Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإيدز": مرض أعجز العلماء وخرق علمي وشيك لمحاربته

فيروس نقص المناعة البشرية ذو قدرة عالية على التحور

أنفقت الحكومات والشركات تريليونات الدولارات لتطوير علاجات فاعلة والبحث عن لقاح للقضاء على "الإيدز" (رويترز)

تعتبر متلازمة نقص المناعة المكتسب "الإيدز" التي يسببها فيروس نقص المناعة البشرية، من أصعب الأمراض التي يكافح العلماء منذ أعوام طوال لإيجاد علاج فاعل لها من دون أي جدوى، لا سيما أن هذا المرض أودى بحياة أكثر من 32 مليون شخص منذ ظهوره في 1981، مما جعله أحد أكبر التهديدات للصحة العامة في العالم على الإطلاق.

وأنفقت الحكومات والشركات والمستثمرين على مدى العقود الماضية تريليونات الدولارات لتطوير علاجات فاعلة والبحث عن لقاح، تجعل الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية فيروس نقص المناعة البشرية حالة مرضية يمكن التحكم بها، لكن من دون أي تدخل طبي تصبح الإصابة بالفيروس قاتلة حتماً.

 

وأدت العلاجات المضادة لهذه الفيروسات إلى إبطاء معدل الإصابات الجديدة بـ"الإيدز" وخفض عدد الوفيات منذ الذروة التي بلغتها عام 2004. ومع ذلك، فإن هذه الأدوية تؤثر بصورة كبيرة في نوعية الحياة، ولا توفر حلاً جذرياً لما يقارب 38 مليون شخص مصاب بالفيروس منتشرين في أرجاء العالم.

والحال أن التوصل إلى علاج يقضي على فيروس نقص المناعة البشري دونه تحديات كبيرة عجزت معظم التجارب الطبية عن تجاوزها، باستثناء خرق علمي أعلنت عنه جامعة "ديوك" الأميركية أخيراً ويمثل بارقة أمل للمصابين بهذا المرض.

قدرة عالية على التحور

أكثر ما يصعّب على العلماء مهمة إيجاد علاج لـ"الإيدز" يتجسد في حقيقة أن فيروس نقص المناعة البشرية هو فيروس قهقري ذو قدرة عالية على التحور، وتُعدّ الفيروسات القهقرية فريدة من نوعها بسبب قدرتها على أن تكون موجودة في شكل الحمض النووي الريبوزي RNA، ثم الانتقال إلى شكل الحمض النووي DNA لتصبح جزءاً دائماً من الخلية التي تصيبها، ويمكن للخلية بعد ذلك قراءة "النسخة الرئيسة" من الحمض النووي لفيروس نقص المناعة البشرية بصورة متكررة وإنشاء نسخ جديدة من الحمض النووي الريبوزي لفيروس نقص المناعة البشرية لتصديرها إلى خلايا أخرى.

في ورقة بحثية صدرت عام 2017 بعنوان "التطورات الحديثة في فهم تطور فيروس نقص المناعة البشرية"، علّقت مجموعة من العلماء على احتمال حدوث تحور لفيروس نقص المناعة البشرية بالقول "يتطور فيروس نقص المناعة البشرية بسرعة كبيرة، ويظهر أعلى معدل طفرة بيولوجية مسجلة معروف حالياً للعلم، ويسمح معدل الطفرة بالتوليد السريع لمجموعة واسعة من متغيرات فيروس نقص المناعة البشرية، وهي عامل رئيس مسهم في فشل الجهاز المناعي بالقضاء على الفيروس".

وهناك عقبة أساسية أخرى أمام علاج فيروس نقص المناعة البشرية وهي أن الفيروس يصيب الخلايا المناعية ويؤثر فيها سلباً، وهي الخلايا نفسها المطلوبة لمحاربة العدوى. وهكذا يصيب فيروس نقص المناعة البشرية بصورة رئيسة مجموعة فرعية من الخلايا المناعية تسمى "الخلايا التائية المساعدة CD4+ التي تقوم بدور مركزي في الجهاز المناعي. لذلك، عندما يقتل فيروس نقص المناعة البشرية الخلايا التائية المساعدة، فإنه يسبب نقص المناعة.

إضافة إلى ذلك، يختبئ فيروس نقص المناعة البشرية في الحمض النووي للخلية التائية المساعدة، وعند انقسامها تحمل الخلايا الوليدة جينوم فيروس نقص المناعة البشرية، مما يؤدي إلى تكوين خلايا جديدة مصابة بالفيروس من دون الحاجة إلى انتشار فيروس نقص المناعة البشرية من خلية إلى أخرى.

الكمون السريري

من ناحية ثانية، يعدّ الكُمون السريري عقبة جوهرية أخرى أمام علاج فيروس نقص المناعة البشرية. ولتوضيح الأمور باختصار، الكمون يحدث عندما يصيب الفيروس خلية لكنه لا يبدأ على الفور بإنشاء نسخ فيروسية جديدة، وحينها يمكن للخلايا الكامنة والمصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أن تبقى في "خزانات" داخل الجسم لأشهر عدة، أو حتى لأعوام، وتصبح نشطة في أي وقت. ونظراً إلى أن العلاجات الحالية المضادة للفيروسات القهقرية تستهدف فيروس نقص المناعة البشرية نفسه، فإن هذه الأدوية غير قادرة على القضاء على الخلايا المصابة بالعدوى لأنها لا تنتج جزيئات فيروسية بصورة فاعلة، وللسبب نفسه لا يمكن للجهاز المناعي التعرف إلى الخلايا المصابة بالعدوى والقضاء عليها.

في مقالة علمية نشرت العام الماضي في مجلة "ساينس ديلي"، خلص علماء جامعة "غلادستون" الأسترالية إلى أن الخزانات الكامنة هي العقبة الرئيسة أمام علاج فيروس نقص المناعة البشرية، مضيفين أنه مع إجراء مزيد من البحوث لتحديد الأماكن الخادعة التي يختبئ فيها فيروس نقص المناعة البشرية، هناك أمر واحد مؤكد وهو أن العلاج الوظيفي الكامل لفيروس نقص المناعة البشرية سيحتاج إلى معالجة الخلايا المصابة في الخزانات الفيروسية عندما تظهر نفسها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العلاجات الحالية وجهود الأمم المتحدة

وعلى رغم أن العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية لا تمثل علاجاً جذرياً للمرض، فإن هذا المزيج من الأدوية يوقف تطور فيروس نقص المناعة البشرية من خلال استهدافه في مراحل مختلفة من دورة تكاثره. وتتيح العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية الحديثة للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أن يمتلكوا حياة شبه طبيعية تشوبها حالة عدم اليقين في شأن عودة ظهور الفيروس مع ضرورة تناول الدواء على أساس منتظم، مما يحوّل فيروس نقص المناعة البشرية من حكم بالإعدام على المريض المصاب به إلى حكم بالسجن مدى الحياة.

وهنا تأتي أهمية برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية "90-90-90" الذي يتعامل مع الفيروس من منظور الصحة العامة ويهدف إلى القضاء عليه بحلول عام 2030. وبحسب الهدف المحدد، فإنه مع تقليل الإصابات الجديدة، يصبح من الممكن القضاء على المرض من دون وجود علاج بالطريقة نفسها التي تخلصنا بها من الجدري.

ويحدد برنامج الأمم المتحدة هذا سلسلة من الأهداف التي تدعو الناس إلى اكتساب الوعي أولاً بحالتهم المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية، ثم البدء بالعلاج، ومن ثم قمع الفيروس من خلال استخدام العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية واتباع الإرشادات الطبية، وبما أن هذا النهج لا يقدم المساعدة لأولئك الذين يعيشون بالفعل مع فيروس نقص المناعة البشرية، فمن المتوقع أن يسيطر على انتشار الفيروس مما يقلل من احتمال حدوث إصابات جديدة.

لقاح جامعة "ديوك"

بيد أن كل ما ذكرناه آنفاً من المحتمل أن يتمكن علماء جامعة "ديوك" الأميركية من تغييره، مع إطلاقهم لقاحاً تجريبياً هدفه توجيه الجهاز المناعي من خلال خطوات محددة لإنتاج أجسام مضادة ضد فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب.

وتعمل اللقاحات عادة من خلال تدريب الجهاز المناعي على التعرف إلى الفيروس أو مسببات الأمراض الأخرى، وهي تدخل شيئاً يشبه الفيروس، أو نسخة ضعيفة منه لتحفيز خلايا الجسم البائية على إنتاج أجسام مضادة وقائية ضده. وفي حين تمكن الباحثون من إنتاج لقاحات ضد فيروس "كوفيد-19" في غضون أشهر، أثبتت التجارب الطبية أن تطوير لقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية أكثر صعوبة بأشواط، فالمشكلة كما ذكرنا سابقاً تكمن في الطبيعة الفريدة للفيروس، إذ إنه يتحوّر بسرعة، مما يعني أنه يمكنه التغلب بسرعة على الدفاعات المناعية، كما أنه يندمج في الجينوم البشري في غضون أيام قليلة من التعرض له، ويختبئ من الجهاز المناعي.

ويستخدم لقاح جامعة "ديوك" جزيئات اصطناعية تحاكي جزءاً من الغلاف الخارجي لفيروس نقص المناعة البشرية، فيمكن للأجسام المضادة ضد هذه المنطقة أن تقضي على كثير من سلالات فيروس نقص المناعة البشرية المنتشرة.

وشملت التجربة السريرية الأولى 20 مشاركاً سليماً غير مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. ومن بين هؤلاء، تلقى 15 شخصاً جرعتين من أربع جرعات مخطط لها من اللقاح التجريبي، وتلقى خمسة منهم ثلاث جرعات، ووجد العلماء أن جرعتين من اللقاح كانتا كافيتين للحث على إنتاج مستويات منخفضة من الأجسام المضادة في غضون أسابيع قليلة.

ووصفت العالمة الكبيرة خبيرة فيروس نقص المناعة البشرية والمديرة التنفيذية لمجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا غليندا غراي، جهود جامعة "ديوك" بأنها من أهم الدراسات المحورية في مجال لقاح فيروس نقص المناعة البشرية، مستطردة بأنها إنجاز علمي وتعطي أملاً كبيراً في إمكان بناء نظام للقاح يوجه الاستجابة المناعية على المسار المطلوب للحماية.

واعتبر المستشار العلمي في مؤسسة بحوث الإيدز amfAR وأستاذ الطب في كلية "وايل كورنيل" جيفري لورانس أن النتائج تمثل خطوة إلى الأمام وتحدد مساراً لتطوير اللقاح، موضحاً أنه ما زال هناك كثير من العمل الذي يجب القيام به للقضاء على "الإيدز".

اقرأ المزيد

المزيد من صحة