتاشا منذ صغرها بكلب وتعلقت به، وما لبثت أن فقدته بحادثة مأسوية جعلتها تتعلق أكثر بالكلاب، تقول من الضروري أن يكون لدى الطفل حيوانات أليفة لأنها تنمي الحنان داخل قلبه، وكثيراً ما أرادت أن يكون لديها كلب لها وليس للعائلة، فأتت بـ"دروغو" وحاولت في البدء أن تدربه لدى اختصاصيين ولكن النتيجة لم تكن فعالة، فالأفضل برأيها أن يحصل على تدريب صاحبه. 

وتعد كل الكلاب أذكياء، على رغم وجود فصائل أذكى من غيرها، غير أن التدريب هو الذي يحسن من مهاراتها ويطورها.

تقول ناتاشا "أي حيوان أليف يعيش في المنزل برأيي هو أهم من الناس، أعود باكراً من أجله، وأعده ابني، هو بالطبع فرد من العائلة أعتني به كثيراً، فهو روح في المحصلة. ويشعر الكلاب عامة بتعب وحزن ووجع أصحابها وهذا ما أشهده مع (دروغو)، فهو أكثر كائن يشعر بي. وأعتقد أننا نحن في حاجة أكثر إلى الحيوانات في حياتنا مما هي في حاجة إلينا. بالطبع يسر هذه الحيوانات أن تحظى باهتمامنا لكننا نحتاج إليها أكثر. فعندما أعود من عملي بعد التعب أكون في حاجة إلى هذه العاطفة فأحضنه ويتحمل أن أغمره طوال هذا الوقت".

وتضيف "يحب الناس أخبار (دروغو) التي كنت أنشرها على صفحتي أولاً ثم أنشأت حساباً خاصاً به، وإن مر يومان من دون نشر فيديو له يبدأ المتابعون بالسؤال عنه والاطمئنان عليه. حتى أصبح من روتينيات يوم المتابعين، لأنه يجعلهم يبتهجون".

القطط صديقة أطفال التوحد

تخبر باسمة من جهتها كيف ساعدت القطة "سيما" طفلها المصاب بطيف توحد في إقدامه على النظر في عينيها بعد فترة من وجودها في المنزل، والمعروف أن الأطفال المصابين بالتوحد من الصعب أن يكون لديهم اتصال بالعينين.

وتقول إن "سيما" بهدوئها وصمتها وحركاتها الطريفة لفتت نظر ابني. كانت تأتي وتجلس بقربه وتتأمله لفترات طويلة بصبر حتى بات يتفاعل معها أولاً ثم انتقل لتفاعل طفيف مع العائلة.

وفي دراسة نشرتها صحيفة "دايلي مايل" البريطانية أفادت بأن العلماء درسوا في فرنسا تفاعل الأطفال المصابين بالتوحد مع الحيوانات الأليفة ووجدوا أن الأطفال يولون القطط اهتماماً أكثر من الكلاب بسبب تحديقها لفترة طويلة. وخلصت إلى أن نظرات القطط البعيدة من المحتمل أنها أكثر راحة للمصابين بالتوحد. إذ تمثل القطط شيئاً منخفض المستوى للتركيز، مما يسهل الطريق للتفاعل الاجتماعي، إضافة إلى أن التعامل مع القطط يؤدي إلى غرس الثقة وتعليم التعاطف وتخفيف القلق لدى المصابين بالتوحد من الأطفال. ووجدت هذه الدراسة أيضاً أن أصحاب الكلاب لديهم زيادة في إفراز هرمون الأوكسيتوسين الذي يعمل بنشاط أكبر أثناء الشعور بالحب والثقة والهدوء.

الحاجة متبادلة

الفضول من الصغر حول حياة الكائنات دفع بديديه زعني أن يتخصص في الطب البيطري، وأصبح لاحقاً رئيس قسم إسعاف الطيور الجريحة في وحدة مكافحة الصيد الجائر. ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن العالم تطور وبات ينظر بجدية أكثر تجاه حاجة الإنسان إلى الحيوانات الأليفة التي تساعد الأولاد في تنمية شخصياتهم وتحمل المسؤولية من وضع الأكل أو إخراجها لقضاء الحاجة والمشي وتنظيفها، مما يغير في نفسية الأشخاص، فوقت نقضيه مع الحيوان يزيل الضغوط بصورة فعالة، وقد ظهر هذا الأمر جلياً منذ نحو 10 سنوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما خص لبنان يقول ديديه الذي يربي كلباً داخل المنزل وقطة في الخارج "إن الحيوانات الأليفة موزعة كالتالي بحسب ملاحظته، القطط في بيروت أما في الجبال والقرى فالأكثرية يقتنون الكلاب والمناطق الساحلية مختلطة بين الكلاب والقطط. ويشدد على أن الحاجة بين الإنسان والحيوان متبادلة، فهو يحتاج إلينا لنطعمه ونفهمه. ولا شك أنه توجد حيوانات أذكى من غيرها تستطيع تدبر أمرها، لكن علينا أن نؤمن لها مكاناً آمناً لتعيش وتأكل وتشرب، مشدداً على أهمية النظافة التي يجب أن يقدمها لها الإنسان". في الوقت ذاته، يضيف ديديه "نحن نحتاج إليها لتغيير جو المنزل وإفراغ الضغوط ولمسؤولية ولوعي أكبر، والأهم ما نتعلمه من الحيوان بطريقة غير مباشرة كالصبر والحنان".

