Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الخطيبان"... رواية تقارن بروائع تولستوي ولا تحظى بشهرتها

أليساندرو مانتزوني قدم عملاً شعبياً في الأدب لا يخلو بيت إيطالي منه لكن لا أحد يعرفه خارج وطنه وفرنسا

الروائي الإيطالي أليساندرو مانتزوني (موقع أرت سكاي)

ملخص

رواية "الخطيبان" أنجزها الكاتب الإيطالي أليساندرو مانتزوني وأصدر طبعتها الأولى خلال عام 1827 حين تجاوز الـ50 من عمره.

يعرف الإيطاليون عموماً كما يعرف نخبة متأدبي العالم، أنه من المسلم به أن دانتي أليغييري كاتب النهضة الكبير وصاحب "الكوميديا الإلهية" الأكثر شهرة في وطنه كما في العالم أجمع.

ولكن حين يجرب أحد ليعلم من هو الكاتب التالي في ترتيب المؤلفين الروائيين الإيطاليين بالكاد يذكر أحد، وفي الأقل خارج إيطاليا وحلقات المثقفين في جارتها الفرنسية، الكاتب الذي يستحق هذه المكانة، أي أليساندرو مانتزوني، ومع ذلك جرب أن تعثر على بيت في طول إيطاليا وعرضها يخلو من نسخة أو أكثر من رواية "الخطيبان" التي أنجزها هذا الكاتب وأصدر طبعتها الأولى خلال عام 1827، حين تجاوز الـ50 من عمره ليعلن بعد ذلك بما لا يقل عن 17 عاماً وإذ أصدر طبعة جديدة منها بأنها اكتملت أخيراً كما أراد لها منذ البداية أن تكون.

والحقيقة أن الإيطاليين لم يتوقفوا منذ ذلك الحين عن قراءة هذا العمل الذي اعتبر دائماً استثنائياً في تاريخ الأدب الإيطالي، بل كان دائماً من الشهرة والارتباط بتاريخ البلد إلى درجة لا يمكن معها أن يقرأ التاريخ الإيطالي في معزل عنه.

فرنسي الهوى تقريباً

وفي هذا المجال ليس ثمة في العالم رواية تقارن بـ"الخطيبان" بقدر ما تفعل "الحرب والسلام" للروسي الكبير تولستوي، ولأننا أول هذا الكلام ذكرنا نخبة القراء الفرنسيين إلى جانب ذكرنا للقراء الإيطاليين بصورة عامة، فما ذلك إلا لأن مانتزوني الذي يعد عادة الكاتب الإيطالي القومي الكبير ودائماً عبر هذه الرواية التي بالكاد يهتم أحد وحتى في وطنه نفسه بأن يعرف ما إذا كان قد أبدع في حياته روايات أخرى، وهو فعل ذلك بالتأكيد.

على أية حال عاش مانتزوني ما يقارب الأعوام الـ10 في باريس في بدايات شبابه حين بلغ الـ20، واضطر إلى أن ينضم إلى أمه التي كانت تعيش في العاصمة الفرنسية فتعلم اللغة الفرنسية، بل تقول الحكاية إنه حاول أن يكتب نصوصه الأولى بلغة موليير أول الأمر، ومن هنا تعرف الفرنسيون على أدبه باكراً وقرأوا قبل أي شعب مجاور آخر، في الأقل روايته الكبيرة تلك.

ومانتزوني الذي نشأ في المدارس الدينية سيقول لاحقاً إن دراسته هناك أبعدته عن إيمانه المسيحي، "لكني سرعان ما استعدت ذلك الإيمان ما إن أنهيت دراستي وخضت معترك الحياة" فكانت النتيجة وكما يلوح لنا حقاً من خلال قراءة "الخطيبان" استلهام دين الشعب البسيط بعيداً من التوجه الرسمي للكنيسة.

حين اكتملت الرواية

غير أن هذا البعد لم يكن أساساً على أية حال في أدب مانتزوني، الذي كانت تلك الرواية أول إنتاج له تمكن من استكماله لكنه أخر نشره أعواماً عديدة، لأنه أبداً لم يكن راضياً عنه أول الأمر، بل إننا إذا اطلعنا على الصيغة الأولى من تلك الرواية والتي كانت حتى عام 1823، حين أنجزها وخيل له أنها قد اكتملت للمرة الأولى، تحمل عنوان "فيرمو ولوتشيا"، لكنها بعد أربعة أعوام أخرى من العمل الشاق في تعديلات جذرية أدخلها عليها، راحت تحمل منذ 1828 عنوانها النهائي "الخطيبان" الذي تعرف به منذ ذلك الحين.

وتعرف الرواية أيضاً بكون مؤلفها اشتغل على نصها لغوياً، إذ تمكن من أن يجعلها حاملة لتجديد جذري في اللغة الإيطالية، وعرف كيف يجدد في هذه اللغة من خلال فرض اللهجة السائدة في فلورنسا بوصفها اللغة القومية الإيطالية.

وهكذا على غرار تبجيل دانتي الذي سبق مانتزوني الكبير بوصفه، ومن خلال "الكوميديا الإلهية" أوجد اللغة الأدبية الإيطالية فارضاً المحكية على اللاتينية النحوية.

وكرم مانتزوني لاحقاً في آخر حياته بأن عين رئيساً للجنة المولجة بالإشراف على توحيد لغة الكتابة للأمة الإيطالية، ولدى موته كلفت السلطات الإيطالية الموسيقي الكبير جوزيبي فيردي بأن يكتب تكريماً له ليعزف في جنازته قداس ديني وطني، سيكون عملاً استثنائياً في تاريخ موسيقى صاحب الأوبرات الأكبر في تاريخ هذا البلد.

متعة القراءة قبل أي شيء

ولكن هنا لا بد أن نعود إلى الرواية التي نتناولها، وذلك كي لا يخيل إلى القارئ بأنها في حقيقتها عمل علمي قومي، فـ"الخطيبان" هي قبل كل شيء وبعد كل شيء نص روائي ممتع يقرأه الإيطاليون بشغف، وحتى من دون كبير اهتمام بالدور السياسي أو القومي الذي لعبه حتى في مجال توحيد الأمة الإيطالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحقيقة أن ما تمكن مانتزوني من إبداعه هنا إنما هو نص روائي تتحرك فيه شخصيات ذات عواطف، ولا تشغل بالها بالقضايا التي سيكتشفها القراء والتي تتعلق بتاريخ البلد، فالسياسة والتاريخ هنا وكما لدى تولستوي نفسه لا يطغيان على حساب الحكاية والتاريخ الشخصي للشخصيات الرئيسة، ولا طبعاً على حساب حكاية غرام "الخطيبين" رنزو ولوتشيا التي تكاد تبدو من خلال الرواية التي تمتد أحداثها أعواماً طويلة، أسطورية تحت ضغط السياسة والتاريخ على غرار حكاية غرام روميو وجولييت في مسرحية شكسبير الكبرى، والتي تدور أحداثها بدورها في إيطاليا ولكن في زمن يسبق بقرون زمن أحداث رواية مانتزوني.

وأحداث هذه الأخيرة تدور خلال الثلث الأول من القرن الـ17 وتتمحور من حول فتاة وفتى قرويين هما بالطبع لوتشيا ورنزو المغرمان ببعضهما بعضاً ويسعيان للزواج أسوة بمن يماثلهما من المواطنين البسطاء ولا سيما في لومبارديا.

التاريخ وحياة البسطاء

ولكن لومبارديا ولا سيما المنطقة الريفية القريبة من بحيرة كومو فيها، لم تكن هادئة في ذلك الحين "كانت هناك حرب الـ30 عاماً والجفاف والمجاعة واستشراء وباء الطاعون، وكلها عقبات تحرم العشاق عادة من أن يستمتعوا بحبهم"، أما بالنسبة إلى عاشقي الرواية فهناك إضافة إلى ذلك جمال لوتشيا من ناحية وطمع الدوق ردريغو من ناحية مقابلة.

وهذا الأخير طمع في أن يستحوذ لنفسه على تلك الحسناء، مستغلاً ثروته ونفوذه وفقرها لكي يجبر كاهن القرية آبونديو على رفض الجمع الكنسي بين الحسناء وحبيبها، وعلى ذلك النحو ها هي المصائر الشخصية والسعادات البسيطة تدخل في طاحونة التاريخ، ولقد تمثل ذلك في محاولة الحبيبين الإفلات من سلطة الدوق كما من إذعان الكاهن، مفضلين الهرب والتشرد على الخضوع.

ويمكننا أن نتخيل كم أن محاولتهما كانت حافلة بالعذاب والمشقات في تلك الأزمنة الصعبة، وكانت أكثر صعوبة مما يمكننا أن نتخيل، وبخاصة أن التاريخ الذي لم يكن الحبيبان متنبهين إلى سطوته، وكان جذرياً في طغيانه وإفساده حيتاهما حتى وإن كان الكاتب لبراعته وتفاعله مع أحاسيسه الشخصية تجاه حكاية، يمكننا الاعتقاد أنه إنما استقاها أصلاً من حكايات كثيرة مشابهة كانت متداولة في تلك المناطق من العالم.

ولكنه عرف كيف يوازن في كتابتها بين الخاص والعام بصورة يمكنه أن يبرر ويفسر النظرة النقدية التي قاربت دائماً بين هذه الرواية المؤسسة لنوع من أدب واقعي في إيطاليا، ورواية تولستوي التي يعدها كثير من النقاد والمؤرخين ذات مكانة متقدمة في تراتبية الأدب الروائي، المتعمق في العلاقة بين حياة البشر البسطاء ورغبات كبار هذا العالم من الذين لا يعود البسطاء سوى وقود يشتعل في خدمة مطامعهم.

أدب طبع الذهنيات الإيطالية

ومن المؤكد أن هذا الجانب الذي يكشف في نهاية الأمر عن حتمية وقوف القراء في صف المظلومين، وعلى الضد من الذين يصنعون التاريخ ثم يكتبونه دائماً كما يريدون، أو كما تمليه عليهم مصالحه من هذا الجانب هو الذي صنع مكانة هذه الرواية الفذة، بالتالي صنع المزاج الإيطالي العام والعميق الذي طبع الذهنية المميزة للشعب الإيطالي الذي يندر أن يوجد في صفوفه من لا يناصر الحبيبين ضد من يظلمهما، ولكن من دون أن يسعى إلى مؤازرة بالقبضات المرفوعة كبديل للمتعة الجمالية والأدبية، بل حتى الأخلاقية التي يربطها الإيطاليون وغيرهم من قراء هذه الرواية بتكون الذهنية الإيطالية بصورة عامة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة