Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح التفجيرات النووية الفضائية يعود للواجهة

أصبح المدار الأرضي المنخفض أكثر ازدحاماً بوجود 6700 قمر اصطناعي أميركي في مقابل 780 للصين و149 لروسيا

يبحث العلماء الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالأقمار الاصطناعية من التفجيرات النووية (أ ف ب)

ملخص

 بحسب ما تقوله وزارة الدفاع الأميركية فإن أي تفجير نووي في الفضاء سيكون كارثياً ويشكل تهديداً لآلاف الأقمار الاصطناعية التي تديرها الدول والشركات في جميع أنحاء العالم، وسيمثل خطوة كبيرة نحو عسكرة الفضاء وربما عصراً جديداً وأكثر خطورة من حافة الهاوية النووية.

أثارت التصريحات الصادرة عن عدد كبير من المسؤولين الأميركيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية في شأن خطة روسية لوضع صاروخ جديد مضاد للأقمار الاصطناعية ومزود برأس نووي في الفضاء حفيظة العلماء، ولا سيما أن تللك الخطة تمثل بنظرهم خطوة تحمل في طياتها كثيراً من الأخطار، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة صراع نووي في الفضاء بين القوى العظمى.

وبحسب ما تقوله وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وعدد كبير من العلماء حول العالم، فإن أي تفجير نووي في الفضاء سيكون كارثياً ويشكل تهديداً لآلاف الأقمار الاصطناعية التي تديرها الدول والشركات في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الاتصالات الحيوية والخدمات العلمية والأرصاد الجوية والزراعية والتجارية ومتطلبات الأمن الوطني التي نعتمد عليها جميعاً، كما أنه سيمثل خطوة كبيرة نحو عسكرة الفضاء وربما عصراً جديداً وأكثر خطورة من حافة الهاوية النووية.

التجارب النووية الفضائية

الاختبارات النووية التي قام بها البشر في الفضاء قليلة جداً، وأفضل المعلومات التي لدينا عن هذا الموضوع تأتي من اختبار أجرته الولايات المتحدة منذ أكثر من 60 عاماً، وتحديداً في التاسع من يوليو (تموز) 1962، حين فجرت قنبلة هيدروجينية بقوة 1.45 ميغا طن، أي أقوى بـ 100 مرة من قنبلة هيروشيما، على ارتفاع 400 كيلومتر فوق جزيرة جونستون أتول في المحيط الهادئ، وذلك لدرس آثار الانفجار النووي على الغلاف الجوي العلوي، وكان هذا الاختبار المعروف باسم "ستارفيش برايم" قوياً بما يكفي لإنشاء شفق قطبي اصطناعي عبر المحيط الهادئ، كما ولد نبضاً كهرومغناطيسياً أدى إلى انقطاع أضواء الشوارع وخدمة الهاتف في هاواي، على بعد أكثر من 1600 كيلومتر.

وتجسد التأثير الأكثر ديمومة لـ "ستارفيش برايم" بإطلاق كميات هائلة من الإشعاع في مدار أرضي منخفض، وبازدياد شدة حزامي "فان ألين" اللذين يطوقان الأرض عند مسافات شاسعة في الفضاء، ويعتقد أن هذا الاختبار أدى إلى فقدان تسعة من أصل 25 قمراً اصطناعياً كانت موجودة في المدار وقتها، سبعة منها أميركية.

أما أشهر ضحايا الانفجار النووي فكان قمر "تيليستار"، وهو أول قمر اصطناعي للاتصالات في العالم طورته شركة "آي تي أند تي" الأميركية.

وكانت "ستارفيش برايم" واحدة من عدد من التجارب النووية على ارتفاعات عالية أجرتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال هذه الحقبة، وكانت لمعظمها تأثيرات أقل دراماتيكية، وانتهت هذه الجهود بتوقيع معاهدة "حظر التجارب النووية" عام 1963، والتي حظرت إجراء تفجيرات نووية في الجو أو الفضاء أو تحت الماء، وتم إجراء جميع التجارب النووية منذ تلك اللحظة فصاعداً تحت الأرض، ثم منعت "معاهدة الفضاء الخارجي" عام 1967 الدول من نشر أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء.

