Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أرمينيا تعود إلى التلويح بالخروج من "معاهدة الأمن الجماعي"

باشينيان يعلن أنه لن يزور بيلاروس طالما بقي لوكاشينكو رئيساً لها

نيكول باشينيان يهدد مرة أخرى بالانسحاب من منظومة "معاهدة بلدان الأمن الجماعي" (رويترز)

ملخص

ها هو باشينيان يعود ليعلن هذه المرة عزمه على الخروج من "معاهدة الأمن الجماعي"، كذلك استدعى السفير الأرميني من مينسك "للتشاور"، ما اعتبره بعض المراقبين والسياسيين "تحدياً" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على حد قول بعض المراقبين.

فهل ستتحقق أماني باشينيان؟

عاد نيكول باشينيان رئيس الحكومة الأرمينية إلى التلويح "بمعزوفته" التي لطالما يلجأ إليها في كل المناسبات التي يحاول من خلالها رفع مستوى شعبيته، والخروج من أزماته الداخلية تارة، أو التغطية على هزائمه في صراعه سواء مع معارضيه، أو في حربه التي خسرها مع أذربيجان تارة أخرى. وها هو يهدد مرة أخرى بالانسحاب من منظومة "معاهدة بلدان الأمن الجماعي" التي تضم كلاً من روسيا وأرمينيا وبيلاروس وكازخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. وكان باشينيان سبق وأعلن ذلك بعد ما لحق بقواته المسلحة من هزيمة نكراء في حربها مع أذربيجان، والتي خسر فيها ما سبق وضمته بلاده من أراض بلغت ما يقرب من 20 في المئة من أراضي أذربيجان المجاورة بما في ذلك مقاطعة ناغورنو قره باغ ذات الحكم الذاتي والغالبية السكانية الأرمينية، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

الخلاف بين باشينيان ولوكاشينكو

وها هو باشينيان يعود ليعلن هذه المرة عزمه على الخروج من "معاهدة الأمن الجماعي"، كذلك استدعى السفير الأرميني من مينسك "للتشاور"، ما اعتبره بعض المراقبين والسياسيين "تحدياً" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على حد قول بعض المراقبين. وثمة ما يشير إلى أن العلاقات بين أرمينيا وبيلاروس يمكن أن تكون دليلاً على "تأرجح مواقف" رئيس الوزراء الأرميني، الذي لا يمكن إلا أن يعرف أن صراعه مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لا بدّ من أن ينعكس على علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان باشينيان قال "إنه لن يزور هو أو أي من الممثلين الرسميين ليريفان، بيلاروس طالما بقي ألكسندر لوكاشينكو رئيساً لها"، على حد ما نقله أحد أعضاء منظمة "معاهدة الأمن الجماعي". وعلى رغم أن باشينيان عاد، وقال "إنه (أي رئيس بيلاروس) شارك في التحضير لحرب الـ 44 يوماً في قره باغ، وشجع أذربيجان وصدقها وتمنى فوزها، وبعد ذلك، هل يجب أن أناقش مع رئيس بيلاروس أي قضايا في شكل منظمة معاهدة الأمن الجماعي؟".

وشدد "على أنه في إطار كومنولث الدول المستقلة، والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، سيظل يتعين عليه التعامل مع رئيس بيلاروس". وأشار رئيس الحكومة الأرمينية إلى أن "العلاقات في إطار منظمة بلدان معاهدة الأمن الجماعي قد تتغير نظرياً إذا قررت بيلاروس نفسها، على سبيل المثال، مغادرة المنظمة أو اعتذر لوكاشينكو علناً، وهو ما سيكون مقبولاً للشعب الأرميني"، وذلك ما يبدو أمراً بعيد المنال.

 

وكان لوكاشينكو قال، في اجتماع مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في وقت سابق "ما زلت أفكر، تذكرت محادثتنا قبل الحرب، قبل حرب التحرير، عندما فكرنا فلسفياً في العشاء معاً. ثم توصلنا إلى استنتاج مفاده بأنه يمكن تحقيق النصر في هذه الحرب. إنه مهم. ومن المهم جداً الحفاظ على هذا النصر". وأضاف في فبراير (شباط) 2024، أن منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" لن تنهار من دون أرمينيا، لكنه دعا السلطات الأرمينية إلى عدم التسرع في مغادرة المنظمة.

الارتباط بالغرب والحلم المؤجل

غير أن الكثير من المؤشرات يشير إلى ما يمكن أن يكون بعيداً من تصريحات الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو حول "حرب تحرير أذربيجان" ضد القوات الأرمينية في ناغورنو قره باغ في 2021-2023. وقد يمكن تفسير مثل هذه المواقف والتصريحات بصراعه الداخلي مع المعارضة الداخلية التي لطالما فشلت في الإطاحة به منذ ما قبل هزيمة أرمينيا في صراعها مع أذربيجان، وخسارتها لجمهورية ناغورنو قره باغ غير المعترف بها، وإقامة علاقات مع أذربيجان على حساب المصالح الأرمينية. وكانت التظاهرات الاحتجاجية الأخيرة في يريفان ارتبطت على سبيل المثال، بحقيقة أنه نتيجة لترسيم الحدود، تم نقل أربع قرى ذات غالبية سكانية أرمينية إلى أذربيجان، وذلك فضلاً عن خيبة أمل كثيرين من المواطنين الأرمن في روسيا، وما كابدوه من حسرة وآلام جراء رفض روسيا الدفاع عن أرمينيا ضد ما وصفته بالعدوان الأذربيجاني، وهو ما يسوقه رئيس الحكومة الأرمينية، تبريراً لتصريحاته حول عزمه على الانسحاب من منظمة "معاهدة الأمن الجماعي".

على أن الواضح والمؤكد يظل مرتبطاً بما يتمثل في استراتيجية باشينيان ورغبته في الارتباط بالغرب وبلدان الاتحاد الأوروبي، وهو ما عكسته زيارته بروكسل في أبريل (نيسان) الماضي، وإعلانه من هناك عن رغبة في انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي لقي ترحيباً كبيراً من قيادات هذه المنظمة، في الوقت الذي اعتبرته موسكو "عدائي الطابع والتوجه". وقد أدلى باشينيان بتصريحات مماثلة في ما سبق، قال فيها إن السلطات الأرمينية تنوي التقدم بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في موعد لا يتجاوز خريف عام 2024. ووصف رئيس الحكومة الأرمينية هذا الاحتمال بأنه لا مفرّ منه. وأوضح أنه "لا توجد آمال وتوقعات من روسيا"، مؤكداً أن "العلاقات بين أرمينيا وروسيا الاتحادية لا تمر بأفضل حالاتها ويمكن للغرب أن يضمن الأمن". وقال إن مصالح أمن بلاده تتطلب أن تصبح أقوى على الأقل اقتصادياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الثورات الملونة" والحليف "ذو الوجهين"

غير أن المتابع لتصريحات رئيس الحكومة الأرمينية منذ هزيمة قواته المسلحة في حربها الأخيرة مع أذربيجان، يمكن أن يستشف منها بعضاً من التاريخ القريب بما شهده من وقائع ومفردات العلاقة التي ربطت بين باشينيان ومشروع الملياردير الأميركي المجري الأصل جورج سوروس، الذي حمل اسم "الثورات الملونة". ولعل هذا المشروع الذي يقوم على فكرة تأجيج العداء لروسيا، وتدمير العلاقة التاريخية التي لطالما ربطت بين بلدان الفضاء السوفياتي السابق، ومزاعم نشر الديمقراطية، يظل قائماً بما يجعله سبباً لكثير من تحركات رئيس الحكومة الأرمينية، وتفسيراً لما يحتدم من خلافات بين أرمينيا وعدد من بلدان معاهدة الأمن الجماعي، بما يمكن أن ينطبق عليها القول إنها صارت "حليفة ذات وجهين". وثمة من يفسر هذا القول بما يدلي به باشينيان من تصريحات تحمل الشيء ونقيضه. وثمة من يقول إن باشينيان وفريقه يريدون تحويل أرمينيا إلى "نوع من النظير لجورجيا في عهد الرئيس الجورجي الأسبق ميخائيل ساكاشفيلي".

ويطالب جزء من القوى السياسية في أرمينيا بقطيعة أكثر حسماً مع موسكو، فضلاً عن "ضرورة التقارب مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي". وذلك في الوقت الذي لم يصدر عنه ما يفيد بعد بحقيقة ما يرومه من أهداف، وإن كان يظل متمسكاً بما سبق وعقده رؤساء أرمينيا السابقون من "برامج الشراكة من أجل السلام" التي سبق وأبرمها كثير من بلدان الفضاء السوفياتي السابق مع حلف "الناتو"، بما فيها روسيا وجورجيا وأوكرانيا وبيلاروس في تسعينيات القرن الماضي. وكانت أرمينيا سبق وشاركت مع بلدان "الناتو" في عملياته التي قام بها في كل من أفغانستان والعراق وكوسوفو.

عضوية "الأمن الجماعي" تحول دون الانضمام إلى أحلاف أخرى

وننقل عن فيدور لوكيانوف رئيس منظمة السياسة الخارجية والدفاع، المعروفة بصلاتها القريبة مع وزارة الخارجية الروسية ما قاله حول إنه في ظل الظروف، التي لم تعد أرمينيا معها بحاجة إلى منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" على الإطلاق، ولم تعد الوظيفة التي كانت تتمتع بها روسيا، وهي الضمانات الأمنية، ضرورية من وجهة نظر يريفان، فإن حاجتها إلى عضوية هذه المنظمة تنتفي تماماً، ذلك لأن النظام الأمني في أرمينيا، كان في السابق يعتمد على العلاقات مع روسيا، وكان يهدف إلى حمايتها من أذربيجان وتركيا، وكانت قره باغ في قلب كل هذه القضايا. أما الآن فلا وجود لقره باغ، التي تحولت إلى باكو، وبما أصبح المسار فيه يتجه نحو التهدئة وتطبيع العلاقات، من أجل مواصلة التحول من خلالها إلى الغرب والجنوب وما إلى ذلك. وأضاف لوكيانوف أن حاجة أرمينيا الآن إلى منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" اختفت تماماً وفقاً للخط السياسي الحالي، لكن المنظمة ليس لديها سبب للاحتفاظ بدولة لا تريد أن تكون هناك كجزء من تحالف عسكري.

وقال باشينيان إن أرمينيا ستخرج من هذه المنظمة، ومن بين المزايا التي يمكن أن تحصل عليها يريفان بعد المغادرة، هو تطبيع العلاقات مع تركيا والتوجه المؤيد للغرب. وأضاف "بالطبع، لن يتم قبول أرمينيا في أي اتحاد أو تحالف أوروبي. ونحن لا نتحدث هنا عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل نتحدث عن تغيير، إذا جاز التعبير، ناقل للاتصالات الرئيسة، وهذا المتجه يسمى الآن مؤيداً للغرب. فماذا يعني التوجه الموالي للغرب بالنسبة لأرمينيا؟ أن أقرب دولة غربية لها هي تركيا، لأن بقية الغرب بعيد، لذا فإن القيادة الأرمينية، من دون أن تصرح بذلك، ونظراً لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للمجتمع، قد حددت بالفعل مساراً للمصالحة، وتطبيع العلاقات مع أنقرة وعودة الشريك المقرب".

ومع مثل هذه الأحداث، قال لوكيانوف إنه لا مفر من بعض التكاليف والمشكلات، ومع ذلك، في الوضع الحالي، هذا هو الخيار الوحيد الواقعي إلى حدّ ما بالنسبة لأرمينيا.

المزيد من تقارير