Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفحم الكولومبي سلاح "غوستافو بيترو" لردع إسرائيل في غزة

تعتمد في توليد 20 في المئة من الكهرباء عليه وبوغاتا توقف تصديره ضمن عقوبات على تل أبيب احتجاجا على الحرب

محطة كهرباء أوروت رابين (وزارة البيئة الإسرائيلية)

ملخص

يتعين على إسرائيل التي تعتمد على الفحم في توليد 20 في المئة من الكهرباء البحث عن مصادر أخرى لاستيراد الفحم الحراري، الذي تحصل عليه من كولومبيا. وعلى رغم نفي إسرائيل الاتهامات بأن حربها في غزة تنتهك اتفاق عام 1948 في شأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو استبق ذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وأوقف عمليات شراء الأسلحة منها.

بعد سلسلة قرارات أصدرتها محكمتا العدل والجنائية الدوليتان على خلفية الحرب على غزة، تتعمق المخاوف الإسرائيلية من انعكاسات هذه التطورات على المؤشرات الاقتصادية ولا سيما التجارة الخارجية، إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية دراسات وتحليلات وتقييمات لوضع إسرائيل الجيواستراتيجي إقليمياً وعالمياً، وما يمكن أن تتطور إليه مستقبلاً من مآلات وانعكاسات، فالعواقب الاقتصادية المصاحبة لردود الفعل العالمية المنددة باستمرار الحرب أصبحت وخيمة وبعيدة المدى، والعلاقات الدبلوماسية الدافئة تاريخياً بين إسرائيل وبعض الدول تدهورت "بصورة مقلقة"، كما تصفها معاهد الأبحاث والأوساط السياسية الإسرائيلية، فبعد إلغاء صفقة أسلحة للبرازيل من شركة البيت الإسرائيلية، فضلاً عن المقاطعة التجارية التركية التي بدأت في مايو (أيار) الماضي، وإلغاء فرنسا أخيراً مشاركة إسرائيل في معرض "يورو ساتوري 2024" للأسلحة والدفاع المقرر عقده في باريس خلال الـ17 من يونيو (حزيران) الحالي، أعلنت كولومبيا التي تعد أكبر مورد للفحم إلى إسرائيل وخامس أكبر مصدر فحم إلى العالم إيقاف صادراتها من الفحم إلى تل أبيب، كونه "مورداً استراتيجياً لتصنيع الأسلحة وتعبئة القوات وإعداد المؤن للعمليات العسكرية".

ورهنت كولومبيا استئنافها هذه الصادرات بوقف إبادة الفلسطينيين في غزة، غير مكترثة بتحذيرات جمعية التعدين الكولومبية التي أكدت أن تعليق صادرات الفحم إلى إسرائيل سيمثل انتهاكاً للاتفاقات الدولية، ويقوض الثقة في السوق ويعرض الاستثمار الأجنبي للخطر.
ووفقاً للأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات الإدارية الوطنية، صدرت كولومبيا إلى إسرائيل بين يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب) 2023، منتجات بقيمة 375 مليون دولار أميركي تقريباً، نحو 93 في المئة منها منتجات تعدين الطاقة.

وأشارت المجلة الأميركية للنقل إلى أنه يتعين على إسرائيل التي تعتمد على الفحم في توليد 20 في المئة من الكهرباء، البحث عن مصادر أخرى لاستيراد الفحم الحراري الذي تحصل عليه من كولومبيا. وعلى رغم نفي إسرائيل الاتهامات بأن حربها تنتهك اتفاق عام 1948 في شأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو استبق ذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وأوقف عمليات شراء الأسلحة منها على رغم أنها تشكل أحد أبرز مصادر التسليح لقوات الأمن الكولومبية، والتي تستخدمها منذ عقود لمحاربة المتمردين. وتمتلك كولومبيا حقوق تصنيع بنادق "جليل" وصواريخ "سبايك" الحاصلة على براءة اختراع إسرائيلية.


مواجهة الأزمة

بين من يرى أن القرار الكولومبي بإيقاف تصدير الفحم مجرد إجراء موقت لن يدوم طويلاً، بين دولتين يرتفع التبادل التجاري والعسكري بينهما باستمرار، يرى آخرون أن له عواقب وخيمة على الإسرائيليين، فطول أمد الحرب مع غزة قد يزيد واردات إسرائيل من الفحم إذا ما تقلص إنتاج الغاز من الحقول البحرية الشمالية في البحر المتوسط، وبخاصة أن حقل "ليفياثان" الذي يعد درة التاج في صناعة الغاز الإسرائيلي الذي يبلغ إنتاجه نحو 11.5 مليار متر مكعب، يقع في مرمى صواريخ "حزب الله" وقد يصبح أيضاً عرضة لخطر الإغلاق الموقت، إذا تصاعد تبادل إطلاق النار عبر الحدود مع لبنان.

ويشكل تعطل قطاع الغاز في إسرائيل ضربة قاصمة للكثير من القطاعات، كيف لا وقد ارتفعت حصته من صفر في المئة عام 2000 إلى 40 في المئة من إجمال مزيج الطاقة وإلى 75 في المئة من توليد الكهرباء. ويشكل تعطله ضربة أكبر لطموحات إسرائيل وخططها لتكون المحور الإقليمي للغاز في شرق المتوسط، ولاندماجها في اقتصادات المنطقة.
وإلى جانب الغاز الطبيعي والمصادر المتجددة ما زالت إسرائيل تعتمد على الفحم لتوليد ما يعادل 17 في المئة من إجمال مصادر توليد الكهرباء، وبلغت القيمة الإجمالية لما استوردته إسرائيل من الفحم الكولومبي العام الماضي وحده قرابة 450 مليون دولار أميركي. ووفقاً لما نقلته صحيفة "يسرائيل هيوم" عن الرئيس السابق للشركة الوطنية الإسرائيلية لإمدادات الفحم أورين هيلمان، فإن "هذا التطور مزعج ومثير للقلق، لأن كولومبيا تعد مورد الفحم الأساس لإسرائيل"، وأضاف أن غالبية الإنتاج الذي توزعه شركة كهرباء إسرائيل من محطة "أوروت رابين" في مدينة الخضيرة ومحطة "روتنبرغ" في عسقلان تولد من الفحم، مؤكداً في الوقت نفسه أن احتياط الفحم الذي تحتفظ به تل أبيب يمكنها من مواجهة تلك الأزمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تداعيات كبيرة

ومن جانبه رأى المحاضر بقسم العلوم السياسية في جامعة "بار إيلان" البروفيسور عيلي ريتيغ أن "القرار ليس مريحاً، لأن الواردات الكولومبية كانت تأتي إلى إسرائيل بشروط ميسرة وبأسعار تفضيلية لا يمكن أن تجدها تل أبيب لدى مصدر آخر"، منوهاً في حديث نقلته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تستورد الفحم من دول أخرى مثل أستراليا وبولندا والولايات المتحدة، وأن جنوب أفريقيا تحتل المركز الثاني كأكبر مورد فحم إلى إسرائيل بعد كولومبيا، مؤكداً أن محطات توليد الطاقة الإسرائيلية التي تعتمد على الفحم لتوليد الكهرباء بـ17 في المئة تسعى إلى أن تتوقف تماماً عن ذلك بحلول عام 2028، وأن تعتمد على الغاز الطبيعي بـ75 في المئة، وعلى المصادر المتجددة بالنسبة المتبقية بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن تداعيات القرار الكولومبي تدفع إسرائيل إلى شراء الفحم بأسعار باهظة، ستنعكس على أسعار الكهرباء.

وبين تقرير صدر عن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في وقت سابق أن هناك خططاً جدية لدى إسرائيل لتحويل محطة عسقلان التي تعمل بالفحم إلى محطة توليد للكهرباء بالغاز الطبيعي بحلول عام 2024 الحالي، وتحويل الوحدتين الأخريين لتوليد الكهرباء بالفحم في محطة أوروت الخضيرة ومحطة رابين إلى الغاز بنهاية عام 2025، في حين أشار مراقبون إلى أن حرب غزة ووقف أو تذبذب إنتاج الغاز من الحقول البحرية قد يلغيان أو يؤجلان هذه الخطط.

وتعتقد وزارة حماية البيئة الإسرائيلية أنه بحلول عام 2026 على أبعد تقدير ستتوقف إسرائيل بصورة تامة لكون الفحم الوقود الأكثر تلويثاً ويشكل خطراً صحياً كبيراً على عديد من الإسرائيليين، وتشير التقديرات إلى أن نحو 2500 إسرائيلي يموتون سنوياً بسبب أمراض مرتبطة بالتلوث.


حلول استيطانية

ودفع تفاقم الأزمة وتخوفات إسرائيل من معاودة زيادة وارداتها من الفحم بأسعار باهظة، الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي إلى المسارعة في تنفيذ 22 خطة لإنشاء أنظمة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في المنطقة (جيم) بالضفة الغربية، إذ يجري بناء منشأة ضخمة ذات قدرة إنتاجية من شأنها أن تحول الطاقة المتجددة في المستوطنات إلى مورد اقتصادي مهم. وبحسب المخطط الذي تمت الموافقة في سبتمبر (أيلول) 2023، سيتم بناء محطة الطاقة الشمسية على الأراضي الزراعية لمستوطنة "نعمة" التي تقع على بعد نحو ثلاثة كيلومترات شمال مدينة أريحا و12 مستوطنة أخرى، بمساحة ثلاثة ملايين و250 ألف متر مربع وستصل طاقتها الإنتاجية إلى 320 ميغاواط، في حين تبلغ قدرة أكبر منشأتين معتمدتين في إسرائيل 250 ميغاواط.

وإضافة إلى المنشأة الاستيطانية الكبيرة يجري حالياً الترويج لـ21 خطة أخرى لبناء مرافق أصغر للطاقة الشمسية في جميع أنحاء الضفة الغربية، والتي ستضيف ما يصل إلى نحو 8 ملايين متر مربع من الأراضي لمصلحة المستوطنات، ناهيك عن أن تلك المستوطنات ستشهد زيادة في عدد المستوطنين، لما سيكون لها من أفضلية من خلال الإعفاء من الضرائب وتقديم امتيازات عدة.
وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن مشاريع الطاقة الشمسية في المستوطنات وإضافة إلى أنها ستخدم مخطط توليد الطاقة الكهربائية، ستعمق اعتماد إسرائيل على البنية التحتية المقامة في المستوطنات، لا سيما أن إنتاج الكهرباء الإسرائيلية يتم في الغالب داخل حدود الخط الأخضر ويتم التوزيع بعد ذلك على المستوطنات، كما أن تنفيذ الخطط بصورة سريعة سيجعل من المستوطنات مورداً مركزياً للكهرباء في إسرائيل. في حين أكدت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، أن أكثر من 99 في المئة من المخططات التي تمت الموافقة عليها في الضفة الغربية والتي تندرج ضمن ما يعرف بـ"أراضي الدولة" تعد أراضي زراعية وتخدم المستوطنين وحدهم.

ووفقاً لمراقبين فإن إسرائيل التي لا تعير اهتماماً واضحاً بالإجراءات الدبلوماسية الحاسمة التي اتخذتها بعض الدول تجاهها، على اعتبار أنها لن تكون قطيعة كلية ودائمة بل متعلقة بقرار بوقف إطلاق النار، تيقن أوساط إسرائيلية عدة أنها تعرقل تقدمها أمنياً واقتصادياً وتجارياً وحتى اجتماعياً، وسط توقعات جديدة تشير إلى عجز في الموازنة العامة بحجم لم تعرفه إسرائيل منذ أعوام.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات