ملخص
أعراض نفسية ترافق مرضى سرطان الثدي وعلاجاته. فكيف يؤثر استئصال الثدي على حياة السيدة وأنوثتها؟
وبعد استئصال الثدي رحلة بين قرار البقاء من دون ثدي وبين ترميمه. ما تجارب السيدات؟ وبماذا ينصح الأطباء؟
أن تخسر طرفاً من أطرافك أو تضطر إلى بتره أو تخسر عضواً من جسدك سيشعرك حتماً بفقدان توازن ما في الجسم، لسبب وظيفي أولاً، ولسبب نفسي ثانياً.
فهل تصاب المرأة بأنوثتها عندما تضطر إلى استئصال رحمها أو ثدييها؟
وكأن المرض وحده لا يكفي، ليأتي استئصال الثدي ليشكل هماً آخر. في هذا التقرير رأي لجراح نسائي وشهادات سيدات تحدثن لـ"اندبندنت عربية" كيف واجهن فكرة استئصال الثدي؟ وما الهواجس التي مررن بها؟ وما القرارات التي اتخذنها؟
أصيبت مريم بسرطان الثدي بعد أن توفي زوجها بعام، واضطرت إلى استئصال الثدي الأيمن، وهي الآن تستبدله بما تيسر من أقمشة ليوازي الثدي السليم. وتقول إنها حزنت في البداية، لكنها الآن منشغلة بتأمين الدواء الذي بات من الصعب الحصول عليه في معظم الأحيان في لبنان، وليس لدى مريم رفاهية أن تفكر حتى إذا كانت تريد ترميم ثدييها.
الترميم أعاد لها الثقة بأنوثتها
وتخبر رلى بطرس عن رحلتها مع المرض التي بدأت منذ عام 2004، "حين شخصت الفحوصات الطبية بداية إصابتي بسرطان الثدي. وقع الخبر عليَّ كان كارثياً. لم أفكر سوى بولدي، كيف لهما أن يكبرا بعيداً من أمهما". لم تخبر رلى ولديها وأجرت العملية الأولى، لكن المرض عاد عام 2010 فأجرت عملية ثانية تبعها علاج بالأشعة تلاه علاج هرموني. وقررت عام 2012 بعد تشخيص ورم جديد استئصال كامل للثديين بعد أن كانا قد خضعا لاستئصال جزئي في العمليتين السابقتين "واتخذت قرار الترميم في الوقت نفسه ومن دون تردد. لم يكن موضوع الترميم قابلاً للجدل بالنسبة لي. فمرضي لم يلغ يوماً أنوثتي. لن أتخلى يوماً عن أنوثتي حتى لو نزعها المرض مني. لم أستشر أحداً من الأهل أو الأقرباء ولا حتى زوجي. أنوثتي تخصني وحدي. ولا أنكر أن العملية الجراحية الطويلة التي استمرت 11 ساعة لم تكن سهلة أبداً". وتضيف، "المرأة الحقيقية لا تتخلى عن صورتها الجميلة بسهولة. قبل البدء بعمليات الترميم لم أتقبل أبداً شكلي أمام المرآة. طبعاً حمدت الله لنجاتي من المرض، لكنني لم أكن راضية على رغم تعاطف الزوج والأهل والأصدقاء. فعلاقة المرأة مع صورتها وثيقة جداً. لم أستشر أي متخصص نفسي، بل كنت أثق بطبيبي الذي تفهم مخاوفي بالعمق. كنت أخبره ما لا أجرؤ على إخباره للآخرين الذين حصروا اهتمامهم بالمرض فحسب، لكنهم أيدوا عمليات الترميم بسبب إصراري وكانوا إلى جانبي. والترميم أجري على مرحلتين وكانت النتيجة مرضية جداً. استعدت نفسي، عدت إلى الحياة. أخيراً نجوت".
تقول رلى للنساء اللاتي يضطررن إلى استئصال الثدي ناصحة، "لا ترضين بأنصاف الحلول ولا تخجلن من القيام بالترميم أياً كانت أعماركن. فلا شيء يغني عن الرضا أمام المرآة. الأنوثة حق. تشبثن بها جيداً".
