Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رهان ماكرون الانتخابي يغامر بما هو أبعد من الألعاب الأولمبية

من خلال الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة يخاطر الرئيس الفرنسي بإضعاف موقعه الرئاسي مما يؤدي إلى وصول إدارة يهيمن عليها اليمين المتشدد ما من شأنه تقويض العمل الدولي

لرهانات إيمانويل ماكرون الانتخابية المذهلة عواقب على دول مجموعة السبع والعالم أجمع (رويترز)

ملخص

الرئيس الفرنسي ماكرون قد يضعف موقعه ويقوض لحمة التضامن الدولي

عندما اصطف زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع G7 إلى جانب نظرائهم من الاتحاد الأوروبي من أجل التقاط صورة جماعية في منطقة بوليا الإيطالية، كان من الصعب على المرء وهو يعدهم ألا يتنبه إلى أنهم كلهم على وشك الخروج من مناصبهم. فكان بين الزعماء رئيس الحكومة البريطاني ريشي سوناك الذي حضر بصورة صحيحة هذه المرة (وليس كما فعل على شاطئ أوماها في الذكرى الثمانين لإنزال قوات الحلفاء في النورماندي إبان الحرب العالمية الثانية) ولكنه في الغالب سيكون خارج السلطة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. والرئيس الأميركي جو بايدن قد ينتهي عهده خلال حد أقصاه أشهر عدة حتى وإن صمد في مواجهة ضراوة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية. ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لديها فرصة معقولة ولكن ليست مضمونة تماماً، للحفاظ على منصبها لولاية ثانية بحسب ما ورد في نتائج انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي التي أعلنت خلال الأسبوع الماضي.

ثم هناك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان يبدو أن مكانه آمن إلى حد ما في قصر الإيليزيه للأعوام الثلاثة المقبلة، إلى أن اتخذ يوم الأحد الماضي وبصورة مفاجئة وبمحض إرادته قراراً يغير هذا الوضع القائم. وفي وقت لن يطيح أي نصر قد يحرزه أحد أحزاب المعارضة في الانتخابات التشريعية به من منصبه الرئاسي بحسب الدستور، خصوصاً أن التعايش بين الرؤساء والمجالس التشريعية من مختلف الانتماءات السياسية له سوابق مشرفة في فرنسا كما في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه من غير المستبعد أن يقوم هذا الرئيس المتغطرس والحاد الطباع بضرب العادات عرض الحائط وإعلان استقالته.

ولكن مرة أخرى قد لا يضطر إلى ذلك. ولم يمض وقت طويل على إطلاق الرئيس ماكرون هذا الرهان الانتخابي الخطر، ولكنه من شأنه ربما أن يعود عليه بالفائدة. فالصدمة التي أحدثها قراره عندما أعلن عنه في مختلف أرجاء الدولة الفرنسية بسبب المخاطرة الكبيرة التي يبدو أن الرئيس قرر خوضها - إلى الحد أنه بدا وكأنه يدفع في اتجاه تشكيل حكومة ترأسها زعيمة تيار اليمين المتشدد ألا وهي مارين لوبان - تمت الاستعاضة عنها بدهشة متساوية وفي بعض الأوساط بسرور من مستوى الفوضى التي يبدو أنها قد أصابت قوى المعارضة. وكما جاء في تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي: لماذا نصرف الأموال على اشتراكات نتفليكس والسياسة الفرنسية قادرة على توفير هذا القدر من الترفيه؟

أما الجانب الهزلي الأكبر في الموضوع فجاء من خلال محاولة قام بها إيريك سيوتي زعيم حزب الجمهوريين اليميني الوسطي لتشكيل تحالف انتخابي بين الجمهوريين وحزب مارين لوبان، التجمع الوطني. وكانت الفكرة على ما يبدو محاولة لمنع الالتفاف على خطة الرئيس ماكرون لشرذمة اليمين لكن في تلك الحال لم يكن ماكرون في حاجة للقيام بذلك. فلم يكن إيريك سيوتي كما ظهر في وقت لاحق يتمتع بحق القيام بمثل هذه المحاولة واضطر إلى الإعلان عن استقالته ولكن ليس قبل قيامه بالتحصن في مقر حزبه العام، في مسعى إلى إظهار مقاومته لمساعي التخلص منه. وبالنسبة إلى زعيم حزب يدعي أنه يرفع لواء ديغول كانت تلك خطوة استثنائية ومن شأنها أن تؤدي إلى انتفاض الرئيس جاك شيراك في قبره، وهو الذي يعد عدواً شرساً لتيار اليمين المتطرف. فلا عجب أن تمت الإطاحة بسيوتي.

وربما يكون الرئيس ماكرون نجح في الفوز بالجولة الأولى من النزال حتى من دون معركة تذكر، لكن ذلك لا يعني أن المسألة محسومة لصالحه. فأي نصر يدعيه في وقت ما يكون نسبياً. فالسيناريو الأفضل قد يكون إنزال هزيمة مدوية بتيار اليمين المتشدد المنقسم وانتخاب برلمان يكون متعاوناً بصورة أكبر يمنح الرئيس ماكرون مجالاً أوسع من أجل المناورة على الصعيد التشريعي، في الفترة المتبقية له على رأس السلطة الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك ربما أمر ثان مفضل وممكن أيضاً لو أن حزب التجمع الوطني، كان ليبلي بلاء حسناً في الانتخابات المقبلة وأن تقوم لوبان أو ربما أن يقوم زعيم حزبها الشاب جوردان بارديلا في أن يصبح أحدهما رئيساً للوزراء، وسيكون في صالح ماكرون هنا أن يبرهن اليمين المتشدد أنه إذا تسلم زمام السلطة التنفيذية سيكون أداؤه أسوأ من أدائه الجيد عادةً في الترويج لحملاته الانتخابية. وذلك أيضاً من شأنه منح فرنسا جرعة لقاح تزيد من مناعتها ليس إزاء حكومة أخرى لتيار اليمين المتشدد مرتقبة في المستقبل القريب فحسب، بل من إمكانية وصول مارين لوبان إلى سدة الرئاسة بعد انتهاء ولاية ماكرون الرئاسية. 

في أي من الحالتين على المديين القريب أو الأبعد، سيمكن لماكرون أن يدعي أنه بريء. لكن قد يمكن للأمور أن تسير بصورة سيئة للغاية أيضاً.

وقد يبرهن حزب التجمع الوطني أنه أفضل في تسلم دفة الحكم مما يقول منتقدوه. وبما أنه في الماضي كانت هناك بعض العوائق النفسية ربما التي أدت إلى منع الناخبين الفرنسيين من منح أصواتهم لليمين المتشدد ليحصل بموجبها على غالبية في البرلمان، أو حتى انتخاب رئيس للبلاد من أوساط تيار اليمين المتشدد، لكن هل يمكن أن يكون ذلك العائق قد تم تخطيه اليوم؟

وهل يمكن أن يكون ذلك بسبب المسار الذي تسلكه السياسة الفرنسية - والأمر هنا مختلف - لأن الناخبين شعروا بالإهانة بسبب رد ماكرون على تصويتهم في انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي، وقرروا بتلقينه درساً بعد ثلاثة أسابيع؟

ثمة جانب آخر يمكن أن تبدو من خلاله حسابات ماكرون بأنها أكثر من مجرد رهان كبير وربما أنها متهورة حقاً، ذلك أن لتداعيات تتخطى حدود فرنسا وتصل أوروبا وحتى أرجاء العالم كافة. يحق بالتأكيد لماكرون أن يغامر في الانتخابات البرلمانية قبل أسابيع من استعراض بلاده على المستوى العالمي كمضيفة لدورة الألعاب الأولمبية لعام 2024. ويمكنه أن يجادل بأن الاستعدادات مكتملة على أكمل وجه ومسيطر عليها تماماً، وأن الوجه الذي ستعكسه باريس للعالم لن يتأثر بصورة غير مبررة بنصر انتخابي أحرزه اليمين المتشدد (أو بسبب رئيس تم إضعافه سياسياً) لكن هناك الكثيرين ممن يختلفون مع هذا الطرح.

ومما لا شك فيه هو أن هذه الانتخابات المبكرة من شأنها تلهية فرنسا عن الاضطلاع بدورها في هذه المرحلة الأساس على الساحة الدولية. إذ تنعقد في نهاية الأسبوع الجاري قمة مجموعة الدول السبع، وستليها القمة الخاصة بأوكرانيا المنعقدة في سويسرا. ويجب الأخذ بعين الاعتبار عملية توزيع المناصب الرفيعة المستوى في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الاتجاه المستقبلي الذي سيسلكه الاتحاد الأوروبي على ضوء نتائج الانتخابات.

قد تكون الانتخابات الفرنسية خبر سيئ بالنسبة إلى أوكرانيا. إذ لم يكد الرئيس ماكرون يظهر بوصفه أحد أكثر [زعماء] الدول المؤثرة الكبيرة والشجاعة في إعرابه عن مساندته لأوكرانيا، ليتزامن ذلك مع عودة بلاده لتنشغل في السياسة الفرنسية الداخلية، وهناك خطر أن تكون الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات المقبلة أقل حماسة بخصوص توفير الدعم لأوكرانيا من سابقتها أو من الرئيس نفسه.

ومن خلال دعوته لإجراء الانتخابات النيابية في هذا المتسع الضيق من الزمن، لا يخاطر ماكرون بوصول حكومة برئاسة اليمين الفرنسي المتشدد في فرنسا فحسب - والذي يعتقد أنه سيكون في إمكانه التعايش معها - بل يخاطر أيضاً بأن تؤدي الانتخابات إلى فتح ثغرة في التعاضد الدولي في أكثر من ملف وقضايا خطرة. ليس هناك من دولة كبيرة يمكنها أن تمد نفوذ قوتها إلى خارج حدودها مثلما يمكن لفرنسا أن تفعل، مثلها مثل المملكة المتحدة التي كانت بدورها انتخبت حكومة يمينية متطرفة.

ويمكن أن نجادل بأن أي تغيير في التركيبة الحاكمة الفرنسية وتوجهاتها سيكون له أثر أقل على السياسة الخارجية مقارنة بالجوانب الأخرى، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن السياسة الخارجية الفرنسية عادة ما تكون حكراً على رئيس الدولة، تماماً كما الحال في نظام الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. قد لا يكون الرئيس ماكرون مهتماً كثيراً بإمكانية وقوع نزاعات بينه وأية حكومة جديدة من خلال ميوله المعهودة لاستخدام العرقلة كوسيلة سياسية، والواقع أن قراره إجراء الانتخابات خرج من نفس دفتر قواعد اللعبة الذي يلتزم به. لكن وعلى رغم ذلك هناك قلق ظاهر في الولايات المتحدة الأميركية ويمكنه أن يكون بادياً أكثر في المملكة المتحدة، وبخاصة أن البلدين يخوضان حملاتهما الانتخابية الخاصة.

وبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع قد تتوافر للرئيس ماكرون طرق أخرى والتي قد تسمح له بتبرئة نفسه بصورة مشروعة بخصوص الرهان الذي زج البلاد فيه. لكن وبغض النظر عن النتائج فإن التبريرات التي قد يستخدمها قد لا تتضمن غالباً أي تحسين لمكانة فرنسا الدولية وسمعتها أو دورها، ولن يخفف جاذبية اليمين المتشدد في فرنسا.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء