ملخص
بلغ إجمال موازنة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للعام المالي 2023 - 2024 نحو 99 مليار و638 مليون جنيه (2.09 مليار دولار)، بزيادة تصل إلى 75.1 مليار جنيه (1.57 مليار دولار) عن موازنة عام 2014 والتي بلغت 24.5 مليار جنيه (0.51 مليار دولار)، بحسب تقرير منشور على الموقع الرسمي لهيئة الاستعلامات المصرية.
فجر وكيل كلية الحقوق لشؤون الدراسات العليا والبحوث بجامعة عين شمس ياسين الشاذلي في أبريل (نيسان) الماضي قضية السرقات العلمية داخل جامعات مصر، وذلك خلال حديثه عن اكتشاف سيل من السرقات العلمية بالكلية أنجزت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وأكد الشاذلي خلال المؤتمر الدولي الأول الذي نظمته وزارة العدل المصرية بالتعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية في مقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن "ثلث رسائل الدكتوراه تحوي سرقات علمية، وهو ما قوبل بإلغائها".
وقال الشاذلي إن بعضهم يلجأ لأدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات "جي بي تي" في إنجاز الرسائل العلمية، والجامعة اعتمدت أدوات حديثة لاكتشاف مثل هذه الممارسات.
حيل عدة
وحول مدى انتشار السرقات العلمية والحيل المتبعة، قال عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان وائل كامل لـ "اندبندنت عربية"، إن بعضهم يسلك طرقاً ملتوية للتحايل على برامج اكتشاف نسب الاقتباس، ونتيجة المبالغة في عدد الأبحاث المطلوبة للترقي يتجه بعضهم إلى مثل هذه الحيل لتسليم الأبحاث المطلوبة في المواعيد المحددة.
ومضى كامل قائلاً إن "من ضمن الحيل المتبعة إعادة ترتيب الجمل أو تعديل السياق والاستعانة بأبحاث مشابهة في تخصصات مختلفة، وحذف وتبديل الكلمات لتتناسب مع التخصص المطلوب، واللجوء إلى تقنيات حديثة مثل الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي، مما يزيد صعوبة اكتشاف السرقات العلمية".
أزمات عدة تواجه الباحثين، وفق كامل، تجعل بعضهم يتجه نحو هذه الأساليب، ومنها القيود المتزايدة عليهم والتي تشمل عدم توافر الدعم المناسب للبحث العلمي وضعف الأجور أعضاء هيئة التدريس، إضافة إلى إلزامهم بتقديم عدد كبير من الأبحاث، فتحولت المسألة إلى إجراء روتيني في ظل افتقاد المناخ المناسب للبحث العلمي.
واعتبر عضو هيئة تدريس جامعة حلوان أن "الحد من السرقة العلمية يتطلب إعطاء أولوية للبحث العلمي من الدولة ورصد موازنة جيدة، والاهتمام برواتب أعضاء هيئة التدريس ليتمكنوا من التفرغ للبحث العلمي"، معتبراً أن الباحثين باتوا مكبلين بمدد محددة للترقي مما يزيد المعوقات أمامهم.
شراء الأبحاث
ويعتمد بعض الباحثين، وفق كامل، على شراء الأبحاث في ظل العدد المتزايد للصفحات المخصصة لتلك المهمات على مواقع التواصل، مما جعلها تتحول إلى "بزنس"، وأحياناً يلجأ بعضهم إلى مكاتب خارجية مخصصة للإحصاء لمساعدته في زيادة عدد العينات.
ويلقي الأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية محمد إبراهيم الضوء على مشكلة متعلقة بتخصصه، مشيراً إلى انتشار مراكز الإحصاء التي تزيد عينات البحث في التخصصات العلمية، ووجود مكاتب للتحليل الإحصائي تنجز هذه المهمات بدلاً من الباحث بمقابل مادي، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة ومنها فصل من يستخدم مثل هذه الأساليب.
واعتبر إبراهيم أن برامج الاقتباس التي تعتمدها مصر تحد بشكل كبير من السرقات العلمية، ولديها القدرة على اكتشاف عدد من الحيل المستخدمة في السرقات، إذ يصعب التحايل على هذه البرامج في ترقيات الكادر الجامعي.
وفي فبراير (شباط) 2020 أصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في مصر حكماً بعزل أكاديمي جامعي بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الدراسات الإنسانية وآدابها بجامعة الأزهر بالدقهلية، بسبب تقديمه خمسة بحوث للترقية لدرجة أستاذ مساعد، تبين أن ثلاثة منها منقولة من رسالة دكتوراه قدمتها باحثة أميركية في جامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة، وهو ما أثبتته لجنة علمية أخرى محايدة، وخلال الأعوام الأخيرة شهدت أروقة الجامعات المصرية وقائع مماثلة أجري التحقيق فيها.
إجراءات رادعة
واعترف عميد كلية حقوق جامعة عين شمس محمد صافي أن الكلية شكلت لجنة أخلاقيات البحث العلمي، وهي الأولى من نوعها في كليات الحقوق على مستوى مصر، بهدف التصدي لعمليات السرقة العلمية، معتبراً أن "هذا الملف من الملفات الشائكة للغاية لما يتضمنه من مصالح متضاربة، واكتشفنا رسائل منقولة بالكامل، ويوجد من يعد رسائل للباحثين من خارج الجامعة، وهو واقع لا يمكن إنكاره"، مضيفاً في تصريحات متلفزة تعليقاً على الأزمة أن "نظم الاقتباس الحالية لا تمكننا من كشف جميع السرقات العلمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع، "شكّلنا لجنة مهمتها فحص الرسائل العلمية يدوياً، كما نستخدم أحدث البرامج العلمية في هذا المجال لاكتشاف السرقات العلمية".
وقسّم صافي المخالفات التي اكتشفتها الجامعة إلى ثلاثة أنواع، وهي بسيطة ومتوسطة تتطلب من الباحث إعادة تصحيح الأخطاء خلال فترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وجسيمة تشمل نقل الرسائل بشكل كامل، مبيناً أن "عدد هذه الرسائل ليس محدوداً، ووفقاً لإحصاء داخلي فقد اكتشفنا سرقات علمية في نحو 25 رسالة من أصل كل 100 رسالة".
وأكد صافي أن الكلية تتخذ إجراءات لإلغاء تسجيل البحث في حالات السرقة، وقد طبقت الإجراء على عدد فائق من الرسائل العلمية.
أين الضوابط؟
ووفقاً للمتخصص في القياس والتقويم بالمركز القومي للامتحانات محمد فتح الله، فإنه "من الضروري إعادة النظر في قوانين وضوابط الجامعات للتخفيف عن الباحثين، بخاصة مع ارتفاع كلف الأبحاث"، مسلطاً الضوء على الإعلانات المنتشرة لتسهيل إنجاز الرسائل العلمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبراً أنها أصبحت تثير الاستفزاز بسبب انتشارها وعدم محاسبة المسؤولين عنها، وداعياً إلى تطوير الأدوات المستخدمة في كشف السرقات العلمية في ظل الاعتماد المتزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي، مع إجراءات قانونية حقيقية ومنضبطة ورادعة أمام المتجاوزين في هذا المجال.
وبحسب شهادة مدرس الاقتصاد بجامعة دمياط الجديدة محمد عبده فإن الأزمة تكمن في انتشار مكاتب تقوم بإعداد الأبحاث العلمية بالاعتماد على بيانات من أبحاث قديمة، واستخدام التحاليل الإحصائية نفسها التي يستعين بها بعض الباحثين.
وأشار عبده إلى أن بعض التخصصات تتشابه فيها الأبحاث من دون أن يكون هناك جرم السرقة العلمية، موضحاً أن كيراً من الباحثين يقدمون رسائل حول محصول القمح، ومن الطبيعي أن تتشابه الإحصاءات في هذا السياق.
وكمثال على السرقات العلمية يذكر علي أن بعض الباحثين قد يستعينون بإحصاءات لمحصول القمح ويضيفونها إلى أبحاث حول الرز، وحدثت سرقة من هذا النوع واكتشفت في مركز البحوث الزراعية، وحُول مرتكبها إلى التحقيق.
وبحسب تقرير منشور على الموقع الرسمي لـ "هيئة الاستعلامات المصرية" فقد بلغ إجمال موازنة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للعام المالي 2023 - 2024 نحو 99 مليار و638 مليون جنيه (2.09 مليار دولار)، بزيادة تصل إلى 75.1 مليار جنيه (1.57 مليار دولار) عن موازنة عام 2014 التي بلغت 24.5 مليار جنيه (0.51 مليار دولار).
أزمة تشريعات
ويفرّق أستاذ القيم والأخلاق بجامعة القاهرة محمد كمال لـ "اندبندنت عربية" بين مصطلح "السرقة العلمية" وبيع الأبحاث والرسائل العلمية عبر مواقع التواصل وغيرها من الطرق غير الشرعية، موضحاً أن جميعها بات منتشراً، وتنضوي تحت مظلة الممارسات غيرأخلاقية التي تتنافى مع القوانين والأعراف العلمية، وتعتبر مجرمة قانونياً وأخلاقياً.
واعتبر أن السرقة العلمية تشمل نقل معلومات من مصادر ومراجع الآخرين دون نسبتها لأصحابها، والتطور الكبير في الذكاء الاصطناعي واستخدام هذه الأدوات لإنجاز الأبحاث العالمية يفاقم مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية في البحث العلمي، مقترحاً استحداث قوانين تحظر الاستعانة بالذكاءالاصطناعي في كتابة الأبحاث، بخاصة أنها لا تزال غير مجرمة قانونياً.
وأشار كمال إلى أن الاستعانة ببرامج كشف الاقتباسات العلمية، مثل الموجودة في المجلس الأعلى للجامعات، تسهم في الحد من السرقة العلمية، إضافة إلى ضرورة تعديل اللوائح والقوانين بحيث تعاقب من يستعين بهذه الأدوات.
وأوضح أن "اللوائح الحالية تتطلب إنجاز عدد كبير من الأبحاث للترقية، مما يزيد الكم على حساب الكيف، وعلى رغم ذلك فقد شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة تحسناً في الحد من السرقات العلمية، بحيث تعرض جميع الرسائل في الجامعات المصرية على جهاز كشف الاقتباس مما يقلل إمكان مناقشة أبحاث تحوي سرقات علمية".
ودعا أستاذ القيم والأخلاق الجامعات ومراكز البحوث إلى شراء أحدث النسخ من برامج كشف الاقتباس، والملاحقة القانونية الصارمة لكل من تثبت عليه السرقة العلمية، ووضع عقوبة محددة لهذه الممارسات الجديدة، مع نشره وعدم السماح للمخالفين بالعمل في أية مؤسسة جامعية أو بحثية مرة أخرى.
ويتفق الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية كمال مغيث مع الآراء السابقة، ويقول إن السرقة العلمية متفشية نتيجة التهاون في عمليات البحث والإشراف وقراءة مشاريع الدكتوراة والماجستير أو مناقشتها بطرق سطحية.
ويضع مغيث مقترحات للتصدي للسرقات العلمية، ومنها مكافأة المشرفين على رسائل الماجستير والدكتوراة لتحفيزهم، ومطاردة المراكز التي تعلن عن خدماتها في إنجاز رسائل الماجستير والدكتوراة، بدءاً من اختيار العنوان وخطة البحث إلى الدكتوراه، مقترحاً أن تشمل عقوبات المخالفين سحب الشهادات التي حصلوا عليها وفصلهم من الجامعة، كإجراء رادع للحد من هذه الظاهرة.