ملخص
حتى إن لم يعد هؤلاء الرجال موجودين جسدياً في تلك الصور، فهم موجودون في ذاكرتي. لا أستطيع أن أنظر إلى تلك الصورة على الشاطئ وأنسى من كان معي أو أنسى الشعور الذي جعلوني أشعر به أو الشعور المذهل الذي تشعر به عندما تحب شخصاً ما إلى هذا الحد. وكلما مر الوقت، قلت رغبتي في النسيان
أحاول أن أنظر إلى الصورة بموضوعية، وكأنني أراها للمرة الأولى. لا يوجد سواي في المقدمة: تعصف بي الرياح، مبتسمة، سعيدة ومرتدية نظارة شمسية كبيرة. خلفي الشاطئ حيث تلتقي الرمال بالمياه مع السماء. الناس يمرحون في الأمواج. طائر نورس وحيد يطير في سماء زرقاء باهتة. إذا أمعنت النظر، فقد تتساءل عن زاوية جسدي – ليست الزاوية المواجهة للكاميرا مباشرة، بل النصف الملتف - كما لو أنه يميل نحو شيء ما. قد تتساءل عن اللون الأبيض الضبابي في الزاوية اليمنى في أسفل الصورة، كما لو أن شبحاً قد خرج للتو من تلك الصورة. وذلك ليس بعيداً من الحقيقة.
عندما التقطت هذه الصورة، كان هناك بطل آخر: شريكي السابق. وقفنا لالتقاط الصورة، وذراعي ملفوفة حول كتفيه، وابتسامته عريضة مثل ابتسامتي. لا أستطيع أن أتذكر أين التقطت - أعتقد أنه في مكان ما في المملكة المتحدة، نظراً للثياب التي أرتديها - ولكنني أعرف، بمجرد النظر إليها، أننا كنا سعداء جداً في ذلك الوقت. إنها لقطة للحظة مثالية في الوقت المناسب، مشبعة بكثير من الحب والفرح بحيث يصعب فهم ما حدث لاحقاً بالنظر إليها: النهاية المفاجئة وغير المتوقعة، على الكنبة في محادثة واحدة قصيرة مليئة بالدموع.
ومع ذلك، فإن النظر إلى النسخة المعدلة لا يبدو أسهل. بداية، تبدو مخيفة. ثانياً، إنها تثير هبوطاً سريعاً في أمعائي يشبه ذلك الشعور الذي تشعر به أثناء ركوب قطار الملاهي عندما يهبط بسرعة نحو الأسفل، حين يجعلك فقدان الجاذبية تشعر بالغثيان بشكل غامض.
لقد قمت بإنتاج هذه الصورة "الجديدة والمحسنة" باستخدام برنامج "إكس-تيرميناتور" [مدمر الحبيب السابق] "Ex-Terminator"، وهي عبارة عن تعاون بين موقع المواعدة "أوك-كيوبيد" OkCupid وبرنامج تعديل الصور "فوتورووم" Photoroom. ويوصف هذ البرنامج بأنه "أول برنامج في العالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي لمسح الشريك السابق"، وهو مجاني وسهل الاستخدام – ما عليك سوى تحميل صورة لك ولحبيبك السابق، والنقر على مؤشر المسح وسحبه فوق شريكك السابق، ومشاهدته وهو يختفي بطريقة سحرية (في هذه الحالة، الفن يحاكي الواقع).
تم تطوير البرنامج استجابة لبحث أجراه "أوك-كيوبيد"، الذي وجد أن 54 في المئة من العزاب من "الجيل زد" [مواليد آخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية] و50 في المئة من العزاب من جيل الألفية لديهم صورة لأنفسهم يرغبون في مسح شريكهم السابق منها. وقال نحو 41 في المئة من المشاركين في البحث البالغ عددهم 185 ألفاً، إنهم كانوا متحمسين لإزالة شريكهم السابق من صورة للتغلب على ألم الانفصال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقول لورين سودورث، رئيسة العلامة التجارية لشركة "فوتورووم": "سواء كان الأمر يتعلق بالتعافي والمضي قدماً أو إنقاذ صورة جيدة، فإن الملايين من الأشخاص يريدون محو شركائهم السابقين من الصور القديمة". يسلط مايكل كاي، مدير الاتصالات في "أوك-كيوبيد"، الضوء على فوائد إنقاذ صورة لاستخدامها في تطبيقات مواعدة "عندما يتعلق الأمر بتجهيز صفحتك الشخصية على تطبيقات المواعدة، فإننا نتعاون مع فوتورووم للتأكد من أن شركاءهم السابقين لا يعوقون استخدام أي صور جيدة".
على رغم أن الاستعارات من مسلسل "بلاك ميرور" [المرآة السوداء] Black Mirror أمر لا مفر منه، إلا أن الأمر قد يكون أكثر استحضاراً لفيلم "إشراقة أبدية لعقل نظيف" Eternal Sunshine of the Spotless Mind، وهو فيلم مؤثر صدر في عام 2004 من إخراج ميشيل غوندري وبطولة جيم كاري وكيت وينسلت، ويستكشف الفيلم عالماً يمكن فيه للبشر أن يدفعوا المال مقابل محو كل ذكرياتهم عن شخص ما. يتناول الفيلم بشكل جميل التعقيدات التي ينطوي عليها السعي إلى "حذف" شريك سابق – بما في ذلك مسألة ما إذا كان محكوماً علينا بتكرار أخطائنا إذا لم نتذكرها، وفكرة أنه مهما كان مقدار الأذى الذي ألحقه بنا شخص ما، فهناك مساحات من الذكريات الجميلة التي سيكون فقدانها أمراً مأسوياً.
إن إزالة شريكك السابق من الصورة لا يعني إزالة ذكرياتك عنه بالطبع. ولكن هناك رمزية ما لهذه العملية، كما يحصل عند التخلص من كل التذكارات المرتبطة بشخص ما. وكأننا نتظاهر بأنهم لم يكونوا موجودين من الأساس، وكأن مسح وجوههم سيمحو الألم.
تقول جو كوكر المتخصصة النفسية ومديرة العلاج ومعايير التدريب في كلية المتخصصين النفسيين للعلاقات العاطفية والجنسية COSRT "جميع العلاقات هي جزء من رحلتنا ومن التجارب التي تسهم في تعلمنا وتطورنا". وبينما ترى أن التخلص من الصور والرسائل ومكاتيب الحب يمكن أن يكون مفيداً إذا كنت عالقاً في العودة إليهم والتفكير في العلاقة دون أن تتمكن من المضي قدماً"، فإنها تسلط الضوء على أنه "ليست كل علاقاتنا السابقة مليئة بالذكريات السيئة، حتى لو انتهت. من الجيد أن نكون قادرين على النظر إلى إيجابيات وقت قضيناه معاً – فلا تتسرع في تحطيم [الذكريات]".
هناك طرق مختلفة للتعامل مع الأدلة المادية للعلاقة بعد الانفصال. أعرف بعض الأشخاص الذين يتبعون أسلوب الأرض المحروقة بالكامل، إذ يقومون بالقضاء على كل دليل لحبهم السابق وإعادة كتابة ماضيهم من دون شريكهم السابق. في الآونة الأخيرة، واجهت إحدى صديقاتي نتيجة سلبية وغير متوقعة لهذه الاستراتيجية، بعدما عادت لحبيبها السابق بعد انفصال دام سبعة أشهر. قبل المصالحة، وهي لا تزال في حالة حزن، طلبت من أختها أن تحذف جميع رسائله، وكذلك كل صوره من هاتفها. قالت بحزن: "لن أستعيدهم أبداً الآن. لقد ذهب هذا الجزء من علاقتنا إلى الأبد".
"جميع العلاقات هي جزء من رحلتنا ومن التجارب التي تسهم في تعلمنا وتطورنا"
جو كوكر، متخصصة نفسية
في المقابل، هذا هو السبب الذي يجعل عديد منا يختارون المسح – لأن التمسك بالتذكارات يصبح من أعراض التمسك بالأمل في أن يغير شخص ما رأيه ويعيد إحياء العلاقة. لقد احتفظت ببطاقة عيد ميلاد منزلية الصنع من صديق سابق في أوائل العشرينيات من عمري "فقط لاحتمال" أن يدرك أنه لا يستطيع العيش من دوني. ظللت أفكر كم سأكون سعيدة لأنني لم أتخلص منها عندما نعود ونلتقي حتماً لنقضي الـ50 عاماً القادمة في زواج سعيد. يكفي القول إن ذلك لم يحدث أبداً – أتذكر الراحة التي شعرت بها يوم رميتها أخيراً في سلة المهملات.
لكن منذ ذلك الوقت، لم أسع إلى تدمير تلك المظاهر المادية للحب السابق. أضع الرسائل والبطاقات المختلفة في صندوق الذاكرة. أقوم بأرشفة محادثات واتساب، ولكنها لا تزال موجودة. الصور تبقى على هاتفي. توافق كوكر على أن أخذ الوقت في تقييم ما يجب فعله يمكن أن يكون أفضل طريقة: "أود أن أقول لا تتسرع في اتخاذ قرار في شأن ما ستفعله بتذكارات العلاقات السابقة. يمكنك وضعها في صندوق ودع أمر العودة إليها حتى يمر الوقت، ثم قرر إذا ما كان عليك الاحتفاظ بها أو لا".
نصيحتها بصورة عامة هي تجنب التسرع عندما يتعلق الأمر بالمضي قدماً بعد الانفصال. تقول "خذ وقتاً لتتعافى وتعيد بناء قوتك الداخلية وثقتك بنفسك. استخدم البعد كعامل للتفكير والنمو الذاتي والتطوير. قد يكون إنهاء العلاقة مؤلماً، عليك أن تعترف بذلك وألا تقسو على مع نفسك".
أحاول تجريب مزيد من الصور من خلال برنامج "إكس-تيرميناتور"، فقط لأرى كيف يبدو الأمر. صورة لنا معاً في الحفلة تصبح صورة لي بجوار مساحة فارغة، تتحول اللقطة المزدوجة لنا في أحد المهرجانات إلى صورة فردية لي. مبتسمة ووحيدة، أقف إلى جانب ثقب أسود من لا شيء، فجوة على شكله. أستخدم صورة مع حبيب سابق من وقت أسبق لمعرفة ما إذا كانت الصور ستظل تبدو غريبة وفارغة - ولكن تبين أن هذه الصورة كانت أسوأ، فالقبعة البرتقالية التي كان يرتديها في ذلك اليوم خلال زيارتنا لمرتفعات اسكتلندا تأبى الحذف بشدة، بغض النظر عن عدد المرات التي حاولت فيها. النتيجة النهائية غريبة. يبدو الأمر وكأن ذكراه العالقة تقاوم. كما لو كان شبحاً يطاردني كلما حاولت التخلص منه.
في الواقع، فإن التجربة برمتها، بدلاً من أن تساعد في التعافي تثير شعوراً بالغرابة. مضطربة هو أفضل وصف أستطيع أن أصفها به. حتى إن لم يعد هؤلاء الرجال موجودين جسدياً في تلك الصور، فهم موجودون في ذاكرتي. لا أستطيع أن أنظر إلى تلك الصورة على الشاطئ وأنسى من كان معي أو أنسى الشعور الذي جعلوني أشعر به أو الشعور المذهل الذي تشعر به عندما تحب شخصاً ما إلى هذا الحد. وكلما مر الوقت، قلت رغبتي في النسيان.
الحياة عبارة عن خليط من المتعة والألم، البهجة وخيبة الأمل، لا شيء من هذا الأحاسيس منطقي في عزلة عن الآخر. لم أكن لأكون ما أنا عليه الآن لولا كل العلاقات - وحزن القلب - التي شكلتني. لقد أدت تلك التجارب إلى زيادة حدة ونعومة الشخص الذي أصبحت عليه، مثل الصور الفورية تتطور أمام عينيك (للبقاء مع موضوع الصور)، وتصبح الصورة أوضح والألوان أعمق وأنت تشاهدها.
ولذلك، قررت أن أحذف بعض الصور، وبالتحديد، النسخ المرعبة التي لا تحوي شركائي السابقين. النسخ الأصلية للصور يمكنها البقاء، ليتم إخراجها من وقت لآخر والبكاء عليها والاندهاش بها قبل إعادتها إلى التخزين. لقد غفرت، نعم - ولكني لم أنس.
© The Independent