لا ثدي ولا شعر
في سياق مختلف تخبر فيرا ناكوزي (52 سنة) لديها ولدان بعمر 21 و23 سنة، إنها أصيبت منذ ثلاث سنوات بسرطان الثدي، واضطرت إلى استئصال ثدي واحد وخضعت لعلاج كيماوي، "قررت منذ البداية عدم إجراء عملية ترميم، فأنا متصالحة جداً مع نفسي من البداية، وما ساعدني أن الجراح شبل عازار الذي أجرى العملية فنان بكل معنى الكلمة، فلم أصدم بنتيجة العملية وكان الشكل مريحاً جداً، وعلى رغم أنه شجعني على إجراء ترميم فإن لديَّ قناعة قوية بما أنا عليه ولم يشكل الأمر لي أي إحراج. وحتى أصدقائي ينصحونني بالترميم، لكن الموضوع أصبح ورائي. وشريكي يحترم رأيي وقراري. وكوننا عائلة مؤمنة نتكل على الله فلا مشكلة أبداً، ولا تتوقف حياتنا على أمور تافهة أو تكون سبباً لتعاستنا. ولم تتوقف حياتنا أبداً".
خسرت فيرا شعرها أثناء العلاج وخرجت من دون باروكة في معظم الأحيان، إلا أنها كانت تضعها عندما تذهب إلى وظيفتها كمعلمة في المدرسة لأنها تعلم أطفالاً صغاراً ولا تريد أن تسبب لهم صدمة، كما تقول.
من دون مقابل مادي، ومن دون شعر فقط لتشجيع السيدات وإظهار أنهن يستطعن إكمال الحياة من دون شعر. وتقول إن حياتها لم تتأثر أبداً، وإنها تذهب إلى البحر للسباحة، وترتدي حمالة صدر مبطنة "لا تتعلق الأنوثة بأمر بسيط كالثدي بالنسبة لي. وأقول للسيدات لا تخفن أبداً، حتى إنكن لن تحتجن إلى علاج نفسي، المهم القناعة في الحياة، والمهم الوجود والصحة الجيدة أمام عائلتي وأولادي".
الثدي أمره أسهل!
أما جومانا التي خضعت لعملية استئصال جزء صغير من ثديها والغدد الليمفاوية، إضافة إلى استبدال فقرة في الظهر، وهي تخضع لعلاج كيماوي منذ نحو 10 سنوات، فتقول "لا يهم الثدي كثيراً ويمكن ارتداء حمالات بثديين إذا اضطر الأمر"، ولكن ما أثر بها هو فقدان أسنانها بسبب العلاج وعدم قابلية عظام الفك على وضع بديل "حيث لا يمكن إخفاء الفم طوال الوقت، وهذا يسبب إحراجاً اجتماعياً بسبب عدم النطق بطريقة سليمة وعدم القدرة على الابتسام حتى".
بالأرقام
وأكدت دراسة ألمانية أن سرطان الثدي هو السرطان الأكثر شيوعاً بين النساء في العالم الصناعي حالياً، إذ يتم تشخيص نحو 69000 حالة جديدة كل عام، وما نسبته واحدة من 13 امرأة تحت خطر الإصابة بسرطان الثدي مدى الحياة. و30 في المئة منهن تحت سن الـ55. ويعد معدل الوفيات بسرطان الثدي آخذاً في الانخفاض بسبب الكشف المبكر وطرق العلاج الحديثة.
وبحسب موقع cancer research UKفإنه وفقاً لدراسة استقصائية نشرت عام 2021 في مجلة Annals of Surgical Oncology، فإن ما يقارب 75 في المئة من النساء اللاتي اخترن استئصال الثدي من دون إعادة البناء كن راضيات عن قرارهن. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن أكثر من 70 في المئة من النساء اللاتي يتخلين عن إعادة البناء في وقت إجراء جراحة الثدي إما لا يعلمن أن هذا خيار متاح، أو لا يستطعن الوصول إلى جراح تجميل، أو يركزن ويشعرن بالقلق في شأن العلاج.
ويعاني نحو واحدة من كل أربع سيدات مصابات بسرطان الثدي من الاكتئاب، وفقاً لـ"جمعية السرطان الأميركية". ويصاب معظم المريضات بواحد أو أكثر من الأعراض النفسية كالقلق والإدمان والتعب والأرق وفقدان الشهية وتقلب المزاج واضطراب ما بعد الصدمة.
مراحل نفسية
وبحسب مقال كتبته الطبيبة آنا بيترمان كريستين رادتك في قسم الجراحة التجميلية والترميمية في جامعة "فيينا" الطبية فإن علاج سرطان الثدي غالباً ما يشمل نوعاً من العمليات الجراحية، ويتم إما الحفاظ على الثدي، أو استئصال الثدي وحده، أو استئصال الثدي مع إعادة الترميم (الفوري أو المؤجل).
في مقال نشر في Psychology Today كتبت الطبيبة كريستين فولر أنه غالباً ما يمكن تفسير الاضطراب العاطفي الذي يأتي مع تشخيص سرطان الثدي بمراحل الحزن الخمس: الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والقبول. وعندما تبدأ النساء عملية العلاج الطويلة، فغالباً ما يواجهن مشكلات جديدة: الألم الجسدي، الآثار الجانبية للعلاج، الإرهاق، الاكتئاب، القلق، والأرق. ويمكن أن يؤثر كل ذلك على علاقاتهن مع شركائهن وأفراد أسرهن وزملائهن في العمل.
وتذكر أن من الشائع جداً أن تعزل النساء أنفسهن عن مجموعة الدعم الخاصة بهن خوفاً من أن يصبحن عبئاً. وربما تفقد نساء تلك الشرارة الحميمية مع شريكهن بسبب تدني احترام الذات بسبب تشخيصهن، إذ بعد تشخيص سرطان الثدي، قد تتغير علاقة المرأة بجسدها، وتشير إلى أنه على رغم أن عمليات استئصال الثدي تنقذ حياة المرأة، فإنها يمكن أن تقلل من ثقة المرأة بجسدها، وتؤثر في علاقاتها بحياتها الجنسية، وتضر بصحتها العقلية بصورة عامة.
لماذا يستأصل الثدي؟
يقول شبل عازار الطبيب النسائي الجراح والمتخصص في السرطان الذي يصيب السيدات إن السبب الرئيس لاستئصال الثدي هو الإصابة السرطان، "ولكن أحياناً نضطر إلى استئصال الثدي بسبب أمراض الالتهابات إذا لم ينفع العلاج بالكورتيزون، وهذه حالات نادرة. وأحياناً يكون قراراً من المريضة باستئصال الثدي بسبب وجود السرطان بكثرة في العائلة، فإذا أظهر الفحص الجيني نتيجة إيجابية يفضل استئصاله على سبيل الوقاية، وهذا ما حدث مع أربع مريضات لديَّ".
يضيف عازار، "عملية استئصال الثدي ثلاثة أنواع: استئصال كلي، وهو مدرسة قديمة يتم فيها استئصال الحلمة والجلد، والثاني استئصال الحلمة مع الإبقاء على الجلد، والثالث استئصال أنسجة الثدي مع الإبقاء على الحلمة والجلد بهدف الترميم في الوقت ذاته أو لاحقاً. ويستأصل الثدي غير المصاب لسبين: إما بسبب وجود خطورة تمدد السرطان له، أو بهدف تجميلي للحصول على ثديين متماثلين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الثدي المرمم والشعور
ويوضح الطبيب عازار أن 99 في المئة من المريضات يسألن عن عملية الترميم وتقوم بها نحو 70 في المئة في لبنان، وأقل من 40 في المئة في أوروبا وأميركا، لكن الغالبية تهمها التخلص من السرطان قبل التفكير بالترميم.
أما طرق الترميم فيوجد "الترميم المباشر الذي يجري أثناء استئصال الثدي المصاب وتسمى Direct to Implant، والتقنية الثانية تسمىTwo Stage Breast Reconstruction، إذ يزرع أثناء العملية ما يشبه وعاء يسمى Expander يكون فارغاً نبدأ بملئه بعد العلاج تدريجاً وعلى مدى شهرين حتى يأخذ الحيز الذي يحتاج إليه، بعدها ينزع في عملية صغيرة لوضع الغرسة على صورة الثدي وتتكون من السيليكون".
ويشير عازار إلى أن الجسم الغريب الذي يضاف إلى الجسم يبقى غريباً عنه، "نحن نشرح بالتفصيل للسيدات كي لا يتفاجأن. فالشكل الخارجي يكون جيداً، ولكن لا يوجد شعور كافٍ حتى لو بقي الجلد والحلمة، وهذا الشعور الخفيف يعود بعد نحو أربعة أشهر من إجراء العملية. وبالطبع لا يمكن للسيدة التي استئصلت أنسجة الثدي لديها أن ترضع".
الحالة النفسية
ويتابع الطبيب النسائي الجراح والمتخصص في السرطان، "نعمل مع السيدات اللاتي يضطررن إلى استئصال الثدي على التحدي النفسي الذي يعانينه. من الخوف أولاً من المرض بحد ذاته، والتفكير بالموت على رغم أن نحو 80 في المئة من حالات سرطان الثدي قابلة للشفاء. والخوف الآخر يكون صورة السيدة أمام ذاتها أمام المرآة إضافة إلى الخوف الاجتماعي، وقليلات يعبرن عن مخاوف إزاء الشريك". ويتحدث عازار مع مريضته عن كامل الخطوات التي ستحدث من الاستئصال إلى النتيجة التي تظهر بعد أسبوعين إلى العلاج الكيماوي بحال الحاجة له. ولا تستطيع السيدة أن تحصي كل المعلومات في جلسة واحدة لذا يحدث الأمر على مراحل، "فالقلق الذي يصاحب المرض يحتاج إلى دعم معنوي ونفسي ومعلومات. وغالباً ما يكون الموضوع الجنسي في آخر الأولويات". ويشرح عازار كامل التفاصيل ويحاول تخفيف وطأتها عن السيدات بعد تزويدهن بأرقام عن نسب النجاح وبتحويلهن، إذا أردن، إلى ناجيات يتحدثن عن تجاربهن، وإبعاد شبح فكرة الموت بسبب السرطان، وأيضاً التحدث معهن عن إمكانية الشفاء والحصول على صورة ثدي طبيعي بقدر الإمكان مع شرح الأنواع والمراحل والتقنيات بحال أرادت السيدة إجراء عملية ترميم أو زرع ثدي.
معالجة نفسية أو صاحبة تجربة
وفي ما يخص تحويل المريضة إلى معالجة نفسية يقول عازار إنه يقوم بهذه المهمة ويقدم شرحاً مفصلاً وعلمياً للتقنيات "قد لا يستطيع المعالج شرحها أو الإجابة عنها، بخاصة في ما يتعلق بالمرض". ويجد أن من تضطر لاستئصال الثدي لديها أسئلة كثيرة عن حالتها المقبلة، ويفضل أن تتحدث إلى سيدات مررن بهذه التجربة، وغالباً ما تتم الاستعانة بمريضاته اللاتي عشن هذه الفترة لمشاركة تجاربهن مع المريضات الجدد.
وعن دور العائلة يقول "عادة لا يكون إيجاباً. وتشجع المريضة على استئصال ثدييها من دون معرفة الوضع الصحي لها لتتخلص من المرض. ودوري أن أفهمها وضعها تماماً وأطمئنها". ويستغرب صمت الشريك تماماً ويقول، "ربما بسبب حميمية وخصوصية الموضوع كأنها لا تريد أن تشركه في القرار". ويشير إلى حالات طلاق عديدة حدثت بعد عمليات استئصال الثدي، ويشدد على أهمية أن يكون الثنائي مترابطاً لاجتياز هذه المرحلة.
الأكثرية ليست بسبب المرض
وعن عمر السيدات اللاتي يسألن ويجرين جراحات لترميم الثدي يقول إنه من 18 إلى 65 سنة، ويوضح أن بعض السيدات لا يقمن بعمليات بعد الاستئصال إنما يرتدين حمالات صدر محشوة كبديل.
ويختم بأن عدد اللاتي يجرين عمليات تجميل للثدي أكثر من مريضات السرطان، البعض للتكبير أو للتصغير أو للرفع.