Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تصل تونس إلى تعاون متكافئ مع الصين؟

محللون يرون أن العجز التجاري ارتفع إلى 826 مليون دولار لصالح بكين مقابل شراكة مربحة مع بلدان الاتحاد الأوروبي

الصين بحاجة إلى نقطة ميناء بحري في تونس لاستكمال طريق الحرير بالمتوسط (أ ف ب)

أظهرت تونس رغبة في التقارب مع الصين بعد الزيارة الأخيرة للرئيس التونسي قيس سعيد إلى بكين، حيث سلط الضوء على حظوظ تطوير علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين، وإن جاء ذلك في إطار منتدى التعاون الوزاري الصيني- العربي الـ10، وورد بعد اتفاقات توصل إليها الطرفان خلال القمة الصينية- العربية الأولى التي عقدت في الرياض في ديسمبر (كانون الأول) 2022

اللافت أن التعاون التونسي- العربي لم يعُد ينحصر على الطاقة الأحفورية، بل يهدف إلى شراكة أشمل تجمع بين السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع، وشهدت العلاقة بين الجانبين خلال الأعوام الأخيرة اتفاقات حول الطاقات المتجددة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر ومشاريع البناء والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والملاحة الجوية وطريق الحرير الجديدة.

وعود بالاتفاقات وعجز في الواقع

وفي ما يخص تونس، فالعلاقة مع الصين وصلت إلى السرعة القصوى بإعلانها أخيراً عن مجموعة من اتفاقات التعاون الاقتصادي والتقني، متضمنة مذكرة تفاهم لتشكيل فريق عمل للاستثمار، وأخرى حول تعزيز التعاون التنموي وتفعيل مبادرة التنمية العالمية، ومشاريع في مجال التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون.

وعلى رغم ذلك يتساءل المحللون عن السبل إلى تعاون عادل ومتكافئ مع التنين الآسيوي في ظل عجز تجاري مرتفع لمصلحة بكين، مقابل شراكة مربحة مع بلدان الاتحاد الأوروبي.

بلغ حجم الواردات من الصين خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 2.562 مليار دينار (826 مليون دولار) مقابل 2.640 مليار دينار (851 مليون دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي، في حين لم تزِد الصادرات التونسية إلى بكين على24.4  مليون دينار (7.87 مليون دولار) في الفترة المذكورة من العام الحالي و25.5 مليون دينار (8.20 مليون دولار) بحسب الانزلاق السنوي وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

أما المنتجات المصدرة إلى الصين، فهي الآلات والأجهزة الكهربائية والنحاس ومصنوعاته والملح والكبريت والأتربة والأحجار والجص والجير والأسمنت ومصنوعات الألمنيوم والألمنيوم والملابس وأكسسوارات الملابس، بينما تتمثل الواردات بصورة رئيسة في المنتجات الصناعية والمنتجات النهائية وشبه المصنعة المستخدمة في الإنتاج.

وفي وقت بلغ عجز الميزان التجاري الإجمالي لتونس 4.7 مليار دينار (1.5 مليار دولار) في الثلث الأول من العام الحالي، تأتي الصين على رأس القائمة بـ2.538 مليار دينار (818 مليون دولار) مما يتجاوز نصف العجز الإجمالي، تليها روسيا بـ2.1 مليار دينار (677 مليون دولار) ثم الجزائر بـ1.4 مليار دينار (451 مليون دولار) وتركيا بـ951 مليون دينار (306.7 مليون دولار) واليونان بـ578 مليون دينار (186.4 مليون دولار) وأوكرانيا بـ544 مليون دينار (175.4 مليون دولار).

وسجلت تونس فائضاً في تبادل السلع مع كثير من البلدان الأخرى وأهمها فرنسا بقيمة 1.940 مليار دينار (625 مليون دولار) وإيطاليا بـ1.097 مليار دينار (353 مليون دولار) وألمانيا 761 مليون دينار (245.4 مليون دولار) ويذكر أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتونس وهو يستأثر بأكثر من نصف المبادلات التجارية التونسية.

ووقعت تونس مع الأوروبيين اتفاقاً حصلت بموجبه على رتبة "الشريك المتميز" في 2012، تمتعت من خلاله بنسبة إدماج أكبر بالفضاء الأوروبي، وينتمي معظم المستثمرين الأجانب في تونس إلى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 90 في المئة. وتستأثر منطقة اليورو بنحو 70 في المئة من الصادرات التونسية و61 في المئة من الواردات، في حين تحتل تونس المركز الـ32 على قائمة الشركاء التجاريين للاتحاد.

ما بين طريق الحرير والخريطة الأوروبية

وخلافاً لحجم التجارة بين البلدين، فإن الصين ليست ضمن الجهات المانحة الثنائية الرئيسة لتونس مثل بلدان دأبت على تمويل اقتصادها ومن بينها ألمانيا وفرنسا والجزائر، لكن تبدو إمكانات تطوير التعاون مهمة للغاية على خلفية استراتيجية الصين للانفتاح على الدول الأفريقية وسياساتها في إطار طريق الحرير الجديدة.

وعن ذلك، أشار المتخصص في الشأن الاقتصادي معز السوسي إلى أن الصين تقدم نفسها على أساس منافس استراتيجي عالمي عن طريق التواصل التجاري، إذ يمر أكثر من ثلثي مبيعاتها إلى أوروبا عبر قناة السويس، بينما رصدت في إطار "طريق الحرير" نحو 10 موانئ بنية تحتية مترابطة حول البحر الأبيض المتوسط وهي موانئ بورسعيد ودمياط في مصر، ومرسيليا في فرنسا، وأمبارلي في تركيا، وبيريوس في اليونان، وفادوليغور في إيطاليا، وفالنسيا في إسبانيا، وقريباً في الجزائر ميناء الحمدانية، وفي انتظار نقطة ميناء بحري في تونس، حتى يتطور النقل وتتقلص سلاسل القيمة، مما يؤثر في القطاعات التي تولد مزيداً من القيمة المضافة.

وأكد السوسي أنه لا تقتصر "طرق الحرير" على مشاريع البنية التحتية والتبادلات التجارية للسلع فحسب، بل إنها أيضاً خيار استراتيجي لبناء ركائز "طريق الحرير"، فوفق المرصد الفرنسي تحقق طرق الحرير الجديدة أهدافاً عدة، من بينها جعل الصين رائدة عالمياً في توفير اتصال البنية التحتية الرقمية وتسهيل توسعها العالمي، وإنشاء بنية تحتية للاتصال الرقمي الآسيوي والعالمي تتمركز بصورة أكبر حول الصين، ثم السماح لبكين بممارسة نفوذ أكبر في وضع المعايير التكنولوجية العالمية، بما في ذلك المعايير السيبرانية وتطوير التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية الموجهة نحو الصين والتأثير في الخطاب العالمي، وأخيراً السماح للشركات والسلطات الصينية بالوصول إلى مخازن ضخمة من البيانات الأجنبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن بكين تبرز أيضاً في السوق المهمة للكابلات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، ولا يمكن لتونس إلا الاستفادة من هذه المهارة الكبيرة في بناء مشروع ربط الطاقة الكهربائي، وفي مجال التكنولوجيا الفائقة يمكن لتونس الاعتماد بصورة كبيرة على التقدم التكنولوجي الذي حققته الصين في مجال إنتاج الألواح الكهروضوئية، مع الأخذ في الاعتبار إنشاء ورش أو مصانع توفرها لفائدة أوروبا وأفريقيا.

وحول العقبات، قال السوسي إن "العائق الوحيد في وجه تطوير التعاون يتعلق بكلف النقل والتعاملات بصورة عامة، إذ لا يتجاوز عدد التونسيين المقيمين في الصين378 شخصاً، أما في أوروبا فوصل العدد إلى 1.5 مليون شخص، مع الإشارة إلى أن استراتيجية التمركز الاستراتيجي التي تقودها الصين والتقدم المحرز في المشروع الكبير لطريق الحرير وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي ستجعل من الممكن تقليل كلف التعاملات وتحسينها.

كلفة النقل والتأمين

خلافاً لذلك يرى الاقتصادي الهادي المشري في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أن "تونس تحتاج إلى تطوير علاقاتها التقليدية مع شريكها الأول الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت سابق"، مرجحاً أن تعود التغييرات الطارئة على خريطة القوى الاقتصادية في العالم بالنفع على تونس، إذ تتجه القوى الاقتصادية إلى تكتلات إقليمية ضيقة ترتكز على البعد الجغرافي، بسبب الإشكاليات التي طفت على السطح بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية- الروسية، فتبحث أوروبا عن بديل لوجهات وحداتها الصناعية المتمركزة في دول آسيا بخاصة منها الصين والهند وفيتنام، بعدما أدت الترتيبات الصحية إلى مشكلات ونقص في الإمدادات وندرتها لدى البلدان الأم".

وأضاف أن "الصعوبات تمتد حتى اليوم بسبب كلفة النقل والتأمين، وهي عوامل تسببت في مراجعة بلدان الاتحاد الأوروبي لوجهتها الآسيوية المربحة في السابق بسبب انخفاض كلفة الإنتاج، ثم أضحت مهددة للسيادة الوطنية والأمن الاقتصادي والصحي لدى المصنع الأوروبي والأمن الاقتصادي والصحي".

وقال "في الوقت ذاته تقدم تونس البديل في الخريطة الصناعية الجديدة وهي وجهة استثمارية أوروبية دائم، لكنها تمتلك مقومات أرفع اليوم بفضل تطور الموارد البشرية الأولية".

وتابع المشري أن "في المقابل تتحتم الاستجابة إلى المقاييس الجديدة لسوق الاستثمار الأوروبية عن طريق القيام بإصلاحات تخص مناخ الاستثمار لجذب المستثمر الأمثل والحفاظ على السوق الكلاسيكية المناسبة والمربحة وهي الأوروبية في الأقل حالياً".

اقرأ المزيد