ملخص
عدد حالات داء "كرون" ومرض التهاب الأمعاء آخذ في الارتفاع بصورة كبيرة حول العالم، خصوصاً بين صفوف الأطفال الأصغر سناً، ولكن على رغم عقود أمضاها العلماء من البحث، ما من أحد يعرف الأسباب وراء هذه الحالة
استزرع علماء "أمعاء صغيرة" في المختبر لمساعدتهم في فهم داء "كرون" Crohn [مرض مزمن يسبب التهاباً في الجهاز الهضمي، ويمكن أن يؤثر في أي جزء منه من الفم إلى فتحة الشرج لكنه غالباً ما يؤثر في الأمعاء الدقيقة والقولون]، فاكتشفوا تغيرات موجودة في "الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين" DNA، ربما تؤدي دوراً مهماً في الإصابة بهذه الحالة الصحية.
ويقول الباحثون من "جامعة كامبريدج" إنه في المستقبل يمكن استخدام هذه الأعضاء المصغرة، المعروفة أيضاً باسم "عضيات"organoids ، في تحديد العلاج الأفضل لكل مريض بصورة مستقلة عن غيره من المرضى، مما يسمح بعلاجات تتسم بدقة أكبر وتكون متخصصة أكثر لتتلاءم مع حالة كل مريض على حدة. [تذكيراً العضيات نسخة مصغرة ومبسطة من عضو ما يصنعها الخبراء في المختبر في شكل ثلاثي الأبعاد يحاكي التعقيد الوظيفي والهيكلي والبيولوجي الرئيس للعضو الأصلي، وتكون مشتقة من خلية واحدة أو عدد قليل من الخلايا من الأنسجة، أو الخلايا الجذعية الجنينية].
في المملكة المتحدة، يعاني نحو شخص واحد من كل 350 شخصاً داء "كرون"، على أن إصابة واحدة من كل أربع إصابات تظهر قبل عمر 18 سنة. وتندرج هذه الحالة الصحية ضمن مرض التهاب الأمعاء (المعروف اختصاراً بـ "آي بي دي" IBD).
عدد حالات داء "كرون" ومرض التهاب الأمعاء آخذ في الارتفاع بصورة كبيرة حول العالم، ولكن على رغم عقود أمضاها العلماء من البحث لا أحد يعرف الأسباب وراء هذه الحالة
البروفيسور ماتياس زيلباور
ومن المعلوم أن هذه الحالة الصحية ترافق المريض مدى الحياة، وتتمثل في التهاب مزمن يصيب الجهاز الهضمي.
أما الأعراض فتترك تأثيراً سلبياً كبيراً في جودة حياة المريض، وتشمل آلام المعدة والإسهال وفقدان الوزن والتعب، كذلك يمكن أن تقود إلى الخضوع لجراحة كبيرة ومعقدة، ودخول المرضى إلى المستشفى والتعرض لأدوية سامة.
تحدث في هذا الشأن ماتياس زيلباور، بروفيسور في أمراض الجهاز الهضمي لدى الأطفال في "جامعة كامبريدج" ومؤسسة "مستشفيات كامبريدج الجامعية" CUH التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية" NHS، فقال إن عدد حالات داء "كرون" ومرض التهاب الأمعاء آخذ في الارتفاع بصورة كبيرة حول العالم، خصوصاً بين صفوف الأطفال الأصغر سناً، ولكن على رغم عقود أمضاها العلماء من البحث، ما من أحد يعرف الأسباب وراء هذه الحالة".
وأضاف زيلباور أن "العضيات التي أنشأناها في المختبر مأخوذة أساساً من أطفال ومراهقين... لقد تبرعوا لنا بأجزاء من أمعائهم للمساعدة في أبحاثنا".
في سن التاسعة، شخصت الفحوص الطبية إصابة آرثر هات، البالغ من العمر الآن 11 سنة، بداء "كرون"، ولكن وفق والدته سيان هات، ظهرت عليه الأعراض في سن مبكرة جداً.
آرثر واحد من بين الأطفال الذين شاركوا في "دراسة البحوث التحويلية في وظائف الأعضاء المعوية وأمراض الأمعاء" (اختصاراً TRIPP) في "جامعة كامبريدج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تبرع آرثر ببعض الخلايا من أمعائه التي يستخدمها البروفيسور زيلباور وزملاؤه الآن في استزراع "معى صغيرة" بغية التوصل إلى فهم أفضل لداء "كرون".
قال آرثر متحدثاً عن إسهامه: "أعتقد بأنه من الرائع أن أكون جزءاً من الدراسة... من الجيد أن نعرف أنهم يحاولون الحصول على مزيد من المعلومات حول داء كرون".
ستمر عليك أيام سيئة وأيام أخرى جيدة، ولكن في النهاية ستجد الدواء المناسب
آرثر هات، 11 سنة
وتابع في رسالة إلى الأطفال الآخرين الذين شخصت الفحوص إصابتهم بهذه الحالة الصحية: "ستمر عليك أيام سيئة وأيام أخرى جيدة، ولكن في النهاية ستجد الدواء المناسب... أحياناً، ربما يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، ولكن في نهاية المطاف سيجدون العلاج الذي يناسبك"، يأمل آرثر.
وباستخدام المعى الصغيرة، وجد الباحثون أيضاً أن المحولات المسؤولة عن تعديل الـ"دي أن أي" في خلايا الأمعاء تضطلع بدور مهم في هذا المرض وكيفية ظهوره لدى المرضى.
ترتبط هذه المحولات، أو المفاتيح، بالـ"دي أن أي" فتعمل على تشغيل الجينات وإيقافها، أو رفع نشاطها أو خفضه، مما يترك هذا الحمض النووي نفسه سليماً، ولكنها تغير الطريقة التي تعمل بها الخلية.
ووجدت الدراسة أن هذه التغييرات لدى مرضى "كرون" ترتبط بمدى خطورة المرض.
وقال البروفيسور زيلباور، الباحث في "معهد الخلايا الجذعية" في "جامعة كامبريدج" إن مسار المرض يختلف باختلاف كل مريض، وهذه التغييرات تساعد في تفسير لماذا لم تطرأ التغيرات اللاجينية نفسها على كل نسخة من النسخات التي تشبه الأعضاء" [المستزرعة في المختبر].
في البحث الجديد الذي نُشر في مجلة "غات" Gut (أمعاء)، استخدم الباحثون خلايا من معى مصابة بالتهابات، تبرع بها 160 شخصاً، معظمهم مرضى ومراهقون، لكن من بينهم أشخاصاً أصحاء أيضاً، في مستشفيات كامبريدج الجامعية" التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" من أجل استزراع أكثر من 300 معى مصغرة.
ويقول الباحثون إن الأمعاء المصغرة تفتح المجال أمام تخصيص علاجات لكل مريض استناداً إلى حالته.
تطرق إلى النتائج أيضاً الباحث المشارك الدكتور روبرت هوشكيل، استشاري في أمراض الجهاز الهضمي لدى الأطفال في "مستشفيات كامبريدج الجامعية" ورئيس خدمة مرض التهاب الأمعاء لدى الأطفال، فقال إنه "في المستقبل، يمكنك أن تتخيل أخذ خلايا من مريض معين، واستزراع نسخة مصغرة عن أمعائه في المختبر، واختبار عدد من الأدوية المختلفة عليها، وفي النهاية معرفة الدواء المناسب لهذا الشخص".
كذلك وجدت الدراسة أن تغيرات الـ"دي أن أي" كانت مستقرة، مما يفسر ربما لماذا حتى بعد العلاج، عندما يبدو أن المريض تماثل للشفاء، يعود الالتهاب للظهور بعد أشهر عدة، ذلك أن الأدوية تعالج الأعراض، وليس السبب الكامن وراءها.
وفي المستقبل، يمكن أن تساعد النتائج مرضى مثل آرثر في الوصول إلى العلاج الفاعل بسرعة أكبر.
وقالت السيدة هات إنه قبل تشخيص حالة آرثر، قيل لهم إنه يعاني إسهال الصغار، وعدم القدرة على تحمل النظام الغذائي، وحتى الصداع النصفي البطني أو الشقيقة البطنية (أو متلازمة لازمة التقيؤ الدوري).
ولكن في النهاية، شخصت الفحوص إصابة الطفل بداء "كرون" عندما كان في التاسعة من عمره، ووصف له الأطباء دواء "أزاثيوبرين" azathioprine الذي ما زال يتناوله حتى الآن.
أحب الرقص فعلاً، خصوصاً الرقص اللاتيني ورقص الشوارع. أنجح في أداء معظم النشاطات التي أحبها، ولكنني أشعر بالتعب أحياناً
آرثر هات
ولما كان الدواء يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يعطي التأثير المطلوب في الجسم، وصف له الأطباء الستيرويدات موقتاً، ولكن آرثر قال: "لقد تسببت في شعوري بتوتر شديد وجوع كبير".
وذكرت السيدة هات أنه في بعض الأحيان كان آرثر عاجزاً عن البقاء في المدرسة سوى لنصف يوم فقط، وحتى الآن نمضي العطلات في ملازمة البيت من أجل الراحة، إذ يعاني ولدها كثيراً خلال موسم البرد والإنفلونزا، عندما تتسبب العلاجات أيضاً بقمع نظام المناعة.
ولكن مع ذلك، ما زال آرثر قادراً على القيام بالأمور التي يستمتع بها.
قال آرثر: "أحب الرقص فعلاً، خصوصاً الرقص اللاتيني ورقص الشوارع. أنجح في أداء معظم الأنشطة التي أحبها، ولكنني أشعر بالتعب أحياناً."
يبقى أن هذا البحث حظي بدعم كبير من "مجلس البحوث الطبية"، وتلقى الدعم أيضاً عبر التعاون مع "معهد ميلنر للعلاجات" في "جامعة كامبريدج".