Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطقس يرفع حرارة جدل "قطع الأشجار" في مصر

حقوقيون يتهمون الحكومة بتقليص المساحات الخضراء والدولة: نزرع 100 مليون شجرة

تشهد مصر حملات لإزالة الأشجار في بعض المناطق بهدف إنشاء مشروعات أو توسعة طرق (مواقع التواصل)

ملخص

كان ملاحظاً في الأيام الأخيرة قيام الصفحات الرسمية للوزارات والمحافظات المصرية بنشر أعمال التشجير والمسطحات الخضراء رداً على تداول نشطاء صور قطع الأشجار في الشوارع.

تحت لهيب الشمس في درجة حرارة تخطت الأربعين وقف "أشرف مجدي" ينتظر أتوبيس النقل العام في أحد شوارع مصر الجديدة بعدما اعتاد الموظف المتقاعد أن يستظل بأشجار الحي الراقي في العاصمة المصرية في دقائق انتظار المواصلة العامة، في وقت أصبح من الصعب العثور على شجرة بعد حملة توسعة الطريق في الأعوام الأخيرة، إذ فقد كل من حيي مصر الجديدة ومدينة نصر وحدهما نحو نصف مليون متر مربع من المساحات الخضراء وفق تصريحات منظمات مجتمع مدني.

وأعادت حرارة الصيف المتصاعدة في مصر الحديث عن حملات إزالة الأشجار في بعض المناطق لإنشاء مشروعات أو توسعة طرق، بل إن البعض ساق نقص الأشجار سبباً في وصول درجات الحرارة إلى معدلات قياسية كادت تصل إلى 50 درجة مئوية في مدينة أسوان بأقصى جنوب مصر، مما جعلها الأعلى في العالم قبل أيام.

وصار حديث قطع الأشجار هو الغالب على النقاشات في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل وتباينت الآراء بين من يرى أن إزالة الأشجار في الأعوام الماضية كانت بمثابة "جريمة" بحسب وصف الإعلامي الشهير عمرو أديب في برنامجه التلفزيوني، وفي المقابل نجد من يرون أن هناك مبالغة في تقدير الأمر وأن الدولة تعوض ما يقطع من أشجار كالإعلامي أحمد موسى الذي كتب عبر حسابه على منصة "إكس" أن "البلد ’الدولة‘ بتعمل كل حاجة جميلة لو قطعت شجرة مثلاً بتزرع مكانها 10 ’شجرات‘".

اقتلاع الأشجار

وفي حين لا توجد أرقام رسمية عما تمت إزالته من أشجار ذكر مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأميركية في القاهرة أنه بين عامي 2017 و2020 تراجعت المساحات الخضراء في القاهرة بنحو 910 آلاف متر مربع، لتصل إلى 6.9 مليون متر مربع في 2020 انخفاضاً من 7.8 مليون متر مربع في 2017، وانخفضت حصة الفرد من المساحات الخضراء من 0.87 متر مربع إلى 0.74 متر مربع بفعل زيادة عدد السكان إلى جانب قطع الأشجار.

ووفق المصدر نفسه فقدت القاهرة خلال تلك الفترة أكثر من 910 آلاف متر مربع من مساحاتها الخضراء المحدودة بالأساس منها 272 ألفاً في حي مصر الجديدة و311 ألفاً في شرق مدينة نصر، وهما حيان من الأرقى في القاهرة ويمتازان بوجود عدة حدائق عامة وشهدا خلال الأعوام الأخيرة توسعة في الطرق وإنشاء كثير من الجسور لتيسير حركة المرور.

وذكرت دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية نشرت خلال 2022 أن ظاهرة قطع الأشجار باتت تصاحب مشروعات بناء وتطوير المرافق الخدمية "بصورة لا تراعي الوظيفة البيئية للأشجار والمساحات الخضراء وبخاصة في المدن"، وأشارت الدراسة إلى أنه تم اقتلاع آلاف الأشجار أثناء تنفيذ مشروع تبطين الترع والمصارف في الريف المصري.

وتتضارب الأرقام على الصعيد الرسمي إذ يذكر موقع الهيئة العامة للاستعلامات أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر يقدر بـ1.2 متر مربع، بينما قال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقرير سابق إن نصيب الفرد حتى عام 2020 لا يتخطى 17 سنتيمتراً، وأن نصيب المصري من الأشجار شجرة واحدة فحسب. وتوصي منظمة الصحة العالمية بما لا يقل عن 9 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل فرد.

هل ارتفعت الحرارة نتيجة نقص الشجر؟

السؤال الذي سيطر على المصريين في الأيام الماضية كان "هل نقص الأشجار يزيد درجات الحرارة؟"، وقال عضو الاتحاد العربى للمناخ والبيئة تحسين شعلة لـ"اندبندنت عربية" إن ارتفاع درجات الحرارة خلال الأيام الحالية يرجع إلى عدد من الظواهر الطبيعية والتأثير السلبي لاستخدام الوقود الأحفوري وليس بسبب قطع الأشجار كما يشاع، وأوضح أن اختزال البعض ارتفاع درجات الحرارة في قطع الأشجار محض "مبالغة".

 

 

وأضاف أن الانبعاثات الكربونية وظاهرة الاحتباس الحراري هي ما تفسر الارتفاع الكبير في درجات الحرارة ونصح المواطنين بتكثيف مبادرات التشجير وزراعة الأسطح، ولفت خبير البيئة والمناخ إلى أن الدولة المصرية تعي أهمية التشجير ودوره في المجتمع وما يحدث ليس بهدف قطع الأشجار ولكن الدولة لديها أهداف في تنفيذ مشروعات معينة.

وبدوره استبعد متخصص الدراسات البيئية وتغير المناخ عبدالمسيح سمعان أن يكون ارتفاع درجة الحرارة غير المعتاد في مصر سببه قطع الأشجار في عدة مناطق بالقاهرة، وأرجع ارتفاع درجة الحرارة إلى الموجات الحارة القادمة من الخارج والظواهر الجوية التي تزيد من الاحترار العالمي مثل ظاهرة "النينو"، لافتاً إلى أن مصر تشهد طقساً حاراً منذ عام مضى.

ورفض سمعان الربط بين ارتفاع درجات الحرارة وقطع الأشجار قائلاً إنه إذا كان قطع الأشجار في محافظة ما فلماذا تصل درجة الحرارة في أسوان إلى 49.6 درجة مئوية لتكون الأعلى عالمياً في السابع من يونيو (حزيران) الجاري، لكنه أشار أيضاً إلى أن وجود الأشجار يقلل الإحساس بالحرارة بدرجة انخفاض قدرها خمس درجات.

اتجاه غير صحيح

وفي المقابل يرى مستشار وزير البيئة المصري السابق حسام محرم أن نسبة المساحات الخضراء في مصر أقل من المعدلات العالمية مما يجعل من الواجب زيادتها وعدم التخلي عن أي منها إلا للضرورة القصوى، فعلى سبيل المثال إذا كان من اللازم إقامة طريق أو كوبري يجب إزالة الشجرة بطريقة علمية وإعادتها مرة أخرى إلى نفس المكان إذا أمكن أو نقلها إلى مكان قريب، وأشار إلى أن التكدس العمراني في القاهرة يجعل من الصعب إيجاد مواقع لإنشاء حدائق عامة وبالتالي يجب المحافظة على ما يتوافر بالفعل، لكن ما يحدث حالياً هو الاقتطاع من القليل المتوافر وهو "اتجاه غير صحيح" بحسب وصفه.

وأكد محرم أن المسطحات الخضراء يجب أن تكون عنصراً أساساً في التخطيط العمراني مع توزيعها بصورة مناسبة، مضيفاً أن وجود غطاء نباتي يخفف من الإحساس بالحرارة لأنه يحد من نسب التلوث الجوي الذي يزيد من ارتفاع معدل الحرارة، وحذر من أن خسارة أية مسطحات خضراء في المدن "لا يعوض" مشيراً إلى وجود "نوع من الاستسهال" بإزالة الأشجار في بعض المناطق بدلاً من إيجاد حلول بديلة.

الدراسات البيئية

وتطالب منظمات المجتمع المدني بإجراء دراسات قبل إجراء المشروعات، إذ قالت رئيسة جمعية محبي الأشجار أسماء الحلوجي في تصريحات تلفزيونية إنه لا أحد يعارض مشروعات الطرق والكباري "ولكن يجب أن تكون هناك دراسة بيئية قبل أي مشروع لمنع قطع الأشجار"، مشيرة إلى أن الدراسات العلمية تؤكد أن الشجرة الواحدة تمتص 1.6 كيلوغرام من الملوثات الدقيقة التي تؤثر في التنفس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودراسة التقييم البيئي قبل إقامة المشروعات تتم بالفعل بحسب مساعد وزير البيئة محمد معتمد الذي أكد أنه لا يتم بدء أي مشروع قبل موافقة الوزارة واستبعد أن يكون ارتفاع درجات الحرارة نتيجة نقص الأشجار، مشيراً إلى أن هناك دولا لديها أشجار كثيرة مثل الولايات المتحدة ومع ذلك تعرضت إلى موجات حارة غير مسبوقة.

خطر الوفاة

لكن أثر الأشجار في حماية البشر من تداعيات الموجات الحارة يؤكد عليه مسؤول الحق في الصحة في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" علاء غنام الذي شدد على أن الخضرة مفيدة في مكونات الهواء لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الضارة، وقال إن أسباب قطع الأشجار غير مفهومة ولا يرى مبرراً حقيقياً لها.

وأكد غنام أن تأثير غياب الأشجار في ظل الموجات الحارة حالياً مضر للغاية إذ يزيد من احتمالية الإصابة بالإجهاد الحراري وبخاصة لكبار السن والأطفال والحوامل، ويؤدي لأزمات قلبية أو للوفاة.

طرق الإزالة

المنفعة من المشروعات تتطلب إزالة أية معوقات حتى وإن كانت من الأشجار بحسب رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب أحمد السجيني الذي قال في تصريحات صحافية إن بعض المشروعات القومية تتطلب إزالة بعض الأشجار، والمنفعة التي تعود على الدولة من المشروع سواء كان كوبري أو نفقاً أو غيرهما "هي منفعة كبيرة تتطلب إزالة أية معوقات سواء نباتية أو خرسانية في مسار هذا المشروع ولا بد من تذليلها"، مشيراً إلى أن إزالة الأشجار تتم من طريق استخدام معدات تعمل بتكنولوجيا حديثة تقلع الشجرة بجذورها لتنمو في مكان آخر.

ولكن الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة لا تشير إلى ما يقوله النائب أحمد السجيني، فعدد من المواطنين أشاروا إلى أشجار معمرة في كورنيش العجوزة بمحافظة الجيزة قطعت دون إزالة جذورها، وتداول آخرون مقاطع فيديو لقطع أشجار بالجرارات أو بأدوات بدائية في مناطق مثل الشيخ زايد وغيرها.

غضب برلماني

وكان مصير الأشجار مثار اهتمام نواب البرلمان إذ تقدمت عضو مجلس النواب مها عبدالناصر بطلب إحاطة موجه إلى كل من رئيس مجلس الوزراء ووزيرة البيئة ووزير النقل ووزير التنمية المحلية، في شأن "تراجع المساحات الخضراء بالإقليم المصري والقطع الجائر للأشجار مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة"، وطالبت الحكومة بإجراء تحقيق حول الأسباب والجهات المسؤولة عن قطع الأشجار ومحاسبة المتورطين إلى جانب تنفيذ حملات "عاجلة" للتشجير في جميع محافظات الجمهورية.

وأشارت عبدالناصر إلى أن الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة في مصر من أهم أسبابه "التراجع الكبير في المساحات الخضراء داخل الإقليم المصري خلال الأعوام الماضية، إلى جانب القطع الجائر للأشجار في مختلف أنحاء الجمهورية" وفق نص طلب الإحاطة.

وذكرت عضو البرلمان أنه "من الواضح أن الحكومة لا تعلم" أن الأشجار تعد وسيلة أساس منخفضة الكلفة وفعالة لمعالجة تلوث الهواء والضوضاء وتوفير الظل وتبريد الشوارع، وسط ارتفاع درجات الحرارة القياسي في الآونة الأخيرة.

وحملت عبدالناصر الحكومة مسؤولية تفاقم الظاهرة بسبب عدم تبني سياسات تحفز القطاع الخاص والمجتمع المدني على الاستثمار في تشجير وزيادة زراعة أسطح المباني، وحذرت من أن نقص المساحات الخضراء يزيد من الإحساس بارتفاع درجات الحرارة ويؤدي إلى زيادة حالات الإجهاد الحراري والأمراض المرتبطة بالحرارة، مثل الجفاف وضربات الشمس خصوصاً بين الفئات الأكثر عرضة كالأطفال وكبار السن.

وكذلك تقدم عضو مجلس النواب عبدالمنعم إمام بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزارء ووزراء البيئة والتخطيط والتنمية المحلية في شأن "قطع الأشجار في جميع أنحاء مصر"، مؤكداً أن ذلك يزيد من الشعور بالحرارة ويرفع مستوى تلوث الهواء مطالباً باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف قطع الأشجار ومعرفة أسباب قطعها في جميع أنحاء مصر.

وينص الدستور المصري في مادته الـ45 على أن الدولة "تكفل حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر"، وتجرم المادة 367 من قانون العقوبات قطع النباتات والأشجار.

نفي حكومي

"مجزرة الشجر" كما سماها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي قابلها نفي حكومي قاطع، إذ بادرت وزارات البيئة والزراعة والتنمية المحلية والإسكان إلى تأكيد عدم وجود قطع جائر للأشجار.

 

 

وقال وزير الإسكان عاصم الجزار في بيان إن الدولة حريصة على زيادة نصيب الفرد من المسطحات الخضراء في المدن الجديدة أو القائمة، مشيراً إلى أن مدينة المنصورة الجديدة 25 في المئة من مساحتها مسطحات خضراء فيما لا تقل المسطحات الخضراء في المناطق التي طورت عن 15 في المئة.

توسعة الطرق التي يعزو إليها البعض السبب في زيادة الإحساس بالحرارة يراها مساعد وزير الإسكان للشؤون الفنية عبدالخالق إبراهيم أحد أسباب تخفيف الحرارة، إذ يوضح أن "الظاهرة العلمية المعروفة بالجزيرة الحرارية والتي تؤدي إلى زيادة الإحساس بالحرارة العالية في المدن الكبرى نتيجة التكدس العمراني واختناقات الحركة كان يعانيه العمران المصري القائم قبل عام 2014، ولذا توجهت الدولة بتكليفات من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى العمل على إيجاد محاور مرورية جديدة لتقليل التكدس والزحام.

وأطلقت مصر عام 2014 خطة قومية بهدف تطوير شبكة الطرق والكباري تهدف لتنفيذ سبعة آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة وتطوير ورفع كفاءة 10 آلاف كيلومتر من الطرق الرئيسة، وأعلن مجلس الوزراء المصري أخيراً أن مصر تقدمت 100 مركز في الترتيب العالمي لمؤشر جودة الطرق في 2024 لتحتل المركز الـ18 عالمياً.

مبادرة رئاسية

وبدورها أشارت وزارة البيئة إلى متابعتها تنفيذ أعمال زراعة الشجر ضمن المبادرة الرئاسية لزراعة 100 مليون شجرة خلال سبعة أعوام، وأوضحت الوزارة في بيان أنها أسهمت في العام الأول من المبادرة بـ1.45 مليون شجرة فيما أعلن مساعد وزير البيئة محمد معتمد في تصريحات تلفزيونية أنه تمت زراعة 12.4 مليون شجرة خلال العامين الماضيين، ضمن المبادرة التي أطلقت تزامناً مع استضافة مصر مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ "كوب 27". وأكد معتمد أن إزالة الأشجار يحدث أحياناً بسبب تقاطع مشروعات التنمية مع أماكن وجودها موضحاً أن الدولة تعوض هذه الأشجار "بأكثر منها في مناطق مختلفة وفي أماكن طبقاً للمخطط والتصميم العمراني".

وتهدف مبادرة "100 مليون صحة" إلى زراعة مساحة إجمالية 6600 فدان على مستوى الجمهورية في 9900 موقع، بما يضاعف نصيب الفرد من المساحات الخضراء ويحسن نوعية الهواء ويخفض غازات الاحتباس الحراري ويحسن الصحة العامة للمواطنين، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.

أما وزارة التنمية المحلية فقالت إن العام المالي الأول من المبادرة الرئاسية (2022/2023) شهد تخصيص 200 مليون جنيه لزراعة 7.6 مليون شجرة ضمن حصة الوزارة في أعمال المبادرة، فيما نفت وزارة الزراعة وجود قطع جائر للأشجار في حديقة الحيوان.

وكان ملاحظاً في الأيام الأخيرة قيام الصفحات الرسمية للوزارات والمحافظات بنشر أعمال التشجير والمسطحات الخضراء، رداً على تداول نشطاء لصور قطع الأشجار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير