Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جوع وصحراء ومجهول... 200 أسرة سودانية عالقة في "المثلث"

هربوا من جحيم الحرب فتركهم المهربون في منتصف الطريق بدعوى نفاد الوقود ونداء لإنقاذهم من المتاجرين بالبشر

فضلوا الاكتواء بنيران الصحراء عبر رحلات شاقة ومحفوفة بالأخطار بدلاً من الموت بأيادي من يُفترض أن يحموهم (أ ف ب)

ملخص

لدخول ليبيا لا بد من عبور صحراء المثلث وتضاريسها من جبال وصخور وكثبان رملية، فضلاً عن صعوبة حركة المركبات بين المرتفعات والغوص في الرمال، مما يحتم في كثير من الأحيان السير على الأرجل لمسافات طويلة.

على رغم التحذيرات الدولية والإقليمية، انزلق السودان في هاوية يصعب العودة منها مجدداً، بسبب طول أمد الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وتصاعدت حدة الاشتباكات بين الطرفين وتعنتهما في إخماد نيران هذه الحرب، التي لا تزال تقسو على المواطنين السودانيين، خصوصاً بعد سيطرة "الدعم السريع" على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت تمثل مركز ثقل للنازحين الفارين من لهيب معارك الخرطوم، بعد أن طاولتهم الأعمال العدائية، مما أدى إلى تكرار نزوحهم داخل وخارج حدود السودان.

وفي ظل هذا الوضع المأسوي، لم يعد المواطن السوداني قادراً على الصمود، متجهاً نحو رحلة الشتات، ضارباً الصحاري وتحديداً صحراء المثلث التي تربط السودان وليبيا ومصر، يبحث عن ملاذات جديدة في دول الجوار، خصوصاً ليبيا، للانطلاق منها باتجاه الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا المختلفة.

وفي هذا المثلث، توجد نحو 200 أسرة سودانية عالقة تكابد المشاق وتفتقد الأمان، بعد أن تركهم المهربون أصحاب المركبات في الصحراء بحجة نفاد الوقود يعانون الجوع والعطش، إذ ترافقهم مواجع الفرار من خلال الرحلات الطويلة الشاقة للأطفال والشيوخ والنساء الحوامل، مما تعد مغامرات شديدة الخطر راح ضحيتها كثيرون قبل بلوغ وجهتهم.

مبررات واهية

ويقول أحد مواطني مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور هارون عبدالرحمن إن "الوضع الإنساني في إقليم دارفور لا يحتمل، خصوصاً بعد محاولة اجتياح مدينة الفاشر من قبل قوات ’الدعم السريع‘ عدة مرات، واستهداف المدنيين بالأسلحة الثقيلة وعمليات الحرائق الواسعة للمنازل، التي راح ضحيتها عشرات المئات من سكان المدينة، البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، بينما نزح نحو 800 ألف شخص داخل حدود الولاية وخارجها في رحلات شتات بحثاً عن ملاذات جديدة توفر لهم المأوى والغذاء والدواء، وبخاصة بعد المجاعة الضاربة التي أدت إلى أكل اللحوم الفاسدة والتغذية على أعلاف الحيوانات، بسبب تعطيل قوافل الإغاثة وقتل العاملين عليها، إلى جانب قصف المرافق الصحية بالمدفعيات، فضلاً عن تدمير المنازل ومعسكرات النازحين".

 

 

وأضاف عبدالرحمن "الوضع يزداد سوءاً، لذلك سلكنا الطرق الوعرة، وفضلنا الاكتواء بنيران الصحراء من خلال رحلات شاقة ومحفوفة بالأخطار، بدلاً من الموت على أيدي الجهات التي من المفترض أن توفر الحماية للمواطنين، فضلاً عن مطاردات عصابات الاتجار بالبشر، التي تستهدف المسافرين بصورة غير شرعية، إلى جانب ملاحقات ’الدعم السريع‘ والجماعات المسلحة بهدف التطهير العرقي حين الوصول إلى الحدود مع دولة تشاد".

وتابع "لدخول ليبيا لا بد من عبور صحراء المثلث وتضاريسها من جبال وصخور وكثبان رملية، فضلاً عن صعوبة حركة المركبات بين المرتفعات والغوص في الرمال، مما يحتم في كثير من الأحيان السير على الأرجل لمسافات طويلة، إضافة إلى الأعطال المتعمدة والاستغلال من أصحاب المركبات، الذين يمارسون أشد أنواع القسوة إلى جانب تهديداتهم بتركهم في الصحراء بحجة نفاد الوقود، وأن ما بحوزتهم يكفي فقط لعودتهم مجدداً إلى داخل الحدود السودانية، لكن الهدف الأساس من هذه المبررات الواهية هو التكسب المادي السريع، وهذا ما تم مع الأسر العالقة في وسط صحراء المثلث".

وأشار عبدالرحمن إلى أن "الأسر في الصحراء تعاني حد الكفاف من جوع وعطش وأشعة الشمس الملتهبة، مما أدى الى نصب ما يستظلون به من أمتعتهم الخاصة، إلى جانب المصير المجهول في بلوغ وجهاتهم"، منوهاً إلى أنه على رغم الصعوبات، فإن معظم النازحين يتحملون تلك الصعاب من أجل الوصول إلى أهدافهم بعبور البحر الأبيض المتوسط ودخول أوروبا.

أخطار كبيرة

وفي السياق، قال أحد الموظفين بإدارة المثلث - فضل عدم ذكر اسمه - إن "المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا ترتاده حركة دؤوبة وتدفقات للفارين من تصاعد الاشتباكات في السودان، ومن المؤسف أن أوضاعهم كارثية، خصوصاً أن المنطقة قاحلة وتفتقر إلى المراقبة الأمنية، لذلك فأخطارها كبيرة، فضلاً عن أن عدداً من الأسر فقدت أفرادها، إذ تنشط عصابات قطع الطرق، وفي الوقت نفسه تنعدم بها المصادر التي تمدهم بالغذاء ومياه الشرب، إلى جانب أن الأسر العالقة يرافقهم أطفال ومسنون وأطفال ونساء حوامل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف، "تحاول إدارة محلية المثلث بكل ما تستطيع من سبل ومساع حثيثة مساعدتهم، على رغم شح الوقود وضيق إمكاناتها في جلب الأساسيات الضرورية من أجل استمرار حياتهم، إذ إن الأعداد كبيرة وفي تصاعد مستمر بسبب استغلال أصحاب المركبات، مع علمهم غلاء الوقود وعدم توافره، فضلاً عن أن عدداً من الأشخاص أنهكت قواه، مما أدى إلى هلاكهم ودفنهم في الصحراء".

وواصل القول "إزاء هذه الأوضاع أرسلنا توجيهات صارمة إلى محليات دنقلا ومليط والمالحة بضرورة مراقبة السفريات، وبخاصة غير الشرعية، وإيقاف حركة نقل العائلات بعد تكدس استراحة محلية المثلث بالعالقين، الذين فاقت أعدادهم 200 أسرة، إلى حين إجلائهم تجنباً للعصابات وتعدياتهم اللا أخلاقية من خلال التحرش بالنساء".

وأشار موظف محلية المثلث إلى أن "هناك سيدات حوامل أتاهن المخاض في الصحراء، حيث أنجبن بطرق تقليدية، مما عرض حياتهن للخطر وتعذر إنقاذهن، فضلاً عن أن المنطقة لا توجد فيها وحدة صحية"، منوهاً إلى أنه "من الضروري سرعة تحرك المجتمع الدولي، وبخاصة الهلال الأحمر لإنقاذ المدنيين العالقين في صحراء المثلث، وإلا سيكون مصيرهم الموت".

أهداف قاتلة

وعلى الصعيد ذاته، يرى المتخصص في إدارة الأزمات بمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية أمين إسماعيل مجذوب أن "المعارك المحتدمة التي تدور في مختلف ولايات السودان، بين الجيش وقوات ’الدعم السريع، وعدم الخضوع للمبادرات والتحذيرات الدولية والإقليمية والجنوح للسلم والحسم عسكرياً، أدى إلى حركة نزوح واسعة للنازحين واللاجئين لدخول دول الجوار دون ترتيبات، مما جعلهم عرضة لأخطار جمة لا يحمد عقباها".

 

 

وأضاف مجذوب "هذه الأخطار البالغة تعرض لها كثير من النازحين السودانيين الهاربين من جحيم الحرب خلال رحلات عبورهم إلى مصر وليبيا، خصوصاً أنها أدت إلى حدوث كوارث مؤسفة قبل بلوغ مقاصدهم، فضلاً عن أن الحرب أدخلت المواطنين في أزمة جديدة بإجبارهم على قطع الحدود البرية وقطع الصحارى وتحمل مشاق الرحلات الطويلة بحثاً عن الأمان الذي افتقدوه في وطنهم، وبات مصيرهم مجهولاً على رغم إرادتهم القوية ببلوغ هدفهم بالعبور إلى أوروبا، إذ إن هذا الأمر سيكلفهم كثيراً حتى بالنسبة لدخول ليبيا ومن ثم عبور البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب أن ليبيا تعاني أوضاعاً اقتصادية هشة، لذا فإن فرص العمل بها محدودة، إضافة إلى أن دول الجوار دفعت ثمن هذا التدفق، مما أدى إلى تعرضهم لسوء المعاملة، وأن أغلبهم آثر العودة مجدداً على البقاء في دولتي تشاد وجنوب السودان".

وأشار المتخصص في إدارة الأزمات إلى أن "رحلات اللجوء عبر الصحراء غالباً ما تكون متقطعة بين أصحاب المركبات حال توافر الوقود، مع العلم أن السودان خلال هذه الفترة الحرجة يشهد أزمة وقود ضاربة، إذ إن تركهم عالقين في الصحراء أضحى أمراً عادياً من تجار الأزمات، ما ينذر بكارثة إنسانية"، مؤكداً أن النزوح عبر الصحراء بواسطة مهربين تنقصه الصدقية، لذلك يجب سلك الطرق القصيرة.

المزيد من تقارير