وهاتان المعاهدتان كانتا فعالتين بشكل ملحوظ حتى استخدمت روسيا قبل نحو شهرين حق النقض "فيتو" ضد مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صاغته الولايات المتحدة ويدعو الدول إلى منع سباق تسلح في الفضاء الخارجي، وهي خطوة دفعت العلماء وكبار المسؤولين الأميركيين للتحذير من خطوة روسية غير محسوبة في الفضاء.

التأثيرات المحتملة لأي تفجير نووي فضائي جديد

وأصبح المدار الأرضي المنخفض اليوم أكثر ازدحاماً مما كان عليه عام 1962، لذا فإن تأثير أي اختبار نووي في الفضاء سيكون أكثر خطورة بكثير، ولا سيما أن هناك أكثر من 6700 قمر اصطناعي أميركي في هذا الجزء من الفضاء، فيما الصين لديها 780 ثم روسيا بـ 149.

ويعد المدار الأرضي المنخفض المكان الذي تخطط فيه "وكالة تطوير الفضاء" التابعة لقوة الفضاء الأميركية SDA لنشر كوكبة من مئات الأقمار الاصطناعية خلال الأعوام المقبلة وتعرف باسم "طبقة النقل"، إذ سيوفر هذا الأسطول من المركبات الفضائية البيانات والاتصال بالأنظمة العسكرية على الأرض، وهو جزء من حملة أكبر يقوم بها الجيش الأميركي وفرع القوة الفضائية لتوسيع الهيمنة الأميركية الساحقة من الأرض والبحر والجو إلى المدار.

وإلى جانب المركبات الفضائية العسكرية توجد أقمار اصطناعية حيوية عدة لمراقبة الطقس والبيئة في مدار أرضي منخفض، كما هي الحال مع تلسكوب "هابل" الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، في حين تقع محطة الفضاء الدولية أيضاً في مدار أرضي منخفض، وفي حال حدوث انفجار نووي فقد يتعين إخلاء المحطة لتجنب تعرض رواد الفضاء لكميات خطرة من الإشعاع، وبهذا المعنى سيلحق الانفجار النووي الضرر بآلاف الأقمار الاصطناعية المدنية وبمحطة الفضاء الدولية، وسينتج منه حقل حطام مميت وعملاق يدور حول الأرض لأجيال في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أبرز الدراسات الضخمة حول الانعكاسات السلبية لأي انفجار نووي في الفضاء أجرتها وكالة "الحد من التهديدات الدفاعية" التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، والتي استخدم خبراؤها نماذج حاسوبية متطورة لفحص الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالأقمار الاصطناعية من التفجيرات النووية على ارتفاعات عالية، ومن خلال إجراء محاكاة لسلسلة من التفجيرات النووية على ارتفاعات متفاوتة برؤوس حربية قوية، أفاد علماء الوكالة أنهم اختبروا 21 حدثاً نووياً تجريبياً ذات نتائج ومواقع مختلفة، تراوحت من مدار أرضي منخفض إلى مدار متزامن مع الأرض.

واكتشف العلماء بعد الدراسة أن تفجير رأس حربي بقوة 5 آلاف كيلو طن على ارتفاع 200 كيلومتر قرب مدار المحطة الفضائية الدولية من شأنه أن يلحق أضراراً جسيمة بمحطة الفضاء الدولية، ويسبب مرضاً إشعاعياً لرواد الفضاء خلال ساعة واحدة تقريباً، مع احتمال التسبب بالوفاة بنسبة 90 في المئة خلال ثلاثة ساعات.

وبينما توجد الأقمار الاصطناعية المستخدمة للملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمي GPS عادة على ارتفاعات أعلى من المدار الأرضي المنخفض، فلا يستبعد العلماء تماماً أن يتداخل الإشعاع النووي مع اتصالاتها الأرضية ويعطلها جزئياً.

وبخصوص انعكاسات مثل هذا الانفجار على كوكب الأرض، فمن المحتمل أن ينعكس سلباً على الأنظمة الإلكترونية، خصوصاً أن العالم أصبح أكثر اتصالاً وأكثر اعتماداً على الإلكترونيات مما كان عليه في أوائل ستينيات القرن الماضي، مما يفسر تحذير بعض الساسة الأميركيين منذ أعوام، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش، من أن هجوم النبض الكهرومغناطيسي الناتج من تفجير نووي في الفضاء قد يؤدي إلى شل البنية التحتية للولايات المتحدة.

التحذيرات الأميركية

وبالعودة للتحذيرات الأميركية حيال الخطوة النووية الروسية المتوقعة في الفضاء، فنجد أنها ظهرت إلى العلن للمرة الأولى في الـ 14 من فبراير (شباط) الماضي عندما نشر النائب الجمهوري عن ولاية أوهايو مايك تيرنر بياناً غامضاً عبر منصة "إكس"، قال فيه إن لجنة المخابرات بمجلس النواب التي يترأسها أصبحت على علم بوجود "تهديد خطر للأمن القومي"، ودعا الرئيس بايدن إلى رفع السرية عن جميع المعلومات حول هذا الموضوع.

وأشارت تقارير إعلامية في اليوم نفسه إلى أن المنشور كان يشير إلى سلاح نووي فضائي تعمل روسيا على تطويره، وهو سلاح يمكن أن ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 والتي تحظر وضع أسلحة نووية في الفضاء.

وفي اليوم التالي أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أن التهديد "متعلق بقدرة مضادة للأقمار الاصطناعية تعمل روسيا على تطويرها".

ثم قامت الولايات المتحدة بعد ذلك بتصعيد الموقف الدبلوماسي من خلال صياغة قرار للأمم المتحدة، بالتعاون مع اليابان، يؤكد من جديد الحظر الذي تفرضه معاهدة الفضاء الخارجي على الأسلحة النووية في الفضاء، ويدعو الدول أيضاً إلى عدم تطوير مثل هذه الأسلحة، وعندما طرح القرار للتصويت في الـ 25 من أبريل (نيسان) الماضي استخدمت روسيا حق النقض ضده، مما دفع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى إصدار بيان قال فيه إن الـ "فيتو" عزز التقييم الأميركي بأن روسيا تعمل على تطوير قمر اصطناعي جديد يحمل جهازاً نووياً.

وأثناء مثوله الشهر الماضي أمام لجنة مجلس النواب التي يترأسها مايك تيرنر، أدلى مساعد وزير الدفاع لسياسة الفضاء جون بلامب بشهادته حول التهديد، وقال أثناء الاستجواب إن تفجيراً نووياً في الموقع الصحيح يمكن أن يجعل المدار الأرضي المنخفض غير صالح للاستخدام لما يصل إلى عام كامل.

وقد أدلت الإدارة الأميركية الشهر الماضي ببيانها الأكثر تفصيلاً حول التهديد على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الحد من التسلح مالوري ستيوارت التي تحدثت عن قمر اصطناعي محدد، زعمت روسيا أنه لأغراض علمية ولكنه يدور حالياً في منطقة لا تستخدمها أية مركبة فضائية أخرى.

وفي تصريحاتها وصفت ستيوارت القمر الاصطناعي بأنه موجود في منطقة ذات إشعاع أعلى من المدارات الأرضية السفلية العادية، ولكنها ليست عالية بما يكفي من بيئة الإشعاع للسماح بإجراء اختبار سريع للإلكترونيات، كما وصفت روسيا الغرض.

وبمعنى آخر فإذا كان هذا القمر الاصطناعي يهدف حقاً إلى دراسة تأثيرات الإشعاع على الإلكترونيات، كما قالت موسكو، فإنه لم يكن في المكان الذي كان من المفترض أن يكون فيه، وبعد ذلك أكد مسؤولون أميركيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن القمر الاصطناعي الذي أشارت إليه ستيوارت هو في الواقع "كوزموس-2553"، مضيفين أنه كان يعمل سراً كمنصة للبحث والتطوير للمكونات غير النووية لنظام الأسلحة الجديد الذي تعتزم روسيا نشره في الفضاء.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم