تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم في 2023 للعام الثاني، وسط تباطؤ اقتصادي عالمي وتوترات تجارية وجيوسياسية متزايدة، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة أول من أمس الخميس. وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة اثنين في المئة مسجلاً 1.3 تريليون دولار في 2023، بحسب تقرير جديد لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد".
وباستثناء بعض الحالات القليلة، أظهر التقرير انخفاضاً تجاوز نسبة 10 في المئة في الاستثمار الأجنبي المباشر للعام الثاني.
آفاق صعبة
وقال التقرير إن "آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر تظل صعبة عام 2024 الحالي، لكنه سلط الضوء على بعض التطورات الإيجابية، مشيراً إلى تخفيف الشروط المالية والجهود المتضافرة لتسهيل الاستثمار، إذ إن ذلك سمة بارزة للسياسات الوطنية والاتفاقات الدولية.
وتعليقاً على التقرير، قالت رئيسة "أونكتاد" ريبيكا غرينسبان للصحافيين في جنيف "نعتقد أن عام 2024 سيكون أفضل"، مضيفة "هناك مؤشرات إلى نمو متواضع في 2024". وتابعت "إنه نمو متواضع لكنه تغيير في الاتجاه، لذا نحن أكثر تفاؤلاً تجاه عام 2024".
867 مليار دولار استثمار أجنبي في الدول النامية
على أية حال، فإن انخفاض الاستثمار المباشر يلحق ضرراً بالبلدان النامية بصورة خاصة، إذ إنه غالباً ما يكون المصدر الخارجي الأكبر للتمويل بالنسبة إلى تلك الدول، إذ تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية العام الماضي سبعة في المئة لتصل إلى 867 مليار دولار، مما يعكس انخفاضاً ثمانية في المئة للدول النامية في آسيا.
أما في أفريقيا فأشار تقرير"أونكتاد" إلى تراجع تدفقات الاستثمارات إلى القارة السمراء ثلاثة في المئة، لتصل إلى 53 مليار دولار، لكنه شدد على أن القارة تجتذب حصة متزايدة من المشاريع العالمية الضخمة، إذ تبلغ قيمة ستة منها أكثر من خمسة مليارات دولار.
مشروع الهيدروجين الأخضر في موريتانيا
ولفت إلى أن أكبر إعلان عن مشروع جديد لأي بلد في 2023 كان مشروع الهيدروجين الأخضر في موريتانيا المتوقع أن يفضي إلى استثمارات بقيمة 34 مليار دولار، مما يمثل أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. أما تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول المتطورة، فقد تأثرت بشدة في التعاملات المالية للشركات المتعددة الجنسيات، إذ أرجع التقرير ذلك جزئياً إلى الجهود المبذولة لتطبيق حد أدنى عالمي لمعدل الضريبة على أرباح هذه الشركات.
وأظهر التقرير أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى معظم أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية انخفضت 14 في المئة وخمسة في المئة على التوالي.
انخفضت التدفقات إلى البلدان النامية في آسيا إلى 621 مليار دولار
بصورة عامة، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية، لكن الانخفاض تباين بصورة كبيرة بين المناطق، ففي حين زادت الإعلانات عن المشاريع الجديدة في البلدان النامية بما يزيد على 1000 مشروع فإن التوزيع كان متفاوتاً، إذ كان نصفها تقريباً في جنوب شرقي آسيا وربعها في غرب آسيا.
وانخفضت التدفقات إلى البلدان النامية في آسيا ثمانية في المئة لتصل إلى 621 مليار دولار، في حين شهدت الصين، ثاني أكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم، انخفاضاً نادراً، أما الهند وغرب آسيا ووسطها أيضاً انخفاضات كبيرة، في حين ظل جنوب شرقي آسيا ثابتاً.
وانخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بنسبة واحد في المئة إلى 193 مليار دولار.
وانخفض عدد إعلانات الاستثمار في المجالات الجديدة، لكن قيمة المشاريع الجديدة ارتفعت بسبب الاستثمارات الكبيرة في قطاعات السلع الأساسية والمعادن الحيوية والطاقة المتجددة.
وفي الوقت نفسه زادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات الضعيفة والهشة هيكلياً، إذ ارتفعت التدفقات إلى أقل البلدان نمواً إلى 31 مليار دولار، أو 2.4 في المئة من التدفقات العالمية، وشهدت البلدان النامية غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية زيادات، ولكن في جميع المجموعات الثلاث، يظل الاستثمار الأجنبي المباشر متركزاً بين عدد قليل من البلدان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدت ظروف التمويل الصعبة عام 2023 إلى تراجع بنسبة 26 في المئة في تمويل المشاريع الدولية، وهو أمر بالغ الأهمية للاستثمار في البنية التحتية في مجالات مثل الطاقة والطاقة المتجددة. ونتيجة لذلك، انخفض الاستثمار في القطاعات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة بأكثر من 10 في المئة.
ويسلط التقرير الضوء على أن أنظمة الأغذية الزراعية والمياه والصرف الصحي سجلت عدداً أقل من المشاريع الممولة دولياً عام 2023 مقارنة بعام 2015، عندما تم اعتماد الأهداف. وفي حين أن الأموال المخصصة للاستثمار في أهداف التنمية المستدامة من خلال منتجات التمويل المستدام في أسواق رأس المال العالمية لا تزال تنمو، فإن وتيرتها تتباطأ.
إجراءات سياسية
وأظهرت السندات المستدامة نمواً هامشياً عام 2023، في حين انخفضت التدفقات إلى صناديق الاستثمار المستدامة بنسبة 60 في المئة. ولفت التقرير إلى أن هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات سياسية للتخفيف من أخطار اتساع نطاق ردود الأفعال العكسية ضد إستراتيجيات الاستثمار المستدام.
وينبغي لواضعي السياسات أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار الآثار السلبية غير المباشرة لمعايير الإبلاغ عن الاستدامة على الشركات خارج الأسواق الرئيسة. وعلى وجه الخصوص، قد تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في البلدان النامية صعوبات في تلبية متطلبات الإفصاح المتزايدة، مما قد يؤثر في وصولها إلى الأسواق ومشاركتها في سلاسل التوريد العالمية.
وعلى الصعيد العالمي، تطابق عدد تدابير سياسة الاستثمار عام 2023 مع متوسط الأعوام الخمسة، إذ كان نحو ثلاثة أرباعها في مصلحة المستثمرين، ووصل تيسير الاستثمار إلى مستوى قياسي بلغ 30 في المئة من جميع التدابير.
وعام 2023، أُبرم 29 اتفاق استثمار دولي جديداً، أقل من نصفها عبارة عن معاهدات ثنائية تقليدية، ولا يزال إصلاح اتفاقات الاستثمار الدولية القديمة بطيئاً، إذ لا يزال نحو نصف الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي خاضعاً لمعاهدات لم يتم إصلاحها، مما يزيد من خطر قضايا تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول.
تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول 1332 نزاعاً
وبلغ إجمال عدد قضايا تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول 1332 نزاعاً مع 60 تحكيماً جديداً عام 2023، وكان نحو 70 في المئة من القضايا الجديدة ضد البلدان النامية، بما في ذلك ثلاثة من أقل البلدان نمواً، مع مطالبات معظمها في قطاعات البناء والتصنيع والاستخراج.