Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإشاعات سلاح آخر في معارك السودان

طرفا الحرب يروجان إشاعات عن انتصارات واهية ومتخصصون يحذرون من تأثيرها النفسي على المدنيين

تقف الإشاعات وراء موجات نزوح لبعض الأسر السودانية (أ ف ب)

ملخص

يشهد المجتمع السوداني على مدى أكثر من عام عدم الاستقرار السياسي والأمني مما ترك بصماته على الصحة النفسية والاجتماعية وإضعاف المعنويات لدى شريحة واسعة وقعت في فخ الإشاعات

اندلعت في خضم الحرب الضارية التي تدور بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 حرب أخرى أكثر شراسة تتعلق بإثارة الإشاعات بصورة فظة مسرحها مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يراد من خلالها التضليل وخلق أفق ضبابي في أوساط المجتمع السوداني، بينما تكون في الغالب ممنهجة وشيقة ومثيرة لفضول المتلقي، فضلاً عن أن مصدرها مجهولاً.

صحيح أن الإشاعات يجري تداولها منذ العصور القديمة في مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، بيد أنها تأخذ أشكالاً وأبعاداً في حال استخدمها في أطروحات سياسية عسكرية أو في الحروب أو القيادة بغرض التأثير والتحكم في الروح المعنوية للفئات المستهدفة مع طمث للحقائق، لكن يلاحظ في حرب السودان الحالية أن هناك حملات تضليل واسعة وداعمة للطرفين للترويج عن انتصاراتهما وتقدمهما الميداني.

معلومات يروجها كل طرف يتمسك فيها بأنه كبد الطرف الآخر خسائر فادحة وغير مسبوقة مع تدمير في المعدات أو نشر الإشاعات عن تقهقر الجيش وضعفه، فضلاً عن أن كل منهما أصبح مواد حارقة لبعضهم بعضاً بتبادل الاتهامات ونفيها.

في حين أنه مع تطاول أمد الحرب تكون الحقيقة زائفة وعبارة عن خيط واهن يمكن أن ينقطع ويتحول إلى إشاعات وسط هذا الزخم المرعب عن مجريات الحرب من جرائم وقتل خارج نطاق القانون وتعديات لحقوق الإنسان والضحية في كلتا الأحوال هو المواطن السوداني الذي يتم استهدافه بجميع استراتيجيات التشتيت مع الاستعانة بالصور ومقاطع الفيديوهات ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت لها أبعاداً نفسية واجتماعية من قلق وخوف، خصوصاً بعد نشر فيديوهات الرؤوس المقطوعة والأحشاء الباقرة والتمثيل بالجثث، مما أثار الرعب بأن هذا مصير كل من يقع في أياديهم.

آثار مدمرة

الاختصاصية الاجتماعية رانيا عبدالعاطي ترى أن "الإشاعات معضلة كبيرة في حرب السودان لما لها من تأثيرات مدمرة على المجتمع، لا سيما أنها منتشرة منذ أمد بعيد، فضلاً من طريقة انتشارها، إذ كانت قديماً تنقل شفهياً، أما الآن تتحكم فيها الأجهزة الرقمية التي تمتلك قوة خارقة على الفرد والمجتمع والأسرة". وأضافت "باتت المعلومات التي تتلقاها المجتمعات السودانية عما يدور في البلاد من أحداث وتطورات نتيجة الاشتباكات المتصاعدة بين طرفي القتال غير صحيحة وملفقة ووضح ذلك جلياً من خلال التطمينات المضللة عن عودة سكان مدينة أم درمان القديمة إلى منازلهم في وقت تشهد الآن أعنف المعارك، مما أدى مجدداً إلى مواجهتهم النزوح، وهذا بالفعل يجسد معنى الإشاعات، في ظل الأوضاع غير المستقرة والمتفجرة بين الطرفين".

 

 

وأشارت إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت إلى حد كبير في تداول الإشاعات، لا سيما أنها تسيطر على العقل الجماعي، بخاصة بعد نشر مقاطع فيديوهات الرؤوس المقطوعة والأحشاء الباقرة وغيرها من الصور اللاإنسانية التي يراد بها إثارة الرعب والقلق والإحباط والاكتئاب والجنون بتداولها من شخص لآخر، إلى جانب أنها تحدث مشكلات في المجتمع أبرزها النزاعات القبلية التي تؤدي إلى هدم النسيج الاجتماعي"، لافتاً إلى أن "الصدقية مع استمرار الحرب يصعب توافرها لذلك يجب على الفرد والمجتمعات الرجوع إلى الحكمة وصوت العقل بعدم الانصياع وراء الإشاعات".

رفع الوعي

وفي ما يتعلق بالأبعاد النفسية للإشاعات أوضح الاستشاري النفسي أحمد محمد نجيب أن "الحروب والنزاعات المسلحة تحمل معها أبعاداً نفسية سلبية تؤثر في المجتمعات المتضررة، فضلاً عن أن المجتمع السوداني يشهد على مدى أكثر من عام عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما ترك بصماته على الصحة النفسية والاجتماعية وإضعاف المعنويات لدى شريحة واسعة وقعت في فخ الإشاعات". وتابع، "نشر المعلومات المضللة يثير القلق الذي يرتبط بعدم اليقين إلى جانب الخوف من المجهول وعدم التوازن النفسي، فضلاً عن التأثيرات العقلية على الأشخاص الذين لديهم الفضول والانسياق وراء تصديق الإشاعات، بخاصة الذين فقدوا الأقرباء وأفراد الأسر والممتلكات، إذ إن الإشاعات تزيد من إحساسهم بالاستسلام والعجز وزعزعت الثقة، بالتالي تؤثر في مستوى التماسك النفسي والاجتماعي والتضامن بين أفراد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونبه الاستشاري النفسي إلى أن "الأخطر في تداول الإشاعات زيادة الشعور بالعزلة والانفصال، لا سيما أن النازحين واللاجئين المهجرين جراء الحرب تفاقمت معاناتهم النفسية من اضطرابات حدة المزاج، مما يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة التي تنامت خلال فترة الحرب والعمل على محاربتها، إضافة إلى تفعيل دور الخدمات النفسية والاجتماعية للفئات الأكثر تضرراً من التداعيات التي صاحبت الحرب والنزوح".

دحض الإشاعات

من جهته أوضح مدير قطاع الثقافة بولاية النيل الأبيض حيدر عبدالرحيم أن "الحرب في السودان صاحبتها ثورة تداول الإشاعات والمعلومات الزائفة التي تعد أقوى أسلحة الحروب لبث الرعب وسط المواطنين الذين تفاقمت معاناتهم باستهدافهم في شتى مناحي حياتهم، إذ يكفيهم التشرد والنزوح والنهب وسرقة الممتلكات، فضلاً عن أنهم في غنى عن شتات الأفكار".

وواصل عبدالرحيم "في هذه الأوضاع المعقدة تشكلت لجنة في ولاية النيل الأبيض بضاحية ربك تهدف إلى دحض الإشاعات وتفنيد الأخبار الكاذبة والحد منها، ومن ثم تمليكها للمواطن، إلى جانب رفع الوعي حتى لا يكون فريسة للأكاذيب، بخاصة بعد استهداف الولاية بالمسيرات، فضلاً عن الإشاعات التي أطلقت بأن قوات (الدعم السريع) تقترب لاجتياح الولاية التي بدورها أثارت التوترات في المجتمع، مما أدى إلى نزوح بعض الأسر".

وزاد المتحدث "من المؤسف أن عمل هذه اللجنة تعطل بسبب الظروف المتعلقة بانقطاع الكهرباء وتوقف شبكة الاتصالات والإنترنت لأشهر طويلة لذلك اتجهت إلى توصيل الرسائل شفاهية عبر الكلمة بتفعيل دور المسرح على الهواء، لبث الطمأنينة في المجتمع".

وأشار مدير قطاع الثقافة إلى أن "المواطن بولاية النيل الأبيض في أمان، وأن الحياة على طبيعتها منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، إضافة إلى استمرار حالة الاستنفار لإسناد العمليات العسكرية في كل المحاور لصد هجوم الميليشيات المتمردة".

الحرب النفسية

في السياق ذاته قال المتخصص في مجال التنمية البشرية والعلاقات الدولية خالد دهب إنه "في ظل أزمة السودان الحالية نجد أن الإشاعات أمر حساس وشائك نظراً إلى الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي التي تفتقر 90 في المئة منها إلى صحة الخبر ومصادره".

 

 

وأضاف دهب "كثير من المواقع هي في الأصل واجهات لمجموعات سياسية أو جماعات مسلحة، لا سيما أن الغالب منها لديها مصالح في تداول الإشاعات، إذ إنها تكون مفبركة وركيكة الصياغة، مما يؤكد أن من أطلقها يسهم في نشر الشائعة، التي تعد جزءاً من الحرب النفسية، بخاصة أن السودان يخوض حرباً يمارس من خلالها طرفي الصراع استهداف المواطن السوداني". وأردف، "الإشاعات تعمل على تشويش المتلقي والسيطرة عليه بعدم المقدرة في التمييز ما بين الخبر الصحيح من الزائف وهذا ما يواجهه المتلقي السوداني داخل وخارج البلاد، فضلاً عن أن الذين يقيمون في الخارج تكون مشكلاتهم أكبر، لا سيما أنهم بعيدون من الحدث ويبذلون مجهوداً في البحث عن المعلومة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكل آرائهم الإشاعات".

وأشار المتخصص في العلاقات الدولية إلى أنه "خلال فترة الصراع الدائر زادت حجم الإشاعات التي غالباً ما يراد بها إخفاء حقائق محددة أو الأثر النفسي للطرف الآخر أو المحافظة على الروح المعنوية لمؤيدي كل طرف، وهذا ما برعت فيه الأطراف المتحاربة بنشر الإشاعات التي أسهمت في طول أمد الحرب وتأجيج مزيد من النزاع".

المزيد من متابعات