"فالذين تقاعدوا يؤنس الحيوان وحدتهم ويشعرهم أكثر بجدواهم، والذين هاجر أولادهم أو تزوجوا وتركوا المنزل يجدون بالحيوان الرفقة الممتعة، أما للأولاد فيمكن إدخال الحيوانات الأليفة كعنصر مهم في التربية على الرأفة وتحمل المسؤولية والتعاطف بخاصة إذا كان الطفل وحيداً".

العلاج بمساعدة الحيوان

 تتعرض الحيوانات الأليفة بحسب ديديه لعدة أمراض جسدية ونفسية، وقد تصاب بنوبات القلق بخاصة إذا كانت مدللة فوق العادة. "يظن بعض الناس أن الحنان الزائد جيد للحيوانات، لكن هذه الطريقة في تربية الحيوان خاطئة جداً وتنعكس سلباً علينا وعلى الحيوان الذي يتعلق بصورة مرضية فينا، فيصاب مثلاً عند خروجنا من المنزل بالاكتئاب بسبب تعلقه. ولا نحبذ هذه الطريقة في التربية لأن نتائجها سلبية جداً".

العلاج بمساعدة الحيوان، المعروف أيضاً باسم العلاج بالحيوانات الأليفة، هو تدخل علاجي يشمل الحيوانات لتعزيز رفاهية الأفراد عبر مختلف المجموعات السكانية والبيئات. وقد أجريت دراسات علمية عديدة لتقييم نتائج تدخلات العلاج بمساعدة الحيوان واستكشاف السياسات المرتبطة بها.

في إحدى الدراسات التي نشرت في مارس (آذار) من هذا العام تحت عنوان "العلاج بمساعدة الحيوان في تعزيز صحة المرضى: دراسة منهجية للأدلة النوعية والكمية" تم اختيار 16 ورقة بحثية منشورة بين عامي 2015 و2023 للتحليل. وأظهرت أربع نتائج إيجابية للوساطة العلاجية وواحدة للوساطة الداعمة في الاضطرابات النفسية. إضافة إلى ذلك أظهرت جميع الدراسات نتائج إيجابية للاكتئاب والاضطرابات العصبية.

ويظهر التقييم الشامل للعلاج بمساعدة الحيوان وعداً كتدخل فعال في تعزيز الرفاهية بين المجموعات السكانية المتنوعة.

بدنياً ونفسياً وتخفيف الألم

وتسهم تربية الحيوانات الأليفة في تقليل مشكلات ارتفاع ضغط الدم، وتقلل من مستويات الكولسترول والدهون الثلاثية في الجسم، كونها تشجع أصحاب الحيوانات الأليفة على الخروج للتنزه وممارسة التمارين الرياضية. أما الفوائد النفسية فتتلخص بالشعور بالرضا والراحة والسعادة، وتخفف من العزلة والوحدة والانفراد، وتعزز تحمل المسؤولية والرحمة والتعاطف.

وفي تجربة تأثير الكلاب في تخفيف الألم أخضع مرضى في الطوارئ لقضاء 10 دقائق مع الكلاب، لتخلص النتيجة إلى أن المرضى شعروا بألم أقل نسبة إلى أولئك الذين لم يقضوا الوقت مع الكلاب.

لمسة وصهوة

لا يقتصر العلاج بمساعدة الحيوانات الأليفة على الكلاب والقطط، إذ يعد ركوب الخيل علاجاً للمشكلات الصحية البدنية والعقلية، إذ يعزز تطوير التحكم والتوازن والقوة في العضلات من جهة، وتقليل التوتر وخفض سرعة نبضات القلب وتخفيف حدة الاكتئاب والتوتر بخاصة أثناء ركوب الخيل في الطبيعة، ما يخفف أيضاً السلوك العدواني لدى الأطفال ويسهم في بعث الهدوء والراحة في نفوس ذوي الحاجات الخاصة.

وتحت عنوان "لمسة الحصان" تقام جلسات مكثفة في فرنسا مدة الواحدة نصف الساعة لذوي الحالات الخاصة الشديدة، إذ يوضعون على ظهر الحصان المدرب، ويستشعرون نعومة الوبر مما يهدئ نفوسهم ويشعرهم بالاسترخاء.

كما تقام جلسات علاجية قوامها الخيل يقوم بها فريق تطوعي في السعودية تحت عنوان "صهوة أمل" تساعد المصابين بالشلل الدماغي ومرضى آخرين في علاجهم وشفائهم. وتعتمد على تدريبات نفسية وحركية بحسب كل حالة.هذه عينات بسيطة عن أثر الحيوانات الأليفة في صحتنا البدنية والنفسية. هذه الحيوانات التي استأنسناها منذ عصور قديمة وربما سلبناها حريتها لنقدم لها في المقابل الطعام والأمان، فإذا بها تقدم لنا الرفقة الممتعة وتمتص تعبنا وتوترنا، وتهبنا الابتسامة، وتجرنا إلى الطبيعة بطريقة أو بأخرى، نظن أنها تحتاج إلينا لنجد أنها تعطينا أضعاف ما نعطيها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير